قضية اللاجئين من منظور الإتحاد الأوروبي

اعداد : مونيكا نبيل توفيق – المركز الديمقراطي العربي

المقدمة

منذ دخولنا الي الألفية الثانية, ظهرت العديد من الإقتراحات والمحاولات الجادة لخلق عالم خالٍ من المشاكل, عالم يتسابق فيه الجميع ليكون الأفضل من حيث قوته العسكرية أو الإقتصادية محاولاً إثبات نيته في التعاون مع الآخرين من أجل تحسين حالة العالم بعد الحروب المدمرة     .

فبدأت شعارات التعاون بين الدول في الظهور -وخاصةً مع وجود منظمات عالمية تجمع بين الدول جميعا في كافة المجالات; الإقتصادية ,الإجتماعية ,السياسية ,البيئية ,الثقافية والدينية وغيرها- من أجل تحقيق الأفضل للإنسانية ككل.

ولكن مع تطور الأحداث وشعور الأفراد بحقهم في التغيير وبتأزمهم من الحياة الإقتصادية والسياسية التي لا تعطيهم حقوقهم بالشكل المتوقع, بدأنا نجد العديد من الإضرابات والإحتقانات المختلفة من قبل الأفراد خاصة في قارة إفريقيا. وبسبب عدم قدرة السلطة علي التعامل مع تلك التغييرات الجذرية مما أدي الي تصاعد الأمور بشكل سريع وقامت الثورات المختلفة في النهاية في المنطقة التي سميت بالربيع العربي وبأجزاء أخري في إفريقيا وفي قارة آسيا وخاصة في سوريا.

ولكن ما يعنينا الآن ليس مشكلة الثورات بحد ذاتها, ولكن ما نتج عنها من ألاف المهاجرين الذين تركوا بلادهم من أجل البحث عن حياة كريمة وآمنة. ولم يجد أغلب المهاجرين سوى القارة الأوربية القريبة من شواطىء البحر المتوسط وهم قادرين علي الوصول إليها بسهولة, ولذلك أصبحت ملاذًا للعديد من المهاجرين.

مع زيادة تدفق المهاجرين الي الدول الأوروبية وخاصةً إيطاليا واليونان, أصبح هناك ضغط وعبء كبير علي تلك الدول مما أدي إلي الحاجة الي قوانين تنظم تلك التغييرات علي دول الإتحاد الأوروبي والتي تتطلب التعاون بين الدول لتخفيف العبء علي دول المواجهة الأولي وتقديم المساعدات لها. ولكن هذا لم يكن بالسهل تحقيقه مع عدم رغبة بعض الدول في إستضافة هؤلاء المهاجرين لأنه سيكون علي الدولة المستقبلة لهم توفير حياة كريمة وهو ما يمكن ان يكون صعب التحقيق في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع. ومن هنا ظهرت الخلافات المتعددة حول حال هؤلاء المهاجرين وخاصةً غير النظاميين منهم الذين يحاولون اللجوء الي أي دولة برغم عدم حيازتهم علي أوراق رسمية تسمح لهم بذلك.

مع محاولات إيجاد حلول مناسبة للتعامل مع مشكلة اللاجئين, انتشر مايعرف بظاهرة التهريب (Smuggling) التي أصبحت تجارة مربحة حيث يقوم بعض الأفراد والمنظمات الإجرامية بأخذ الأموال من المجموعات التي تريد السفر والمغامرة بحياتهم في البحر علي أمل الوصول الي أي دولة أوروبية وحتي وإن لم يستطعوا الوصول, فستقوم بإنقاذهم مراكب وسفن الإنقاذ الموجودة علي حدود الشواطىء الأوروبية, خاصة مع وجود مايعرف بحق “عدم الإعادة القسرية” (non-refoulement), حيث تم إستغلال هذا وأصبحت مشكلة كبيرة تعاني منها الدول والتي حاولت التحايل علي الأمر بالتوقف عن عمليات الإنقاذ, فخالفت قوانين ومبادىء حقوق الإنسان والتي توجب علي الدول إنقاذ الأفراد من باب الحق في الحياة وفي الحياة الكريمة. فأصبحت بين كفي الرحي; فمن جهة لا تستطيع الدول تحمل عبء اللاجئين وإستيعابهم في دولهم, ومن جهة أخري لا تستطيع تركهم في البحر ليلقوا حتفهم.

ولذلك نستطيع وضع سؤال بحثي رئيسي وهو:

كيف سيقوم الإتحاد الإوروبي بالتعامل مع الإنتقادات التي تم توجيهها إليه من حيث عدم قدرة الدول علي إستيعاب تلك الأعداد الضخمة من المهاجرين وخاصةً غير النظاميين من جهة, ومن جهة أخري عمليات الإنقاذ التي توجب عليهم إنقاذ الأفراد في عرض البحر مع الوضع في الإعتبار الحق في عدم الإعادة القسري الي الدول التي هرب منها هؤلاء المهاجرين وإنه من وقت دخول الأفراد علي سفن إحدي الدول, فقد أصبحوا مسؤلون منها مسؤلية كاملة؟

اللاجئون في الإتحاد الأوروبي:

 من المفترض أن يُفهم الاتحاد الأوروبي على أنه مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تضطلع بالمهام الحكومية لمراقبة الحدود الخارجية، وهي المجلس الأوروبي واللجنة والبرلمان. والتعاون الحكومي الدولي هو أسلوب للحكم يتفاوض فيه المديرون التنفيذيون الوطنيون للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع بعضهم البعض لتحقيق أهداف مشتركة. وبالتالي، فإن مستوى الاتحاد الأوروبي هو إطار يسهل المفاوضات بين الدول الأعضاء ويعززها ويكفل التنسيق فيما بينها. وقد تطلب تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تقريب القواعد الوطنية المتعلقة بمراقبة الأشخاص الذين يعبرون الحدود الخارجية. وقد استتبع ذلك منح الاتحاد الأوروبي صلاحية التشريع في مجال السياسة العامة لمراقبة الحدود الخارجية مع تعزيز السلطات لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، ولا سيما بعد بدء نفاذ معاهدة لشبونة. والغرض من هذا التقريب في إطار الاتحاد الأوروبي التشريعي هو ضمان أن سلطات الحدود في كل دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي تطبق نفس المجموعة من القواعد التي تهدف إلى منع أي تهديدات للأمن الداخلي مثل الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر. ولذلك تم تحديد التعاون التشغيلي كعنصر من عناصر السياسة المشتركة بشأن مراقبة الحدود الخارجية[1].

ولا يمكن أن يحدث تجاوز للفكرة الوطنية على الحدود الخارجية التي تسيطر عليها مؤسسات الاتحاد الأوروبي دون مراعاة أن الدول الأعضاء تحتفظ بالمسؤولية الرئيسية عن مراقبة حدودها الخارجية ومراقبتها. ويعبر عن هذه المسؤولية الأساسية على مستوى التشريع الأساسي للاتحاد الأوروبي من خلال عدة أحكام تتعلق بصون القانون والنظام وحماية الأمن والتعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء لأغراض الأمن القومي، وترسيم الحدود الجغرافية للدول الأعضاء[2] .

هل يمكن أن يعاد الناس إلى أي مكان آمن، أو يجب أن يكونوا قادرين على العودة إلى منازلهم أو على الأقل المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها قبل سفرهم؟ هل قرار الإعادة هوحق وحيد للدولة المضيفة؟ أو هل رغبة الفرد الطوعية هي العامل الحاسم للإعادة؟ تكمن هذه الاحتجاجات في مبدأ “عدم الإعادة القسرية”، الذي نص عليه في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي تنص على أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد أو تعيد (اللاجئ) بأي شكل من الأشكال إلى حدود المناطق التي تتعرض فيها حياته أو حريته للتهديد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو رأي سياسي “. وفي بعض الأحيان يصبح “الإعادة القسرية” قضية سياسية دولية عندما ترغب الحكومات المضيفة في إغلاق المخيمات على أراضيها وإعادة اللاجئين إلى البلدان التي تعتبرها الحكومات المضيفة آمنة.

