دلال العكيلي
إن المشاكل الاجتماعية الكبرى التي تعاني منها الهند هي من النوع الذي يتطلب حلولاً مستعجلة إذا أرادت الدولة ألا تشكل مظهراً كارثياً على النمو الاقتصادي أو حتى على الاقتصاد الوطني ذاته دعا ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند إلى الهدوء بعد اشتباكات استمرت لأيام بين الهندوس والأقلية المسلمة بسبب قانون الجنسية المثير للجدل، في بعض من أسوأ أعمال العنف الطائفية التي تشهدها العاصمة نيودلهي منذ عقود، وقال طبيب إن 20 شخصا قتلوا وأصيب نحو 200 بجروح في أعمال العنف، ويعاني الكثيرون من إصابات بالرصاص وسط عمليات نهب وحرق تزامنت مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للهند، وقامت الشرطة وقوات شبه عسكرية بدوريات في الشوارع بأعداد أكبر بكثير وبدت بعض المناطق التي شهدت أعمال شغب مهجورة.
وقال مودي “السلام والتناغم جوهريان لروح الشعب أناشد شقيقاتي وأشقائي في دلهي الحفاظ على السلام والأخوة في كل الأوقات”.
ودعات سونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر المعارض إلى استقالة وزير الداخلية أميت شاه المسؤول بشكل مباشر عن فرض القانون والنظام في العاصمة، واندلعت الاشتباكات بين آلاف يتظاهرون تأييدا أو احتجاجا على قانون الجنسية الجديد الذي أقرته حكومة مودي الهندوسية القومية، ويسهل القانون حصول غير المسلمين من بعض الدول المجاورة التي يغلب المسلمون على سكانها على الجنسية الهندية.
ويقول منتقدون إن القانون متحيز ضد المسلمين ويقوض دستور الهند العلماني ونفى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم أي تحيز ضد مسلمي الهند الذين يتجاوز عددهم 180 مليون نسمة، ورأي شهود من رويترز حشودا تحمل العصي والحجارة وتسير في الشوارع في أجزاء من شمال شرق دلهي فيما شاعت حوادث الحرق والنهب وتصاعدت سحب من الدخان الأسود من سوق للإطارات أضرمت فيها النيران في المنطقة فيما هرعت عربات الإطفاء للسيطرة على الحريق.
احتجاجات بعد هجوم شنه ملثمون على جامعة في نيودلهي
جرت تظاهرات في أنحاء الهند بعد أن هاجم ملثمون يحملون هراوات وقضبان حديدية جامعة كبيرة في نيودلهي ما أدى إلى إصابة أكثر من 25 شخصا بجروح، وتعتبر أعمال العنف التي وقعت في جامعة جواهر لال نهرو، تحد جديد للحكومة التي تواجه احتجاجات في انحاء البلاد ضد قانون مواطنة جديد يقول المنتقدون إنه يميز ضد المسلمين، وألقى عدد من الطلاب باللائمة في اعمال العنف في الجامعة على نشطاء يمينيين، لكنهم اتهموا الشرطة أيضا بعدم التحرك لوقف العنف.
واصيب 28 من الطلاب والاساتذة بجروح، فيما هوجم أيضا أطباء وممرضون هرعوا من مستشفى مجاور لإسعافهم، وفق نقابتهم، وقام العشرات من شرطة مكافحة الشغب بدوريات في الجامعة، التي تخرج منها العديد من كبار وزراء حكومة ناريندرا مودي، وساروا وسط شظايا الزجاج والأبواب والأثاث المحطم، ولم تقم الشرطة بعمليات توقيف فورية، لكنها حمّلت مسؤولية أعمال العنف إلى “مجموعات طلابية منافسة”.
وفيما تصاعدت الردود المنددة بالهجمات، شارك أكثر من ألف شخص في تجمع ليلي في بومباي ونظمت تظاهرات أخرى في بنغالور وكلكوتا ومدن كبيرة أخرى، وقال الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ابهيجيت بانيجري، الذي تخرج من الجامعة، إن الهجمات “تذكر بالسنوات عندما كانت ألمانيا تتجه نحو الحكم النازي”، ونفى حزب بهارتيا جاناتا الحاكم بزعامة مودي اتهام حزب المؤتمر المعارض، بالمسؤولية، واتهم في المقابل مجموعات طلابية من الجناح اليساري التي تسيطر على سياسات الجامعة.
ووعدت الحكومة بإجراء تحقيق فيما طلب وزير الداخلية أميت شاه، أحد أقرب مساعدي مودي، من إدارة الجامعة والشرطة الحفاظ على النظام في الجامعة التي تشهد توترا منذ تشرين الثاني/نوفمبر، بسبب رفع الأقساط الجامعية، وتأتي الاضطرابات فيما تتواصل الاحتجاجات في أنحاء الهند ضد قانون المواطنة الذي تمت المصادقة عليه في كانون الأول/ديسمبر، والذي يسهل الحصول على الجنسية الهندية للاجئين من افغانستان وباكستان وبنغلادش من غير المسلمين.
وخرج مئات الاف الاشخاص في احتجاجات في انحاء البلاد، وقتل أكثر من 25 شخصا، ويعتبر المنتقدون أن القانون يخالف دستور الهند العلماني، فيما يقول مودي إن القانون الجديد يهدف إلى مساعدة الأقليات “المضطهدة”، وزادت التظاهرات من الانشقاقات في بلد عاد فيه مودي إلى السلطة بعد تحقيقه فوزا كاسحا في انتخابات أيار/مايو العام الماضي، ويقول معارضو مودي إن سياساته مسؤولة عن تردي الاقتصاد والتوتر الاجتماعي.
قيود على الإنترنت في الهند استباقا لموجة احتجاجات جديدة
توقفت خدمة الإنترنت عبر الهواتف المحمولة في أجزاء واسعة من ولاية أوتار براديش الأكثر اكتظاظًا في الهند، حيث تم نشر آلاف عناصر شرطة مكافحة الشغب بينما تستعد السلطات لمواجهة موجة جديدة من الاحتجاجات على خلفية قانون للجنسية اعتُبر مناهضًا للمسلمين، وقتل 27 شخصًا خلال أسبوعين من التظاهرات التي تخللتها أعمال عنف أحيانًا بعدما سهّلت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تجنيس غير المسلمين من ثلاث دول، وأثارت الخطوة التي ترافقت مع عملية تسجيل للمواطنين مثيرة للجدل المخاوف بما في ذلك في واشنطن ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حيال ما اعتُبر تهميشًا للمسلمين الذين يشكّلون 14 بالمئة من سكان الهند البالغ عددهم 1,3 مليارات.
وقال مودي الذي يواجه أكبر تحدٍ منذ وصل إلى السلطة سنة 2014 إنه لا يوجد أي داعٍ ليخاف المسلمون الذين يعد “أجدادهم أبناء الوطن الأم الهند”، وأضاف أن قانون المواطنة خطوة إنسانية ويوفر ملاذاً للأقليات الدينية المضطهدة من باكستان وبنغلادش وأفغانستان، حيث يشكّل المسلمون غالبية السكان، لكن القانون أشعل موجة احتجاجات في أنحاء البلاد شارك فيها غير المسلمين كذلك، بينما أكدت حكومات ولايات عدّة أنها سترفض تطبيقه.
وقال مسؤولون في ولاية أوتار براديش، حيث يشكّل المسلمون 20 بالمئة من السكان، إنهم علّقوا خدمتي الإنترنت عبر الهواتف المحمولة والرسائل النصية (إس إم إس) في 21 من مناطق الولاية الـ75 بما في ذلك عاصمتها لكناو، وعادت خدمات الإنترنت عبر الهواتف المحمولة في مناطق عدة من قطعها في بلد يشير ناشطون إلى أنه الرائد عالميًا في استخدام الإنترنت، وشهدت الولاية حيث موقع تاج محل الشهير مواجهات واسعة النطاق بعد صلاة الجمعة بين متظاهرين معظمهم مسلمون وعناصر الشرطة، وقتل 19 شخصًا حينها، معظمهم بالرصاص، بينما لقي طفل في الثامنة من العمر حتفه في تدافع بمدينة فارانسي المقدّسة دائرة مودي الانتخابية.
عزوف السياح عن زيارة تاج محل ومعالم أخرى
تضرر قطاع السياحة بالهند بسبب موجة الاحتجاجات العنيفة المناهضة للحكومة والتي خرجت رفضا لقانون الجنسية الجديد في عدة مدن هذا الشهر، حيث أصدرت سبع دول على الأقل تحذيرات لمواطنيها من السفر إلى هناك، وقتل ما لا يقل عن 25 شخصا في اشتباكات بين الشرطة والمحتجين ولا تزال المظاهرات المناهضة للقانون مستمرة، وتفيد تقديرات المسؤولين بأن حوالي 200 ألف سائح من داخل وخارج البلاد ألغوا أو أرجأوا زيارة تاج محل، الذي يعد من أكثر الأماكن جذبا للسائحين.
وقال دينيش كومار، وهو مفتش يشرف على مركز للشرطة خاص بالسياح قرب تاج محل وبإمكانه الاطلاع على بيانات الزوار “تراجع عدد السياح بنسبة 60 بالمئة في ديسمبر من العام الجاري” مقارنة بعددهم في نفس الشهر من العام الماضي، وأضاف “يتصل السياح الهنود والأجانب بغرف المراقبة لدينا للاطمئنان على الأمن. نؤكد لهم أننا نوفر الحماية، لكن رغم ذلك يقرر الكثيرون تجنب الزيارة” ويعود بناء ذلك الصرح الرخامي إلى القرن السابع عشر ويقع في ولاية أوتار براديش بشمال الهند والتي شهدت سقوط أكبر عدد من القتلى وموجات شديدة من العنف من الاضطرابات، ويجذب تاج محل، الواقع في بلدة أجرا، أكثر من 6.5 مليون سائح سنويا، وتجني الدولة نحو 14 مليون دولار كل عام من رسوم دخوله، وأصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وإسرائيل وسنغافورة وكندا وتايوان تحذيرات سفر لمواطنيها تطالبهم فيها إما بعدم الزيارة أو بتوخي الحذر عند زيارة المناطق التي تشهد الاحتجاجات بالهند.
إضراب ضد السياسات الاقتصادية لحكومة مودي
أطلقت الشرطة الهندية الرصاص الحي الأربعاء لتفريق تظاهرة نظّمها منفّذو الإضراب الذي تشهده البلاد احتجاجًا على سياسات الحكومة الاقتصادية، بحسب ما أفاد مسؤولون، وتسبب الإضراب الذي دعت إليه نقابات تفيد بأنها تضم 250 مليون عضو بتعطيل حركة النقل والمصارف الحكومية وبعض مصانع السيارات في ولايات عدة، وكانت ولاية غرب البنغال الأكثر تضرراً حيث أطلقت الشرطة الرصاص الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين الذي أضرموا النار في مركبات للشرطة وألقوا الحجارة على قوات الأمن في منطقة مالدا شمال كالكوتا، وفق ما أفاد مسؤول في الشرطة وكالة فرانس برس.
وأطلقت الشرطة كذلك الغاز المسيل للدموع واستخدمت الهراوات ضد المتظاهرين في الولاية الشرقية حيث قُطعت العديد من الطرق وخطوط السكك الحديد، وأعلنت الشرطة توقيف اكثر من 150 شخصا، ودعت عشر نقابات لإضراب لمدة يوم رفضا لسياسات رئيس الوزراء اليميني ناريندرا مودي التي وصفوها بأنها “مناهضة للعمال والشعب”.
ويطالب المحتجون برفع الحد الأدنى للمعاشات والرواتب التقاعدية والتوقف عن خصخصة الشركات الرسمية والموارد الطبيعية، وانضم مزارعون وطلاب الى بعض الاحتجاجات التي دعت إليها النقابات مشيرة إلى أن “الملايين” شاركوا في الإضراب، مكثّفين الضغوط على الحكومة التي تواجه معارضة واسعة في أنحاء البلاد لقانون جديد بشأن الجنسية يعتبره كثيرون معاديًا للمسلمين، وحذّرت الحكومة من “العواقب” التي سيتعرّض لها الموظفون المضربون لكنها لم تنجح في منع الإضراب.
وإلى جانب غرب البنغال، تأثّرت ولايات بيهار وأوديشا في الشرق ومهاراشترا (غرب) وهارايان (شمال) وكيرالا وكارناتاكا (جنوب) بالحراك، وشارك بعض موظفي شركة النفط الوطنية وشركات الفحم إضافة إلى عمال في شركتي هوندا وباجاج أوتو للسيارات في الإضراب، وتواجه الحكومة احتجاجات واسعة منذ إقرار قانون الجنسية وأسفرت التظاهرات عن مقتل أكثر من 25 شخصًا، وزادت الاضطرابات في الجامعات من حدة التوتر الاجتماعي الذي تعيشه البلاد.
وأفاد “مركز النقابات الهندية”، وهو بين المجموعات المنظمة لإضراب، أن “موقف الحكومة يدل على معاداة العمال”، وأعربت أحزاب المعارضة عن تأييدها للمضربين، وأفادت توقعات مكتب الإحصاءات الحكومي أن النمو السنوي سيتراجع إلى 5,0 بالمئة في 2020، وهو الأبطأ منذ 11 عامًا، وأكد صندوق النقد الدولي الشهر الماضي أن على الحكومة التحرّك سريعًا لتعزيز الاقتصاد.
بنجلادش توقف خدمات الهواتف المحمولة بطول الحدود مع الهند لدواع أمنية
أمرت بنجلادش التي تسكنها أغلبية مسلمة الشركات المقدمة لخدمات الهواتف المحمولة بوقف الخدمة على طول الحدود مع الهند لدواع أمنية بعد قانون الجنسية الجديد الذي أصدرته حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والذي يقول منتقدون إنه يمثل تمييزا ضد المسلمين، وقال مسؤولون في بيان صدر في وقت متأخر إن تغطية الهواتف المحمولة تم إيقافها في قطاع عرضه كيلومتر من الحدود مع الهند حتى إشعار آخر “لحماية أمن البلاد في الظروف الحالية” وقال مسؤولان إن الإجراء راجع لمخاوف من أن يحاول مسلمون هنود الفرار إلى بنجلادش، وتحدث مسؤولان شريطة عدم نشر اسميهما لأنه غير مصرح لهما الإدلاء بتصريحات عن الموضوع، ويتيح قانون الجنسية الجديد لغير المسلمين الذين جاءوا إلى الهند من بنجلادش وباكستان وأفغانستان واستقروا فيها قبل عام 2015 الحصول على الجنسية.
ويخشى المنتقدون من أن يكون القانون تمهيدا لتسجيل أوسع لمواطني الهند يتم خلاله مطالبة السكان بإثبات جنسيتهم وهو ما يمكن أن يُعّرض أسرا مسلمة فقيرة لا تحمل الوثائق المطلوبة لوضع صعب، ولم ترد وزارة الخارجية الهندية فورا على طلب التعليق على إجراء بنجلادش، ويزيد طول الحدود بين بنجلادش والهند على أربعة آلاف كيلومتر ويقيم في منطقة الحدود ملايين من سكان بنجلادش الذين تربطهم تجارة أدوية وسلع زراعية وألبان وماشية مع الجانب الآخر من الحدود، وقال مسؤول كبير في شركة لخدمات الهواتف المحمولة في داكا “قرار وقف خدمات الهواتف المحمولة يمكن أن يؤثر على عشرة ملايين شخص يعيشون على الحدود”.