قدم وزير الدفاع الإندونيسي برابوو سوبيانتو مقترحًا للسلام بين روسيا وأوكرانيا في مؤتمر للدفاع والأمن في سنغافورة، وأكد على أهمية الوصول لنهاية سلمية في أسرع وقت، حيث إن الأضرار الواقعة على دول آسيا وسائر دول العالم إثر الحرب منذ بدايتها في فبراير 2022 ضخمة ومن المتوقع تزايدها في حال استمرار القتال لفترة أطول. وواجه المقترح الكثير من الاعتراضات من أوكرانيا وحلفائها من الدول الغربية، بالإضافة إلى اتهامات لإندونيسيا بالميل إلى الجانب الروسي، على الرغم من تأكيد جاكرتا على تفضيلها لموقف الحياد، فما أسباب هذه الاعتراضات؟ وما مدى فاعلية هذا المقترح؟ واحتمالية تنفيذه؟
خلفيات المقترح الإندونيسي
دعا برابوو سوبيانتو إلى وقف فوري لإطلاق النار وتحديد منطقة منزوعة السلاح بين قوات الطرفين المتنازعين، عن طريق تراجع الصفوف الأمامية لقوات كل من الطرفين لمسافة 15 كيلومتر، ومن ثم نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لمراقبة عملية وقف إطلاق النار، وبعد الوصول لهذا السلام المؤقت من الممكن إقامة استفتاء شعبي لهذه المناطق تحت إشراف الأمم المتحدة لتحديد مصيرها بشكل ديموقراطي سلمي. وأكد سوبيانتو كذلك على أهمية الوصول لحالة سلام ووقف إطلاق النار بأسرع وقت، لما تسببت فيه الحرب من خسائر لكل دول العالم بشكل عام والدول الآسيوية بشكل خاص.
وكانت الصين تقدمت أيضًا بمقترح للسلام في فبراير الماضي بعد مرور عام على بداية الحرب. ويتضمن المقترح العديد من النقاط من أهمها، وقف إطلاق النار بشكل نهائي من الجانبين والتوجه لطاولة المفاوضات لحل النزاع بشكل سلمي، وعدم الاتجاه للحرب الباردة في حالة التوجه للمفاوضات، بالإضافة إلى الاهتمام بالجانب الإنساني وعدم مهاجمة أي مدنيين وتأمين ممرات آمنة لإجلائهم من أماكن النزاع، وعدم استهداف أي منشآت نووية سلمية، بالإضافة إلى عدم استخدام الاقتصاد كأداة لتحقيق مساعٍ سياسية انطلاقًا من تأثيره على الاقتصاد العالمي ككل، والسماح لقطاع الصناعة والتصدير العمل بشكل طبيعي للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة. ودعا المقترح كذلك إلى عدم استخدام الأسلحة النووية تحت أي ظرف من كلا الجانبين.
لا يختلف المقترح الصيني عن المقترح الإندونيسي في الأهداف، حيث تسعى كل من البلدين للوصول لحل سلمي وسريع للأزمة، حيث وضع كل منهما وقف إطلاق النار الفوري على رأس خطط السلام، بالإضافة إلى السعي لتخفيف الأزمة الاقتصادية العالمية والتأثير السلبي للحرب على كل دول العالم سواء كانوا أطرافًا في النزاع أو لا. بالتأكيد تختلف وجهات نظر البلدين على الطريقة الأمثل للوصول لحل سلمي، حيث رشحت الصين وقف القتال والتوجه للمفاوضات، بينما فضلت إندونيسيا استخدام الاستفتاء الشعبي للوصول لحل نهائي بشكل أسرع.
اتجهت إندونيسيا لاقتراح من المفترض أن يكون أسرع في حال استخدامه، معتمدة على تبرير روسيا لهجومها على أوكرانيا بأنها تحمي الأقليات في هذه المناطق من ظلم النظام الأوكراني، وبالتالي يكون الحل الأمثل للصراع –من وجهة نظر إندونيسيا- هو استفتاء شعبي ليحدد الناس مصيرهم دون اللجوء للعنف والقتال. ويمكن تفسير هذا بأنه بسبب تأثير الحرب والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها بشكل أكبر على الدول النامية مثل إندونيسيا، وهو ما أكد عليه وزير الدفاع الإندونيسي بعد عرضه للمقترح، حيث أكد على الاهتمام بالجانب الإنساني ومعاناة الدول –خاصة الدول النامية- التي لا تعد أطرافًا في النزاع من أزمتي الطاقة والغذاء. أيضًا وضح سوبيانتو استعداد إندونيسيا للمساعدة بإرسال جنودها كقوات حفظ للسلام في سبيل الوصول لحل للأزمة التي طال تأثيرها كل دول العالم.
رد فعل المجتمع الدولي
واجه هذا المقترح رفضًا فوريًا من قبل أوكرانيا، حيث كان وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف حاضرًا المؤتمر الذي عرض فيه نظيره الإندونيسي خطتهم للسلام في سنغافورة، وصرح ريزنيكوف بأن فكرة تجميد القوات الروسية والأوكرانية في مواقعها الحالية وخلق منطقة عسكرية بينهم “تبدو كخطة روسية وليست إندونيسية” في إشارة منه إلى ميل إندونيسيا للجانب الروسي، ووصف المقترح الإندونيسي بأنه “غريب” ويصب في صالح روسيا عن طريق إعطائهم الوقت لإعادة ترتيب صفوفهم مرة أخرى.
وشكر وزير الخارجية الأوكراني أوليج نيكولينكو إندونيسيا على الاهتمام والمجهود الذي بذلوه في سبيل تحقيق السلام، إلا أنه أكد على أنه لا توجد مناطق متنازع عليها بين أوكرانيا وروسيا لإجراء استفتاءات هناك، وأن احتلال جزء من أوكرانيا هو حقيقة مسجلة في وثائق رسمية للأمم المتحدة. وأشار نيكولينكو إلى أن روسيا ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية في المناطق التي تسيطر عليها من أوكرانيا، ولا يجب إعطاؤهم الحق في المطالبة بهذه الأراضي. ودعا أيضًا وزير الخارجية الأوكراني إندونيسيا لدعم خطة السلام المقدمة من الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
وبطبيعة الحال ساندت الدول الغربية حليفتها أوكرانيا في رفض المقترح الإندونيسي، حيث صرح جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بعدم ترحيبه بخطة إندونيسيا للسلام، ووجوب تحقيق السلام بشروط مقبولة وعدم المجازفة بتجميد الصراع، وأن من اللازم أن يكون “سلامًا عادلًا وليس سلام استسلام” على حد تعبيره. ومن جهته أكد سوبيانتو عدم رغبة إندونيسيا في دعم أي جانب من جانبي النزاع وأن بلاده صوتت لصالح إدانة الحرب على أوكرانيا، بالإضافة إلى أن الشعب الإندونيسي يعرف جيدًا معاناة الغزو وهو ما حرك جاكرتا لتقديم هذا المقترح لإنهاء المعاناة.
وفي المقابل أشاد مندوبون من الصين بخطة برابوو وهاجموا الغرب، حيث قال كوي تيانكاي، سفير الصين السابق لدى الولايات المتحدة، أنه يقدر المقترح الإندونيسي بشكل كبير، حيث يراه حلًا جيدًا وبإمكانه إرضاء جميع الأطراف وإنهاء الصراع والوصول للسلام بشكل سريع، وأضاف أن رفض أوكرانيا وحلفائها من الدول الغربية يشير إلى عدم الحكمة في إدارة الأزمة، وأن التمسك بشكل واحد لإنهاء النزاع ليس من شأنه إلى إطالة مدة الحرب والأزمات العالمية التابعة لها.
وأما عن الجانب الروسي، فنقلت وكالة “نوفوستي” الإخبارية الروسية تصريح مصدر روسي بتقدير موسكو لمحاولات إندونيسيا في إحلال السلام، وأن أي محاولة جادة لإطلاق مبادرات سلمية حقيقة تستحق الدراسة، وأشار المصدر إلى أن الخطة الإندونيسية تحتوي على بعض الأفكار المشابهة لعناصر من اتفاقية مينسك التي خربتها كييف بدعم من الدول الغربية على حد تعبيره. وأضاف أنه بالنسبة لفكرة الاستفتاء فقد أجرى استفتاء في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في ديسمبر 2022 وكانت نتيجته لصالح روسيا، وفكرة إعادة الاستفتاء في هذه المناطق غير مقبولة. مؤكدًا على أن السلام ممكن من خلال “وقف إمدادات الأسلحة الغربية إلى كييف، والاعتراف بالحقائق الجديدة على الأرض، وعودة أوكرانيا إلى وضع محايد خارج الكتل، واحترام الحقوق اللغوية وغيرها من الحقوق لجميع القوميات التي تعيش على أراضيها”.ختامًا، لا يشير الوضع الحالي إلى احتمالية تنفيذ المقترح الإندونيسي للسلام بسبب الرفض التام للجانب الأوكراني والدول الغربية له، وأيضًا عدم ترحيب روسيا بكل الشروط المتضمنة في المقترح على الرغم من التأكيد على أنه يستحق الدراسة. وفي واقع الأمر، إن الوضع الحالي يشير إلى أنه من غير المرجح قبول أي اقتراحات حالية للسلام، حيث يصر الجانب الأوكراني والغربي على استرجاع الأراضي الأوكرانية بشكل كامل وعدم القبول بأي تنازل عن هذا، وفي المقابل تصر موسكو على أحقيتها في هذه الأراضي وأن الحل الوحيد للسلام هو قبول أوكرانيا والدول الغربية هذا والاعتراف بها كأراضٍ روسية، وهو ما يشير إلى عدم استعداد أي من الطرفين لتقديم أي تنازلات حاليًا، وهو ما يجعل المفاوضات والوصول لحل يرضي الطرفان شبه مستحيل الآن. ولن يكون هناك احتمالية جادة لإنهاء الأزمة عن طريق المفاوضات السلمية إلا في حالة استعداد كل من الطرفين لتقديم بعض التنازلات لإنهاء النزاع، وهو ما تسعى إليه حاليًا العديد من الدول المتوسطة.
.
رابط المصدر: