خبراء الهيئة الإستشارية العراقية للإعمار والتطوير
أضاف السياسيون في العراق بجميع اطيافهم واديانهم وقومياتهم واتجاهاتهم الفكرية، إلى سجل فشلهم وفسادهم وتزويرهم لشهاداتهم الجامعية وهدرهم للمال العام والاستحواذ على اموال الشعب والدولة وتمسكهم بمناصبهم وامتيازاتهم واحتكار عوائلهم والمقربين منهم للمناصب والوظائف الحكومية ذات الامتيازات المالية والمعنوية، وتجاوزهم على القضاء والقانون واستخفافهم بمطالب وحقوق الشعب العراقي، وتعريض أمن وسيادة البلد للخطر وتوزيع المناصب فيما بينهم بقاعدة المحاصصة الطائفية والقومية وغير ذلك من المنكرات والمظالم والجرائم، أضافوا إلى سجلهم المخزي ظلما واجحافا آخر بحق شريحة واسعة من الشعب العراقي بإصدارهم قانون التعديل الاول رقم (26) لسنة 2019 لقانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 حيث سيقف هذا التعديل حائلا دون أي عملية تنموية او تطويرية مستقبلية لمجمل الحياة في العراق بسبب نقاط الجهل والتخلف والظلم التي احتوتها مواد هذا القانون.
ان المعارف والمهارات والافكار التي يكتسبها الإنسان تزداد عادة مع زيادة معايشته للأحداث وممارسته للأعمال ومروره بحلو التجارب ومرها ليصل في نهاية المطاف إلى مستوى يتيح له التفكير بشكل ناضج واعي يستطيع به المساهمة في نهضة المجتمع وتطور العلوم وزيادة المعرفة ودفع المجتمع نحو الامام والمساهمة الفاعلة في مسيرة الامة وتقدمها ورقيها. فمن النادر ان نجد شخص بلغ القمة في مجالات العلوم المختلفة وهو في مرحلة الشباب الا ما ندر فالعمر يصقل المواهب ويتيح تراكم التجارب ويسمح للعقل ان يبلغ مستواه العالي.
ومن هذا المنطلق كان التدرج العلمي والوظيفي يبدأ من مرحلة التدريب والوضع تحت التجربة لينتهي بمرحلة الخبرة النظرية والعملية والاستاذية في مجال الاختصاص وهي اشبه بمسيرة الإنسان من الطفولة إلى الشباب إلى النضج والقوة والابداع. ان قانون التقاعد الجديد كسر هذه القاعدة ورمى بخبرات وتجارب ومعارف اجيال عدة دفعة واحدة إلى سلة الاهمال والنسيان وجعل من الصعوبة بل من شدة التعقيد القيام بأي نهضة او تنمية للمجتمع العراقي في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها المجتمع العراقي من جهة والمساوئ والمشاكل التي خلقها القانون الجديد من جهة اخرى.
مضحكات مبكيات قانون التقاعد الجديد:
1- ان جميع الدول الفقيرة والغنية وحتى البعيدة عن التدين تصنع للكبار موقعا مهما يتمتع بالصدارة والاحترام والتقدير للخدمات التي قاموا بها من اجل خدمة المجتمع. اما في العراق فيتم التضحية بأكثر من أربعة أجيال من الموظفين دفعة واحدة من اجل فسح بعض فرص عمل للشباب العاطل، كما يبرر ذلك الذين اصدروا القانون الجديد، لتمنح هذه الفرص في الحقيقة إلى المقربين من مراكز السلطة والقرار ويحرم منها بقية فئات الشعب.
2- لماذا يطبق شرط العمر على صغار الموظفين في الحكومة ويستثنى كبار المسؤولين في الحكومة من وكلاء ومستشارين ووزراء وبرلمانيين ومن هو في طبقتهم من شرط العمر. فهل قدم هؤلاء المسؤولون الكبار خدمة للمجتمع او يقدموا خدمة للمجتمع لا يمكن لاحد غيرهم تقديمها؟ ام ان تقدمهم في العمر يجعلهم اكثر شبابا من الشباب الذي يبحث عن فرص عمل؟ ام انهم من صنف بشري ذو قدرات خارقة أعلى من بقية الشعب العراقي؟ ام ان ذلك استخفاف واستهتار بالعدالة والمساواة ما بين جميع الموطنين وان هنالك مكيالين للقياس احدهم خاص بالسياسيين والاخر لعامة الناس؟
3- لقد أصدر قانون التقاعد الجديد وكأنه استجابة لمطالب المتظاهرين الذين خرجوا في ساحات التظاهر وهذا هو النفاق السياسي بأجلى صوره. لقد خرج المتظاهرون يطالبون بمكافحة الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة ومحاسبة الفاسدين من السياسيين وغيرهم واسترجاع الاموال المسروقة والمنهوبة واعادة الهيبة والسيادة المهدورة للدولة العراقية ولم يخرج المتظاهرون للمطالبة بقانون تقاعد جديد.
ان الذين تم احالتهم إلى التقاعد هم جزء من الذين خرجوا للتظاهر ضد الفساد والفاسدين والمطالبة بالإصلاح العام فعمدت الطبقة السياسية بتحريف مطالب المتظاهرين وتوجيه الانظار إلى هدف آخر ومكافأة أكثر من أربعة مواليد من الموظفين بالإحالة إلى التقاعد من دون اجراء الاصلاحات التي خرج من اجلها الملايين وكأن الشعب بعمومه والموظفين بالخصوص هم اساس الفساد في العراق وان الطبقة السياسية هي من تسعى إلى محاربة الفساد في استغفال متعمد ومقصود لعقول عموم الشعب العراقي واستنكارا لدرجة وعيه واستهتارا والغاءا لمطالبه المشروعة.
4- ان السبب من قانون التقاعد الجديد، كما يدعي مشرعوه، هو توفير فرص عمل ومنح الشباب فرصة للحصول على وظيفة في القطاع الحكومي وهذا هو اسوء واتعس واغبى مبرر لتشريع هذا القانون. ان توفير فرص عمل جديدة لا يأتي عن طريق احالة أكثر من أربع وجبات من الموظفين إلى التقاعد وانما يأتي عن طريق تأهيل المصانع والمعامل والمؤسسات الانتاجية القديمة والمتوقفة عن العمل وبناء المعامل والمصانع الجديدة وتشجيع الاستثمار في القطاعات الزراعية والصناعية المختلفة ومساعدة الشباب والخريجين من الناحية المالية والفنية على خلق مشاريعهم الخاصة. ان هذه المجالات مجتمعة بإمكانها استيعاب الالاف بل الملايين من الشباب العاطل عن العمل كون افتقار العراق إلى البنية الصناعية والزراعية والخدمية والاقتصادية المتطورة وهو بحاجة إلى اعادة تكوينها وتنشيطها وتنميتها.
5- ان الراتب التقاعدي للموظفين يحسب على اساس معدل الراتب الاسمي للسنوات الثلاث الاخيرة من الخدمة ولا تؤخذ بنظر الاعتبار المخصصات التي كان يتقاضاها الموظف اثناء عمله. بعكس ذلك تماما حيث يمنح المسؤولون الكبار راتبا تقاعديا كاملا بضمنه المخصصات والامتيازات مهما بلغت سنوات الخدمة. فالبرلماني يحصل على راتب تقاعدي كامل حتى وان خدم (لبضعة اشهر) اما الموظف العادي فعليه الخدمة (40) عاما على الاقل ليحصل على راتب تقاعدي يساوي راتبه الاسمي وفي ذلك غبن كبير للمساواة بين المواطنين واستخفاف بحقوق عامة الموظفين واستهانة بكرامة الإنسان العراقي.
من المفترض ان يتم احتساب الراتب التقاعدي بشكل معاكس وان يكون الراتب التقاعدي للموظفين على اساس الراتب الكلي وللمسؤولين الكبار على اساس الراتب الاسمي كون الاخير يتمتع براتب اسمي يعادل عشرات بل مئات المرات الراتب الاسمي للموظف العادي.
6- ان هذا القانون سيخلق مشكلة كبيرة في الحصول على الشهادات العليا من الماجستير والدكتوراه في العراق لكون سنوات الخدمة الجامعية في الظروف الحالية لا تؤهل الاستاذ الجامعي من الوصول إلى درجة الاستاذية التي تسمح له بالإشراف وادارة الاطروحات والرسائل الجامعية. فلغرض الحصول على الوظيفة الجامعية لا يقل عمر المتقدم بشكل عام عن (30) سنة وبما انه لا يمكن الاستمرار بالوظيفة فوق سن (60) سنة وبذلك تكون سنوات خدمة الموظف الجامعي لا تزيد عن (30) سنة وهي من جهة غير كافية للوصول إلى لقب الاستاذية ومن جهة أخرى لا تمنحه عند التقاعد الا على نسبة لا تزيد عن (75%) من راتبه الاسمي وفي ذلك اجحاف وظلم لمن يفني عمره في بناء وتعليم واعداد الاجيال المستقبلية.
ومن جهة ثالثة سوف تفتقر الجامعات والكليات إلى طبقة الاستاذة الذين يحق لهم الادارة والاشراف على رسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه وبذلك لا تستطيع الجامعات العراقية منح هاتين الشهادتين الا لعدد محدود جدا من الطلاب ولا يستطيع العراق بذلك مجاراة دول العالم ويفقد قدرته على المنافسة العلمية مع بقية الجامعات العربية فضلا عن الجامعات الغربية.
7- ان الغبن الكبير بحق التعليم العالي والاساتذة الجامعيين يشمل ايضا الاطباء والمهندسين وسائر المهن والاختصاصات مما يعيق بناء طبقة كفوءة وخبيرة في مجال عملها واختصاصها في مختلف العلوم ويمنع التقدم العلمي للعراق ويجعله تابعا علميا لمحيطه الاقليمي والدولي وما لذلك من أثر كبير على بقية المجالات الحيوية كالصحة والبنية التحتية والصناعة والزراعة والاقتصاد وانعكاس ذلك كله على الحياة السياسية والامن العراقي والسيادة الوطنية.
8- تسعى اغلب الدول وخاصة المتقدمة في مجال العلوم إلى اطالة عمر الموظف قبل احالته إلى التقاعد او منحه حرية الاختيار ما بين الاستمرار بالعمل او الاحالة إلى التقاعد وبالخصوص اذا سمحت حالته الصحية بذلك لغرض الاستفادة الى اقصى قدر ممكن من خبرة ومعرفة ذوي الاختصاص وهذا عكس ما قام به قانون التقاعد الجديد حيث احال إلى التقاعد ذوي الخبرة والمعرفة وابقى على من لا فائدة منه في خدمة المجتمع من الدرجات الخاصة والمسؤولين الكبار في الدولة.
9- ان الاحالة إلى التقاعد في جميع الدول يبنى على اساس التوازن المالي ما بين التوقيفات التقاعدية التي يدفعها الموظفون العاملون في المجتمع من جهة وحجم الرواتب التقاعدية المطلوبة للمحالين على التقاعد من جهة أخرى. حيث تحرص الحكومات النزيهة على مصالح شعوبها في المحافظة على هذا التوازن المالي ومنع الاخلال به لمنع حصول عجز في قدرة الحكومة على دفع الرواتب التقاعدية.
ان قانون التقاعد الجديد لم يأخذ هذا التوازن المالي بنظر الاعتبار حيث تم تشريعة على عجلة من الامر ومن دون دراسة وتمحيص وقد بدأ من الان ظهور عيوبه ومشاكله حيث فقدت المؤسسات والدوائر الحكومية كوادرها الخبيرة وتأخرت الدوائر وهيأة التقاعد العامة من اعداد واستيعاب ملفات المتقاعدين وعجزت وزارة المالية من توفير مكافأة نهاية الخدمة.
10- ان تشريع أي قانون ينبغي ان يستند على معطيات ودراسات مستفيضة ومعمقة لجميع جوانب هذا القانون ومعرفة نقاط القوة والضعف فيه وتأثيره على المجتمع وعلى من سيتم تطبيقه عليه. فالكثير ممن تم دفعه قسرا إلى التقاعد قبل السن القانونية للتقاعد (63 سنة في القانون القديم) او اكثر من ذلك لبعض الفئات (ذوي الاختصاص، المفصولين السياسيين،… ) قد بنى مستقبله ومشاريعه الخاصة على هذه الفترة الزمنية المتبقية لغرض انجاز مشاريعه المؤجلة (الانتهاء من انجاز مشروع علمي او بحثي او صناعي، اكمال تسديد القروض، شراء قطعة ارض وبناءها، تزويج الاولاد، دفع مصاريف الدراسة الجامعية للاولاد، اجراء العمليات الجراحية المؤجلة،… ) واذا بقانون التقاعد الجديد يأتي ليقضي على جميع هذه الامال والاحلام والمشاريع من دون مقدمات.
من أجل المساواة والعدالة ما بين العراقيين:
1- ضرورة ان يتم احتساب الراتب التقاعدي للموظفين على اساس الراتب الاسمي والمخصصات كاملة اما الراتب التقاعدي لكبار الساسة والموظفين فيتم احتسابه على اساس الراتب الاسمي فقط.
2- ينبغي منح الراتب التقاعدي لجميع اعضاء البرلمان على اساس سنوات الخدمة اسوة ببقية موظفي الدولة وعلى ضوء اخر راتب كانوا يتقاضونه قبل وصولهم للبرلمان.
3- تطبيق السن القانوني للإحالة على التقاعد على جميع موظفي الدولة من دون استثناء وتمييز من أكبر مسؤول (رئيس الجمهمورية) إلى اصغر موظف.
4- تشريع قانون تقاعد يخص اصحاب المهن الحرة كالمزارعين والتجار والكسبة يتم تمويل صندوقه من التوقيفات التقاعدية التي يدفعها هؤلاء اثناء فترة عملهم.
5- ترك الحرية لمن يبلغ السن القانونية للتقاعد من الاستمرار بالعمل او الاحالة الى التقاعد خاصة لمن يملك المؤهلات النفسية والذهنية للاستمرار بالعمل.
6- شمول جميع المتقاعدين بقانون للضمان الصحي وعلاجهم مجانا.
7- توفير السكن اللائق لجميع المتقاعدين الذين لا يملكون سكن وباسعار رمزية.
8- تقليل عدد الجامعات الاهلية وتقليل عدد طلابها وتشجيع وفتح المعاهد المهنية.
9- تشكيل دائرة خاصة تتولى تعيين الخريجين الجامعيين وتوزيعهم مركزيا على المؤسسات والدوائر الحكومية ضمن ضوابط خاصة من ضمنها الكفاءة.
10- تشكيل دائرة في كل محافظة من محافظات العراق لمساعدة الخريجين الجدد من الناحية المالية والفنية الراغبين في تكوين وادارة مشاريعهم الخاصة بهم.
11- قيام وزارة التخطيط في كل عام بتحديد سقف أعلى لعدد الطلاب المقبولين في كل اختصاص وتوزيعهم على الكليات والجامعات على ضوء حاجة البلد الفعلية من هذه الاختصاصات.
رابط المصدر: