أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي النسخة العاشرة من مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، وهو تقرير سنوي يقدم ملخصًا شاملًا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة لظاهرة الإرهاب، ويحلل عدد من الجوانب الحيوية المرتبطة بها مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث فيها، وكيف يتغير الإرهاب بمرور الوقت، والدوافع الجيوسياسية والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية والاستراتيجيات التي يستخدمها الإرهابيون. وقد تناولنا خلال الجزء الأول من هذه السلسلة نظرة شاملة على حصيلة العمليات الإرهابية خلال العام المنصرم، والجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا. فيما ناقش الجزء الثاني قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا وفقًا لما ورد بالمؤشر. في حين ناقش الجزء الثالث اتجاهات النشاط الإرهابي في مناطق العالم المختلفة خلال عام 2022. وناقش الجزء الرابع ملامح النشاط الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة (2012-2022). وفي الأخير يناقش هذا الجزء على وجه الخصوص سياق وتداعيات تنامي النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي، وهي المنطقة التي تضم- بحسب التعريف الذي يتبناه المؤشر- عشر دول هم: بوركينا فاسو، غينيا، نيجيريا، الكاميرون، مالي، السنغال، تشاد، موريتانيا، جامبيا، النيجر.
ملامح النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي
تواجه منطقة الساحل العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية المتقاربة والمعقدة، على إثر حالة عدم الاستقرار السياسي المتزايدة، والتوترات الجيوسياسية المتضخمة، واستخدام تدابير مكافحة الإرهاب الصارمة لردع وتدمير التهديد المتزايد من الجماعات السلفية الجهادية. وبحسب التقرير، من شأن تلك التحديات تقويض الظروف اللازمة لتحقيق مؤشرات السلام الإيجابي في المنطقة، مما يؤدي إلى محاصرتها في دوامة من العنف والضعف. وقد استثمرت الجماعات الإرهابية عدم قدرة العديد من حكومات منطقة الساحل على توفير الأمن الفعال في مواصلة أنشطتها من خلال السيطرة على الأراضي وجعل المنطقة أكثر عنفًا بشكل متزايد. وفيما يلي السمات العامة للنشاط الإرهابي في منطقة الساحل خلال الفترة (2007-2022):
• تنامي الوفيات الناجمة عن الإرهاب: شهدت منطقة الساحل عددًا متزايدًا من الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم خلال السنوات العشر الماضية بالتوازي مع تنامي نشاط العديد من الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين. حيث شهدت المنطقة 43% من وفيات الإرهاب على مستوى العالم عام 2022، مقارنة بنسبة 1% فقط عام 2007. هذا على الرغم من أنها شهدت 22% فقط من الحوادث الإرهابية عام 2022. ويبين الشكل التالي أن منطقة الساحل تمثل بشكل متزايد وفيات الإرهاب أكثر من أي منطقة أخرى على مستوى العالم:
• ظهور أنماط جديدة من التحالفات الإرهابية: مرّت بيئة الإرهاب في منطقة الساحل خلال العقد الماضي بالعديد من التغييرات، كان من أبرز ملامحها ظهور جماعات جديدة، واندماج جماعات قائمة مع جماعات أخرى كالانضمام إلى تنظيمي داعش والقاعدة، وتكيف تلك الجماعات مع عمليات مكافحة الإرهاب والتمرد المحلية والإقليمية والدولية. وقد أدت هذه التغييرات إلى ظهور ما أطلق عليه “جهاد اللصوصية”، حيث تتطلع الجماعات الإجرامية إلى استخدام الدين للدفاع عن أفعالها الإجرامية.
• تغير الديناميكيات المكانية للإرهاب: على مدى العامين الماضيين تغيرت البؤر الجغرافية لتمركزات النشاط الإرهابي في منطقة الساحل؛ ففي السابق كان شمال شرق نيجيريا إلى جانب تشاد والكاميرون والنيجر مركزًا للنشاط الإرهابي، حيث كانت ولاية داعش غرب إفريقيا وجماعة وبوكو حرام مسؤولين عن معظم الهجمات الإرهابية. لكن منذ عام 2020، انخفضت الوفيات الناجمة عن الإرهاب في تلك المناطق، وفي المقابل ازداد عدد الوفيات بسرعة في المناطق الثلاثية الحدودية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مدفوعة بنمو الجماعات التابعة لتنظيم داعش وحركة نصرة الإسلام والمسلمين، وأصبحت هذه البلدان بؤرة الإرهاب في منطقة الساحل بعد أن تصاعدت الوفيات الناجمة عن الإرهاب بها بشكل كبير في العقد الماضي. وهو ما يوضحه الشكل التالي:
• تمدد النشاط الإرهابي في غرب إفريقيا: اتسعت الرقعة الجغرافية للنشاط الإرهابي ليمتد من منطقة الساحل إلى غرب إفريقيا الساحلية المجاورة. وحدثت أكبر الزيادات في النشاط الإرهابي في توجو وبنين، وهما بلدان لم يتضررا من قبل؛ على الرغم من أن عدد الوفيات بسبب الإرهاب في البلدين كان صغيرًا نسبيًا مقارنة بالدول المجاورة في المنطقة. وقد شهدت توجو العام الماضي أكبر هجماتها الإرهابية منذ عام 2007، عندما هاجم إرهابيين جهاديين، يعتقد أنهم من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، مواقع عسكرية في البلاد مما أسفر عن مقتل 8 جنود. وفي يوليو 2022، أدت هجمات منسقة على عدة قرى في المنطقة المتاخمة لبوركينا فاسو إلى مقتل 15 مدنيًا على الأقل؛ ونتيجة لهذه الهجمات، سجلت توجو ثاني أكبر زيادة في درجة مؤشر الإرهاب العالمي على مستوى العالم، حيث ارتفعت 49 مرتبة لتحتل المرتبة 27 بشكل عام، وكذلك ارتفعت بنين من المرتبة 23 إلى المرتبة 28 في المؤشر.
• استمرار دورات العنف: أسفرت جهود مكافحة الإرهاب الحكومية في منطقة الساحل عن سقوط ضحايا من المدنيين قدروا بحوالي 1058 مدنيًا خلال عام 2022، ارتفاعًا من 158 مدنيًا خلال 2021، وهو عدد مماثل لهؤلاء الذين سقطوا نتيجة للهجمات الإرهابية، الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد الغضب بين السكان المحليين وهو ما قد تسعى التنظيمات الإرهابية إلى توظيفه في عمليات تجنيد عناصر جديدة، وتعميق النزاعات المحلية والطائفية، وبناء مشاعر مناهضة للنظام.
• التنافس الجيوسياسي في المنطقة وعرقلة جهود محاربة الإرهاب: شهد عام 2022 زيادة حدة التنافس الجيوسياسي بين فرنسا وروسيا، حيث سعت الأخيرة لاستغلال حالة السخط الشعبي تجاه وجود القوات الفرنسية وقرار بعض الدول (مالي – بوركينا فاسو) إنهاء التواجد الفرنسي على أراضيها، إضافة إلى انتهاء عملية برخان في نوفمبر 2022، لتعزيز حضورها في منطقة الساحل بعدما أصبحت مسرحًا مهمًا للتنافس مع الغرب؛ إذ نشرت الحكومة الروسية عناصر شركة فاجنر في مالي منذ ديسمبر 2021 وأصبحت الشريك الأمني المفضل للبلاد. كذلك تشارك قوات فاجنر في عمليات ضد الجماعات الجهادية في بوركينا فاسو. وهذا التنافس يمكن أن يعيق الجهود المبذولة لمعالجة أزمة الإرهاب في منطقة الساحل، حيث يخضع التعاون في مكافحة الإرهاب بين الدول المجاورة الآن للانقسامات بين تلك الدول التي تدعمها روسيا أو فرنسا.
التكتيكات المستخدمة والأنماط الإرهابية الأكثر شيوعًا في منطقة الساحل
تعتمد الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل الإفريقي على مجموعة استراتيجيات وتكتيكات متنوعة، منها:
• تشكيل التحالفات: أشار التقرير إلى وجود استراتيجيتين مختلفتين تنتهجها التنظيمات الإرهابية لتشكيل التحالفات الجهادية في منطقة الساحل. الأولي، هي استراتيجية “الشعوبية الرعوية” التي تستخدمها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لتشكيل التحالفات. والثانية، هي استراتيجية أكثر تراتبية تنتهجها ولاية داعش في غرب إفريقيا. ووفقًا للتقرير، يوجد فرق كبير بين النهجين يؤثر على مستوى العنف كما هو الحال في ظل الشعوبية الرعوية، حيث ينصب التركيز على بناء تحالف محلي أفقي يتضمن عنفًا أقل، إذ تتطلع المجموعة إلى إقناع الآخرين بالانضمام، ويشيع استخدام هذا النهج من قبل القاعدة. وفي المقابل، يتضمن نموذج داعش في غرب إفريقيا أعمال عنف ووحشية أكبر، بما في ذلك استهداف أكبر للسكان المدنيين.
• قتل القادة المحليين: يبدو أن هناك نمطًا آخذًا في الظهور في منطقة الساحل حيث تستهدف الجماعات الإرهابية الزعماء ورؤساء البلديات وأعضاء المجالس والزعماء الدينيين، مما يخلق فراغًا في السلطة في المنطقة، وصراعات محلية على السلطة بين مختلف الفاعلين الذين يتنافسون جميعًا على السيادة، ويضفي المزيد من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي يدفع الحكومة والجيش إلى الرد على هذه الفوضى بقوة أكبر وسياسات يمكن أن تستنزف الاقتصادات المحلية، وهو ما تستفيد منه التنظيمات الإرهابية بشكل أو بآخر.
• التركيز على استخدام الأسلحة النارية: على المستوى التكتيكي تفضل الجماعات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل أساليب هجوم مختلفة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأماكن أخرى التي يسود بها استخدام المتفجرات. ففي منطقة الساحل تعد الأسلحة النارية هي السلاح الأساسي المستخدم في 70% من الهجمات مقارنة بالمتفجرات. وهو ما يوضحه الشكل التالي:
محفزات تنامي النشاط الإرهابي في منطقة الساحل
أشار التقرير إلى وجود جملة من العوامل المحفزة لاستمرار المعضلة الأمنية القائمة في منطقة الساحل: أولها، استمرار الصراعات وحالة عدم الاستقرار السياسي في العديد من دول المنطقة مثل ليبيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا والنيجر، وتغير المناخ، وندرة الموارد، وسوء الحكم، والاستقطاب العرقي، وانتهاكات أمن الدولة، والصراع الرعوي، ونمو السلفية الجهادية العابرة للحدود الوطنية، والصراع على استخراج الموارد الطبيعية (خاصة الذهب)، فضلًا عن انتشار ظاهرة الانقلابات العسكرية.
وثانيها، استمرار نشاط بعض الجماعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وثالثها، صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وعزمه على امتلاك محاور إقليمية، وهو ما دفعه إلى تكوين علاقات مع الجهات الفاعلة المحلية في القارة السمراء مثل بوكو حرام، مما أدى إلى ظهور ولاية داعش غرب إفريقيا، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى. ورابعها، أجبر التدهور البيئي في بعض المناطق السكان على البحث عن أماكن أخرى جديدة صالحة للزراعة، ومن هنا يظهر النزاع والصراع حول تأمين هذه الموارد.
وأشار التقرير إلى وجود نوعين من الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. النوع الأول، يتمثل في الجماعات الجهادية العابرة للحدود التي لها صلات رسمية بتنظيمي داعش والقاعدة. والنوع الثاني من هذه الجماعات يركز على القضايا المحلية؛ من خلال تأطير أفعالهم بنموذج عرقي – قومي – ديني مثل جماعات (أنصار الدين، المرابطون، وكتيبة ماسينا).
.
رابط المصدر: