علي عاطف
تعرضت سادس أكبر مدينة في إيران يوم 26 أكتوبر الجاري إلى حادث إرهابي دموي تسبب في وقوع عشرات الضحايا. حيث أطلق مسلحون ثلاثة في تمام الساعة الخامسة و40 دقيقة مساءً بتوقيت إيران في ذلك اليوم النيران على الزوار والموظفين داخل ضريح “شاه جراغ- ملك النور” الديني بمدينة شيراز بمحافظة فارس جنوب غربي إيران، ليتسبب في مقتل 15 شخصًا وإصابة 40 آخرين.
وقد ألقت السلطات الأمنية في إيران القبض على اثنين من المهاجمين، وذلك قبل أن يعلن تنظيم “داعش” الإرهابي عن مسؤوليته عن الهجوم. أما ردود فعل المسؤولين في طهران فقد ركزت على أن “أعمال الشغب” الحالية، والتي يُقصد بها الاحتجاجات، تمهد لوقوع أعمال إرهابية مثل التي حدثت في مدينة شيراز جنوبي البلاد، وشدد المرشد الأعلى، علي خامنئي، في كلمة له في اليوم التالي على ضرورة معاقبة العناصر التي قامت بالهجوم، فيما تعهّد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بـ “رد سريع وقاس” على هذا الأمر.
توقيت ومكان الهجوم
جاء الهجوم متزامنًا مع احتجاجات عارمة تشهدها إيران منذ منتصف شهر سبتمبر الماضي؛ تنديدًا بمقتل الفتاة الشابة “مهسا أميني”، وهي موجة غير مسبوقة في ظل حكم رجال الدين في طهران، حتى أنها قد تفوق ما كان عليه الأمر عام 2009.
وفي الوقت نفسه الذي تشهد فيه مختلف المدن الإيرانية احتجاجات على ذلك النحو، وقعت وبشكل متكرر بالتزامن مع ذلك أحداثُ عنف متعددة داخل إيران خلال الأسابيع الماضية، خاصة في المناطق النائية شرقي وغربي البلاد، وعلى وجه الخصوص في محافظتي (سيستان وبلوشستان) الحدودية شرقًا مع باكستان، وكردستان الغربية الحدودية مع إقليم شمال العراق.
وقد نتج عن أعمال العنف هذه مقتل عدد من أفراد الأمن الإيراني من بينهم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، ولعل أحدث تلك العمليات قد وقع يوم 25 أكتوبر 2022 في مدينة زاهدان مركز محافظة سيستان وبلوشستان والتي قُتل على إثرها عنصران من الحرس الثوري.
لذا، لم يأت حادث شيراز فجأة، حيث سبقته حوادث أخرى وإن كانت المواجهات حينها قد انحصرت بشكل أكبر ما بين قوات الأمن الإيرانية والمهاجمين. وهذه الحوادث بدورها قد ازداد عددها، حسب إحصاءات رسمية أعلنتها السلطات الإيرانية، بالتزامن مع الاحتجاجات الجارية.
أما فيما يتعلق بمكان وقوع الحادث الإرهابي، فقد استهدف المهاجمون مرقد (شاه جراغ) الذي يضم ضريحي اثنين من أبناء “الإمام السابع” لدى الشيعة “موسى الكاظم” وهما “أحمد ومحمد”، اللذين جاءا إلى إيران في نهايات القرن التاسع الميلادي بعد نشوب خلافات مع حكام تلك الفترة العباسيين، وتوفيا هناك.
ولم يُكتشف مكان دفنهما إلا في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث عُثر آنذاك على خاتم “أحمد بن موسى الكاظم” منقوشًا عليه اسمه في ذلك المكان الحالي، ما دفع السلطات الحاكمة في ذلك الوقت إلى إقامة ضريح هناك، تطور عبر الزمن، من خلال إضافة مبانٍ جديدة وأشكال إليه، حتى وصل إلى تصميمه الحالي.
ويُعد هذا المسجد والضريح من أهم مناطق الجذب السياحي الداخلي والخارجي في إيران ويزوره الآلاف سنويًا. وتم بناء المسجد هناك باستخدام قطع الزجاج والمرايا والبلاط متعدد الألوان، ما جعل كثيرين يصفونه بأنه “أهم مقصد ديني وسياحي في مختلف أنحاء إيران” إلى جانب أضرحة شهيرة مثل ضريح “علي بن موسى الرضا” و”فاطمة بن موسى”.
وليس ضريح “شاه جراغ” وحده الذي يجتذب السياح، بل إن مدينة شيراز تقع في واحدة من أهم محافظات إيران التي يبلغ عددها 31 محافظة، وهي “فارس”. حيث يسكن شيراز العددُ الأكبر من المواطنين في هذه المحافظة التي تحتل المرتبة الأولى على صعيد التراث التاريخي والثقافي في مختلف أنحاء إيران. وتُعد فارس أيضًا إحدى أهم مناطق إيران الأثرية على الإطلاق، وتحتوي على 2822 أثرًا تاريخيًا على الأقل، حسب إحصاءات رسمية في طهران، وأُدرجت 4 من مواطِنها الأثرية ضمن قائمة منظمة اليونسكو للآثار.
سياقات متزامنة مع الحادث الإرهابي
تزامنًا مع الاحتجاجات الجارية، بدأت إيران تشهد توترات أمنية وأعمال عنف وإرهاب في المناطق التي تتركز بها القوميات أو الأقليات. فعلى سبيل المثال، لا تزال محافظة سيستان وبلوشستان في الشرق وكردستان في الغرب تشهد مواجهات دامية بين قوات الأمن الإيرانية وجماعات أخرى منذ أسابيع مضت. أما في 27 أكتوبر الجاري، فقد تعرضت المحافظة التي يقطنها الفرس، وتقع بها شيراز، إلى هجوم إرهابي أودى بحياة 15 شخص.
وربطًا بمسألة تفجّر الاحتجاجات التي تلت مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني وتعبير مواطنين إيرانيين عن معارضتهم لنظام الحكم السياسي الذي يتولاه رجال الدين في طهران، فإن ظاهرة أخرى قد تكون ذات صلة قد تبلورت مؤخرًا في إيران وقد تكون أيضًا معبرة عن احتقان لدى فئات في إيران من رجال الدين، أو ربما تكون غير ذلك. وهذه الظاهرة تتمثل في تعرض عدد من رجال الدين في إيران خلال الفترة الأخيرة لعمليات طعن وإطلاق نار أودت بحياة بعضهم، وكان ذلك على يد شباب صغار السن، مما يشير إلى تصاعد العنف ضد رجال الدين أنفسهم في إيران.
وعلى سبيل المثال، قام شخص يبلغ من العمر 21 عامًا في أبريل 2022 بطعن اثنين من رجال الدين وجرح آخر في مرقد “الإمام الرضا” في مدينة مشهد الواقعة في أقصى الشرق الإيراني على الحدود مع تركمانستان. وقالت وكالة أنباء إيرانية آنذاك إن المهاجم طعن أحد الضحايا 20 طعنة. وحوكم ذلك الشخص وشُنق لاحقًا.
وقبل هذه الحادثة بأيام، أطلق 3 أشخاص النار على رجلي دين من السنة الإيرانيين خارج مدرسة دينية في بلدة “قنبد قابوس” الواقعة في محافظة جلستان شمالي إيران على بحر قزوين. وقد لقي الرجلان مصرعهما.
وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية الإيرانية لم تعلن في الحادثتين الدوافع من وراء القيام بهما، إلا أن هذه الأحداث تطرح أمامنا سيناريوهين اثنين لتفسيرها، وهما إما أن بعض هذه الحوادث فردية ما يعني أنها تعبر عن احتقان ضد رجال الدين الحاكمين، أو أن جماعاتٍ إرهابية منظمة تقف وراءها، وقد يكون تنظيم “داعش” الإرهابي إحداها.
هجمات تنظيم “داعش” الإرهابي السابقة ضد إيران
لم يكن هجوم شيراز هو الأول من نوعه الذي يشنه تنظيم “داعش” الإرهابي داخل إيران؛ فقد نفّذ داعش بعض العمليات الأخرى في إيران خلال السنوات الخمس الماضية، أولاها هجومان استهدفا في يونيو 2017 مبنى البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني في العاصمة طهران، وذلك بعدما اقتحم 4 مسلحين مجمع البرلمان في طهران، ثم فجّرت امرأة نفسها في ضريح الخميني. وقد تسبب هذان الحادثان في مقتل وإصابة العشرات.
أما الحادث الثاني الذي تبناه التنظيم الإرهابي في إيران فوقع في شهر سبتمبر 2018 حينما قام مسلحون أيضًا بإطلاق النيران على عرض عسكري في مدينة الأهواز جنوب غربي إيران خلال مرور ذكرى الحرب العراقية الإيرانية، وهو ما أسفر في النهاية عن مقتل 25 شخصًا وإصابة العشرات. ويُشار إلى أن العمليات المنظمة التي قامت بها إيران ضد معاقل التنظيم في سوريا والعراق للتخلص منه كانت أحد العوامل التي دفعته لاحقًا إلى شن هذه الهجمات ضد طهران.
ومن المتوقع أن ترد إيران على هجوم شيراز بتوجيه ضربات قوية لتنظيم “داعش” الإرهابي. ولكن، نظرًا لأن التنظيم لم يعد يسيطر على مساحات واسعة مثلما كان عليه الأمر عام 2017 حينما وجّه الحرس الثوري ضربات واسعة ضد التنظيم في دير الزور بسوريا، فإن إيران من المتوقع أن تحاول اعتقال أكبر عددٍ منهم سواء في إيران أو العراق أو سوريا، علاوة على إمكانية توجيهها ضربات مركزة ضد بعض الجيوب التي يزال التنظيم متمركزًا بها.
.
رابط المصدر: