أعلنت جامعة الدول العربية عزمها تشكيل اتحاد يضم الدول العربية على غرار الاتحاد الأوربي في الأشهر الست القادمة، وجاء في بيان لها: “تم اتخاذ جميع التدابير من اجل ان يرى المشروع النور”.
عذرا عزيزي القارئ هذا ليس خبرا حقيقا وإنما حلم يراود كل مواطن عربي حريص على ان يرى مثل هذه الأخبار تملأ شاشات التلفاز، ما يدل على ان الشعوب العربية أصبحت أكثر اتحادا ونبذا للخلافات فيما بينها.
ان تشكيل اتحاد عربي يضم اغلب الدول العربية له انعكاسات معنوية، سياسية، وكذلك اقتصادية؛ ذلك ان الاتحاد يعني اضفاء قوة حقيقة للامة العربية وجعلها قادرة على مواجهة التحديات التي تعترضها، فضلا عن كونه يقلل من اعتمادها على الدول الأخرى في العديد من المجالات، الصناعية والزراعية.
لا ننسى ان المنطقة العربية حباها الله بخيرات لا تحصى ومصادر ثروات متعددة، حيث تضم في جوفها خزين نفطي هائل، تستطيع بفضله ان تقاوم كبرى الدول وتقف بوجهها في حال ارادت الاعتداء على مصالحها او التقليل من شأنها، واضعاف مكانتها الاقتصادية.
فبأمتلاكها للنفط أصبحت تتحكم بشريان حياة مجمل الصناعات التي يدخل فيها البترول كمادة خام أساسية، وبذلك لا يمكن لجهة دولية ان تسلبها هذه المكانة وتنزع من بين يديها تلك الأهمية والهيمنة الكبيرتين، اللاتي في حال استثمارهما بالشكل الأمثل، يصبحان من اهم أدوات القوة وفرض الإرادة على المجتمع الدولي.
فكرة تأسيس الاتحاد الأوربي تعود الى العام 1993 عندما اجمعت مجموعة من الدول وصلت في الوقت الحالي الى سبعة وعشرين دولة، على تشكيل اتحاد لحماية مصالحها الاقتصادية، والشروع بعملية التنمية وإعمار ما دمرته الحربين العالميتين.
من المفارقات ان الدول التي قررت تشكيل الاتحاد الأوربي تختلف فيما بينها بالكثير من النقاط، فهي تختلف باللغة والنظام السياسي وكذلك الاقتصادي، لكن العامل المشترك الذي وحدها هو المصلحة العامة، ومستقبل الشعوب التي عانت كثيرا من ويلات الحروب في القرن الماضي.
بينما البلدان العربية تجمعها لغة واحدة ودين واحد وكتاب واحد، لكن نرى بعضها متجه ذات اليمين وبعض آخر ذات الشمال وهنا امر يستحق الدهشة.
الشعوب العربية اليوم بأمس الحاجة الى تكوين اتحاد عربي غير شكلي، قائم على المصداقية والجدية في تجاوز النكبات التي مُنيت بها الدول، لا سيما وان فكرة الاتحاد لا تحتاج مزيدا من الجهد والوقت؛ ذلك لوجود النواة الأولى له وهي مجلس التعاون الخليجي الذي يضم عدد من دول الخليج العربي، وهنا نحتاج فقط الى توسيع الدائرة ليشمل الدول العربية جميعها والسير معا نحو بر الأمان وتحقيق التنمية في جميع المجالات.
الحاجة الماسة لمثل هذا الاتحاد تنبع مما تمتلكه المنطقة العربية من خيرات لا تعد، وموقع جغرافي استراتيجي بالنسبة لخطوط التجارة العالمية، مما يضاعف أهمية المنطقة ويجعلها لاعب أساس في الميدان الدولي.
وهذا الاتفاق في حال عملت الدول العربية على اتمامه سيكون بمثابة شوكة تفقس عين الدول الأوربية التي ترى في اتحادها عامل ضغط على بقية الدول ومن بينها العربية في الكثير من المواقف الدولية التي تتطلب وقفة موحدة من البلدان العربية وموقف صارم من اجل منع القوى الاستعمارية التمادي بأطماعها الى درجة اكبر مما هي عليه اليوم.
ان ما يحصل في المنطقة من تناحرات بين الدول الإسلامية هو نتيجة التدخلات الغربية التي لا تريد للجميع ان يتحد فتصعب عليها المواجهة وتحقيق طموحاتها، وفي سبيل ذلك نجدها تقرب محور من المحاور وتجعله اداة لضرب محور آخر.
نعم هذه هي سياسية دول المعسكر الأوربي الذي لا يريد لدولة او طرف ان يكون قويا ليقلل من هيمنتها، وبالتأكيد ستقف وتبذل قصارى جهدها من اجل منع الحلم العربي من التحقق على ارض الواقع؛ لان ذلك الحلم في حال رأى النور سيقوض الدور الأجنبي في الوطن العربي، وسيكون المعول الذي يهدم الآمال بان تبقى الأراضي العربية مرتع للأطماع والمصالح الأوربية.
حال الدول العربية الآن ليس أفضل مما كانت عليه دول أوروبا بعد الحربين، فهي ايضا تعاني من تشوهات كبيرة بعد الحروب التي نهشت جسدها، ونهبت مواردها وغيبت جمالها، ما يتطلب عمل تداخل جراحي وإجراء عمليات تجميلية لتعود للامة العربية نظارتها المعهودة.
هذه النظارة التي اخفى جزء منها الربيع العربي، واختفى آخر بسبب ما فعلته المجموعات الإرهابية، التي قتلت الإنسان وشردت الطير، وحتى الأمان غادر المكان، وجعلت الفرد العربي ببعض الدول يمشي والخوف يلازمه لا يعلم متى واين سيلقي حتفه وتفيض روحه.
ومن عوامل نجاح الاتحاد العربي – في حال كان- هو إنشاء البنك العربي يقابل اداه البنك الأوربي وظيفته تقديم القروض للدول الأعضاء مع فرض فوائد بنسب معلومة، وبالنتيجة تعود الفائدة للمجتمع العربي ككل، وكذلك التخلص من الهيمنة الأوربية التي تفرض قيود صارمة قبل الإقراض، كما انها وضفت مساعدتها المالية لخدمة اجندتها السياسية.