*** يقتضي المنطق أن ننظر إلى اجتماعات الأمناء العامين للفصائل والتنظيمات الفلسطينية وبمشاركة الرئيس “أبو مازن” والتي عقدت في مدينة “العلمين الجديدة” في مصر يوم 30 يوليو 2023 من خلال الجوانب الخمسة الرئيسية التالية:
الجانب الأول: أن مصر التي استضافت هذا الاجتماع لم ولن تتوقف عن التحرك من أجل أن تجد أية فرص متاحة لدفع الموقف الفلسطيني إلى الأمام على المستويين الداخلي والخارجي.
الجانب الثاني: أن هذا الاجتماع رغم أنه يهدف إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، إلا أنه قد نجح أيضًا في إلقاء الضوء على القضية الفلسطينية وإعادتها إلى دائرة الاهتمام الذي تفتقده في كثير من الأوقات.
الجانب الثالث: أن موافقة الفصائل الفلسطينية المشاركة في هذا الاجتماع، رغم غياب ثلاثة فصائل لأسباب مختلفة، يعكس أن هذه الفصائل لا تزال تبحث عن كيفية الخروج من الوضع الفلسطيني الراهن الذي يمكن توصيفه بأنه موقف متأزم، مع الأخذ في الاعتبار أن حركة الجهاد الإسلامي –التي غابت عن المشاركة- قد أكدت التزامها بنتائج الاجتماع بما يتماشى مع مبادئها.
الجانب الرابع: أن مشاركة الرئيس “أبو مازن” في الاجتماع واللقاءات التي عقدها مع بعض الأمناء العامين قبل عقد الاجتماع الرسمي يشير إلى حرصه على أن يضمن تنفيذ المخرجات التي يمكن التوصل إليها باعتباره رئيسًا للسلطة الفلسطينية، أي رئيس لكل الفلسطينيين.
الجانب الخامس: أن هذا الاجتماع الهام عقد في ظل سياسة إسرائيلية متطرفة للغاية وغير مسبوقة تستخدم كافة أنواع الإجراءات التي من شأنها إغلاق المجال أمام إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو الأمر الذي فرض على الاجتماع أن يكون أكثر جدية.
*** وفي الوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى أن هذا الاجتماع يُعد واحدًا من عشرات الاجتماعات التي استضافتها الدولة المصرية على مدار سنوات مضت، والتي استهدفت في مجملها إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ولا سيما إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة المفقودة والمنشودة، ومن ثمّ فإن التعامل مع “اجتماع العلمين” ونتائجه يجب أن ينطلق من كونه يمثل إحدى الخطوات المطلوبة والضرورية التي يمكن البناء عليها خلال المرحلة القادمة، وليس كونه الاجتماع الرئيسي الذي يمكن أن يغير وحده من معادلة الوضع الفلسطيني الحالي.
*** وفيما يتعلق بالبيان الختامي (الرئاسي) الذي ألقاه الرئيس “أبو مازن” في نهاية الاجتماع، يمكن القول إن هذا البيان -الذي وضح توافق الجميع عليه- استهدف الحفاظ على قوة الدفع التي تولدت خلال “اجتماع العلمين”، مع التأكيد على أن الفترة القادمة يجب أن تشهد استمرارية في التحركات بالتوازي مع بلورة بعض الآليات المطلوبة، وذلك من تأكيد البيان على النقاط الأربع التالية:
النقطة الأولى: التأكيد على أن “اجتماع العلمين” يمثل خطوة أولى وهامة لاستكمال الحوار الفلسطيني / الفلسطيني.
النقطة الثانية: المطالبة بتشكيل لجنة من الفصائل الفلسطينية لاستكمال الحوار حول القضايا التي تمت مناقشتها خلال “اجتماع العلمين” بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
النقطة الثالثة: قيام اللجنة الفصائلية المشار إليها بالعمل على الفور لإنجاز مهامها المكلفة بها، وعرض النتائج والتوصيات التي سوف يتم التوصل إليها على الأمناء العامين للفصائل.
النقطة الرابعة: إمكانية عقد لقاء فلسطيني جديد خلال الفترة القريبة القادمة في مصر بهدف أن يتم الإعلان عن إنهاء الانقسام.
*** وفي كل الأحوال فإنني أرى أن “اجتماع العلمين” قد نجح في تمهيد الطريق أمام تحركات فلسطينية جديدة قادمة يمكن أن تكون أكثر فاعلية وذلك من خلال اللجنة الفصائلية المقترحة التي سوف يتم تشكيلها في أسرع وقت ممكن، والتي يجب أن يتم منحها كافة الصلاحيات التي تتيح لها التوصل إلى نتائج فاعلة وتوصيات واقعية يتم فرضها على جميع التنظيمات بلا استثناء من أجل أن يتم إنهاء الانقسام الذي دخل عامه السادس عشر.
*** وإذا كانت مصر قد تحملت المسئولية على عاتقها من خلال استضافة اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية مع تأكيد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي على استمرار الدعم المصري الداعم للقضية الفلسطينية، فمن المؤكد أن المسئولية الأكبر والأهم أصبحت تقع على عاتق هذه الفصائل التي ليس أمامها أي خيار آخر سوى أن تتخذ القرارات المصيرية التي تعكس امتلاكها الإرادة القوية لتحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني وليس أية مصالح أخرى أيًا كانت طبيعتها.
*** وبالتالي فإن الجميع سوف يترقب خلال المرحلة المقبلة ترجمة نتائج “اجتماع العلمين” على واقع على الأرض، وخاصة متى يمكن أن ينتقل القادة الفلسطينيون الذين يتولون مسئولية الشعب الفلسطيني من مرحلة الاجتماعات والمناقشات التي لا تنتهي إلى مرحلة تنفيذ النتائج والتوصيات التي يتم التوصل إليها، وأن تكون هذه الخطوات الإيجابية أوضح رسالة موجهة إلى إسرائيل مفادها أن الفلسطيينين هم شعب قادر على أن تكون له كلمته النهائية في معادلة الصراع والحل.
.
رابط المصدر: