قمم الإيجاد: دور منظمة الإيجاد في رعاية الوساطة لوقف الصراع السوداني

تثير المساعي الدبلوماسية الأخيرة التي ترعاها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيجاد” للتوصل لحل سلمي للصراع الدائر في السودان، العديد من التساؤلات حول القيود المفروضة على تلك الجهود، خاصة مع التحفظات التي أبدتها الحكومة السودانية على دعوة المنظمة لعقد قمة استثنائية تستضيفها أوغندا في 18 يناير الجاري.

وتعد هذه القمة هي الثالثة بعد قمتين سابقتين استضافتهما جيبوتي في يونيو وديسمبر الماضيين، كان أبرز مخرجاتهما هو عقد لقاء مباشر بين رئيس المجلس السيادي “عبد الفتاح البرهان” وقائد قوات الدعم السريع “حميدتي”، مما أضفى مزيدًا من التعقيد على الدور الذي تقوم به الإيجاد، التي تواجه اتهامات وتحفظات من قبل الحكومة السودانية.

وتقترن التحفظات المطروحة بدعوة وحضور قائد الدعم السريع “حميدتي” للقمة، في الوقت الذي أخفقت فيه المنظمة في عقد اللقاء الذي كان مقررًا بينه وبين رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان” في 28 ديسمبر الماضي لأسباب غير منطقية، نظرًا لتزامن التوقيت مع جولات إقليمية أجراها حميدتي لعدد من الدول الإقليمية، مما أضفى شكوكًا على دور المنظمة في الوفاء بدورها في الحل، خاصة وأن ذلك اللقاء كان إحدى مخرجات القمة الاستثنائية “41” التي استضافتها جيبوتي في 9 ديسمبر الماضي؛ الأمر الذي تنتفي معه أهمية عقد قمم متتابعة دون متابعة المخرجات وتنفيذها.

جولات التفاوض

دخلت الإيجاد على خط الأزمة السودانية في وقت مبكر من الأزمة، مع تعبير قادة دول جنوب السودان وجيبوتي وكينيا عن مخاوفهم واستعدادهم لقيادة وساطة بين طرفي الصراع في إبريل الماضي، في ضوء ما كلّفتهم به المنظمة في قمتها الطارئة لإجراء اتصالات لوقف القتال؛ إلى أن استضافت جيبوتي أول قمة تناقش الصراع السوداني في يونيو الماضي، في مسار موازٍ لذلك الذي بدأ في جدة برعاية سعودية أمريكية في مايو 2023.

القمة الرابعة عشرة

وافق الجيش في السابع والعشرين من إبريل الماضي، على مبادرة الإيجاد بتمديد الهدنة، وإيفاد ممثلين لطرفي الصراع إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، للتفاوض بشأن مبادرة مقترحة من دول الإيجاد (كينيا – جيبوتي- جنوب السودان) يرعاها الرئيس سلفا كير، بالتنسيق مع خارطة طريق الاتحاد الأفريقي التي أعلن عنها نهاية مايو 2023، وتضمنت وقفًا فوريًا ودائمًا للأعمال العدائية، وحماية المدنيين، واستكمال العملية السياسية الانتقالية، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية.

وخلال القمة العادية الرابعة عشرة لرؤساء دول وحكومات الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا “إيجاد”، التي عقدت الإثنين 12 يونيو 2023، تمت مناقشة الأوضاع الجارية في السودان، في حضور رؤساء جيبوتي إسماعيل عمر جيله، وجنوب السودان سلفا كير ميارديت، والصومال حسن محمود، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ورئيس كينيا وليام روتو؛ استبقتها بيوم قمة مصغرة استضافتها جيبوتي بمشاركة جنوب السودان وكينيا.

وتزامن انعقاد هذه القمة مع الإعلان عن تجميد مباحثات جدة واتجاه الولايات المتحدة لفرض عقوبات على طرفي الصراع، مما دفع بالانفتاح على المبادرة من الجانب الأفريقي، على الرغم ما واجهته من تحفظات من الحكومة السودانية على مخرجاتها، المتمثلة في رئاسة كينيا للجنة الرباعية بدلًا من جنوب السودان وعضوية إثيوبيا وجيبوتي، وتحفظت كذلك على عقد لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي خلال أسبوعين من انعقاد القمة وفق ما أعلنه الرئيس الكيني وليام روتو، للحديث عن وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية والتمهيد لحوار سياسي شامل بين القوى الوطنية.

وتكرر تحفظ السودان على دعوات المجموعة الرباعية للإيجاد، التي عقدت اجتماعها الأول في أديس أبابا في 10 يوليو 2023، لقوات الاحتياطي الشرق أفريقية “إيساف” للانعقاد لبحث حماية المدنيين في السودان وضمان إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال المستمر. وهو ما زاد الفجوة والشكوك بين الحكومة السودانية وقادة شرق أفريقيا، وتحديدًا الرئيس الكيني وليام روتو المشكوك في دعمه للدعم السريع.

القمة الاستثنائية 41

خيم الجمود على الجهود والمبادرات المطروحة بما فيها مباحثات جدة لعدة أشهر، حتى انعقدت جولة ثانية من مباحثات جدة في أواخر أكتوبر الماضي بحضور ممثلين عن الإيجاد والاتحاد الأفريقي، دعا إليها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامش أعمال الدورة 78 للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، والتي تم الإعلان عن تعليقها في الثالث من ديسمبر الماضي، نظرًا لإخفاق جهود وقف إطلاق النار.

وتزامنًا مع عودة الجولة الثانية من مباحثات جدة، انعقدت الجولة الثانية لوساطة الإيجاد خلال القمة الاستثنائية الطارئة التي انعقدت في جيبوتي يوم 9 ديسمبر 2023. وعلى الرغم مما أبدته الخارجية السودانية من تحفظات على مخرجاتها، إلا أنها أبدت موافقة على عقد لقاء ثنائي بين كل من البرهان وحميدتي، مشروطة بوقف إطلاق النار وخروج الدعم السريع من العاصمة الخرطوم.

واتفقت القمة على حلّ اللجنة الرباعية وتشكيل لجنة موسعة تضم دولًا مختلفة بما في ذلك الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية وفرنسا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وتقرر كذلك عقد لقاء مباشر بين كل من البرهان وحميدتي خلال أسبوعين تستضيفه جيبوتي أو أي من عواصم الدول المجاورة وتحت إشراف اللجنة الموسعة. ووافق البرهان وفق مخرجات القمة على لقاء حميدتي بشكل مباشر، شريطة وقف إطلاق النار والخروج من الخرطوم والمناطق التي احتلتها قوات الدعم السريع. ودعت القمة كذلك إلى الإسراع في الجهود التي من شأنها تسهيل مشاركة المدنيين في حوار وطني شامل لتشكيل حكومة انتقالية ومناقشة قضايا الانتقال الديمقراطي؛ وذلك بالتنسيق مع مسار جدة وخارجة طريق الاتحاد الأفريقي وكافة الجهود المبذولة من الشركاء.

ولم تسهم تلك القمة في إزالة التوترات بين السودان وكينيا أو في تقريب المسافات في وجهات النظر بين البرهان وحميدتي. فعلى هامش القمة، كان هناك وفد للدعم السريع بجيبوتي لم يحضر اجتماعات القمة بشكل رسمي اعتراضًا على وجود البرهان، في الوقت الذي يرفض فيه الأخير اللقاء المباشر مع حميدتي، ويستنكر على الدول التي تستضيفه.

جدل الدور

تتبنى الإيجاد رؤية لتوحيد الجهود الإقليمية والقارية الرامية لحل الأزمة، تجلت في حلّ اللجنة الرباعية وتشكيل آلية موسعة ضمت عددًا من الدول والمنظمات، تشمل مصر، الإمارات، السعودية، الولايات المتحدة، فرنسا، الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية. وهي رؤية لا تبتعد في منطقها عن دعوات توسعة مسار السعودية – الولايات المتحدة ليشمل كافة الدول والأطراف المعنية؛ ما يعني أن أي مسار سيتم اعتماده يتعين أن يضم كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية.

وتتسق تلك الرؤية مع خارطة طريق الاتحاد الأفريقي، التي تتضمن ضرورة انخراط كافة دول الجوار المتأثرة بالنزاع ضمن الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة، نظرًا للدور المحوري الذي تلعبه هذه الدول في الصراع، فضلًا عن ضرورة استكمال العملية السياسية بمشاركة كافة الأطراف السودانية، بما يتسق مع الرؤية الأمريكية في ضرورة انضمام القوى المدنية لمباحثات جدة في وقت لاحق من مسار التفاوض.

وقد انعكس ذلك في الجولة الثانية من مباحثات جدة، التي انعقدت في 26 أكتوبر 2023، حتى أعلن عن تعليقها مرة أخرى في الثالث من ديسمبر 2023، والتي شملت حضور ممثلين عن الإيجاد والاتحاد الأفريقي للمرة الأولى. ومهد تعليق مباحثات جدة الطريق أمام الإيجاد لاستئناف دورها مرة أخرى، من خلال عقد القمة الاستثنائية 41، وتجديد الدعوة لعقد القمة الاستثنائية 42 في أوغندا، التي قوبلت برفض الحكومة السودانية.

وتتراوح المواقف ما بين ضم ممثلي مباحثات جدة إلى مبادرة الإيجاد والعكس، فيما يرى البعض إمكانية تركيز مباحثات جدة على القضايا العسكرية المتعلقة بوقف إطلاق النار وتسيير المساعدات الإنسانية، وتركيز مبادرة الإيجاد على الحل السياسي الشامل، فيما يرى آخرين ضرورة توحيد الجهود تحت مظلة واحدة تضم كافة الأطراف.

وحتى الآن تقابل الجهود الأفريقية بشكوك انعكست في التحفظ السوداني على أغلب المخرجات المطروحة من المنظمة، لما تنطوي عليه من انحياز للدعم السريع أكدّه استقبال دول شرق أفريقيا لحميدتي خلال جولته الإقليمية التي بدأها في 27 ديسمبر 2023 من أوغندا مرورًا بكينيا وإثيوبيا وجيبوتي وشملت جنوب أفريقيا ورواندا ، وكذلك استضافة إثيوبيا لاجتماع القوى المدنية “تقدم” بحميدتي، والتي أسفرت عن إعلان أديس أبابا، الأمر الذي اعتبرته الحكومة السودانية انحيازًا من جانب القوى المدنية والإقليمية للدعم السريع؛ مما ألقى بصعوبات عطلت اللقاء الذي كان منتظرًا بين البرهان وحميدتي في الثامن والعشرين من ديسمبر 2023 برعاية جيبوتي، لصعوبات فنية أعلنت عنها الإيجاد.

ويتصل الجدل المحيط بلقاء البرهان وحميدتي بالجدل حول دور الإيجاد بصفتها الراعي لعقد هذا اللقاء الذي دعت له في مخرجات قمتها الأولى حول السودان في يونيو الماضي، فعلى الرغم من إعلان الأول أمام مجموعة من الجنود في قاعدة جيبت العسكرية على البحر الأحمر ذهابه للقاء حميدتي قبل الميعاد الذي كان محددًا له 28 ديسمبر، في ضوء البيان الصادر عن قمة الإيجاد في 11 ديسمبر 2023، والذي أعلن عن موافقة الطرفين على عقد لقاء بينهما؛ عاد ليرفض عقد هذا اللقاء، خاصة بعدما أبلغت الإيجاد الخارجية السودانية بتأجيل اللقاء لأسباب فنية في 27 ديسمبر 2023، رغم ما قيل عن مطالبة حميدتي بحضور كافة دول الإيجاد وألا يقتصر على الرئيس الجيبوتي فحسب.

وأعقب تأجيل اللقاء، استضافة إثيوبيا للقاء جمع حميدتي وتنسيقية القوى المدنية ” تقدم” برئاسة عبد الله حمدوك وتوقيع إعلان أديس أبابا في الأول من يناير، وتزامن ذلك مع جولة إقليمية شملت أعضاء في الإيجاد، مما دفع الخارجية السودانية لاستنكار موقف الإيجاد والدول المستضيفة لحميدتي، على نحوٍ معزز لشرعيته؛ وهو ما تجلى في استدعاء الخارجية السودانية لسفيرها بنيروبي للتشاور.

وفي ذكرى الاستقلال، ألقى البرهان خطابًا من معهد المشاة وضباط الصف، في 5 يناير الجاري، أكد خلاله على المقاومة الشعبية وعلى رفض التفاوض مع قائد التمرد وفي 13 يناير الجاري، جدد مجلس السيادة رفضه لعقد اللقاء وكذلك حضور القمة التي كان مقررًا أن تستضيفها أوغندا في 18 يناير الجاري، نظرًا لعدم وفاء الإيجاد بمخرجات القمم السابقة، مما يفقدها مبررات عقد قمة جديدة. واعتبرت الخارجية السودانية ما يدور في البلاد شأن داخلي، ودعت لمقاطعة المنظمة نظرًا للشكوك المتعلقة بانحيازها للدعم السريع.

 لكن في المقابل، أعلن حميدتي في 16 يناير عن موافقته حضور القمة دعمًا للحلول السلمية، مما يعزز بناء مواقف دبلوماسية يسعى من ورائها لتقديم نفسه مدافعًا عن الديمقراطية. وفي هذا السياق، طرح أحد عشر مبدأ تعبر عن مواقف وأولويات الدعم السريع بخصوص أي مفاوضات مستقبلية. وهي المبادئ التي تتناول تقاسم السلطة والانتقال السياسي، وتتمسك بتوسعة مستوى التمثيل على مستوى المفاوضين والوسطاء، بما يتجاوز المرحلة الراهنة المتعلقة بضرورات وقف إطلاق النار.

في الأخير، تعقد القمة الاستثنائية الثانية والأربعون التي يحضرها المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي، مايك هامر، مع تغيب الوفد الرسمي السوداني وكذلك اعتذار إثيوبي عن الحضور، رغم ما هو مقرر من مناقشة التوترات الأخيرة بينها وبين الصومال على وقع أزمة الاتفاق بينها وبين أرض الصومال، مما يقلل من التوقعات بشأن تأثير القمة على مسار الصراع أو المواقف المتناقضة.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80576/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M