على الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته خارطة العمليات العسكرية في سورية، إلا أن انشغال العالم بمواجهة جائحة كورونا على مستوى القيادات السياسية والمجتمعات البشرية، أتاح فرصة لدى قوات عسكرية أجنبية ومحلية في سورية للعمل على تنظيم إعادة انتشار جزئي، قد تكون خارج إطار تفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في موسكو في مطلع آذار/ مارس 2020([1])، من أجل إنشاء تمركزات جديدة يمكن البناء عليها في فترة لاحقة أو ربما لكسب أفضلية أمنية عسكرية لشن سلسلة عمليات جديدة في المدى القريب.
التحركات العسكرية وإعادة تموضع القوات منذ مطلع آذار/ مارس، شملت كل من قوات نظام الحكم ومن يساندها من القوات الروسية والإيرانية والميليشيات الطائفية، ولم يقتصر الأمر على النظام وحلفائه بل أيضاً عززت تركيا من وجودها العسكري بشكل جزئي في شمال غرب سوريا ضمن إطار اتفاق موسكو بتسيير دوريات مشتركة مع روسيا على طريق M4 الدولي. كما استثمرت خلايا تنظيم الدولة ركود الهجمات العسكرية بشن عدة عمليات حساسة في شرق سورية ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وعليه فإن كافة الأطراف المحلية والدولية في سورية، تدرك تماماً أن أزمة الجائحة يمكن استثمارها في إنشاء ثغرات عسكرية وأمنية جديدة مستفيدة من تركيز الاهتمام الدولي على مواجهة الفايروس، لكن بالرغم من ذلك تطرح العديد من التساؤلات حول إمكانية استعداد الأطراف خصوصاً الضامنة لوقف إطلاق النار لخرق الاتفاق والاتجاه نحو تصعيد جديد يهدف إلى خلط الأوراق في ظل الأزمة الدولية الحالية.
الجدول الزمني لإعادة التموضع والانتشار العسكري
منذ بدايات آذار/ مارس قامت قوى عسكرية بدعم مواقع سيطرتها وتمركزاتها وحشدت مزيد من العتاد والعناصر لدعم وجودها وفق الآتي:
– 10 آذار/ مارس، قامت قوات الفيلق الخامس المدعوم من روسيا بحشد عناصر وعتاد في محافظة درعا، على خلفية احتجاجات وتوتر أمني أدى لشن المعارضة هناك هجمات خاطفة أسرت فيها عناصر للنظام واستولت على حواجز عسكرية، ما دفع روسيا للتدخل بشكل مباشر وزج أفواج من الفيلق الخامس على تخوم درعا البلد للضغط على المعارضة لإعادة تفعيل اتفاق التسوية في المدينة والذي تم بالفعل خصوصاً بعد اقتحامها لقرية الصنمين وخرق التسوية. وقد تعود المواجهات مرة أخرى في أي وقت خصوصاً وأن النظام وروسيا لم يلتزما ببنود الاتفاق المبرم مع الأهالي منذ عام 2018، حيث لم يتم إطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، إضافة إلى اعتقال عدد من أبناء المدينة بعد اتفاق التسوية، واستمرار عمليات الاغتيال والخطف([2]).
– 19 آذار/ مارس، عززت قوات النظام ومليشيات طائفية تحصيناتها في المنطقة الممتدة من سراقب حتى جسر الشغور بريف إدلب، تجهيزاً لسيناريوهات عسكرية في حال إخفاق المسار السياسي لتنفيذ اتفاق موسكو، وعدم فتح طريق حلب – اللاذقية، تتضمن -السيناريوهات- شن هجمات عسكرية جديدة للضغط عن طريق ثلاثة محاور قتالية رئيسية من جهة جنوب وجنوب غرب إدلب تؤدي إلى فتح طريق اللاذقية – حلب الممتد من سراقب شرقاً، مروراً بمدن وبلدات النيرب وأريحا ومحمبل فـجسر الشغور، وصولاً إلى مناطق سيطرة النظام بريف اللاذقية الشمال الغربي([3]).
– 20 آذار/ مارس، دعا تنظيم الدولة الإسلامية عناصره لزيادة نشاطهم، وقد عزز التنظيم من عملياته ضد قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام، وأعلن في 29 آذار/مارس عن أسر عناصر من وحدات الحماية في ريف الحسكة وإعدامهم. كما شن التنظيم هجمات خاطفة في عدة مناطق في بادية السخنة في ريف حمص الشرقي([4]).
– 22 آذار/ مارس، تحركت حشود جديدة من ميليشيات عراقية وإيرانية طائفية إلى مناطق حريتان وعندان بريف حلب، وجمعية الزهراء شمال غرب حلب لإقامة مقرات عسكرية جديدة في المنطقة، والتمهيد لإعادة تموضع ديمغرافي لعائلات المقاتلين في مناطق حيان وحريتان، وذلك بعد منع أهالي هذه المناطق من العودة إلى منازلهم بحجة وجود ألغام في المنطقة. وترافق ذلك مع استقدام تعزيزات أخرى إلى ريف حلب الجنوبي، في تمركزات الميليشيات الواقعة بتل عرن والحاضر والسفيرة. وتلا ذلك التحرك بأيام وصول عناصر وعتاد للميليشيات في محيط كفرنبل ومحيط سراقب حيث تنتشر قوات تسمى بقوات الرضوان تابعة لحزب الله إضافة لانتشار قوات من المليشيات في جبل شحشبو([5]).
– 28 آذار/ مارس، سيرت القوات التركية ثامن دورية عسكرية بشكل منفرد -بناء على اتفاق موسكو- انطلقت من منطقة سراقب وصولاً إلى قرية مصيبين بريف إدلب. وسبقها بساعات إدخال رتل عسكري تركي مكون من حوالي 100 آلية عسكرية توجّه إلى نقاط ومعسكرات التركية في أرياف محافظة إدلب، وضم دبابات ومدافع ميدانية، وراجمات صواريخ، وناقلات للجند، وآليات هندسية، وخزانات وقود، برفقة شاحنات تحمل أغذية ومواد لوجستية([6]).
وحتى مطلع نيسان/ أبريل، وصل عدد نقاط المراقبة التركية إلى 56 نقطة كان آخرها إقامة نقطة في منطقة البرناص بريف إدلب الغربي، بعد إنشاء 3 نقاط مماثلة في مناطق الزعينية وبكسريا قرب جسر الشغور، والفريكة. وتستمر التعزيزات بالوصول إلى هذه النقاط بشكل دوري، وتم مؤخراً دعم تلك القوات بعناصر من القوات الخاصة التركية ومن الوحدات المدرعة والمشاة المعروفة (الكوماندوز)، ولواء الكوماندوز الخامس المتخصص في العمليات شبه العسكرية والحرب الجبلية([7]).
– مطلع نيسان/ أبريل، سيرت القوات التركية والروسية دورية مشتركة جديدة في منطقة شرق نهر الفرات، انطلقت من قرية آشمة بريف مدينة عين العرب كوباني، وجابت قرى واقعة غربها. وسبقها تسيير دورية مشتركة في ريف الدرباسية، انطلاقاً من معبر شيريك الحدودي مع تركيا. وبلغ عدد الدوريات المسيرة بشكل مشترك بين الجانبين حتى 7 نيسان/ أبريل، 39 دورية منذ اتفاق سوتشي، في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019([8]).
– 12 نيسان/ أبريل، أعلن الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني الحر، توجه دفعة من مقاتليه إلى جبهات القتال في ريف إدلب الشمالي، ونشر صوراً تظهر عشرات العناصر والسيارات([9]).
– 14 نيسان/ أبريل، أعلنت هيئة تحرير الشام استحداث ثلاثة ألوية عسكرية جديدة في محافظة إدلب، هي لواء طلحة بن أبي عبيد الله، ولواء علي بن أبي طالب، ولواء الزبير بن العوام([10]).
– 15 نيسان/ أبريل، وصلت حشود عسكرية جديدة لقوات النظام إلى معسكر جورين في ريف حماة الشمالي الغربي، ضمت عدداً كبيراً من الآليات الثقيلة التابعة للفرقة الرابعة والفرقة 25([11]). تزامن ذلك مع تسيير موسكو وأنقرة، رابع دورية مشتركة على طريق M4 في منطقة إدلب، وانطلقت الدورية من قرية ترنبة قرب سراقب، وصولاً إلى بلدة النيرب شرقي إدلب. ولم تستطع القوات التركية والروسية حتى اللحظة تسيير دورية على طول طريق اللاذقية – حلب، حيث تكتفي بتسيير دورية مقتضبة لكيلومترات معدودة([12]).
تقييم الوضع العسكري لخارطة النفوذ
يظهر من الجدول الزمني السابق، أن الهدوء الحذر الذي تشهده جبهات الأراضي السورية بشكل عام، لا يمكن التعويل عليه لبناء سلام مستدام، حيث إن تحركات الأطراف العسكرية تشير إلى نية واضحة واستعداد هجومي وليس تحصين دفاعي لشن عمليات جديدة قد تخلط الأوراق في أي لحظة. وقد تكون روسيا هي الأقدر على التوجه نحو هكذا سيناريو خصوصاً أن البند الأساسي في اتفاق موسكو وهو تأمين حركة الطرق الدولية M4,M5 لم يتم تطبيقه بشكل تام، إذ إن عملية تسيير الدوريات المشتركة فقط لا تقنع الروس بأن الاتفاق قد تم تنفيذه بهذا الشكل، سيما في ظل وجود رفض شعبي في مناطق المعارضة لفتح الطريق الدولي وقيامهم بتنظيم احتجاجات ضد تحقيق ذلك([13])، وعليه فإن روسيا قد تلجأ إلى دفع قوات النظام نحو شن عمليات عسكرية محدودة لتأمين الطريق الدولي.
من جهة ثانية فإن إعادة تفعيل تنظيم الدولة لنشاطه بشكل أكبر خلال الفترة المنصرمة يشير إلى هشاشة الوضع العسكري في شرق سوريا، خصوصاً في ظل حالة الارتباك التي تمر بها الميليشيات الطائفية العراقية وغيرها؛ بسبب التحولات في المشهد العراقي منذ مقتل قاسم سليماني، وهو ما أثر بشكل سلبي على نفوذها في شرق سوريا، لكنها حاولت خلال الفترة الفائتة تثقيل وجودها في شمال غرب سوريا خصوصاً في ريف حلب الشمالي، لتعزيز قاعدتها الصلبة في قريتي نبل والزهراء لتكون ملاذاً بديلاً لها في حال تم إضعاف نفوذها في شرق سورية أو تهديده من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل التي قامت بدورها بشن طلعة جوية في 15 نسيان/أبريل استهدفت فيها سيارة تابعة لحزب الله اللبناني([14]).
وعليه فإن الوضع العسكري في سورية لا يزال غير مستقر في ظل سعي لدى كافة الأطراف باستثمار وقت الانشغال الدولي بمواجهة أزمة كورونا، لتعزيز نفوذها الأمني والعسكري للبناء عليه في أي حل سياسي قادم للقضية السورية.
([1]) “وقف إطلاق النار في إدلب يدخل حيز التنفيذ بموجب تفاهم تركي روسي”. الأناضول، 6-3-2020. https://bit.ly/2VbBQXe
([2]) “حشود للنظام تقلق جنوب سوريا من تكرار «سيناريو الصنمين»”. الشرق الأوسط، 10-3-2020. https://bit.ly/2xx8x8k
“قتلى مدنيون.. اشتباكات بين قوات النظام والمعارضة في درعا بجنوب سوريا”. الجزيرة نت، 1-3-2020. https://bit.ly/3absgYI
([3]) “حشود عسكرية لقوات النظام وتركيا… هل تشتعل جبهة إدلب من جديد؟”. القدس العربي، 19-3-2020. https://bit.ly/3ereJiZ
([4]) “داعش يهاجم النظام السوري بصواريخ إيرانية!”. مرصد مينا، 13-4-2020. https://bit.ly/2KdFOrO
“اشتباكات بين تنظيم “داعش” والنظام السوري شرقي سوريا”. الأناضول، 9-4-2020. https://bit.ly/3eopyCh
“الملف السوري على وقع “كورونا” قراءة في الآثار المحتملة على المستويين السياسي والعسكري”. مركز عمران للدراسات، 3-4-2020. https://bit.ly/3akd5wt
“داعش يستأنف حرب العصابات في البادية”. المدن، 10-4-2020. https://bit.ly/3coitzO
([5]) “مصدر لـ “شام”: حشود للنظام وإيران قابلتها حشود للثوار وأخرى تركية جنوبي إدلب وترقب لأي مواجهة”. شبكة شام، 2-4-2020. https://bit.ly/3afsxtF
([6]) “حشود على حدود إدلب: هل تدفع ايران لإسقاط الهدنة؟”. العربي الجديد، 28-3-2020. https://bit.ly/2xxefXO
([7]) “حشود تركية الى إدلب..والروس يرفعون علمهم على مواقع النظام”. المدن، 11-4-2020. https://bit.ly/2XHmNGy
“تركيا ترفع نقاطها العسكرية شمال غربي سوريا إلى 56”. الشرق الأوسط، 7-4-2020. https://bit.ly/2VgAomx
([8]) انظر المرجع السابق.
([9]) “حشود عسكرية إلى إدلب.. تحضيرات حرب أم تعزيز مواقع؟”. السورية نت، 12-4-2020. https://bit.ly/3beCwkb
([10]) “هيئة تحرير الشام” تستحدث ثلاثة ألوية جديدة في محافظة إدلب”. المرصد السوري لحقوق الإنسان، 14-4-2020. https://bit.ly/2RGc2QX
([11]) “حشودات عسكرية جديدة لـ”الفرقة الرابعة” و”الفرقة 25″ تصل معسكر جورين بريف حماة”. المرصد السوري لحقوق الإنسان، 15-4-2020. https://bit.ly/3coczid
([12]) “وكالة: روسيا وتركيا تسيّران رابع دورية مشتركة في إدلب”. رويترز، 15-4-2020. https://bit.ly/3bhCwA2
([13]) “توتر على طريق “إم 4″ والنظام السوري يواصل خروقاته بمنطقة خفض التصعيد”. العربي الجديد، 13-4-2020. https://bit.ly/2VbBmjR
([14]) “مسيّرة إسرائيلية تستهدف سيارة لـ”حزب الله” في سوريا”. الأناضول، 15-4-2020. https://bit.ly/3adEa4f