قد وصفت حالة تنقل بعض المهاجرين إلى أوروبا وداخلها منذ عام 2015 بأنها “أزمة”. وقد تم استخدام تسمية “الأزمة” بسبب الأعداد الضخمة والتحدي المتتابع لكيفية تحديد دور الدول الأوروبية في مساعدة هؤلاء الناس بطريقة عادلة ومنصفة، في مواجهة التفاوت الحاد في كيفية أداء الأمور. علي مستوي الإهتمام السياسي, يتعامل الإتحاد الأوروبي مع ظاهرة اللاجئين بعدها قضية هامة. وقد أستشعرت النخب الحاكمة ضغوطات ذات أبعاد أمنية وإقتصادية, فأخذت تبلور سياسات وقرارات ما لبثت هي نفسها أن أصبحت موضع خلاف حاد بين دول الإتحاد بعضها البعض وداخل العديد من الدول أيضاً. وهناك العديد من الوثائق الأوروبية التي تظهر حالة التباين بين مواقف الإتحاد الأوروبي إتجاه قضية اللاجئين. فالشاهد أن دولاً مثل اليونان وإيطاليا كانت في الخطوط الأمامية من التعامل مع موجات الهجرة, وكان مطلبها ضرورة تشارك أعضاء الإتحاد في تحمل هذا العبء بدلاً من تركه ليقع علي كاهلها وحدها. وبالمقابل, عبر قادة دول أخري مثل المجر وجمهورية التشيك وبولندا عن تحفظهم, ليس فقط عن إستقبال المهاجرين ولكن أيضا عن عبورهم أراضيهم. وتميز الموقف الألماني تحت زعامة ميركل وكذلك السويدي, بالترحيب باللاجئين وصاحبه موقف فرنسي متعاطف, وإن كانت حكومات أوروبية عدة قد إضطرت للحد من هذه التوجهات خشية مكاسب حققتها قوي المعارضة اليمينية داخل بلادها وإعتراضات الدول الأوروبية غير المرحبة بموجات الهجرة[3].

وفي الأوقات التي تشهد فيها أوروبا الجنوبية موجات من الناس الفارين من ليبيا ومناطق أخرى في شمال أفريقيا، أصبحت مسألة المهاجرين البحريين غير الشرعيين ذات أهمية خاصة. ومنذ عدة سنوات، تحركت الدول في الغالب نحو منع طالبي اللجوء أو المهاجرين غير الشرعيين من الوصول إلى أراضيهم، ويتم ذلك على وجه الخصوص من خلال استخدام سياسة الاعتراض. ثم يطرح السؤال ما إذا كانت أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تنطبق على المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا على متن القوارب وإلى أي مدى تنطبق عليهم الاختصاصات القضائية للدول الأطراف في الاتفاقية[4].

التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي:

وهناك العديد من التحديات امام الاتحاد الأوروبي  التي يواجهها اليوم وتسبب تباطئه في الأخد بزمام الأمور والبدء بالعمل حسب تلك المواثيق المذكورة:[5]

1-تحدي المساس بلإستقرار: تبرز تلك الإشكالية في مواقف الأزمات التي قد يواجهها النظام وتشكل تهديداً لأمنه وإستقراره, حيث تظهر مدي قدرته علي تحقيق التوازن وإستيعاب التغيرات الطارئة في بيئته الخارجية عبر وضع ضوابط وأدوات التكيف المتاح مع الإدراك الحقيقي لتداعيات الأزمة مما يؤهل النظام لإتخاذ التدابير اللازمة.

2-خلخلة التركيبة السكانية: يمثل هذا العنصر قوة للدولة ولكن لا يعتمد فقط علي حجمه الكبير بقدر ما يعتمد أيضاً علي منسوب التطور والتجانس والتماسك الإجتماعي.ولكن عدم تلائم عدد السكان مع الموارد الطبيعية للدولة قد يخلق مشاكل معيشية في الدولة مما قد يكبح مجهودتها التنموية وينعكس سلباً علي الدولة. وذلك يحدث عند تدفق موجة من اللاجئين الي الدولة مما يضطرها بحكم القوانين الدولية الضابطة الي إستقبال اللاجئين داخل أراضيها, مما يدخلها في تحديات إنسانية وسياسية عدة.

3-أزمة الهوية والدمج والمواطنة: تتجسد المواطنة فعلياً عند المساواة القانونية بين أعضاء المجتمع بعيداً عن إنتمائهم القومي أو طبقتهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو ثقافتهم. فيعد جميع سكان الدولة الذين يتمتعون بجنسية الدولة أو الذين لا يحوزونها ولكنهم مقيمون علي أرضها وليس لهم وطن غيرها متساويين في الحقوق والواجبات. ولكن تعرض غير المواطنين الي تحديات إبعادهم وتهمشهم عن الحياة السياسية أو وضعهم في وضع قانوني معين بفعل مقاومة الدمج بأسم تأكيد الهوية, الشأن الذي يخلق توترات عميقة يصعب إحتوائها وقد تضر بمصلحة الدولة نفسها ووحدتها لأنه قد يُنشىء هويات فرعية تستبدل بالدين أو القبيلة.

4-تحديات البنية التحتية: حيث يمثل إستضافة اللاجئين ضغطاً علي البنية التحتية والخدمات خاصةً مع إشكالية ندرة الموارد الطبيعية والظروف الإقتصادية الصعبة وضيق المساحة الجغرافية. ويتصل ذلك أيضاً بمدى تقبل السكان الأصليين اللاجئين والذي قد يؤدى بدوره الي التوتر وعدم الإستقرار.

قام الإتحاد الأوروبي بصرف المليارات من أجل إبعاد المهاجرين عن عبورهم الي الحدود الأوروبية وإبعاد وتبادل أصحاب طلبات اللجوء بدلاً من محاولة توطينهم وإدماجهم مما سيجدد قوة العمالة في أوروبا خاصة أن الكثيرين منهم في طور الشباب. قد كشفت أزمة تدفق اللاجئين أن الإتحاد الأوروبي في توسعه شرقاً لم يضع في حسبانه أن إرثاً ثقافياً وتاريخياً وعقائدياً سوف يؤثر في التعاطي مع اللاجئين العرب والمسلمين والأفارقة من حيث التشكك فيهم, خاصة مع تصاعد الإسلاموفوبيا وتركيز الإعلام بأن المتطرفين جزءاً من الدول المصدرة للمهاجرين خاصة سوريا والعراق وأفغانستان. وجاءت هجمات باريس في نوفمبر 2015 وبروكسل في مارس 2016 لتدعيم تلك التشككات في أن عناصر المتطرفين كانوا مندسين مع اللاجئين وبالتالي سيقومون بتخريب أوروبا وتروبع آمنها.

ولذلك عند التدخل الأوروبي للتعامل مع الأزمة, وضح صعوبة الإلتزام بمبادىء الحماية الأخلاقية, ونجد مجموعة من الإنتهاكات لمبادىء الأمن الإنساني, منها[6]:

1-الإنتهاكات عند نقاط العبور: تعمل وكالة حماية الحدود (فرونتكس) منذ تأسيسها علي القيام بعمليات تمشيط ورصد وإغاثة لا تتوقف عبر المتوسط لإكتشاف وتعقب المهربين الذين يعمدون الي تغيير مسارتهم بشكل دوري ويقومون بإستخدام مسرات أصعب وأطول مما يرجح إمكانية الغرق وتهديد الأرواح.

2-إعادة المهاجرين/اللاجئين الي أوطانهم الأصلية: وتبرز هنا مشكلة التعريف بين المهاجر واللاجىء من حيث وجود خطر سيلحق باللاجيء حال عودته الي بلده الأصلي.

ومن المتوقع أن يشهد العام الجارى أزمة قانونية وأمنية كبري تتمثل في ترتيبات اللجوء والتنقل والسفر في أوروبا بفعل أزمة اللاجئين وكذلك الهجمات الإرهابية والتهديدات المستمرة للدول الأوروبية الكبري. وتمثل منطقة السفر الحر (شنجن), أحد الموضوعات الخلافية الكبري المتأثرة بأزمة اللاجئين. حيث أدعت بعض الدول الأوروبية أن اليونان وإيطاليا سهلتا حصول اللاجئين علي التأشيرة الأوروبية لإبعادهم بأقصي سرعة عن أراضيها إتجاه غرب ووسط أوروبا خاصة بعد تهديد بعض المسؤلين الإيطاليين في 2014 بمنح تأشيرات (شنجن) جماعية لمن يصلون الي إيطاليا, إن لم تتحرك أوروبا لمشاركتهم عبء إستضافة هؤلاء. ولعل ذلك الأمر جعل وزراء الداخلية والعدل الأوروبيين يحاولون فرض قيود علي التأشيرة تارة أو منحها كمكافأة لمواطني دول مثل تركيا تارة اخري نظير صفقة تبادل اللاجئين[7].

رغم كون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع السويد, أكثر البلدان الأوروبية قبولاً لطلبات اللجوء وتوطين اللاجئين, فإن ميركل أعلنت أن الباب يظل مفتوحاً لإمكانية عودة اللاجئين الي بلادهم الأصلية. وصرحت بأن حال إنتهاء الحرب في سوريا, والقضاء علي تنظيم داعش, فمن المتوقع ان يعود هؤلاء اللاجئين لبلادهم. وكان حوالي 50 الفا لاجيء قد غادروا ألمانيا في 2015 إما طواعية أو ترحيلهم الي تركيا أو دول ثالثة عدا أوطانهم الأصلية حيث أن القانون الألماني يحظر إعادة اللاجئين قسرياً الي بلادهم الأصلية.

بموجب القانون الالمانى، فان الاشخاص الذين بقوا فى البلاد لمدة خمس سنوات مؤهلون للحصول على اقامة دائمة، لذلك فان المانيا تمارس ضغوطا كبيرة على البوسنيين للعودة “طواعية”. قام حوالي 225000 شخص بذلك، وأعيد توطين 7000 آخرين في بلدان ثالثة. غير أن ألمانيا أعادت قسرا ما يزيد على 8000 بوسني، مما أدى إلى احتجاجات وإدانات من جانب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من مجموعات الدفاع عن اللاجئين.

على سبيل المثال، في عام 2015 علقت ألمانيا جزئيا قواعد شينغن الحالية من الحدود من قانون الاتحاد الأوروبي، على أساس أنه، في غياب نهج أوروبي منسق ومنصف للوضع، فإن حرية التنقل عبر الحدود -في مثل وجود هذه القواعد- غير مسموح بها. وهذا هو القرار الثانى الذى اتخذته الحكومة الالمانية خلال اسبوعين. في وقت سابق، دون أن تقول لبروكسل وبودابست أو فيينا مقدما، أعلنت برلين أنه نظرا لتركيز اللاجئين في المجر كان التنازل عن القواعد الأوروبية المعروفة باسم لوائح دبلن، التي تنص على أن الناس يجب أن تسجل وتقدم طلبات اللجوء في أول بلد اتحاد اوروبي يدخلونه. دفع القرار بسبب زيادة مفاجئة إلى المانيا من السوريين الباحثين عن ملاذ آمن. وقد أثار هذا الثناء الهائل للنهج الإنساني الألماني، ولكن في نهاية المطاف ثبت أنه لا يمكن السيطرة عليه.

لذلك فالهزة القوية الأخلاقية أو القيمية التي سببتها أزمة المهاجرين في حوض البحر المتوسط, أسهمت في كشف حدود الإدعاءات الأخلاقية للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية وصعوبة الإلتزام بقيم عظيمة إن تعارضت مع الأولويات الأمنية التقليدية لأوروبا, وهو ما يتطلب إعادة النظر في إيمان أوروبا بمفهوم وتطبيقات الأمن الإنساني.

يحاول الإتحاد الأوروبي رغم وجود بعض الإتهامات ضده بوجود إنتهاكات وبإثباتها -في الحقيقة- تنفيذ العمليات البحرية التي تم تجهيزها من اجل أغراض الأمن والسلامة وحماية الحدود.

ولذلك ينطوي إدخال إلتزام عدم الإعادة القسرية على عمليات إنقاذ البحر على تطعيم هدف الإنقاذ بهدف إضافي من أهداف السياسة: وهوالتزام تتحمله الدولة المنقذة لضمان عدم نقل الأشخاص الخاضعين لسيطرتها الي الظروف التي يواجهون فيها إساءة استخدام لحقوق الإنسان. وهكذا فإن الوضع يتحول من مجرد حفظ فوري للحياة، إلى التزام طويل الأجل بحماية الأفراد المعنيين، إذا لم يكن بالإمكان إعادتهم إلى المكان الذي جاءوا منه بسبب خطر انتهاك حقوق الإنسان هناك. والواقع أن مثل هذا الالتزام بالحماية يشمل كلا من العودة إلى هذا الموقع مباشرة، ويجري نقله إلى موقع آخر غير آمن في حد ذاته، إما بشكل مباشر أو من حيث خطر الإرسال من هناك إلى الموقع الأصلي للخطر[8] .

يعود ذلك الي ان الناس على استعداد لاتخاذ هذا الخطر هو على أمل أنه إذا كانت الأمور على غير ما يرام، قد يتم إنقاذه، والإنقاذ من حيث الحصول على حماية طويلة الأجل، لأن الإنقاذ سوف يؤدي على الفور الي علاقة الحماية. وهكذا فإن عمليات إنقاذ البحر التي تزامنت مع الالتزام بعدم الإعادة القسرية خارج الحدود الإقليمية تجعل أزمة الهجرة أسوأ من خلال تشجيع المزيد من الناس على تعرض حياتهم للخطر. ويأخذ الناس طرقا خطيرة فقط لأن الطرق العادية مغلقة أمامهم، من خلال القيود المفروضة على قانون الهجرة غير المدعومة من قبل فرض عقوبات قوية على الناقل بشكل عام، وغياب الإرادة، من جانب العديد من الدول التي يمكن أن توفر الحماية، لتحقيق هذه الإمكانات من خلال إعادة التوطين المنظم.

وهذه التدابير و الضوابط الصارمة للهجرة، بما في ذلك الضوابط الحدودية، والقيود المفروضة على تأشيرات الدخول، ونشر مسؤولي الهجرة خارج الحدود الإقليمية، متأصلة في الاستحقاق العام للدول في القانون الدولي للسيطرة على حدودها[9]، ودعمت أنظمة قانونية محددة تفرض بموجبها الدول غرامات كبيرة على الناقلين مثل شركات الطيران إذا كان الناقلون ينقلون الأفراد إلى أراضيهم الذين ليس لهم الحق في الدخول إلى هناك. إن وجود هذه الترتيبات الممكنة قانونيا تشمل الرحلات الخطرة وغير القانونية، التي تشمل المهربين، التي تضع الناس في خطر في البحر. وفي ضوء ذلك، فإن عمليات إنقاذ البحر المتحالفة مع تنفيذ التزامات عدم الإعادة القسرية التي تتجاوز الحدود الإقليمية في قانون حقوق الإنسان لا تؤدي الي وجود الكثير من المعابر البحرية المحفوفة بالمخاطر، إذ تتعامل مع نتائج التدابير غير القائمة على الدخول التي اعتمدتها بعض تلك الدول التي ستشارك في عمليات الانقاذ هذه، وعند القيام بذلك، تخضع لالتزام عدم الإعادة القسرية[10].

على افتراض أن الدول تشارك في الإنقاذ البحري (بما في ذلك عندما يكون ذلك في قانون البحار)، وبالتالي تخضع لالتزام عدم الإعادة القسرية، ومع ذلك، فإن الحجة القائلة بأن هذا الترتيب ينطوي على تحمل المسؤولية عن عواقب غيرهم يجب أن تحسب الإجراءات التي تتخذها الحكومة مع الحجة المضادة بأنها تحمل اللوم في المكان الخطأ. ففي حالة سوريا، على سبيل المثال، يقال إن حكومة الأسد والمتمردين المناهضين للحكومة وداعش هي السبب النهائي للحرب الأهلية وبالتالي الهجرة القسرية من ذلك البلد، وبالتالي فإن هذه الجهات الفاعلة سبب المعابر البحرية المحفوفة بالمخاطر، وهو ما لم يكن سيحدث على الاطلاق إذا لم يكن الناس قد خرجوا قصريا في المقام الأول. إن إلقاء اللوم على التدابير التي لا تدخل في دول أخرى، ودور القانون الدولي في تمكين هذه التدابير، هو تفويت هذا العامل السببي الأساسي. لذلك فإنه لا يفهم إلا في ضوء إيجابي كحل جزئي.

 جدلية العمليات البحرية الخاصة بالإتحاد الأوروبي مع وكالة الحدود الأوروبية

جرى إضفاء الطابع الرسمي على طلب المساعدة الموجه إلى الاتحاد الأوروبي في رسالة بعثت بها إلى المفوضية الأوروبية. وفي إطار التماس الدعم، اغتنمت الحكومة الإيطالية الفرصة لتذكير بالحاجة إلى إجراء استعراض أوسع للنظام، وهو ما سبق أن تم الاحتجاج به في الماضي. وشمل ذلك تحويل فرونتكس إلى وكالة تشغيلية تسيطر على الحدود، ويمكنها التعامل مع مراكز تحديد الهوية والترحيل الاوروبية، والعمل على التحديد واالإعادة إلى الوطن، ولكن أيضا التنفيذ الفعال لنظام اللجوء الموحد بحلول عام 2012 والبرامج الإقليمية المستهدفة، والمشاركة المناسبة للمفوضية. وأثارت أيضا تطبيق مبدأ تقاسم الأعباء بين الدول الأعضاء، مما ينطوي على توزيع عادل وأكثر إنصافا للمسؤولية والالتزامات المتصلة باستقبال اللاجئين وملتمسي اللجوء، فضلا عن المهاجرين غير النظاميين[11]. وفي الوقت نفسه، في الداخل، رأت اللجنة ضرورة اتخاذ تدابير استثنائية وعاجلة، بغرض توفير التسهيلات الكافية للمساعدة الإنسانية اللازمة، وكفالة التأثير على الهجرة غير النظامية وتحديد الأفراد الخطرين في النظام العام والوطني.

أما بالنسبة لإستجابة الاتحاد الأوروبي لطلب تعزيز مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي طرحته الحكومة الإيطالية، فقد تم تقديم العملية المشتركة في منطقة وسط البحر الأبيض المتوسط ​​هيرميس إكستنسيون 2011، المخطط لها أصلا في يونيو 2011، إلى 20 فبراير . وبسبب الزيادة المستمرة في ضغط الهجرة، تم تمديد الفترة الأولية للعملية، المحددة في مارس، حتى نهاية أغسطس، وتم توسيع منطقة العمليات لتشمل سردينيا أيضا. وبالإضافة إلى القيام بدوريات في المنطقة التي تم تحديدها من أجل منع المعابر الحدودية، صمم الإجراء لجمع المعلومات اللازمة للتحليل، وتحديد جنسية المهاجرين، والتنبؤ بالأنشطة الإجرامية المحتملة ومنعها على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. وكان من المتوقع أيضا أن تقدم فرونتكس، في مرحلة لاحقة، الدعم لعمليات عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. وقد وضعت العملية بتوجيه من إيطاليا، وقدمت السلطات الإيطالية المعدات البحرية وأطقمها. وقد وفر مجموعه الدول الأعضاء الخمس عشرة وسائل النقل، بتنسيق من مركز الرصد والمعلومات التابع للجنة. وطلبت إيطاليا أيضا تحليلا للمخاطر المتعلقة بزيادة ضغوط الهجرة في المنطقة، وإمكانية فتح جبهة جديدة للهجرة في وسط البحر المتوسط ​​في ضوء التطورات السياسية الأخيرة في شمال أفريقيا.[12]

من الناحية العملية، تشكل الهجرة مجالا من مجالات القانون المثيرة للجدل في الأوساط الدولية؛ كما هو الحال في الدول القومية المختلفة في جميع أنحاء العالم، وهي ليست ظاهرة جديدة. وأصبحت بعض التحديات في الاتحاد الأوروبي مرهقة جدا بالنسبة للدول الأعضاء  للتعامل معها بمفردها، مثل التدفق الجماعي للمهاجرين غير النظاميين في دول جنوب أوروبا، الأمر الذي يتطلب تعاون جماعي أكبر بين دول الاتحاد الأوروبي. تهدف العملية البحرية “صوفيا 2” التي تجريها الاتحاد الأوروبي إلى مكافحة شبكات تهريب البشر والاتجار بهم على البحر الواقع مباشرة جنوب الاتحاد الأوروبي – جنوب ووسط البحر الأبيض المتوسط. ويهدف الاتحاد الأوروبي من خلال العملية ، التي أطلقت في عام 2015، إلى ركوب السفن للبحث أو تحويلها أو حتى الاستيلاء عليها، إذا كانت مشتبه في تهريبها أو الاتجار بها إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي محاولة حماية الأمن الداخلي والخارجي إلى أقصى حد ممكن. وأكثر من 74 % من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي هي حدود بحرية. ومع ذلك، فإن معظم الهجرة المشروعة تتم من خلال السفر الجوي، وفي حين أرخص وبدلا أكثر أمانا للمهاجرين للوصول إلى الدول الأوروبية، يفرض قانون الاتحاد عقوبات على مقدمي النقل الجوي إذا سمحت للأشخاص على متن طائراتهم ونقلها إلى الاتحاد إذا كان الركاب لا يحملون التأشيرات والوثائق المناسبة. ونتيجة لذلك، لجأ المهاجرون إلى استخدام وسائل بديلة للوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر الطرق البرية والبحرية على السواء، مما أدى إلى وجود معابر خطيرة وغير قانونية إلى الاتحاد الأوروبي تتطلب استجابة ملائمة من الاتحاد ككل[13].

وفي حين أن العملية ستساعد في منع المزيد من الخسائر في الأرواح من السفن غير المناسبة التي تقوم برحلات خطرة عبر البحر، فإن المعركة على القضايا الأساسية التي تؤدي إلى الهجرة غير النظامية، وهي الاضطهاد والحرب والصراع، والفقر الصارخ سوف تستمر في محاربة عدد من الطرق الأخرى. وكان التغيير الرئيسي الذي أحدثته معاهدة لشبونة اعتراف الاتحاد الأوروبي بسلطة وضع سياسة مشتركة بشأن مراقبة الحدود الخارجية من خلال الأخذ التدريجي “بنظام الإدارة المتكاملة”. هناك تفسيرات مختلفة لما يعني “نظام الإدارة المتكاملة”، وبالتالي، مدى قوة الاتحاد الأوروبي في تطوير سياسته المشتركة. يجب تفسير مفهوم “نظام الإدارة المتكامل” بشكل ضيق بحيث يشمل فقط الأنشطة المرتبطة بإدارة الحدود الخارجية[14]. وبقدر ما يحد الاتحاد الأوروبي من دور المنسق دون أي سلطة تنفيذ للقانون، وبقدر ما تكون الدول الأعضاء حرة في الانخراط في شكل من أشكال التعاون فيما بينها.

في عام 2008، قبل معاهدة لشبونة، أنشئت أول بعثة بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي، كوسيلة لمكافحة نشاط القرصنة في خليج عدن قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا. في عام 2014، أطلقت الاتحاد الأوروبي استراتيجية الأمن البحري[15]. وقد جمعت مجموعة من السياسات المختلفة للاتحاد، ووضعت الأساس لكيفية تفعيل بعثات الاتحاد الأوروبي في المستقبل. وعلى هذا الأساس، كانت عملية صوفيا أول بعثة بحرية ستطلق تحت هذا الإطار الجديد، والثانية تماما. وكان الغرض الرئيسي منه هو التصدي لمهربي البشر والمتجرين العاملين في البحر الأبيض المتوسط؛ مهربين يعملون في بلدان ثالثة، ويقدمون خدمات للمهاجرين الذين سيعبرون العديد من الحدود بالفعل، وخاصة في دول أفريقيا والشرق الأوسط.

فرونتكس في المقام الأول وكالة تنسيق الحدود لدول شنغن، والوكالة لا تري ضرورة للاتحاد لإطلاق مهمة محددة  (من سياسة الامن والدفاع المشترك) لمعالجة الهجرة غير النظامية. وفي حين أن عمليات البحث والإنقاذ كانت مجرد حادث طارىء لعمليات فرونتكس، فإن الوكالة لا تملك أي سفن ومركبات وطائرات جوية ولا يوجد لديها قوات حرس الحدود الخاصة بها. وبدلا من ذلك، فإن فرونتكس، بوصفها الهيئة المسؤولة عن تنسيق إدارة الحدود الخارجية للاتحاد، تطلب الدعم المادي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولم يعلن الاتحاد الأوروبي عن عملية بحث وإنقاذ بحرية، لأن ذلك من اختصاص الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي[16]. وقد شكل إنشاء فرونتكس تحول السيادة من الدول الأعضاء إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي بطريقتين: (1) يدعى فرونتكس إلى تحقيق “نظام الإدارة المتكاملة”؛ و (2) يطلب منها القيام بعمليات مشتركة مع الدول الأعضاء. فرونتكس هو هيئة الاتحاد الأوروبي وله شخصية قانونية، الذي يعمل في الاستقلال الذاتي الكامل، ويتم توفير ميزانية مستقلة من الاتحاد الأوروبي. وعملها يتركز علي: حساب الجوانب الأربعة؛ وإطلاق مبادرة العملية، واعتماد “الخطة التشغيلية”، ودور ضابط التنسيق، وتعليق وإنهاء العملية مما يدل على أن دوره ليس فقط التنسيق. وتتألف عمليات التنسيق من مساعدة الدول الأعضاء ودعمها فقط في الحالات التي تتطلب فيها المساعدة التقنية والتشغيلية من جانب فرونتكس وبدلا من ذلك، يميل دور فرونتكس نحو شكل من أشكال توجيه العمليات، أي “زيادة التنسيق” التي تعهد بها فرونتكس من قبل لائحته[17].

إن الجانب المركزي من قانون الاتحاد الأوروبي واللاجئين – مع احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية – ليس جزءا من الأساس القانوني الأساسي لعملية فرونتكس. في الواقع، لا يوجد مثل هذا الأساس القانوني. ويتم مناقشة كيفية اعتراض المهاجرين، ومكان تناولهم، وقضايا رئيسية أخرى من هذا القبيل. ويعزز الإطار القانوني الغامض الذي يميز مهام فرونتكس في البحر حرية موظفي الأمن ويتيح لهم في نهاية المطاف إمكانية وضع قانون أوروبي بشأن اللاجئين. خاصة في البحر، حيث لا أحد يشهد التدابير المتخذة، قوات الأمن في وضع متميز، ومع إمكانية احتكار الإجراءات المتخذة[18]. إن التطورات في سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي لا تتبع مخططا ثابتا، كما أنها لا تدفعها دائما الجهات الفاعلة الشرعية أو الواضحة ديمقراطيا. وينبغي ملاحظتها عن كثب لأنها تشكل الساحة التي تكون فيها معايير مستقبل الاتحاد الأوروبي وقيمه الأساسية[19].

واعتبارا من يونيه 2015، كان من المقرر أن تجرى البعثة (صوفيا 2) عدد من المراحل المحددة. وركزت المرحلة الأولى من البعثة البحرية على جمع المعلومات الاستخبارية ذات الصلة من أجل التوصل إلى فهم أفضل لما يمكن أن يتعامل معه الاتحاد في تقييم الحالة. وركز هذا التقييم على أنماط الأساليب القائمة، ورصد مسارات العمليات التي يستخدمها مهربو البشر والمتجرين في محاولتهم القيام برحلات خطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا. أما المرحلة الثانية اللاحقة، بمجرد الانتهاء من عبء العمل الأساسي للمرحلة الأولى، فتشمل صعود السفن في المياه الدولية والبحث فيها وتحويلها وحتى الاستيلاء عليها، فضلا عن المياه الإقليمية للدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي[20]. وستكون المرحلة الثالثة النهائية لعملية صوفيا هي تدمير السفن المشاركة في عمليات تهريب البشر والاتجار بهم، بالإضافة إلى اعتقال الأفراد الذين يتآمرون في هذا النشاط. وسيتعين القيام بذلك كله امتثالا للمعايير المتوقعة للقانون الدولي، مع مراعاة التزامات حقوق الإنسان، ومركز اللاجئين. أما المرحلة الثالثة من عملية صوفيا فتتوقف على وجود قرار أو موافقة غير قابلة للتطبيق من قبل الدولة الساحلية المعنية، وفي الواقع فإن حكومة ليبيا، إما المعترف بها دوليا، أو الآخري، رفضت عملية صوفيا القضائية للعمل في المياه الأقليمية لديها[21].

ومن سمات القانون الدولي للبحار الذي له أهمية خاصة بالنسبة لعملية صوفيا وهو وجوب إنقاذ أي شخص في محنة في البحر. وعملا بهذا الواجب الذي ينبع من القانون الدولي العرفي وقانون المعاهدات الساري على كل من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، يقدم ربان أي سفينة المساعدة لأي شخص يوجد في محنة في البحر. والأهم من ذلك إنه واجب تقديم المساعدة إلى الأشخاص الذين يعانون من محنة في البحر لا يشكل استثناء للسفن الحربية أو السفن الحكومية الأخرى. وبناء على ذلك، تشارك السفن العاملة في عملية صوفيا في عمليات الإنقاذ.

ونتيجة لوفاة 850 مهاجرا في حطام سفينة واحد قبالة ساحل ليبيا في أبريل 2015، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية مشتركة (تريتون بلاس). وعلى الرغم من أن فرونتكس ملتزمة بمساعدة الدول الأعضاء على الوفاء بالتزامها بتقديم المساعدة إلى الأشخاص الذين يعيشون في محنة في البحر، فإن دورها الأساسي يتمثل في دعم الحكومات من أجل مراقبة فعالة للحدود في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويؤكد التركيز على مكافحة المهربين بدلا من تعزيز حماية اللاجئين من القوارب من خلال إطلاق بعثة الاتحاد الأوروبي العسكرية (يونافور ميد) التي تهدف أساسا إلى التعرف على والتقاط والتخلص من السفن قبل استخدامها من قبل المهربين لنقل المهاجرين واللاجئين من شمال أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط. ويمكن أن نتساءل عما إذا كان التركيز على مكافحة التهريب هدفا معقولا أو مجديا أو يحتمل أن يكون فعالا[22]. ويمكن التشكيك في إمكانية القيام بذلك بما يتفق مع قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين. وبالنظر إلى أنه يجب على الدول أن تنص على عدم الإعادة القسرية والحق في اللجوء أيضا إلى الأشخاص الموجودين في البحر والدوريات المشتركة في المياه الدولية التي تنفذ بغرض اعتراض المهاجرين واللاجئين قبل وصولهم إلى الدولة المقصودة وعودة هؤلاء الأشخاص مباشرة إلى الميناء المغادرة، وتقويض حق “الجميع” (وليس اللاجئين فقط) في التماس الحماية الدولية في الخارج وإيجادها[23].

الطريقة النمطية لإنقاذ المهاجرين في البحر هي استعادتهم من المياه أو من السفن المتعثرة وإحضارهم على متن سفن الإنقاذ. والسؤال الذي لا يمكن تجنبه فيما يلي هو المكان الذي ينزل فيه الأشخاص الذين تم إنقاذهم. وكان القانون الدولي حتى وقت قريب صامتا تقريبا بشأن هذه المسألة. غير أنه عقب اعتماد تعديلات في عام 2004 على اتفاقية (سلامة الحياة في البحر) واتفاقية (البحث والإنقاذ)، يتعين على الدول أن تنزل وتسلم الجميع الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى “مكان أمان”. وتقع مسؤولية ضمان توفير مكان الأمان هذا على عاتق الطرف المسؤول عن منطقة البحث والإنقاذ التي قدمت فيها المساعدة. بيد أن هذا لا يعني أن مكان السلامة بالضرورة يجب أن يكون موقعا داخل إقليم تلك الدولة. بدلا من ذلك، هناك مجال قانوني للدول لاتخاذ الترتيبات بحيث يمكن انزال الناجين وتسليمها إلى مكان آمن داخل أراضي دولة أخرى من المسؤولة عن منطقة البحث والإنقاذ التي قدمت المساعدة. وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الترتيبات لا تعفي الدولة المسؤولة عن منطقة البحث والإنقاذ، ولضمان توفير مكان آمن، يلزم الالتزام بضمان مكان آمن لتحقيق معايير مكان الأمان. ومن ثم يمكن للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الدخول في اتفاقات مع دول ثالثة تسمح بنزول الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر أثناء عملية صوفيا في أماكن آمنة داخل أراضي الدول الثالثة[24].

وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على نحو مثير على أن “لكل شخص الحق في التماس اللجوء والتمتع به في بلدان أخرى من الاضطهاد”، ومن المسلم به عموما أن القانون الدولي لا يفرض أي التزام على الدول بمنح اللجوء من الاضطهاد إلى أشخاص على أراضيها. إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس صكا ملزما قانونا، وليس هناك صك ملزم آخر له نطاق عالمي يوفر قاعدة مماثلة. وبدلا من ذلك، فإن أداة الحماية الرئيسية لقانون اللاجئين الدولي تفسر على نحو أضيق، كالتزام بعدم إعادة اللاجئين إلى مكان يتعرضون فيه لخطر الاضطهاد (عدم الإعادة القسرية)[25]. وكما هي الحال في الظروف السائدة في عملية صوفيا، تحتاج الدولة إلى معاملة اللاجئين وطالبي اللجوء كلاجئين لغرض تطبيق الالتزام بعدم الإعادة القسرية بموجب اتفاقية اللاجئين. ولذلك لا ينبغي إعادة اللاجئين أو ملتمسي اللجوء الذين تعترضهم أو تنقذهم السفن البحرية العاملة في عملية صوفيا إلى الولايات التي قد يتعرضون فيها للاضطهاد. والحق في الحياة هو أهم الحقوق الأساسية لجميع حقوق الإنسان، بمعنى أن هدف جميع حقوق الإنسان الأخرى هو توفير نوعية من الحياة. ويتضمن الحق في الحياة التزامات إيجابية وسلبية على حد سواء، بما في ذلك تدابير التأهب لحالات الطوارئ والاستجابة لها.

ويمكن اعتبار واجب إنقاذ الجميع في محنة في البحر بهذه الطريقة نتيجة طبيعية للحق في الحياة. ومن السمات الأساسية للحق في الحرية والأمن; حظر الاعتقالات والاحتجازات التعسفية. وعملا بهذه القاعدة، لا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا للأسباب المنصوص عليها في القانون. وبناء على ذلك، فإن الاعتقال القانوني للأشخاص الموجودين على متن السفن المستخدمة في أنشطة التهريب أو الاتجار، مثل عملية صوفيا، يحتاج إلى بعض المبررات القانونية. ويضع القانون الدولي لحقوق الإنسان قيودا هامة على سلطة الدول الأعضاء على اتخاذ تدابير في إطار عملية صوفيا. وفي حين أن بعض هذه القيود، بما في ذلك الحق في الحرية والممتلكات، تقتضي من الدول الأعضاء وضع قواعد قانونية إضافية، فإن البعض الآخر، مثل الحق في الحياة والالتزام بعدم الإعادة القسرية، يمنعها من التصرف بطرق معينة. إن القصد الصريح من القرار 2240 (2015) هو تعطيل المؤسسات الإجرامية المنظمة العاملة في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر والحيلولة دون وقوع خسائر في الأرواح. وبالتالي، فإن الدول الأعضاء التي تضطلع بأنشطة من خلال عملية صوفيا تنص على سلامة الأشخاص الموجودين على متن السفن الخاضعة للتفتيش أو الحجز “كأولوية قصوى”[26].

وكان الهدف المنشود من البعثة البحرية للاتحاد الأوروبي هو التعامل مع الأشخاص المسؤولين والمتاجرين بالبشر من أجل جلب المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الاتحاد الأوروبي. ونظرا لأن العملية تركز فقط على البعد البحري للهجرة، وإذا نجحت، فسيحول المزيد من المهاجرين إلى استخدام الطرق البرية، التي تتزايد وتواجه المزيد من العقبات، وتشكل تهديدات جديدة للاتحاد على حدود شنغن الخارجية. إن المقياس الدقيق لتحديد نجاح العملية غير معروف، غير أن نصوص الصكوك القانونية التي تشكل رادعا من تلقاء نفسها، معيبة بصورة منتظمة، إذ أنها مجرد تغيير لمشاكل الهجرة في أماكن أخرى.

إن إنقاذ المهاجرين ونقلهم إلى الموانئ داخل أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يستتبع منح المهاجرين حق اللجوء، مما يعطي عامل جذب إضافي، وليس رادعا. وبالنظر إلى أن عدم الاستقرار من المرجح أن يستمر لبعض الوقت حتى الآن في الجوار الأوروبي، فإن البعثة البحرية الثانية للاتحاد الأوروبي، عملية صوفيا، يمكن أن تكون موجودة لبعض الوقت، ولكن عالقة في المرحلة الثانية. إن عدم موافقة الدول الثالثة على الانخراط بشكل مناسب في العملية سيعيق بشكل كبير فعاليتها في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي. وفي فترة نوفمبر 2015، قامت عملية صوفيا بحفظ أكثر من 5700 شخص في البحر، واستولت على 46 سفينة، وأبلغت 43 شخصا إلى السلطات المختصة التي ينظر إليها على أنهم مشتبه بهم في الإتجار بالبشر والمهربين[27].

ألقت لجنة الشؤون الأوروبية التابعة لمجلس اللوردات في المملكة المتحدة صورة قاتمة عن العملية، التي أشارت إلى أن “البعثة لا تقوم بأي شكل من الأشكال بردع تدفق المهاجرين، وتعطيل حركة المهربين”، أو تعوق أعمال تهريب الأشخاص على الطريق المتوسطي الأوسط “. واعتبارا من مايو 2016، كان وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي يبحثون عن زيادة قدرة عملية صوفيا، ولكنهم لم يقرروا بعد دخول المياه الإقليمية لليبيا خلال محاولة توسط دولية برؤية الدولة تشكل حكومة واحدة. وفي غضون ذلك، من الأهمية أن تكون العملية فعالة قدر الإمكان في إطار الوسائل القانونية الحالية من أجل منع المزيد من الخسائر في الأرواح بين المهاجرين الذين يقررون الوصول إلى الشواطئ الأوروبية[28].

وقد يتضاءل الاستعداد لخطر عبور البحر الأبيض المتوسط ​​على متن قوارب إذا تمكنت إيطاليا ودول أخرى في جنوب أوروبا من حماية حدودها ومكافحة الهجرة غير الشرعية بأقوى العبارات الممكنة. والشرط المفروض على الدول فيما يتعلق بتناول الظروف الفردية لهؤلاء المهاجرين على متن القوارب، ودراسة طلبات لجوئهم امتثالا لمعايير ستراسبورغ لحماية حقوق الإنسان، ليس طريقة مناسبة ولا شك أنها فعالة لمعالجة مشكلة الهجرة غير الشرعية. ولن يتوقف المهاجرون البحريون على أي شيء للوصول إلى هدفهم الأساسي: وضع أقدامهم على الأرض الأوروبية، أو على متن سفن الدولة التي ترفع أحد الأعلام الأوروبية، وهو ما يعادل تأمين المعايير الأوروبية لحماية حقوق الإنسان. وقد انتقدت المنظمات البحرية نتائج قضايا القراصنة بشدة. ومما لا شك فيه أن هذه القرارات قد تثني الدول الأوروبية عن اتخاذ إجراءات إنفاذ مناسبة ضد القراصنة المشتبه فيهم. ومن الواضح أن هناك عوامل هامة يجب أن تؤخذ في الاعتبار لضمان الوفاء بالتزامات حقوق الإنسان، ولكن “هذه لا تحتاج إلى أن تكون رادعا للملاحقة القضائية.[29]

ولا يمكن تفسير التزامات حقوق الإنسان بطريقة رسمية وصارمة، من أجل تقويض المؤسسة العامة لموافقة الدولة وتعاون الدول التي تشتد الحاجة إليها لمكافحة القرصنة والتهديدات الإرهابية والاتجار غير المشروع بالمخدرات والهجرة غير القانونية. وقد تؤدي الأحكام الأخيرة إلى قمع فعالية الكفاح العالمي على هذه الممارسات غير المشروعة، وتؤدي إلى امتناع بعض الدول عن المشاركة في عمليات إنفاذ القانون المتعددة الجنسيات التي تجرى على المياه الدولية. وينبغي أن يراعي قضاة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الطابع المحدد للعمليات البحرية التي تجري على المياه الدولية، والتي يغطيها قانون البحار الدولي، عند تقييم نطاق التزامات الدولة المنطبقة، فضلا عن القدرات العملية لإنجازها على المياه الدولية. ولا يمكن أن تكون الالتزامات المتعلقة بحماية حقوق الإنسان لا تطاق لسلطات الدولة أو تشكل عقبات يصعب التغلب عليها، كما أنها لا يمكن أن تحرم الدولة من قدرتها على العمل بفعالية. وعندما تصبح الالتزامات التعاهدية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان غير واقعية وتقييدا ​​غير متناسب على إجراءات الدول، من المرجح أن ان لا تمتثل لها الدول[30].

إشكاليات التعاون الخاصة باللجوء بين دول الإتحاد الأوروبي

من الجدير بالذكر أن الأمر التوجيهي 2001/55/ ​​من المحكمة الاوروبية قد وضع إجراء يتسم بطابع استثنائي لتوفير الحماية الفورية والمؤقتة في حالات التدفق الجماعي أو التدفق الجماعي الوشيك للمشردين من بلدان ثالثة الذين لا يستطيعون العودة إلى بلدهم الأصلي خاصة إذا كان هناك أيضا خطر من عدم قدرة نظام اللجوء على مواجهة هذا الوضع دون آثار سلبية من أجل أداءه الكفيء. وعلى الرغم من الإشارة إلى الحاجة إلى تضامن حقيقي وملموس بين الدول الأعضاء الأكثر تأثرا مباشرة بالهجرة التي جاءت في استنتاجات المجلس، فإن الطلب الرسمي من قبل الحكومة الإيطالية (بدعم من مالطة، الذي تأثر به أيضا الوافدون) لم يستوف الإجماع الضروري لبدء الإجراء. ولذلك، فإن صيغة القاعدة تسمح بأن يفترض أنه في حالة حدوث حالة استثنائية، ذات خصائص مماثلة للحالة الراهنة، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقرر تشجيع الإجراءات المشتركة للتصدي لها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقدم الدول الأعضاء طلبا محددا لتقديم المساعدة التي تتعرض نظم اللجوء والاستقبال فيها لضغوط معينة[31].

قد ركز الاهتمام حتى الآن أساسا على الكيفية التي يمكن بها للدول الأعضاء أن تظهر التضامن فيما بينها في الحالات التي يتعرض فيها نظام اللجوء لأحداها لضغوط كبيرة. ويمكن العثور على مؤشرات هامة حول آليات تقاسم الأعباء في الاتحاد الأوروبي في الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء. وفي هذا السياق، اتفقت الدول الأعضاء على وضع إجراءات، في حالة الأزمات في إحدى الدول الأعضاء التي تواجه مجموعة ضخمة من طالبي اللجوء، لتمكين إعارة موظفين من دول أعضاء أخرى لمساعدة تلك الدولة وإثبات فاعليتها في التضامن مع تلك الدولة عن طريق تعبئة برامج الاتحاد الأوروبي القائمة بسرعة أكبر. وبالنسبة للدول الأعضاء التي تواجه ضغوطا محددة وغير متناسبة على نظمها الوطنية للجوء، ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى وضعها الجغرافي أو الديمغرافي، فإن التضامن يهدف أيضا إلى تعزيز إعادة تخصيص مستحقات الحماية الدولية على نحو طوعي ومنسق من إلى الدول الأخرى، مع الحرص على عدم إساءة استخدام نظم اللجوء بموافقة من الحماية الدولية المعنية. ووفقا لهذه المبادئ، كان مطلوبا من اللجنة أن تسهل عملية إعادة التوزيع الطوعية والمنسقة، وأن توفر اعتمادات محددة، بموجب الصكوك المالية الحالية للاتحاد الأوروبي ووفقا لإجراءات الميزانية[32].

وقد تم التركيز في الواقع على إعادة توطين اللاجئين من بلدان ثالثة في دول الاتحاد الأوروبي، واعتبرت تدبيرا إنسانيا، تعبيرا عن تضامن الاتحاد الأوروبي تجاه هذه البلدان. وتحقيقا لهذه الغاية، افترضت استخدام الاعتمادات المخصصة لصندوق اللاجئين الأوروبي لتشجيع الدول الأعضاء على توسيع نطاق استخدام إعادة التوطين كأداة للتضامن والأمن الدوليين وكوسيلة لقبول اللاجئين إلى الدول الأعضاء. وحاولت الاتصالات تعزيز مشاركة أكبر في إعادة التوطين، ولكن دائما على أساس طوعي[33].

وفي أبريل 2011، اعتمدت الحكومة الإيطالية مرسوما ينص على تدابير إنسانية للحماية المؤقتة تنطبق على المواطنين القادمين من بلدان شمال أفريقيا إلى البلد من 1يناير 2011 إلى منتصف الليل في أبريل 2011 (أكثر من 25000شخص). وفي تلك المناسبة، اقتصرت صلاحية التصريح صراحة على البقاء في البلد. وفي أعقاب إعلان حالة الطوارئ الإنسانية في البلد، ينص الإجراء الذي اعتمد في أبريل على إصدار تصريح إقامة لأسباب إنسانية لمدة ستة أشهر. ويسمح تصريح الإقامة للشخص الذي يحمل وثيقة سفر، بحرية الحركة في بلدان الاتحاد الأوروبي، مع الإشارة إلى أحكام الاتفاقية التي تنفذ اتفاق شنغن المؤرخ في يونيه 1995 والتشريعات ذات الصلة. ويخول المرسوم السفر خارج الأراضي الإيطالية، دون الإشارة إلى الحدود المنصوص عليها في “قواعد شنغن”.

وقد ردت الحكومة الفرنسية فورا على المرسوم الذي أصدرته إيطاليا. وفي منشور اخر صدر في أبريل وموجه إلى المحافظين، حدد وزير الداخلية الفرنسي القواعد والالتزامات المنطبقة. وأشير إلى أن تصاريح الإقامة والتصاريح المؤقتة التي تصدرها دول أخرى لمواطني بلدان ثالثة غير مقبولة أو مؤهلة إلا إذا كانت قد سبق أن كانت قد أخطرت بها الدولة العضو المصدرة إلى اللجنة الأوروبية. وعلى أية حال، أشار التعميم إلى أن هذه التصاريح تخضع لشروط عادية من أجل حرية الحركة، بموجب قانون حدود شنغن (المادة 5، حيازة وثيقة سفر صالحة، ينبغي أن لا يكون دخولها إلى فرنسا لأكثر من ثلاثة أشهر)[34].

ونتائج فحص المرسوم الذي اعتمدته إيطاليا وفحوص الشرطة التي قامت بها فرنسا على الحدود، أصدرت اللجنة بيانا أشارت فيه إلى أن هذه المبادرات، وإن كانت متوافقة مع قانون الاتحاد الأوروبي من وجهة نظر رسمية، تتعارض مع الروح من قواعد شنغن. وقد أدى تدفق الناس من شمال أفريقيا إلى التوترات وانعدام الثقة بين الدول الأعضاء، مما أدى إلى التشكيك في مبدأ حرية التنقل داخل منطقة شنغن[35].

كإستنتاج؛ فإن الجوانب الأكثر أهمية يتعلق بشكل خاص بالحاجة إلى توفير الضيافة ودراسة طلبات الحماية الدولية لعدد “غير عادي” من الناس، مع تقديم استجابة سريعة وكافية، ولكنها تتوافق مع المعايير التي حددها الأتحاد االأوروبي. أدى تدفق الناس على الأقل إلى مضاعفة طلبات الحماية الدولية التي يتعين فحصها، وفي الحاجة إلى ضمان الإقامة لعدد من االأشخاص (الذين يحتمل أن يكونوا أعلى ب 6 إلى 7 مرات من القدرة العادية) من نظام الاستقبال الوطني. وفي حين أن الأزمة الحالية تؤكد ضرورة زيادة التضامن على المستوى الأوروبي، وتقسيم المسؤوليات على نحو أفضل، من ناحية أخرى، يجب الاعتراف بأن الاتحاد الأوروبي غير مجهز تجهيزا كاملا لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر عرضة لتدفقات الهجرة الجماعية. فالأدوات المتاحة حاليا لا تلبي جميع الاحتياجات وتوفر استجابة شاملة. ولا يمكن اللجوء إليها إلا بطريقة مخصصة، وتعتمد كلية على إرادة الدول الأعضاء في تقديم المساعدة الطوعية – بأي شكل كان – في وقت معين[36].

ختاماً لهذاكشفت أزمة تدفق اللاجئين أن الإتحاد الأوروبي في توسعه شرقاً لم يضع في حسبانه أن إرثاً ثقافياً وتاريخياً وعقائدياً سوف يؤثر في التعاطي مع اللاجئين العرب. عند التدخل الأوروبي للتعامل مع الأزمة, وضح صعوبة الإلتزام بمبادىء الحماية الأخلاقية, ونجد مجموعة من الإنتهاكات لمبادىء الأمن الإنساني, منها:1-الإنتهاكات عند نقاط العبور: تعمل وكالة حماية الحدود (فرونتكس) منذ تأسيسها علي القيام بعمليات تمشيط ورصد وإغاثة لا تتوقف عبر المتوسط لإكتشاف وتعقب المهربين الذين يعمدون الي تغيير مسارتهم بشكل دوري ويقومون بإستخدام مسرات أصعب وأطول مما يرجح إمكانية الغرق وتهديد الأرواح. 2-إعادة المهاجرين/اللاجئين الي أوطانهم الأصلية: وتبرز هنا مشكلة التعريف بين المهاجر واللاجىء من حيث وجود خطر سيلحق باللاجيء حال عودته الي بلده الأصلي.

وأصبحت بعض التحديات في الاتحاد الأوروبي مرهقة جدا بالنسبة للدول الأعضاء  للتعامل معها بمفردها، مثل التدفق الجماعي للمهاجرين غير النظاميين في دول جنوب أوروبا، الأمر الذي يتطلب تعاون جماعي أكبر بين دول الاتحاد الأوروبي. تهدف العملية البحرية “صوفيا 2” التي تجريها الاتحاد الأوروبي إلى مكافحة شبكات تهريب البشر والاتجار بهم على البحر الواقع مباشرة جنوب الاتحاد الأوروبي – جنوب ووسط البحر الأبيض المتوسط. وكان الهدف المنشود من البعثة البحرية للاتحاد الأوروبي هو التعامل مع الأشخاص المسؤولين والمتاجرين بالبشر من أجل جلب المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من الإشارة إلى الحاجة إلى تضامن حقيقي وملموس بين الدول الأعضاء الأكثر تأثرا مباشرة بالهجرة التي جاءت في استنتاجات المجلس، فإن الطلب الرسمي من قبل الحكومة الإيطالية (بدعم من مالطة، الذي تأثر به أيضا الوافدون) لم يستوف الإجماع الضروري لبدء الإجراء. وقد أدى تدفق الناس من شمال أفريقيا إلى التوترات وانعدام الثقة بين الدول الأعضاء.

الخاتمة:

نعلم أن قضية اللاجئين قد اخذت حيزاً واسعاً من الجدل بين دول العالم وكيفية تعاملهم مع تلك الجدلية. ولذلك قمت بتناول القضية من عدة جوانب ومنها قضية اللاجئين من منظور الاتحاد الأوروبي حيث ذكرت أزمة اللاجئين بالنسبة للاتحاد الأوروبي والتحديات التي يواجهها مثل إختلاف التركيبة السكانية للاجئين عن دول الاتحاد الأوروبي وأزمتي الدمج والمواطنة وغيرهم. حقيقة صرف الاتحاد للمليارات لإبعاد المهاجرين من الوصول لشواطئهم بقيامهم بعدة إنتهاكات عن نقاط العبور مما سبب في أزمات أخلاقية بسب إختلاف ما يدعيه الاتحاد الأوروبي دائماً عن تطبيقات الأمن الإنساني. ونأتي بعد ذلك لجدلية العمليات البحرية وخاصة العمليات البحرية الإيطالية وعمليات وكالة فرونتكس فيما يخص محاولتهم للقيام بعمليات مشتركة لمكافحة نشاط القراصنة والتصدي لمهربي البشر. ومن أشهر تلك العمليات هي صوفيا 2 في 2015 والتي ينتهي عملها بتدمير السفن المشتركة في عمليات التهريب, ولكن مامدى أحقيتها بفعل ذلك خاصة بعد وفاة آلاف الأشخاص وغرق الملايين والتي تقدر ب1990 شخص في 2017 فقط, فضلا عن وصول فيما لا يقل عن 82,897 شخص حتي الآن في 2017 فقط ويقدر الذين وصلوا في 2016 بحوالي 362,753 شخص, وهي أعداد مهولة ودائمة الأرتفاع والزيادة[37].

ومن ناحية أخري جدلية الطرف المسؤل عن عمليات الإنقاذ والبحث خاصة إذا إشتركت في ذلك دولة ثالثة لأن هذا لا يعفي الدولة المنقذة من ضرورة تدبير مكان آمن ودراسة طلبات اللجوء قبل ردعهم للوصول الي الشواطىء وتعريضهم للخطر. وبسبب ذلك ظهرت إشكاليات التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي أدي توترهم وشعور كل دولة بعبء اللاجئين علي إقتصاديتهم بالتشكيك في مبدأ حرية التنقل داخل منطقة شنغن.

من أشهر القضايا في ذلك السياق قضية هيرسي جامع ضد إيطاليا والذي تم نقله بواسطة سفن حربية إيطالية وتسليمه الي ليبيا والذي يعتبر إنتهاكا لمبدأ عدم الإعادة القسرية. وقد حاولت إيطاليا الدفاع عن نفسها بإنها قامت فقط بإنقاذ أشخاص معرضين للخطر وهذا لا يحملها مسؤلية تولي حمايتهم. لكن ذلك لم يفلح مع مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أدانتها لإنتهاكها الصريح مع عدم قيامها بفحص طلباتهم وتم إدانتها علي ذلك لوعي السلطات الإيطالية الكامل بما قامت بفعله.

لذلك يجب الإعتراف بأن الاتحاد الأوروبي غير مجهز للمساعدة في إستيعاب موجات التدفق الجماعي اليومية, وضرورة وجود إستجابة شاملة من جميع دول الاتحاد حتي يستطيعوا الصمود أمام تلك الأزمة والتي لا يظهر أملا في حلها عن قريب مع إستمرار تأزم وتصاعد الحروب المختلفة وعلي رأسهم الحرب\الأزمة السورية.

[1] Roberta Mungianu, “Frontex: Towards a Common Policy on External Border Control,” European Journal of Migration and Law 15 (2013):  368.

[2] Ibid., 379.

[3]  محمد أنيس سالم, “اللاجئون بين الإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية,” مجلة السياسة الدولية, عدد207, يناير 2017, ص89.

[4] Marta Szuniewicz, “Problems and Challenges of the ECHR’s Extraterritorial Application to Law-Enforcement Operations at Sea,” International Community Law Review 7 (2015): 450.

[5]  نادية سعدالدين, “تأزم بنية الدولة المضيفة للاجئين, الأردن نموذجاً,” مجلة السياسة الدولية, عدد 205, يوليو2016, ص18-19.

[6] T. Balzacq and S. Carrera (eds), “Security Versus Freedom? A Challenge for Europe’s Future,” Abingdon: Ashgate, (2011): 165.

[7] Ibid., 170.

[8] María-Teresa Gil-Bazo, “The Safe Third Country Concept in International Agreements on Refugee Protection Assessing State Practice,” Netherlands Quarterly of Human Rights, vol. 33, 1 (2017): 45.

[9] Alice Bosma, Conny Rijken, “Key Challenges in the Combat of Human Trafficking: Evaluating the EU Trafficking Strategy and EU Trafficking Directive,” New Journal of European Criminal Law, vol. 7, 3 (2016): 320.

[10] María-Teresa Gil-Bazo, 50.

[11] Bruno Nascimbenea and Alessia Di Pascaleb, “The ‘Arab Spring’ and the Extraordinary Influx of People who Arrived in Italy from North Africa,” European Journal of Migration and Law 13 (2011): 344.

[12] Memo, “The European Commission’s response to the migratory flows from North Africa,” European Commission, acc. 20\6\2017, http://europa.eu/rapid/press-release_MEMO-11-226_fr..htm?locale=fr.

[13] Graham Butler and Martin Ratcovich, “Operation Sophia in Uncharted Waters: European and International Law Challenges for the eu Naval Mission in the Mediterranean Sea,” Nordic Journal of International Law 85 (2016): 237.

[14] A. Baldaccini, “The Return and Removal of Irregular Migrants under EU Law: An Analysis of the Returns Directive,” EJML, vol. 11, 1 (2009): 1.

[15] Thierry Tardy, “Operation Sophia, Tackling the refugee crisis with military means,” European Union Institute for Security Studies, (Sep 2015): 1.

[16] Graham Butler and Martin Ratcovich, 241.

[17] Roberta Mungianu, 385.

[18] Silja Klepp, “A Contested Asylum System: The European Union between Refugee Protection and Border Control in the Mediterranean Sea,” European Journal of Migration and Law 12 (2010): 17.

[19] Silja Klepp, 21.

[20] P. Koutrakos and A. Skordas (eds.), “The Law and Practice of Piracy at Sea: European and International Perspectives,” Hart Publishing, (2014): 186.

[21] Graham Butler and Martin Ratcovich, 245.

[22] J.W. Boulton, “Maritime Order and the Development of the International Law of Piracy,” International Relations, vol. 7, 5 (1983): 2341.

[23] Rutvica Andrijasevic, “How to Balance Rights and Responsibilities on Asylum at the EU’s Southern Border of Italy and Libya,” Centre on Migration, Policy and Society, no.26 (2006): 6.

[24] J.W. Boulton, 2345.

[25] Graham Butler and Martin Ratcovich, 251.

[26] David Styan, “All at Sea? Maritime Dimensions of Europe’s Relations with Africa,” Insight on Africa, vol. 8, 2 (2016): 116.

[27] Graham Butler and Martin Ratcovich, 257.

[28] Graham Butler and Martin Ratcovich, 259.

[29] Matthew J Gibney, “Refugees and justice between states,” European Journal of Political Theory, vol. 14, 4 (2015): 452.

[30] Marta Szuniewicz, 473.

[31] Basil Germond, “Multinational Military Cooperation and its Challenges: The Case of European Naval Operations in the Wider Mediterranean Area,” International Relations, vol. 22, 2 (2008): 178.

[32] Bruno Nascimbenea and Alessia Di Pascaleb, 349.

[33] Gönül Oğuz, “International Cooperation in Combating Human Trafficking in the EU: Evidence from Turkey,” Irish Journal of Sociology, vol. 20, 1 (2012): 45.

[34] Ibid., 52.

[35] “Irregular Migration via the Central Mediterranean From Emergency Responses to Systemic Solutions,” European Political Stategic Centre, issue 22, (Feb. 2017) acc. 20\6\2017, https://ec.europa.eu/epsc/sites/epsc/files/strategic_note_issue_22_0.pdf

[36] Bruno Nascimbenea and Alessia Di Pascaleb, 359.

[37] “Operation Portal Refugee Situations,” acc. 22\6\2017, http://data2.unhcr.org/en/situations/mediterranean

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=69473

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M