شهدت الهند سلسلة من الأحداث التي تهدف إلى خلق صراع مجتمعي ديني بعد أن حرمت نتائج انتخابات يونيو/حزيران حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم من الحصول على أغلبية برلمانية.
ومع اقتراب انتخابات المجالس في الولايات الرئيسة، تتزايد اتهامات هيئات المجتمع المدني وقادة المسلمين، لحزب “بهاراتيا جاناتا” بمحاولة استعادة سلطته من خلال الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) في مواجهة أحزاب المعارضة الصاعدة.
في ولاية أوتار براديش التي يحكمها حزب “بهاراتيا جاناتا”، أصدرت الشرطة في مقاطعة موزافارنجر مؤخرا إملاءات تطلب من المطاعم عرض أسماء أصحابها وموظفيها خلال موسم الحج الهندوسي المعروف باسم “كانوار ياترا” الذي تشمل طقوسه سير الحجاج لمسافات طويلة في ولايات مثل أوتارانتشال، وأوتار براديش، لجمع المياه في أوعية من نهر الغانج، والافتراض السائد هو أن هؤلاء المتعبدين الهندوس لا يجب أن يأكلوا الأطعمة التي يعدها أو يقدمها أو يبيعها المسلمون.
بيد أن منتقدي هذه الخطوة يرون أنها ستؤدي إلى مقاطعة الشركات التي يملكها مسلمون وصغار البائعين المسلمين على طول الطرق أيضا، ناهيك عن توسيع شقة الخلاف المجتمعي في هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.
ووفق ما يقوله محمد أديب، عضو البرلمان السابق ورئيس منظمة المسلمين الهنود من أجل الحقوق المدنية (IMCR)، “تبدو كل من شرطة موزافارنجر وإدارة ولاية أوتار براديش متشبثتين بالقرار على الرغم من انتقاد الناس له” مشبها هذه الإجراءات بتلك التي “وقعت في عهد النازية في ألمانيا”.
وشبه البعض هذا الإجراء بسياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقال أحد أصحاب المطاعم الهندوس في مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي إن الإدارة أجبرته على طرد جميع موظفيه المسلمين.
ويعلق أديب بالقول إن المسلمين “لم يقعوا في فخ محاولات الاستقطاب الديني التي قام بها حزب بهاراتيا جاناتا خلال الحملة الانتخابية، بل صوتوا بحكمة لصالح تحالف المعارضة وهو الأمر الذي تسبب في معاناة حزب بهاراتيا جاناتا”.
أضاف قائلا: الآن يرى حزب “بهاراتيا جاناتا” فرصة للانتقام. فشعاره “سابكا ساث، سبكا فيكاس” (الجميع معا، التنمية للجميع) هو مجرد “باكواس” كما يقال في الهندية أي إنه هراء وكلام فارغ وما نراه بدلا من ذلك هو استمرار الفظائع القديمة”.
وكانت موزافارنجر مسرحا لأعمال عنف دينية فظيعة وقعت في عام 2013، قبل أشهر من الانتخابات العامة لعام 2014 التي خرج فيها حزب “بهاراتيا جاناتا” منتصرا على خلفية الدعم القوي الذي تلقاه في قلب الهند، ومن بينها ولاية أوتار براديش.
وتحدى التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل (I.N.D.I.A) بقيادة حزب “المؤتمر الوطني” التوقعات التي سبقت الاقتراع بفوز حزب “بهاراتيا جاناتا” القوي في انتخابات هذا العام. نذكر أن هذا التحالف هو تحالف سياسي كبير متعدد الأحزاب يضم الكثير من الأحزاب السياسية في الهند، بقيادة أكبر حزب معارض في البلاد، وهو حزب “المؤتمر الوطني” الهندي.
إن المسلمين لم يقعوا في فخ محاولات الاستقطاب الديني التي قام بها حزب “بهاراتيا جاناتا” خلال الحملة الانتخابية، بل صوتوا بحكمة لصالح تحالف المعارضة
ولعل انتشار البطالة بين الشباب، والمحن التي يواجهها القطاع الزراعي، والمخاوف داخل مجتمع الداليت من أن حزب “بهاراتيا جاناتا” كان على وشك تغيير الدستور الهندي بما يتماشى مع مشروع “هندوتفا”، والغضب بسبب عدم الوفاء بالوعود الانتخابية خلال فترتي حكم حزب “بهاراتيا جاناتا”، كل تلك العوامل لعبت دورا إيجابيا لصالح كتلة “التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل” (I.N.D.I.A).
وليس غريبا أن لا يكون الداليت متحمسين لأيديولوجيا “الهندوتفا”، وهي أيديولوجيا سياسية قومية عرقية يمينية تحدد الهوية الثقافية للهند من حيث الهندوسية وترغب في جعل الهند دولة قومية هندوسية بشكل علني. ذلك أن هذه الجماعة كانت حتى عهد قريب تدعى “طائفة المنبوذين” وتعتبر في أسفل التسلسل الهرمي الطبقي. ومن شأن قرارات موزافارنجر أن تضر بالبائعين من الداليت أيضا ذلك أن الطبقات العليا ستكون مترددة في استهلاك الأطعمة والمشروبات التي يقدمونها.
شترستوك
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بين أنصاره في نيودلهي بعد إعلان تقدمه في الانتخابات في 4 يونيو
وكانت هناك دعوات للقضاء الهندي لكي يقول كلمته ويتدخل للبت في الأمر. وقد أصدرت المحكمة العليا في 22 يوليو/تموز أمرا مؤقتا بوقف تنفيذ توجيهات ولاية أوتار براديش، وسمحت للمالكين بعرض أنواع الأطعمة المقدمة في مطاعمهم.
وانتقد الكثير من أعضاء البرلمان الذين حضروا جلسة الموازنة المسألة المتعلقة بـ”لوحة الأسماء”، بمن فيهم النائب عن حزب “ساماجوادي”، ديمبل ياداف، الذي قال: “تحاول الحكومة إخفاء إخفاقاتها. لو أن هؤلاء الأشخاص تحدثوا مثلا عن الوظائف والفقر وارتفاع الأسعار وكيف يمكننا تحسين البنية التحتية في البلاد لكان ذلك أفضل”.
وليس مستغربا ولا جديدا استخدام السياسيين من مختلف الأحزاب القضايا الاستفزازية في الهند للحصول على الشعبية، لكن المخاطر كبيرة بشكل خاص بالنسبة لحزب “بهاراتيا جاناتا” في الانتخابات الإقليمية المقبلة.
وثمة رواية تقول إن المسلمين صوتوا ضد حزب “بهاراتيا جاناتا”، لذلك “يجب أن يلقنوا درسا”، ويشير نديم خان، سكرتير جمعية حماية الحقوق المدنية (APCR)، في تعليقه على هذه الرواية، إلى أن “هناك زيادة مثيرة للقلق في أعمال العنف الديني وعمليات الإعدام العلني غير القانوني وهدم منازل المسلمين”.
وقعت مثل هذه الحوادث في الولايات التي يحكمها حزب “بهاراتيا جاناتا” مثل ماديا براديش وراجستان وأوتار براديش وأوديشا وغوجارات وكذلك في الولايات التي تحكمها المعارضة على حد سواء، ومن بينها هيماشال براديش وجهارخاند وتيلانجانا.
وقال نديم خان مؤخرا في مؤتمر صحافي نظمته الجماعة الإسلامية الهندية (JIH)، وهي منظمة اجتماعية دينية: “إن تسعين في المئة من هذه الحوادث تحركها دوافع سياسية”، بينما سلط تقرير صدر في يونيو عن جمعية حماية الحقوق المدنية (APCR) الضوء على حالات مختلفة من العنف وكراهية الإسلام.
وغالبا ما توفر السياسات المتعلقة بالأبقار، التي يعتبرها بعض الهندوس مقدسة، غطاء للكثير من الجرائم، وبالفعل قامت السلطات في منطقة مانديلا بولاية ماديا براديش بهدم عدة منازل للمسلمين، بعد تقارير مزعومة عن وجود “لحم البقر” من ثلاجاتهم.
وقدم المسلمون الذين يعيشون في سانجام فيهار في دلهي شكوى للشرطة بعد أن زعموا أن خطابات الكراهية أثارت توترات في المنطقة بعد اكتشاف بقايا بقرة أمام أحد المعابد.
كما تعرض شاب مسلم للضرب حتى الموت على يد حشود غاضبة في مدينة عليكره في ولاية أوتار براديش، ما تسبب في توترات طائفية. ولقي ثلاثة شبان مسلمين مصرعهم في أعمال عنف لحشود غاضبة بسبب نقل قطعان من الماشية في رايبور بولاية تشاتيسجاره، بينما تعرض عدد من الأشخاص لإصابات عندما هاجم حشد من الناس مدرسة دينية إسلامية في ميداك بولاية تيلانجانا الجنوبية في نزاع نشب حول نقل الأبقار.
وفي ولاية أوديشا الشرقية، اقتحمت حشود حانقة من الناس منازل المسلمين بحضور الشرطة وقاموا بتفتيش الثلاجات بحثا عن اللحوم. أما في هيماشال براديش، فقد قام المئات من المتطرفين الهندوس بنهب المتاجر المملوكة للمسلمين. وفي لكناو، عاصمة ولاية أوتار براديش، قامت السلطات بهدم عدد من المنازل في منطقة أكبرناغار ذات الغالبية المسلمة، مشيرة إلى تعديهم على أراضي الدولة.
غالبا ما توفر السياسات المتعلقة بالأبقار، التي يعتبرها بعض الهندوس مقدسة، غطاء للكثير من الجرائم
ووفقا لتقارير وسائل إعلام محلية، تعرض 1800 “مبنى” للهدم، من بينهم 1169 منزلا سكنيا، ما ترك آلاف الأشخاص دون مأوى أو أي سبيل للعيش. وأشار القاطنون إلى أنهم عاشوا هناك منذ عقود، ولم تُتبع الإجراءات القانونية الواجبة عندما قامت الجرافات بتسوية حيهم المأهول بالأرض”.
وبحسب تقرير نشرته مجلة “فرونت لاين” هذا الشهر، فقد تعرض 150 ألف منزل للهدم في الهند خلال عامين، الأمر الذي أدى إلى تشريد 738 ألف شخص، معظمهم من المسلمين والقطاعات المهمشة من الناس.
وتطالب الجماعة الإسلامية الهندية القضاء باتخاذ خطوات جادة ضد تكرار أعمال العنف المجتمعي الديني وضد النمط الجديد الذي ظهر عندما قامت السلطات المحلية بهدم منازل المسلمين باستخدام أعذار مختلفة.
كما طالبت الجماعة تنظيم المعارضة الرئيس “التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل” (I.N.D.I.A)، بأن بلعب دوره كمعارضة فعالة من خلال إثارة هذه القضايا في البرلمان.
المصدر : https://www.majalla.com/node/321646/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%82%D9%84%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%AD%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF