عقد الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، والرئيس الصيني، “شي جين بينج”، أمس الأربعاء 15 ديسمبر، قمة افتراضية عبر تقنية “الفيديو كونفرانس”. وهو اللقاء الذي عدّه كلاهما تتويجًا لعام ممتد من السياسة الخارجية لكل منهما. وكان المتحدث الرسمي باسم الكرملين، “ديميتري بيسكوف”، قد أعلن عشية اللقاء أن الرئيسين يعتزمان مناقشة القضايا الدولية الكبرى وكذلك قضايا الطاقة. مضيفًا أن الاجتماع يختص بتلخيص نتائج العمل المشترك بشأن تطوير الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية الشاملة خلال عام 2021.
وتابع “بيسكوف”، مُعلقًا على أسباب القمة، “نرى خطابًا شديد العدوانية من جانب كل من منظمة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية”. وتأتي هذه القمة في توقيت عالمي حَرِج، لا يُخفى فيه على أحد أن انتقاء موعدها بحد ذاته يحمل دلالات ومعاني شتى ينبغي الوقوف لتأملها، في ظل طبيعة العلاقات الروسية الصينية.
ما بين موسكو وبكين: منعطفات سبقت القِمة
يتسم توقيت انعقاد القمة بحساسية بالغة تكتسب أهميتها مما سبقها من أحداث متصاعدة جمعت ما بين بكين والغرب من جهة، وموسكو والغرب من جهة أخرى. ومن ناحية التوترات مع بكين، فليس ثمة من يُماري في حقيقة أن واشنطن تنظر بعيون من الحذر إلى القوة الصينية المتصاعدة وترغب في كبح جماحها. وكذا، يوجد العديد من الملفات الخلافية بين الغرب على رأسهم الولايات المتحدة من ناحية، والصين من ناحية أخرى.
من ضمن هذه الخلافات، ملف انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في إقليم “شينجيانج” ذاتي الحكم، والذي يستمر الغرب في توجيه الاتهامات للصين على خلفيته. ومثال على ذلك، أن طالبت 43 دولة عضو في الأمم المتحدة الصين من خلال إعلان مشترك، بتاريخ 22 أكتوبر 2021، “بضمان الاحترام الكامل لدولة القانون”، وهو البيان الذي اختص بالذكر طائفة مسلمي الإيجور من سُكان إقليم “شينجيانج”.
ويعد ملف التدخلات الصينية في الشأن الداخلي التايواني، وإصرار بكين على اعتبار تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، والدور الذي لعبه هذا الملف في تدهور العلاقات بين بكين والغرب، خلال الآونة الأخيرة، له كذلك دور بارز في إضفاء طابع الحساسية على توقيت انعقاد القمة.
فقد أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتاريخ 22 أكتوبر من العام الجاري، أن الولايات المتحدة سوف تدافع عن تايوان إذا تعرضت إلى هجوم من الصين، وهو الموقف الذي برره البيت الأبيض فيما بعد بأنه لا يحيد عن السياسات الأمريكية؛ نظرًا إلى أن أحد التشريعات الأمريكية تُلزم الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها.
واختتمت التوترات المتصاعدة بين الغرب والصين، بتاريخ 7 ديسمبر، عندما أعلنت الولايات المتحدة أخيرًا –بعد أشهر من مساعيها لاتخاذ موقف إزاء الأولمبياد في بكين- مقاطعتها الدبلوماسية لدورة الألعاب الشتوية 2022 في بكين. وعللت واشنطن قرارها بارتكاب الصين للعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تصل إلى حد الإبادة في حق مسلمي “الإيجور”، من سُكان إقليم “شينجيانج” في شمال شرق الصين. وهو القرار الذي كانت الصين قد هددت من قبل باتخاذ إجراءات مُضادة في حال اتخاذه.
ومن ناحية التوترات الغربية المتصاعدة مع موسكو، فإن الرئيس الروسي لم يتلقَ بعد تأكيدات أو ردود رسمية من قِبَل نظيره الأمريكي، “جو بايدن”، في أعقاب لقائهما الأخير بخصوص التوصل لحلول ممكنة للأزمة، وطلبات روسيا للحصول على ضمانات موثقة بشأن عدم انضمام أوكرانيا وجورجيا لحلف الناتو. لذلك يرى بوتين أن الوضع لايزال متأججًا على ذات الحال، كما قبل القمة مع “بادين”، وهو لا يزال في انتظار ردود رسمية من الغرب حتى يتسنى له أن يُحدد استنادًا إليها خطوته القادمة في النزاع.
وقد أجرى بوتين محادثة هاتفية طويلة، أمس الاثنين 13 ديسمبر، مع بريطانيا بصفتها رفقة واشنطن المخلصة، وطلب من رئيس الوزراء البريطاني، “بوريس جونسون”، وكرر عليه طلب موسكو بأن يتم عقد اتفاقيات قانونية دولية واضحة تستبعد أي تقدم إضافي لحلف الناتو نحو الشرق، بالإضافة إلى إزالة الأسلحة التي تُهدد روسيا في دول الجوار، وخاصة أوكرانيا. وفي ضوء كل ما سبق، تطرح التساؤلات نفسها، حول دلالات ورسائل انعقاد القمة بين الرئيسين الروسي والصيني في خلال هذا التوقيت الدولي الحساس.
أبرز تصريحات الرئيسين خلال القمة
استمر اللقاء لمدة ساعة ونصف، وكانت هذه قمة مغلقة لم تُنشر منها سوى أجزاء تتعلق بالبيانات الافتتاحية للرئيسين وبضع نقاط محددة فقط. وخلال القمة، لم يقتصر الرئيسان، الروسي والصيني، على تلخيص نتائج السياسة الخارجية لعام 2021 وإظهار مدى عمق صداقتهما الشخصية فحسب. بل أنهما أوضحا أن موسكو وبكين، اللتين لم تدخلا بعد في علاقات تحالف رسمية، تعملان بالفعل كحليفين. مؤكدين أن الغرب لن يكون قادرًا على زرع الخلاف بينهما. ومن جهته، أكد “بوتين”، اعتزامه حضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، التي ستقام في بكين في فبراير من العام المقبل.
وقد وصف “بوتين” خلال افتتاح المحادثات مع نظيره الصيني، العلاقات بين البلدان بأنها نموذج حقيقي للتعاون بين الدول في القرن الحادي والعشرين. لافتًا إلى أن نموذج التعاون فيما بينهما يحتوي على مبادئ مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام المصالح. وأشار “بوتين” إلى أنه من المحتمل أن يتم تمديد معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون، والتي تم توقيعها بين البلدين بتاريخ 2001، لمدة خمس سنوات جديدة. مؤكدًا أن تنفيذ هذه الوثيقة هو الذي أتاح إمكانية رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق.
ومن جهته، قال الرئيس الصيني “شي جين بينج”، إن العلاقات بين الصين وروسيا صمدت أمام تحديات مختلفة، وأثبتت أن لديها مقومات الحياة. وتحدث “بينج” عن تصدي نظيره فلاديمير بوتين، لمحاولات “دق إسفين” بين بكين وموسكو. وعبّر الرئيس الصيني عن تطلعه للقاء بوتين، في فبراير المقبل، ببكين خلال افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية. ونوه “شي بينج” بأن بكين منفتحة على تطوير العلاقات بين شعبي روسيا والصين، ولديها خطط مستقبلية لتطوير هذه العلاقة. وأكد أنه ينبغي على الجانبين أن يدعما جميع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في الدفع المستمر للبنود المهمة من أجندتها السياسية الوطنية، وألا يسمحا تحت أي ظرف بتدخلات القوى الخارجية في شؤونها الداخلية بأي ذريعة كانت.
القمة الروسية الصينية.. دلالات ومعانٍ
تأتي القمة الافتراضية الروسية الصينية، في توقيت، يبعث للعالم رسالة مفادها، أن ما يجمع موسكو وبكين أكبر بكثير مما يفرقهما. وفي الحقيقة، قد يبدو للوهلة الأولى أن العلاقات بين البلدان قد بلغت من العمق الحد الذي يرقى إلى مستوى التحالف، لكن هذا لا ينفي أن موسكو –رغم تأكيداتها على علاقة التحالف مع بكين- لديها ما يثير القلق إزاء سرعة تطور الجارة الصينية على كافة النواحي. وهي جميعها نقاط يضيق الحديث عن ذكرها هنا، لكن ما يلفت الانتباه هو أن البلدين يجتمعان بهدف بعث رسالة مشتركة تؤكد توحيد الجبهات ضد الغرب.
وفي غضون الظروف الدولية الراهنة، تبقى هناك تساؤلات حول الدعم الملموس الذي يُمكن أن تُقدمه موسكو لبكين فيما يتعلق بقضاياها الخلافية مع الغرب، والعكس بالمثل صحيح، ما الذي من الممكن أن تقدمه بكين إلى موسكو في حال أن قررت الأخيرة غزو أوكرانيا؟!
الرد ببساطة، لا شيء أكثر من مجرد احتمالات بالدعم الدبلوماسي والإعلامي القوي المتبادل. ولا شك أن علاقة شخصية مميزة تجمع بين بوتين ونظيره الصيني؛ مثال على ذلك ما أعلنه “بوتين” خلال القمة من رفضه لمحاولات تسييس الرياضة واعتزامه الذهاب بنفسه لحضور حفل افتتاح أولمبياد بكين، أملًا في توجيه ضربة للمقاطعة الدبلوماسية للأولمبياد.
وهو دعم روسي دبلوماسي، وخطوة مبادرة من قِبَل بوتين الذي تجمعه علاقة حسنة بنظيره الصيني. لكن مع ذلك، يظل من الصعب الحديث عن احتمالات تحالف عسكري صيني روسي مشترك. والدليل على ذلك، أن “بوتين” أعلن خطوته الداعمة للصين بخصوص توتراتها الأخيرة مع الغرب، لكن في المقابل، ما الذي أعلنته الصين؟
لقد أعلن الرئيس الصيني، أنه ينبغي على البلدين العمل معًا على منع أي تدخلات في شؤون دول منظمة شنغهاي للتعاون! بمعنى آخر، إن أوكرانيا وهي الدولة التي تدور حولها اليوم توترات بين موسكو والغرب، ليست دولة عضو في هذه المنظمة. لذلك، فإن الرئيس الصيني ربما يقصد بهذه الكلمات رفضه للتدخلات الغربية في شؤون بلاده هو وروسيا، نظرًا إلى عضويتهم في المنظمة.
لكن مرة أخرى، نشير إلى أن التوترات التي تجمع بين موسكو والغرب ليست شأنًا داخليًا روسيًا، علاوة على أن سبب ذهاب “بوتين” إلى هذه القمة، في هذا التوقيت الحرج، يتعلق في المقام الأول برغبته في الحصول على مساعدة الصين في المسألة الأوكرانية. ولا شك أن الرئيس الصيني يتفهم وجهات نظر، “بوتين”، نظرًا لأن كليهما لديه ذات النظرة الإمبراطورية التوسعية إلى دول الجوار. لكن هل ستُقدم الصين على تقديم مساعدة عسكرية لروسيا في حالة غزوها أوكرانيا؟
الإجابة، سيكون ذلك شيئًا مستبعد بالنسبة للصين، نظرًا لأن مصالح تجارية مهمة تربط الصين بكييف، وتلك المصالح تتضمن الاتفاقيات التي وقعتها أوكرانيا مع الصين بشأن مشروعات مثل بناء المطارات والطرق والسكك الحديدية، وجميعها مشروعات تحرص بكين عليها.
وروسيا بالمثل –في الوقت الراهن- لا تملك رفاهية الانجرار إلى تقديم دعم عسكري في صراعات الصين بغرض التوسع الإقليمي مثل صراعاتها مع تايوان، وهو الشيء الذي يُنظر له –بالأساس- في موسكو، بعيون من الحذر والخوف من أن يتم التضخم الصيني، إقليميًا، على حساب النفوذ الروسي في شرق آسيا. لذلك، فمن الأجدر أن يتم وصف هذه القمة بأنها ربما ليست قمة بهدف تقديم دعم جذري من طرف لآخر، بقدر ما يُمكن وصفها بأنها قمة “إظهار” توحيد الصفوف.
.
رابط المصدر: