أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في 3 فبراير الجارى نجاح الولايات المتحدة في تصفية “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” (زعيم تنظيم داعش)، وذلك عبر عملية إنزال جوي نفذتها قوات العمليات الخاصة التابعة للقيادة المركزية الأمريكية على قرية “أطمة” شمال غرب سوريا الواقعة في نطاق محافظة إدلب حيث تواجد الأخير. ومن ثم يستدعي هذا المشهد تفكيك ملامحه عبر استعراض نشاط تنظيم “داعش” خلال فترة ولاية “الهاشمي القرشي”، في محاولة لتقديم قراءة أولية لمسارات عمله في المرحلة القادمة.
نشاط “داعش” في عهد ” الهاشمي القرشي”
يُمكن الوقوف على أبرز ملامح نشاط التنظيم خلال فترة ولاية “الهاشمي القرشي”عبر استعراض عملياته في مناطق نفوذه المختلفة، وذلك على النحو التالي:
- المعاقل الرئيسة:
على الرغم من أن تنظيم “داعش” استهل مطلع عام 2022 بتنفيذ أعنف هجوم له منذ هزيمته الجغرافية في معاقله التقليدية؛ إذ استهدف سجن “غويران” الواقع في مدينة الحسكة السورية في الساعات الأولى من مساء الخميس الموافق 20 يناير 2022، ما أسفر عن سقوط ما يزيد عن 300 قتيل من بينهم عناصر للتنظيم، وقوات الأمن، والمدنيين، إلا أن هذا لا ينفي تراجع عدد عملياته في معاقله الرئيسة خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020.
فقد نفذ التنظيم ما يقرب من (1113) عملية في العراق خلال عام 2021 تركز معظمها في محافظة كركوك التي شهدت حوالي (305) عملية، تلتها محافظة ديالى التي شهدت حوالي (292) عملية، ثم محافظة صلاح الدين التي شهدت حوالي (145) عملية، ومحافظة الأنبار التي شهدت حوالي (124) عملية.
وذلك مقارنة بـ(1424) عملية شهدها العراق خلال عام 2020، حيث تركز معظمها في محافظة ديالى التي شهدت حوالي (493) عملية، تلتها محافظة كركوك التي شهدت حوالي (239) عملية، ثم محافظة الأنبار التي شهدت حوالي (169) عملية ومحافظة صلاح الدين التي شهدت حوالي (126) عملية (انظر الشكل 1). وبصفة عامة، استهدف معظم عمليات التنظيم في العراق خلال عامي 2020 و2021 قوات الجيش العراقي، والحشد الشعبي، والحشد العشائري، بجانب استهداف عدد من المسؤولين الحكوميين.
أما في سوريا فقد نفّذ التنظيم ما يقرب من (366) عملية خلال عام 2021، تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (193) عملية، تلتها محافظة الرقة التي شهدت حوالي (54) عملية، ثم محافظة حمص التي شهدت حوالي (42) عملية، ومحافظة الحسكة التي شهدت حوالي (42) عملية.
وذلك مقارنة بـ(581) عملية شهدتها سوريا خلال عام 2020، حيث تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (385) عملية، تلتها محافظة الرقة التي شهدت حوالي (52) عملية، ثم محافظة الحسكة التي شهدت حوالي (38) عملية، ومحافظة حمص التي شهدت حوالي (37) عملية (انظر الشكل 2). وبصفة عامة استهدف معظم عمليات التنظيم في سوريا خلال عامي 2020 و2021 قوات سوريا الديمقراطية، وقوات الجيش السوري، بجانب استهداف عدد من المدنيين المتعاونين مع القوات الأمنية.
وبالنسبة لليبيا واليمن، نفذ التنظيم حوالي (4) عمليات في ليبيا خلال عام 2021 مقارنة ب (9) عملية في خلال عام 2020، بينما لم يستطع تنفيذ أي عملية في اليمن خلال عام 2021، في حين أنه نفذ حوالي (66) عملية هناك خلال عام 2020. (انظر الشكل 3)
- إفريقيا
صعد التنظيم من عملياته في إفريقيا في ضوء توجهه الاستراتيجي بإعادة التموضع في ساحات جديدة، حيث عزّز من نشاط “ولاية غرب إفريقيا” باستهداف الدول الواقعة في محيط بحيرة تشاد (نيجيريا، والنيجر، والكاميرون، وتشاد) وذلك بتنفيذ حوالي (483) عملية خلال عام 2021 مقارنة بحوالي (393) عملية خلال عام 2020. وكذا، عمل على إثبات وجود “ولاية وسط إفريقيا” عبر التوسع في تهديد موزمبيق والكونغو الديمقراطية بتنفيذ حوالي (185) عملية مقارنة بحوالي (91) عملية خلال عام 2020، ناهيك عن محاولته للتوسع في الصومال عبر تكثيف نشاط “ولاية الصومال” بتنفيذ حوالي (40) عملية خلال عام 2021 مقارنة بـ(30) عملية خلال عام 2020 (انظر الشكل 4).
- آسيا
استغل التنظيم الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وعمل على تصعيد عملياته؛ إذ نفذت “ولاية خراسان” حوالي (365) عملية خلال عام 2021 مقارنة ب (88) عملية خلال عام 2020، كذلك استمر في محاولات الحضور في باكستان والهند خلال عام 2021 فبلغ عدد عملياته في الاولى حوالي (15) عمليه خلال عام 2021مقارنة بـ (13) عملية خلال عام 2020، بينما بلغ عدد عملياته في الثانية حوالي (9) عمليات خلال عام 2021 مقارنة ب (4) عمليات خلال عام 2020. (انظر الشكل 5)
خطابات “داعش” في عهد “الهاشمي القرشي”
أصدر التنظيم خلال ولاية “الهاشمي القرشي” أربعة خطابات رئيسة على لسان متحدثه الرسمي “أبي حمزة القرشي”؛ إذ شهد عام 2021 إصدار خطاب واحد تحت عنوان “وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” في 22 يونيو 2021، وقد ركز على ثلاث نقاط رئيسة؛ يتعلق أولها بالتأكيد على بقاء دولة الخلافة على الرغم من الحملات العسكرية التي استهدفت عناصرها. وينصرف ثانيها إلى القيام بالثناء على عناصره في المناطق المختلفة كالعراق وسوريا وخراسان والصومال وليبيا. ويتصل ثالثها بتوجيه النداء لكل فروعه من أجل العمل على تحرير عناصره القابعة في السجون.
بينما شهد عام 2020 إصدار ثلاثة خطابات، إذ جاء الأول تحت عنوان: “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها” في 27 يناير 2020، بالتزامن مع إعلان “خطة السلام الأمريكية”، إذ ركز على نقطتين رئيستين؛ يتعلق أولهما بتأكيده على استمرار “خلافته” المزعومة على الرغم من التحديات التي تعرض لها في الآونة الأخيرة (وذلك في إشارة إلى مقتل البغدادي). وينصرف ثانيهما إلى إعلانه تدشين مرحلة جديدة من الإرهاب، من خلال دعوة أنصاره إلى استهداف إسرائيل، حيث حاول إضفاء الشرعية على الفعل الإرهابي، عبر توظيف قضية مهمة في العالم الإسلامي، هي قضية “القدس”.
أما الثاني، فجاء تحت عنوان: “وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار” في 28 مايو 2020، ومن خلاله حاول التنظيم استعراض ملامح خطواته القادمة، في وقت تصاعدت فيه عملياته في مختلف ولاياته، إذ تناول ثلاثة موضوعات رئيسة؛ يتعلق أولها بإظهار الابتهاج والشماتة لتفشي فيروس “كورونا” في الغرب، وتصويره على أنه “انتقام من الله”. وينصرف ثانيها إلى تهديد حكومة “مصطفى الكاظمي” في العراق، متوعدًا الأخيرة “بمواجهة مفتوحة” بعد انسحاب القوات الأمريكية. ويتصل ثالثها بالصراع بين “داعش” و”القاعدة”، ولا سيما في منطقة غرب إفريقيا.
وورد الثالث تحت عنوان “فاقصصِ القصص لعلهم يتفكرون” في 18 أكتوبر 2020، وذلك بالتزامن مع ذكرى مقتل “أبي بكر البغدادي”، وتطرق إلى ثلاث نقاط رئيسة؛ يتعلق أولها بدعوة أنصاره إلى استهداف المصالح الاقتصادية في دول الخليج، كذا استهداف المصالح الاقتصادية للدول الأوروبية في إفريقيا. وينصرف ثانيها إلى إرسال رسائل دعم لأفرعه المختلفة في إفريقيا وآسيا. ويدور ثالثها حول البيعات الجديدة التي قامت بها جماعات إرهابية للزعيم الجديد للتنظيم “إبراهيم الهاشمي القرشي”.
وبتحليل الخطابات الأربعة التي أصدرها التنظيم خلال فترة ولاية “الهاشمي القرشي”، يمكن القول إن هناك عدد من الرسائل التي حملتها هذه الخطابات؛ أولها، التأكيد على بقاء دولته المزعومة حتى مع الضغط الأمني والعسكري الذي تتعرض له؛ إذ ما زال يروج لمصطلح “باقية” الذي دشنه منذ بداية تأسيسه. ثانيها، إيصال رسائل لعناصره سواء بغرض الثناء على نشاطهم أو غرض توجيههم لاستهداف دول بعينها. ثالثها، التركيز على قضية تحرير الأسرى، حيث تُعد تلك القضية أولوية من أولوياته، فلم يخل خطاب من خطاباته الأربعة من الإشارة إليها. رابعها، استغلال تفشي جائحة كوفيد -19 لتعزيز نشاطه، وبالفعل مع بداية تفشي الفيروس عمل التنظيم على توسيع نطاق عملياته مستغلًا الضغط الأمني والصحي على الدول.
ملاحظات أساسية
في ضوء ما تقدم، هناك جُملة من الملاحظات الأساسية، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تُشير إلى أزمة القيادة التي يعاني منها تنظيم “داعش” في الوقت الحالي، فبجانب تصفية زعيمه “الهاشمي القرشي”، نجد أن التنظيم فقد عددًا كبيرًا من قيادات الصف الأول والثاني بين عامي 2020 و2021، عد أبرزهم: “أحمد عيسى إسماعيل الزاوي”و”أحمد عبد محمد حسن الجغيفي”(القياديان الداعشيان في سوريا) (مايو 2020)، و”عمرالكرطاني”(القيادي الداعشي في العراق) (يوليو 2020).
كذا”أبو الوليد العيساوي”(زعيم تنظيم داعش في العراق) (يناير 2021)، و”عدنان أبو الوليد الصحراوي”(زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى) (سبتمبر 2021)، ناهيك عن القبض على “سامي جاسم الجبوري” (المسؤول المالي للتنظيم) (أكتوبر 2021). غير أن تتبع تاريخ التنظيم منذ نشأته حتى وقتنا هذا يشير إلى قدرته على التكيف على الرغم من مقتل قياداته.
الملاحظة الثانية: تنصرف إلى التوجه الاستراتيجي للتنظيم خلال فترة ولاية “الهاشمي القرشي”، حيث سعى التنظيم إلى هيكلة نهجه الإقليمي عبر نقل مركزه إلى إفريقيا من جهة، بجانب سعيه إلى تعزيز نشاطه في آسيا من جهة أخرى، إلا أن ذلك لا يعني تخليه عن مناطق نفوذه التقليدية؛ إذ تعكس عمليه اقتحام سجن “غويران” التي نفذها في يناير الماضي إلى سعيه إلى تعزيز وجوده في معاقله الرئيسة. ومن المرجح أن يعمل التنظيم على تكثيف عملياته في المرحلة القادمة في العراق وسوريا في ضوء رغبته على الثار لمقتل زعميه، وسعيه إلى إثبات وجوده.
الملاحظة الثالثة: تتعلق باستراتيجية استهداف السجون، حيث توسع التنظيم في تطبيق هذه الاستراتيجة في فترة ولايه “الهاشمي القرشي”، واتضح ذلك في قيام التنظيم بالهجوم على سجن “ننجرهار” المركزي شرق أفغانستان في أغسطس 2020، وتهريب حوالي 300 سجين. كذا اقتحامه لسجن “كانجباي” المركزي في منطقة “بيني” شرقي الكونغو في أكتوبر 2020ـ، وفرار حوالي 900 سجين، ناهيك عن قيامه مؤخرًا بعملية استهداف موسعه لسجن “غويران” بهدف تهريب عناصره القابعة هناك. ومن ثم انعكست هذه الاستراتيجية على نشاطه، فنفذت “ولاية خراسان” حوالي (365) عملية خلال عام 2021 مقارنة بـ (88) عملية خلال عام 2020. كما”ولاية وسط أفريقيا” حوالي (185) عملية خلال عام 2021 مقارنة بحوالي (91) عملية خلال عام 2020.
الملاحظة الرابعة: تشير إلى الاستراتيجية الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، إذ يمثل مقتل “الهاشمي القرشي” استثمارًا سياسيًا لإدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، وذلك في ضوء رغبته في اتباع نهج أسلافه في مكافحة الإرهاب، ولا سيما مع نجاح إدارة “دونالد ترامب” في تصفية “أبو بكر البغدادي” (أكتوبر 2019)، وتباهي إدارة “باراك أوباما” بالقضاء على “أسامة بن لادن”(مايو 2011).
الملاحظة الخامسة: تدور حول مستقبل التنظيم بعد مقتل “الهاشمي القرشي”، فمن المرجح أن يحدث انتقال سلس للسلطة، كما حدث في أعقاب مقتل كل من “أبي مصعب الزرقاوي” و”أبى عمر البغدادي”، و “أبي بكر البغدادي”. هذا على صعيد، وعلى صعيد آخر، من المتوقع ألا يتأثر نشاط التنظيم أو يتراجع؛ إذ إنه سيستمر في عملياته لتأكيد وجوده، وعدم تأثره بمقتل قاداته، لا سيما وأن نمط القيادة الذي اتبعه “الهاشمي القرشي” نمط قائم على لا مركزية السلطة الذي يتيح حرية حركة الفروع.
مجمل القول، على الرغم من أن مقتل “الهاشمي القرشي” (زعيم تنظيم داعش) يمثل قيمة دعائية للولايات المتحدة، إلا أن الطرح المرتبط بتراجع الظاهرة الإرهابية بناء على “إستراتيجية قطع الرؤوس”، أثبت عدم صحته في أمثله كثيرة سابقة؛ فالتنظيمات الإرهابية لا تنتهي بموت قياداتها فقط؛ إذ إن هناك حاجة ملحة لمعالجة المحفزات والدوافع الأساسية للتطرف وبالتالي تفقد الأخيرة قدرتها على التجنيد.
.
رابط المصدر: