جميل عودة ابراهيم
إن التعبير عن أحداث ثورة الإمام الحسين عليه السلام وأسبابها وقيمها وأهدافها ونتائجها في الواقع الإسلامي والإنساني يستدعي من القائمين على هذا الخطاب أن يكونوا مدركين تماما، أن أحياء هذه الثورة في نفوس المؤمنين والمسلمين وغير المسلمين وبقائها شعلة تضيء طريق الإنسانية في صراعها المستمر مع الظلم والاستبداد والطغيان إنما يكون رهن مستوى الخطاب الذي تقدمه تلك الشخصيات والمنتديات والمنابر والشعائر الحسينية. فالتفاعل المجتمعي مع أهداف هذه الثورة وقيميها وتبنيها منهج حياة، يعتمد على إظهار خطاب التسامح والمحبة، ونبذ خطاب الكراهية الدينية والمذهبية.
إن أي خطاب يلقى على الناس سواء كان خطابا دينيا أم اجتماعيا، خطابا سياسيا أم خطابا علميا، خطاب تاريخيا أم خطابا لاستشراف المستقبل هو يستهدف تعريف المخاطبين بموضوع الخطاب، واستمالة قلوبهم وعقولهم إليه، ليتعرفوا عليه، وليكونوا من إتباعه وأنصاره أو على الأقل أن لا يقفوا موقف المعادي له. ومثل ذلك يحدث كثيرا عندما يكون موضوع الخطاب موضوعا متنازعا عليه بين دولتين أو مجموعتين أو شخصين أو فكرتين متعارضتين. فكل جهة تتواصل مع جمهورها وإتباعها لتثبت أنها على حق وأن عدوها على باطل.
والسؤال هنا ماذا نريد من إحياء ثورة الإمام الحسين عليه السلام في العصر الحديث؟ هل نريد أن نستذكر مأساة تلك الواقعة وما أصاب أهل البيت عليهم السلام من ظلم فقط؟ هل نريد أن نظهر أن أعداءه كانوا قساة فضاض ليس في قلوبهم دين ولا أخلاق ولا قيم؟ وماذا يمكن أن تستفيد الثورة الحسينية من خطاب تاريخي لشخصيات تاريخية في واقعة تاريخية مضى عليها زمن طويل؟
ربما يكون استذكار أحداث تاريخية مرت على آل الرسول (ص) نشاطا اجتماعيا مهما لمعرفة حيثيات مقطع زمني من تاريخ هذه الأمة، كان قد شكل فيما بعد دافعا نحو أحداث أثرت في مجمل الأوضاع الفكرية والسياسية التي تلت ثورة الإمام الحسين (ع) لكن مثل هذه الفوائد قد تجد تأثيرها عند خواص إتباعها وأنصارها، مثل أبناء الطائفة الشيعية على وجه الخصوص. ولا تجد هذه الدعوة رواجا وتأثيرا على المستوى الديني والإنساني خارج إطار إتباع المذهب نفسه.
بل ربما تكون نتائجها القريبة والبعيدة ليست إيجابية لأن خطاباتها وشعاراتها تحمل طابع الاتهام للآخرين، وتحميلهم مسؤولية قتل الحسين عليه السلام واجهاض ثورته، وكأن شركاءنا في الدين والوطن كانوا ورثة تلك العصابة الضالة التي سولت لها نفسها قتل أبن بنت الرسول (ص)، وفي الوقت نفسه فان تنمية شعور الكراهية في نفوس أبنائنا إزاء الآخرين من شأنه يعزز خطاب الكراهية عندنا، وهو خطاب يبعد الناس المخاطبين عن قيم هذه الثورة الخالدة وأهدافها. بل يجعل ممن نعاديهم أعداء طبيعيين للحسين عليه السلام وثورته.
لكننا مطالبون بكسب الرأي العام الإسلامي وغير الإسلامي لصالح ثورة الحسين عليه السلام وقيمها الإسلامية والإنسانية حتى نجد مشتركات بين شعوبنا وأممنا ودولنا تجعل من الحسين عليه السلام المعبر عن روح الإسلام، قدوة لكل الشعوب والأمم في مواجهة الظالمين والمستبدين ممن هم يسيرون على نهج معاوية ويزيد وبني أمية وبني العباس من بعدهم.
وذلك بأن نفترض في خطابنا الحسيني أن كل الناس القريبين منا والبعيدين، ممن يشاركوننا الوطن أم الجيرة هم أناس مسالمون يبحثون عن الحقيقية مثلنا، ولا ينحازون للظالم ولا للمستبد، وأنهم محبون للرسول (ص) وأهل بيته، وأنهم بريئون من أفعال الطغاة الذين حكموا باسم الدين، وقتلوا أبناء الرسول (ص) باسم الدين أيضا، إلا أنهم آثروا أن يتركوا الماضي دون أن يستغرقوا في أحداثه، أو أنهم كانوا يجهلون تلك الأحداث كما هو معلوم عند أكثرية أتباع المذاهب الإسلامي غير المذهب الجعفري.
ولو افترضنا أن بعض من الناس ممن يوالي أمثال معاوية ويزيد ومن جاء بعدهم ممن حكموا بالنار والحديد، وأباحوا حرمات المسلمين وانتهكوا المقدسات، فان مقابلتهم بالمثل قد تعزز فيهم روح العداء لمبادئ ثورة الحسين ونهجها، وتخلق منهم أعداء الداء يمكن أن يفعلوا في الموالين كما فعلت التنظيمات الإرهابية المعاصرة، لأنها أمنت بفكرة العداء لنهج أهل البيت عليه السلام، وساهم في ذلك خطاب التطرف والغلو والكراهية الصادر عن بعض الشخصيات وبعض المؤسسات التي تعتقد أن هؤلاء هم أتباع أولئك الذين قتلوا الحسين عليه السلام.
في الواقع لا نحن موالون بالتمام والكمال لأهل البيت، فنحن أقصى ما يقال لنا إننا من أتباع أهل البيت أو من محبيهم، ونسعى للأخذ ما آخذو به وإلى ما أرشدونا إليها، ولا هؤلاء أحفاد أولئك الذين نصبوا العداء لأهل البيت ونكلوا بهم، ولو كانوا على فرض المحال كذلك، فان دورنا هو النصح والدعوة لهم بمراجعة أفكارهم وسلوكهم من خلال الجدال بالتي هي أحسن وعلى رأسها خطاب التسامح والمحبة فانه مفتاح الصلح والصلاح، وهذه رسالتنا.
ونخلص مما تقدم إلى ما يأتي:
1. من الواضح أن جانباً من موضوع الخطاب الحسيني، هو ما حصل مع الإمام الحسين وخروجه، وصولاً إلى شهادته. وهذا قد حصل في التّاريخ، فمن الطّبيعي أن يكون هناك بعد تاريخي في الخطاب الحسيني.
2. لكن ما ينبغي التّأكيد عليه، هو أن أهداف ثورة الإمام الحسين وقيمها، ورسالتها، وجميع دروسها؛ هي مفاهيم وقيم تتعدّى الماضي إلى الحاضر، وتتجاوز التّاريخ إلى المستقبل. بل هي في مدياتها متعالية على الزمان والمكان والحدود.
3. ومن هنا ينبغي أن يكون ذلك الخطاب متضمّناً لذلك البعد المعاصر، غير مقتصر على الماضي، وشاملاً لذلك البعد الحاضر، غير مكتفٍ بالتّاريخ. بل ينبغي في ذلك الخطاب الوصل بين الماضي والحاضر، بين التّاريخ والمستقبل. وذلك بأن يتمّ تناول الوقائع التاريخيّة بشكل هادف، يصل بينها وبين الحاضر، من خلال جسور القيم والأهداف.
4. لا يمكن أن يكون الخطاب الحسيني خطابا شاملا وعابرا ما لم يكون خطابا متسامحا مع الآخرين. ونحن نقول دائما أن الإسلام دين التسامح، ينبذ العنف والكراهية، ويدعو إلى التعاون والسلام والتعامل بالبر حتى مع المخالفين لنا في الدين، والبشرية في نظر الإسلام أسرة إنسانية واحدة، وقد وصف الله تعالى، المسلمين بأنهم أمة تدعو إلى الخير والتسامح والمحبة، وكلنا نعرف أن رسولنا عليه الصلاة والسلام ضرب أروع الأمثلة في التسامح حتى مع أشد أعدائه، عندما قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقد ضرب أئمتنا من أهل البيت (ع) مثلا رائعا في التسامح من خلال حماية أعدائهم من أعدائهم عندما طلبوا نصرتهم.
.
رابط المصدر: