قراءة في مؤشرات الطلاق في مصر

آلاء برانية

تعرض المجتمع المصري خلال العقود الأخيرة، لمجموعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية نتج عنها خلل في نسق الأسرة المصرية، وأحدثت مجموعة من التغيرات في الاتجاه نحو الزواج وأنماطه مما ترتب عليه حدوث تغيرات بالأحرى في الاتجاه نحو الطلاق، بل أصبح مفهوم الطلاق لا يشكل عائق أمام الكثير من الذكور والإناث.

وفي هذا السياق، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، والتي أفادت بارتفاع معدلات الطلاق لعام 2021 مقارنة بالأعوام الماضية، مما يثير العديد من التساؤلات حول مؤسسة الزواج في مصر، ويلقي هذا التقرير التحليلي الضوء على أهم مؤشرات الطلاق طبقًا للإحصائية.

هل ارتفعت معدلات الطلاق في المجتمع المصري؟

أفادت النشرة السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لإحصاءات الزواج والطلاق، بارتفاع حالات الطلاق في مصر ووصولها إلى 254.8 ألف حالة في عام 2021، وبالنظر إلى حالات الطلاق التي تمت من عام 2016 حتى عام 2021 نجد ارتفاعًا منتظمًا نسبيًا في حالات الطلاق في الأعوام من 2016 إلى 2019، بينما انخفضت حالات الطلاق في عام 2020 انخفاضًا ملحوظًا، ويمكن أن نرجع ذلك إلى الانشغال بالجائحة العالمية كوفيد-19 والإجراءات الاحترازية والحجر المنزلي.

وقد شهدت معدلات الطلاق زيادة واضحة في عام 2021، حيث بلغت حالات الطلاق 254.8 ألف حالة مقارنة بـ 222 ألف حالة في عام 2020 بمعدل زيادة يصل إلى 14.7%. مما يثير العديد من التساؤلات حول أسباب تلك الزيادة وكيفية معالجة ما تسببه من خلل في المجتمع المصري.

مؤشرات الطلاق في الحضر والريف

حسب النشرة السنوية للزواج والطلاق لعام 2021، فقد بلغ إجمالي عدد حالات الطلاق في الحضر 144305 حالة بنسبة تمثل 56.6٪ من جملة حالات الطلاق، بينما بلغ عدد حالات الطلاق في الريف 110472 بنسبة تمثل 43.4٪ من جملة حالات الطلاق. وبالنظر إلى تطور نسبة الطلاق بين الحضر والريف، نجد ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الطلاق في الحضر عنها في الريف على الرغم من ارتفاع الكثافة السكانية في الريف عن الحضر، إذ بلغت نسبة سكان الحضر 42.9% مقارنة بـ 57.1% لسكان الريف في التعداد السكاني لعام 2021.

ويمكن أن نرجع انخفاض نسبة الطلاق في الريف مقارنة بالحضر إلى التمسك بالعادات والتقاليد في الريف، وصعوبة اللجوء إلى الطلاق إلا بعد المرور بعدة مراحل منها الجلسات العرفية، ناهيك عن الوصمة الاجتماعية للمرأة المطلقة في الريف، والتي تؤدي إلى التضييق عليها في العديد من الأشياء لذلك لا تلجأ المرأة الريفية إلى الطلاق إلا في حالة استحالة العشرة بينها وبين الزوج.

المحافظات الأكثر في حالات الطلاق

تصدرت محافظة القاهرة أعداد حالات الطلاق بنحو 54.3 ألف حالة طلاق، تلتها محافظة الجيزة بعدد 23.6 ألف حالة، ومحافظة الإسكندرية بعدد 22.4 ألف حالة، بينما بلغت حالات الطلاق بمحافظة الشرقية نحو 17.5 ألف حالة، ومحافظة الدقهلية حوالي 17.2 ألف حالة.

وعلى الصعيد الآخر فقد سجلت محافظات” مطروح – شمال سيناء- البحر الأحمر – الوادي الجديد – جنوب سيناء” أقل النسب في معدلات الطلاق، ويمكن أن نرجع تزايد معدلات الطلاق في مناطق وانخفاضها في مناطق أخرى إلى نسب الكثافة السكانية، حيث اتسمت المناطق الأعلى في معدلات الطلاق بالكثافة السكانية العالية، بينما اتسمت المناطق المنخفضة في معدلات الطلاق بالكثافة السكانية المنخفضة، علاوة على ذلك تميز المحافظات المنخفضة في معدلات الطلاق بطبيعتها الجغرافية المنغلقة والمحافظة على العادات والتقاليد.

الطلاق حسب الفئة العمرية

سجلت أعلى نسبة طلاق للذكور في الفئة العمرية (من 30 إلى أقل من 35 سنة) بنسبة 19.8٪، حيث بلغ متوسط سن المطلق 40.1 سنة عام 2021. بينما سجلت أعلى نسبة طلاق للإناث في الفئة العمرية (من 25 إلى أقل من 30 سنة) بنسبة 17.8 ٪، حيث بلغ متوسط سن المطلقة 33.8 سنة عام 2021. وبمقارنة الأعوام السابقة نجد أن متوسط سن الطلاق للذكور من (39-40) عام، بينما يتراوح سن الطلاق بين الاناث من (32-33) عام.

وبالنظر إلى أن متوسط سن الزواج للذكور هو 30 عامًا ومتوسط سن الزواج للإناث هو 24 عامًا، نجد حسب البيانات بوقوع الطلاق في معظم الحالات في السنوات الأولى للزواج، ويمكن أن نرجع ذلك إلى اختلاف الطباع وعدم التفاهم بين الزوجين، لذلك توصي الدراسة بتكثيف برامج تأهيل المقبلين على الزواج واستهداف برامج خاصة للشريكين خلال السنوات الأولى للزواج، والتوسع في مكاتب الاستشارات الأسرية التابعة للدولة للحيلولة دون تفاقم المشاكل الأسرية ومن ثم الطلاق.

أحكام الطلاق النهائية طبقًا للأسباب

سجل الطلاق بسبب الخلع أعلى نسبة في أحكام الطلاق النهائي، حيث بلغ في عام 2021، حوالى 9197 حكم طلاق بنسبة 82.2% من أجمالي الحالات، وهو ما يثير تساؤلًا حول الأسباب التي تدفع النساء لترك جميع حقوقهن للوصول إلى الملاذ والحصول على حرياتهن، واستكمالًا لأسباب الطلاق، فقد بلغت حالات الطلاق نتيجة إيذاء الزوج للزوجة 545 حالة، وتزايد العدد في عام 2021 عن العام السابق لهذا التقرير إذ بلغ عدد حالات الطلاق الناجمة عن الإيذاء في عام 2020 حوالى 282 حالة، وفي هذا السياق فقد أصدر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية دراسة بعنوان “العنف المجتمعي ظاهرة تحتاج إلى الحل 1” استعرض فيها ظاهرة العنف ضد النساء، إذ بلغ عدد حالات العنف ضد النساء في عام 2020 حوالى 211 حالة، تصدر فيها  الزوج قائمة مرتكبي جرائم العنف بنسبة 39,3 %، فيما جاءت 25 حالة من قِبل الخطيب أو الجار أو العشيق. مما يُسلط الضوء على مدى الترابط الأسري ومن ثم المجتمعي، ومدى الأمان التي تتمتع به المرأة في محيطها الضيق الخاص بالأسرة والعائلة.

الطلاق الشفهي ” الطلاق الخفي”

تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن أزمة ارتفاع معدلات الطلاق عدة مرات، وخلال المؤتمر الوطني السادس للشباب وجه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بضرورة وجود قانون ينظم الطلاق، بدلًا من الطلاق الشفوي الذى يعد أحد أهم أسباب الأزمة، وبدأ الأزهر في دراسة الأمر، كما استجاب لنداء الرئيس وقتها عدد من أعضاء مجلس النواب، وقدم بعضهم مشاريع قوانين للتحكم في الطلاق الشفوي ومطالبة مجمع البحوث الاسلامية وهيئة كبار العلماء لإصدار قرار بعدم الاعتراف بـ«الطلاق الشفهي»، وإلغائه، وألا يعتد به إلا بعد إتمام الطلاق على يد مأذون شرعي، خاصة بعدما صرحت دار الإفتاء المصرية بأنها تتلقى من 4200 إلى 4800 حالة فتوى شهريا متعلقة بالطلاق الشفهي.

ويذكر أن الطلاق الشفهي هو “تطليق الزوج لزوجة دون توثيق هذا الطلاق، وبالتالي لا تستطيع الزوجة الزواج بآخر أو الحصول على حقوقها“. وتكمن خطورة الطلاق الشفهي، في أنه لا يحتسب ضمن حالات الطلاق الكلية، والتي يعد الجهاز المركزي للتعبئة العامة للإحصاء تقريرًا سنويًا حولها، وبالتالي لا يمكن قياسه أو الحد من خطورته.

ورغم إشارة الرئيس مرارًا وتكرارًا لهذا الشأن، فقد اصدرت هيئة كبار علماء الازهر الشريف بيانًا أكدت فيه وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، دونَ اشتراط اشهاد أو توثيق، وأكدت هيئة كبار العلماء في بيانها أنَّ ظاهرةَ شيوع وزيادة نسبة الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الاشهاد أو التوثيق، معللة ذلك بأن الزوجَ المستخفَّ بأمر الطلاق لا يُعيِيه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه. مما يجعل الازمة مستمرة حتى مع محاولات اصدار قانون الأحوال الشخصية الجديد المنتظر، ومطالبة المجلس القومي للمرأة بإلغاء ما يسمي بالطلاق الشفهي.

اخيرًا، تقوم الدولة المصرية بخطوات عدة للحد من نسب الطلاق التي تؤرق المجتمع المصري، حيث قامت وزارة التضامن الاجتماعي بتنفيذ عدة مشروعات، منها المشروع القومي لتوعية الشباب المقبلين على الزواج ” مودة”، والذي يهدف إلى إعداد الشباب لبدء حياة زوجية ناجحة، علاوة على التأهيل النفسي والاجتماعي والشرعي لطرفي العلاقة لبناء شراكة تقوم على الحب والاحترام والمسؤولية، إضافة إلى تثقيف الشباب المُقبل على الزواج من خلال عرض نماذج ناجحة في الحياة العلمية والأسرية، كما قام الأزهر الشريف بإنشاء وحدة لم الشمل التابعة لمركز الأزهر للفتوى، والتي تهدف إلى حماية الأسرة المصرية من خطر التفكك، وإزالة الخلافات بين المتنازعين، وجرى تخصيص مقرات للوحدة في جميع المحافظات المصرية.

ومن التحركات التي لجأت إليها الدولة المصرية لمواجهة هذه الظاهرة، هو تعاون وزارة العدل مع دار الإفتاء المصرية لإخضاع ما يقرب من ألف مأذون إلى دورات تدريبية في عام 2021، هادفة إلى قيام هؤلاء بدور مجتمعي، وعدم اقتصار دورهم على الدور القانوني المرتبط بتوثيق الطلاق فقط.

الا إنه لا يزال اصدار بعض القوانين كإعداد قانون أحوال شخصية جديد، إضافة إلى تسريع وتيرة إصدار قانون الزواج المبكر، والقانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة، يعد ضرورة حتمية للحد من نسب الطلاق وتحقيق العدالة والتوازن المجتمعي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72789/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M