تمكنت الشركات الناشئة من مواصلة نشاطها في عام 2022 على الرغم من الاضطرابات الكبيرة، حيث أطلق عدد من شركات رأس المال المغامر صناديق استثمار جديدة. على سبيل المثال شركة: كاتاليست للاستثمار المباشر، مودوس كابيتال، وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة في مصر، وتمكن عدد من الصناديق من تحقيق إغلاقاتها المستهدفة، بل وتجاوزت أهداف جمع الأموال مثل صندوق شركة “ألجبرا فينشرز” والتي أتمت إغلاقها الأول لصندوقها الثاني للتكنولوجيا وجمعت مبلغ 100 مليون دولار متجاوزة الحجم المستهدف للصندوق البالغ 90 مليون دولار، وقد كان الاستهداف الذكي للمستثمرين بالصندوق LPs هو أحد الأسباب الرئيسية في تحقيق هدفهم، إذ حصل ذلك الصندوق على دعم مؤسسة التمويل الدولية، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار، وصندوق المشروعات المصري الأمريكي، وبنك تنمية ريادة الأعمال الهولندي، ومؤسسة بريتش إنترناشيونال إنفيستمنتس، وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وصندوق التنمية الهولندي.
مصريًا، شهد مناخ الشركات الناشئة بمصر نموًا بنسبة 3.2 % في عام 2022 مقابل نمو بنسبة 205.5 % في عام 2021 (العام الذهبي للشركات الناشئة)، حيث بلغت قيم الصفقات التي تمت في عام 2022 مبلغ 517 مليون دولار أمريكي مقابل 501 مليون دولار في عام 2021، بينما شهد عدد الصفقات انخفاضًا في العام 2022 عن العام 2021، حيث تم تنفيذ عدد 160 صفقة في عام 2022 مقابل عدد 165 صفقة في العام 2021، وعلى الرغم من ذلك الانخفاض في عدد الصفقات تأتي مصر في المرتبة الأولى عربيًا من حيث عدد الصفقات ونسبة الانخفاض، تليها الإمارات العربية المتحدة بعدد 153 صفقة تم تنفيذها وبانخفاض نسبته 11 % عما تم تنفيذه في عام 2021. أما من حيث حجم قيم تلك الصفقات فتأتي مصر الثالثة عربيًا بعد كل من الإمارات العربية المتحدة والتي احتلت المركز الأول بإجمالي قيم صفقات بحوالي 1.19 مليار جم (انخفاض بنسبة 20 % عام العام السابق)، والمملكة العربية السعودية والتي بلغت قيم التمويلات لصفقاتها حوالي 987 مليون دولار (ارتفاع نسبته 72 % مقابل العام الماضي)، وهو ما يعتبر طفرة في سوق الشركات والتمويلات الناشئة بالمملكة.
الشكل 1: المصدر – Itida Egypt Venture Investment Report
الشكل 2: المصدر – Itida Egypt Venture Investment Report
أساليب تمويلية جديدة
استفاد المستثمرون وصناديق رأس المال المغامر من نماذج تمويلية جديدة مثل صناديق الاستثمار المغامر للشركات، حيث أسست شركة الاستثمار كاتاليست بارتنبز ذراعًا لرأس المال المغامر للشركات Corporate Venture Capital (CVC) أطلقت عليه اسم “سيرف ستارت أب”، استهدفت الشركة بذلك صندوق الاستحواذ على حصص أقلية في الشركات الناشئة في قطاعي التكنولوجيا المالية والإقراض الرقمي، تستهدف الشركة من ذلك الصندوق تحقيق التكامل بين عمليات الشركات المستثمر بها، وهو ما يعطي دفعة للشركات الناشئة من خلال توفير دعم فني ونفاذ إلى قاعدة عملات الشركة الأم، كان البنك التجاري الدولي من أوائل من اتبعوا ذلك النهج الاستثماري من خلال شركته “سي فينشرز ” في عام 2018. وقد ظهر ذلك الأسلوب التمويلي عالميًا في العشر سنوات الأخيرة 2010 – 2020، وشهدت نموًا كبيرًا خلال الأعوام السابقة بأكثر من 6 أضعاف ليصل عددها إلى أكثر من 4000 صندوق عالميًا قدم تمويل لأكثر من 2000 صفقة بقيمة 79 مليار دولار حتى النصف الأولى من عام 2021 (وفقا لهارفرد بيزنيس ريفيو).
من جانب آخر، فإن برامج تسريع الأموال كانت أحد أشكال التمويل الجديدة التي ظهرت بقوة في عدد من المؤسسات، حيث أطلقت شركة مودوس كابيتال، وفاوندرز لين (التي تتخذ من برلين مقرا لعملياتها)، وبنك مصر (Banque Misr Acceleration Program)، تضع تلك المؤسسات نفسها كأكثر من مجرد تمويل، إذ إنها تساعد مسرعات الأعمال في بناء الشركات الناشئة من الصفر، وتقدم تدريب فني وإداري، ونفاذ إلى قاعدة عملاء المؤسسات الحاضنة لتلك البرامج، وتسمح بالتكامل بين خدمات تلك المؤسسات وبين الشركات الناشئة، وهو ما يمثل دفعة قوية للشركات الناشئة للنمو بشكل أسرع وفي ظل إطار إداري أكثر كفاءة.
تأتي “صناديق البحث” كأداة تمويلية مستحدثة تستهدف جمع الأموال من المسثمرين ثم البحث عن أحدالشركات الناشئة الصغيرة أو المتوسطة تعمل بالفعل ولديها سوق جيدة، والاستحواذ عليها بنسبة تتفاوت بين 85% إلى 100% والتدخل في الإدارة بشكل قوي بتعيين رائد أعمال مُتمرس خبرته بين 5 – 10 سنوات بهدف إدارتها بشكل أفضل وتحقيق عائدات جيدة للمستثمرين، خاصة وأن رائد الأعمال سيقوم بعملية تشغيل الشركه دون تكبد معاناة بنائها من الصِفر، تقدم تلك الصناديق مستوى أقل من مخاطر الاستثمار في الشركات الناشئة لكنها توفر عائدات جيدة بالمقارنه بذلك المستوى من المخاطر، ولايوجد بمصر “صناديق بحث” حتي الأن.
من جانب آخر، فقد انتشرت أدوات تمويلية أخرى مثل “صناديق الديون المُخاطرة” وهي صناديق تقدم تمويلات تتسم بخصائص القروض المُعتاد عليها من المؤسسات المالية، بالإضافة إلى خصائص الاستثمار في الشركات الناشئة، وعادة ما تقوم تلك الصناديق بإقراض الشركات الناشئة ذات الأحجام المتوسطة أو التي تخطت مرحلة التمويل Series A، لضمان أن الشركة تحقق تدفقات نقدية يمكن الاعتماد عليها لسداد تلك القروض.
التحديات
كان العام 2021 بالنسبة للشركات الناشئة عالميًا ومصريًا عامًا ذهبيًا، حيث عاشت الشركات الناشئة بيئة اقتصادية صحية تتسم بارتفاع التقييمات والتي وصفها البعض بالمبالغ فيها، وتوافر التمويل خاصة بعد تعدد مصادر التمويل أمام الشركات الناشئة. لكن مع نهاية العام 2021 وبداية العام 2022 وخاصة بعد فبراير من العام 2022 والتي شهدت بداية الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في ارتفاع معدلات التضخم والفائدة عالميًا، وانتشار حالة من عدم التأكد عالميًا حول مستقبل الاقتصاد العالمي وأداء الشركات، فقد توجهت العديد من صناديق الاستثمار في الشركات الناشئة بأشكالها المختلفة إلى تأجيل قراراتها الاستثمارية لحين التأكد من قدرة تلك الشركات الناشئة على العبور من تلك الأزمات، وهو ما ترك الشركات الناشئة في حالة من عدم توافر السيولة عالميا، ودفعها إلى خفض تكاليفها بشكل كبير وتطبيق سياسات التقشف في محاولة منها لعبور تلك الأزمة بسلام. من جانب آخر فقد عانت الشركات الناشئة العاملة بالأسواق الناشئة (ومنها مصر) من آثار اقتصادية أخرى تتمثل في مخاطر سعر الصرف، وحيث إن آلية التمويل بالنسبة للشركات الناشئة هو الدولار الأمريكي، والإيرادات تتولد بالجنيه المصري (في حال كانت تلك الشركات تعمل في مصر فقط)، ومستهدفات المستثمرين في تحقيق عوائد بتلك الشركات محسوبة على أساس الدولار الأمريكي، فقد اتسعت الفجوة بشكل الأداء الفعلى لتلك الشركات عند ترجمته بالدولار وبين الأهداف المرصودة في النماذج المالية لها وقت التمويل، وهو ما دفع العديد من المستثمرين (صناديق رأس المال المغامر) إلى وقف التمويل لتجنب تحقيق خسائر بشكل أكبر في تلك الشركات. إذ إن تلك الشركات تحتاج إلى وقت طويل لمضاعفة إيراداتها نتيجة للعديد من العوامل أولها عدم إمكانية عكس التغير في التسعير بشكل مباشر على العميل، وانخفاض الطلب بشكل كبير نتيجة لانخفاض القوة الشرائية للمواطنين بسبب انخفاض العملة المحلية، وهو ما يطرح تساؤلا هاما، لماذا يتم تمويل الشركات الناشئة بالدولار الأمريكي على الرغم من عملها داخل دول ناشئة وإنفاقها بالعملات المحلية؟
جرى العرف أن يتم تسعير قيم الشركات بعملة الدولار الأمريكي، وجمع الجولات التمويلية بنفس ذات العملة، حيث إن تلك الجولات التمويلية عادة ما تتضمن مستثمرين محليين وأجانب، وان الزمن المستغرق لإنفاق تلك الأموال قد يتراوح بين فترة 6 أشهر إلى 18 شهرا وفقا للنموذج المالي لكل شركة، على الرغم من أن عمليات الإنفاق تتم بالجنيه المصري على أرض مصر، وهو ما يطرح خطرا رئيسيا أمام أصحاب الشركات الناشئة أن يحتفظوا بتلك الأموال بعملة الجنيه المصري ويتكبدون خسائر سعر صرف تغير العملة في حال انخفاض قيمة الجنيه ومن ثم عدم إمكانية تطبيق خطة العمل الخاصة بشركتهم وفقا للمخطط لها، ومن ثم فلتجنب تلك الخسائر يحصل رواد الأعمال على تمويلات شركاتهم بعملة الدولار الأمريكي، ويمكنهم الاتفاق على الجولة بالدولار الأمريكي وصرفها على دفعات بالجنيه المصري وقد بدأت بالفعل بعض الشركات الناشئة في قبول ذلك السيناريو في ظل شح العملات الأجنبية التي تمر بها البلاد. لكن لا زال هناك تحد رئيسي أمام تلك الشركات الناشئة خاصة تلك التي تعمل في بلد واحد (مصر) دون تنوع جغرافي لأنشطتها، إذ إن التغير في سعر الصرف أثر بشكل كبير على النماذج المالية لتلك الشركات وعلى إيراداتها المقومة بالدولار الأمريكي، وأصبح هناك صعوبة بالغة في أن تستطيع تلك الشركات تحقيق الأهداف الاستثمارية لمستثمريها من صناديق الاستثمار (معدل العائد المطلوب على الاستثمار) والمحسوب على أساس الدولار الأمريكي.
لكن وعلى الرغم من ذلك وحيث إن تلك الشركات ناشئة فلا زال هناك فرص جيدة للنمو، خاصة وأن المدة الزمنية لصناديق الاستثمار بتلك الشركات هي 5 – 7 سنوات، وهو ما يعني أنه لازال هناك فرصة لتلك الشركات أن تعوض الخسائر المتكبدة من سعر الصرف وتحقيق أرباح جيدة للمستثمرين خاصة مع اتجاه الشركات للتوسع لتقديم خدماتها خارج مصر وذلك بهدف تحقيق تماثل بين مصادر التمويل والاستخدامات، وحماية إيرادات الشركة من التغيرات في سعر الصرف.
.
رابط المصدر: