تحولت أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم الأولى تقام في الشرق الأوسط إلى استعراض للتوترات السياسية التي تجتاح واحدة من أكثر مناطق العالم تقلبا إضافة للدور الغامض الذي غالبا ما تلعبه الدولة المضيفة، قطر، في أزمات الشرق الأوسط.
وتمثل المباريات التي تنافس فيها إيران أكثر الفعاليات المشحونة سياسيا، إذ يعبر المشجعون عن دعمهم للمتظاهرين الذين يتحدون بجرأة القيادة الدينية في الجمهورية الإسلامية، في الوقت الذي يبدون فيه حساسية تجاه قطر التي تربطها علاقات جيدة بطهران.
وامتدت مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين بين المشجعين لتصل إلى الملاعب، مع منافسة أربعة فرق عربية في البطولة. وارتدى اللاعبون القطريون شارات ذراع مؤيدة للفلسطينيين، حتى مع سماح قطر للمشجعين الإسرائيليين بالقدوم في رحلات جوية مباشرة لأول مرة.
وحتى أمير قطر شارك بنفسه في التصرفات ذات الدلالات السياسية، إذ اتشح بالعلم السعودي خلال المباراة التي حقق فيها الفريق السعودي فوزا تاريخيا على نظيره الأرجنتيني، في تشجيع ملحوظ لبلد يتعاون معه لإصلاح العلاقات التي تضررت بسبب التوترات الإقليمية.
وزادت مثل هذه الإيماءات من الأبعاد السياسية لبطولة غارقة في الجدل حتى من قبل انطلاقها بسبب قضايا معاملة العمال المهاجرين وحقوق مجتمع الميم في الدولة المضيفة المحافظة التي تجرم المثلية. بحسب رويترز.
وتزداد الرهانات بالنسبة لقطر، إذ تأمل في أن يؤدي مرور البطولة بسلاسة إلى تعزيز دورها على الساحة العالمية وفي منطقة الشرق الأوسط، التي حافظت على وضعها بها كدولة مستقلة منذ عام 1971 على الرغم من الاضطرابات الإقليمية الكثيرة.
وبدت قطر في كثير من الأحيان وكأنها دولة مختلفة عن باقي المنطقة، إذ تستضيف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رغم أنها أقامت في السابق أيضا بعض العلاقات التجارية مع إسرائيل.
ووفرت قطر منصة للمعارضين الإسلاميين الذين اعتبرتهم السعودية وحلفاؤها تهديدا، في الوقت الذي تمد فيه علاقات الصداقة مع إيران عدو الرياض وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة.
صراع داخلي
انعكست التوترات في إيران، التي تجتاحها احتجاجات منذ أكثر من شهرين إثر وفاة مهسا أميني (22 عاما) في الحجز لدى شرطة الأخلاق، داخل الملاعب وخارجها.
وقال المشجع الإيراني الذي يحمل الجنسية الأمريكية شايان خسرواني (30 عاما) والذي كان ينوي زيارة العائلة في إيران بعد حضور كأس العالم في قطر ولكنه ألغى الخطة بسبب الاحتجاجات “أردنا حضور كأس العالم لدعم الشعب الإيراني لأننا نعلم أنها فرصة رائعة للتحدث نيابة عنهم”.
مع ذلك يقول البعض إن أمن الملاعب منعهم من إظهار دعمهم للاحتجاجات. وفي مباراة إيران في 25 نوفمبر تشرين الثاني أمام ويلز، منع الأمن دخول جماهير تحمل علم إيران السابق للثورة الإسلامية وترتدي قمصانا مكتوبا عليها شعار الاحتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” واسم “مهسا أميني”.
وبعد المباراة، ساد توتر خارج الملعب بين معارضي الحكومة الإيرانية وأنصارها.
وقال اثنان من المشجعين دخلا في جدال كل على حده مع أمن الاستاد بسبب المنع من الدخول في تعليقات لرويترز إنهما يعتقدان أن هذه السياسة سببها علاقات قطر مع إيران.
وقال مسؤول قطري لرويترز إنه تم فرض إجراءات أمنية إضافية للمباريات التي تشارك فيها إيران في أعقاب التوترات السياسية الأخيرة في البلاد.
وردا على سؤال حول المواد التي تمت مصادرتها أو المشجعين الذين تم احتجازهم، طلب متحدث باسم اللجنة المنظمة للبطولة من رويترز الرجوع إلى قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وقائمة المواد المحظورة التي وضعتها قطر. وتشمل العناصر المحظورة المواد التي تحتوي على “رسائل سياسية أو مسيئة أو تمييزية”.
كما دار جدل حول الفريق الإيراني، الذي أظهر الدعم للاحتجاجات في مباراته الأولى بالامتناع عن ترديد النشيد الوطني، ليعود ويردده في مباراته الثانية حتى ولو بهدوء.
وقال كمرس أحمد (30 عاما)، وهو محام من لوس أنجليس، لرويترز إن المشجعين الإيرانيين يعانون من “صراع داخلي … هل تشجع إيران؟ هل تدعم النظام والطريقة التي يتم إسكات الاحتجاجات بها؟”.
وقبل مباراة حاسمة بين الولايات المتحدة وإيران يوم الثلاثاء، عرض الاتحاد الأمريكي لكرة القدم مؤقتا العلم الوطني الإيراني عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدون شعار الجمهورية الإسلامية تضامنا مع المحتجين في إيران.
وزادت المباراة من أهمية البطولة بالنسبة لإيران، إذ إن الحكومة الدينية طالما اعتبرت واشنطن “الشيطان الأكبر” واتهمتها بإثارة الاضطرابات الحالية.
في غضون ذلك، ظهرت الأعلام الفلسطينية بانتظام في الملاعب ومناطق المشجعين ونفدت في المتاجر على الرغم من أن المنتخب الفلسطيني لكرة القدم لم يتأهل.
ورفع المشجعون التونسيون في مباراة بلادهم يوم 26 نوفمبر تشرين الثاني أمام أستراليا لافتة ضخمة تحمل عبارة “فلسطين حرة”، في خطوة لم يبد أنها استدعت تحرك المنظمين. وتجنب المشجعون العرب الصحفيين الإسرائيليين الذين يغطون البطولة في قطر.
وقال عمر بركات، وهو مدرب لكرة القدم في المنتخب الفلسطيني جاء إلى الدوحة لحضور كأس العالم، إنه لم يتم توقيفه عندما حمل علمه في المباريات. وأضاف أن هذا “بيان سياسي نحن فخورون به”.
وبينما ظهرت التوترات في بعض المباريات، أتاحت البطولة أيضا فرصة لبعض المساعي التصالحية الواضحة، إذ وضع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني العلم السعودي حول رقبته في مباراة الأرجنتين في 22 نوفمبر تشرين الثاني.
وظلت علاقات قطر مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر مجمدة لسنوات بسبب سياسات الدوحة الإقليمية، بما في ذلك دعم الجماعات الإسلامية خلال انتفاضات الربيع العربي التي بدأت عام 2011.
وفي مسعى آخر للمصالحة بين الدول التي هز الربيع العربي علاقاتها، صافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في حفل الافتتاح في الدوحة يوم 20 نوفمبر تشرين الثاني.
وقال كريستيان كوتس أولريشن، أستاذ العلوم السياسية في معهد بيكر بجامعة رايس في الولايات المتحدة، إن الفترة التي سبقت البطولة كانت “معقدة بسبب التنافسات الجيوسياسية على مدى عقد في أعقاب الربيع العربي”.
وأضاف أنه يتعين على السلطات القطرية أن “تمضى في توازن دقيق” فيما يتعلق بالشؤون الإيرانية والفلسطينية، موضحا مع ذلك أن البطولة “تضع قطر مرة أخرى في قلب الدبلوماسية الإقليمية”.
شارات مؤيدة للفلسطينيين
أظهرت صور نشرت على تويتر عددا قليلا من القطريين وضعوا شارات على أذرعهم تحمل تصميما مؤيدا للفلسطينيين خلال مباراة اليابان وألمانيا في كأس العالم لكرة القدم، وسط جدل حول الرموز السياسية المسموح بها في البطولة.
وحملت الشارات التصميم الأبيض والأسود للكوفية التي ترمز للقضية الفلسطينية، وجاء وضعها في رد فعل واضح على اللاعبين والمسؤولين الذين احتجوا على تهديد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بمعاقبة اللاعبين الذين يرتدون شارة دعم المثليين في أرض الملعب.
وأكدت رويترز نشر الصور على موقع تويتر من شهود بالملعب.
وفي الجوار، ارتدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر شارة دعم المثليين، والتي تحمل شكل قلب عليه خطوط بألوان قوس قزح في ترويج للاحتواء ومعارضة التمييز.
وتخلت سبع فرق أوروبية قبل أيام عن خططها لارتداء الشارة على أرض الملعب بعد أن هدد الفيفا بفرض عقوبات.
وقبيل انطلاق المباراة يوم الأربعاء، وضع لاعبو ألمانيا أيديهم على أفواههم أثناء التقاط صورة للفريق احتجاجا على تهديد الفيفا.
وانتهت المباراة بفوز اليابان على ألمانيا 2-1.
وتزايد انزعاج المسؤولين القطريين بسبب ما يرون أنه انتقادات غير عادلة لقرار منح قطر حقوق استضافة كأس العالم، خاصة من مسؤولي ألمانيا بمن فيهم فيزر.
وركزت بطولة كأس العالم، وهي الأولى التي تقام في دولة بالشرق الأوسط، الضوء على حقوق مجتمع الميم في قطر، التي تجرم المثلية الجنسية لكن بعض السكان المثليين يقولون إن لديهم حريات أكثر من أقرانهم في أنحاء المنطقة.
وأدت حوادث قليلة لاقت تغطية إعلامية كبيرة والتي قام فيها مسؤولون أمنيون بمنع حاملي التذاكر الذين يضعون الشارات الداعمة لمجتمع الميم من دخول ملاعب كأس العالم إلى زيادة الجدل حول الرموز السياسية المسموح بها في الألعاب.
كما عززت البطولة المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بين بعض السكان المحليين، لا سيما للرد على قرار الحكومة القطرية السماح برحلات جوية مباشرة من تل أبيب لحضور مباريات كأس العالم وكذلك وفد من الدبلوماسيين الإسرائيليين للتعامل مع الخدمات اللوجستية.
ومن المتوقع أن يتوافد ما بين 10000 إلى 20000 مشجع إسرائيلي على قطر خلال البطولة التي تستمر لمدة شهر.
ويُمنع الإسرائيليون عادة من زيارة قطر، التي لا تعترف رسميا بدولة إسرائيل وتضع قيام دولة فلسطينية شرطا للاعتراف بها.
كما يتجنّب إسرائيليون إظهار ما يدلّ على هويتهم خلال تواجدهم في دولة لا تقيم علاقات دبلوماسية مع بلدهم بناء على نصيحة من السلطات الإسرائيلية، بينما يجد الإعلام الإسرائيلي صعوبة في التواصل مع المشجعين العرب على الأرض.
وبات الكثير من المشجعين العرب يتأكّدون من هوية المحطات التي تطلب منهم الظهور على شاشاتها قبل الموافقة على الحديث، رافضين إجراء مقابلات مع وسائل إعلام إسرائيلية.
ورفض مشجع سعودي في نهاية الأسبوع في منطقة للمشجّعين في الدوحة، الردّ على سؤال لمراسل قناة “كان” الإسرائيلية مواف فاردي، وصاح فيه بالإنكليزية “ليس هناك إسرائيل، هناك فلسطين فقط”، وتابع “ليس مرحبا بك هنا”.
وقال فاردي لفرانس برس “نجد صعوبة بالغة في العمل هنا”، لكنه أضاف “الأمر مفهوم”. وقد حاز مقطع فيديو التقطه صحافي في وكالة فرانس برس للمشادة أكثر من خمسة ملايين مشاهدة على تويتر.
وأعرب مراسلون إسرائيليون عن دهشتهم من أنّ عددا ممن رفضوا الحديث معهم ينتمون لدول عربية وقّعت بالفعل اتفاقات تطبيع مع إسرائيل.
ويشار إلى أنّ أكثر من 250 ألف فلسطيني يعيشون في قطر التي تعدّ نحو ثلاثة ملايين نسمة، بحسب إحصاءات رسمية. وفيما يضع مشجعو الدول المشاركة أعلام بلادهم على أكتفاهم، يطغى العلم الفلسطيني الذي يحمله عشرات الفلسطينيين والقطريين والعرب، وهو أبرز علم لدولة غائبة عن النهائيات.
ويلوّح مشجّعون قطريون بأعلام بلادهم والأعلام الفلسطينية من نوافذ سيارتهم الفارهة، فيما تبثّ أغنية “علّي الكوفية” الفلسطينية الحماسية بانتظام في مناطق المشجعين. كما وضع قطريون شارة عليها رسم الكوفية على أذرعتهم خلال مباراة ألمانيا واليابان.
وقال الفلسطيني يحيى أبو هنتش (33 عاما)، الموظف في القطاع الطبي وهو يرتدي قميص قطر ويرفع العلم الفلسطيني، إنّ البطولة “فرصة لنا لتعريف العالم بقضيتنا خصوصا أن العالم أصبح أكثر اهتماما بقضايا أخرى”.
وتابع الأب الذي كان مع ابنه الذي وضع الكوفية الفلسطينية في طريقهما للقاء البرازيل وصربيا لوكالة فرانس برس “بعض الأجانب لا يعرفون العلم الفلسطيني ويسألوننا عنه (…) وهنا تأتي فرصتنا الذهبية للتعريف بقضيتنا”.
وقبل أكثر من عقدين، سمحت قطر لإسرائيل بفتح مكتب تمثيل تجاري في الدوحة لكنّها أغلقته بعد الانتفاضة الفلسطينية. وتنتقد الدوحة التي تستضيف مسؤولين في حركة حماس، اتفاقات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
لكن قطر وإسرائيل توصّلتا إلى اتّفاق مؤقت مؤخرا تسيّر بموجبه رحلات جوية مباشرة لنقل مشجّعين إسرائيليين وفلسطينيين لحضور مونديال 2022، عبر شركة طيران قبرصية.
بين المشجّعين الإسرائيليين الذين اتوا الى الدوحة حاييم (57 عاما) الذي قال إنّه يحضر “رابع كأس عالم، لكنها المرة الأولى التي أضطر فيها لعدم حمل علم إسرائيل معي”. وتابع الرجل الذي وصل من تل أبيب رفقة ابنيه “اشعر أنني أتابع كأس العالم بالخفاء. الأجواء عدائية نحونا”.
لكن باستثناء رفض التحدث مع الإعلام الإسرائيلي، لم تسجّل أي حوادث ضد إسرائيليين خلال تواجدهم في قطر.
وبحسب الدبلوماسي الإسرائيلي ألون ليفي المكلّف رعاية المشجّعين الإسرائيليين بقطر، يوجد “عشرات المشجعين الإسرائيليين في الدوحة”، متوقّعا توافد ما يصل إلى 10 آلاف آخرين، بالإضافة إلى “سبعة أطقم إعلامية” إسرائيلية.
واشترطت الدوحة السماح للمشجّعين الفلسطينيين بالسفر على متن الرحلات الجوية من مطار بن غوريون، قبل التوصل الى الاتفاق.
غير أنّ ممثلا للشركة السياحية التي تبيع تذاكر رحلات شركة “تاس” القبرصية بين تل أبيب والدوحة، قال إنّه لم يكن هناك أي فلسطيني على متن أول رحلتين، كون الفلسطينيون الراغبون بالسفر لم يحصلوا على موافقات بالوقت المحدد لذلك، لكنّه رجّح وجود فلسطينيين على متن رحلة الثلاثاء.
بالمقابل، أكّد مسؤول دبلوماسي فلسطيني فضّل عدم ذكر اسمه لفرانس برس أن “لا أحد كلّمنا ولا نسّق معنا بخصوص الاتفاق. عرفنا الخبر من التلفزيون”.
ويرى فلسطينيون أن البطولة المقامة للمرة الأولى في دولة عربية هي فرصة ذهبية بالفعل لتعريف العالم بقضيتهم.
وقالت مدربة اللياقة البدنية الفلسطينية إيمان جرجاوي التي وضعت علم بلادها حول كتفيها “فلسطين ليست موجودة بالبطولة لكنّنا نجعلها موجودة بالعلم وبالكوفية وبالأغاني. هي الغائب الحاضر”.
تجريم العلاقات المثلية والتوتر الغربي
من جهته صوت البرلمان الأوروبي بالموافقة على قرار يدعو الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) إلى المساعدة في تعويض أسر المتوفين من العمالة الوافدة، وكذلك العمال الذين تعرضوا لانتهاكات لحقوقهم، خلال الاستعدادات لبطولة كأس العالم في قطر.
كما حث أعضاء البرلمان الأوروبي السلطات القطرية على إجراء تحقيق كامل في انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها فترة الإعداد للبطولة.
واستنكر القرار أيضا تقارير عن انتهاكات لحقوق مجتمع الميم في قطر خلال بطولة كأس العالم، ودعا الدوحة إلى إلغاء تجريم العلاقات المثلية.
ووضع عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي على أذرعهم شارة دعم المثليين، التي تراجع قادة سبعة فرق أوروبية عن ارتدائها خلال البطولة بعد ضغوط من الفيفا.
ولم ترد الحكومة القطرية بعد على طلب من رويترز للتعليق.
ومنذ أن منح الفيفا في عام 2010 حق استضافة البطولة لقطر، غيرت الدولة بعض قوانينها الخاصة بالعمل، وقبل انطلاق البطولة، قال المنظمون مرارا إن الجميع مرحب بهم. لكن منظمة هيومن رايتس ووتش قالت إن أفرادا من مجتمع الميم اعتقلوا في الفترة التي سبقت انطلاق المنافسات.
بدوره حث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قطر على مواصلة المضي في اتجاه “التغييرات الملموسة” التي تحدد مسارها عبر استضافة الدولة الخليجية بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.
وقال ماكرون في تغريدة على تويتر خلال المباراة بين منتخبي فرنسا والدنمرك “بطولة كأس العالم لكرة القدم هذه، وهي الأولى التي تقام في دولة عربية، تمثل علامة على تغييرات ملموسة جارية. قطر تمضي في هذا الاتجاه. يجب أن تستمر، ويمكنها أن تعول على دعمنا”.
وقال ماكرون في وقت سابق هذا الشهر إنه لا ينبغي تسييس الرياضة، متجاهلا اقتراحات بمقاطعة كأس العالم في قطر.
لكن الشركة المشغلة لقطاع النقل في لندن حظرت نشر إعلانات “تصوّر قطر وجهة مرغوبا فيها” أو تشجّع الناس على حضور كأس العالم، بموجب قرار اتّخذ في العام 2019 ردا على قوانين الإمارة الخليجية المتصلة بمجتمع الميم.
وأفادت تقارير بأن موقف “هيئة النقل في لندن” أثار حفيظة الدوحة التي تستضيف منافسات كأس العالم بكرة القدم، وقد أوردت صحيفة “فاينانشل تايمز” أن الدوحة تعيد النظر في كامل استثماراتها في عاصمة المملكة المتحدة.
منذ العام 2019 تحال الإعلانات التي تخص بلدانا يُحكم فيها بالإعدام على ممارسات جنسية للمثليين، إلى “هيئة النقل في لندن” التي تجري مراجعة لمدى ملاءمة عرضها في قطارات وحافلات للنقل ومواقع للمواصلات.
تستند الهيئة إلى قائمة أعدتها “المنظمة العالمية للمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية”، وهي اتّحاد يضم أكثر من 1700 جمعية عالمية للدفاع عن حقوق مجتمع الميم.
وقطر واحدة من 11 دولة بينها إيران والسعودية والإمارات تطبّق بشكل “فعلي” أو “محتمل” عقوبة الإعدام عن ممارسات مثلية جنسية.
ونتيجة لذلك قالت متحدّثة باسم “هيئة النقل في لندن” إن أي حملة إعلانية تشير إلى قائمة الدول هذه “ستجرى مراجعة بشأنها على أساس كل حالة على حدة”.
وأشارت إلى أن “هيئة النقل في لندن” وقبل انطلاق نهائيات كأس العالم أبلغت جهات إعلانية شريكة وعلامات تجارية بـ”توجيهات إضافية” بشأن إعلانات يرجّح أن يكون “مقبولا عرضها خلال المسابقة”.
وأشارت “هيئة النقل في لندن” إلى أن “الإعلانات التي تروّج للسفر إلى قطر والسياحة في قطر أو تصوّر قطر وجهة مرغوبا فيها لن تعتبر مقبولة في الوقت الراهن”.
وتابعت “الإعلانات التي تروّج لبيع التذاكر وتشجّع الناس على حضور المباريات شخصيا أو تشجّع الناس على حضور أحداث أخرى في قطر لن تعتبر مقبولة في الوقت الراهن”.
لكنّها أشارت إلى أن أي إعلانات أخرى تحمل الشعار الرسمي لكأس العالم فيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) 2022 أو تشجّع الناس على مشاهدة المباريات عبر التلفزيون أو عبر خدمات البث التدفقي ستعتبر على الأرجح مقبولة.
ذكرت “فاينانشل تايمز” أن الموقف دفع قطر التي تعد واحدة من أكبر المستثمرين في لندن عبر صندوق الاستثمار السيادي الضخم للإمارة الخليجية، إلى إعادة النظر في استثماراتها في العاصمة البريطانية.
وأنفق جهاز قطر للاستثمار مبالغ طائلة في بريطانيا واستحوذ على بعض من أشهر المعالم والشركات البريطانية، بما في ذلك متاجر هارودز وبرج “شارد” في لندن.
ما معنى شارة دعم المثليين؟
ظهرت شارة دعم المثليين لأول مرة عام 2020 في إطار حملة أطلقها الاتحاد الهولندي لكرة القدم لدمج جميع الأطياف.
الشارة مصممة بألوان علم قوس قزح على شكل قلب يتوسطه رقم 1 وتحيطه من الجانبين عبارة “حب واحد” وأسفله عبارة “كرة القدم تربطنا” بخط مقوس.
كان قادة فرق إنجلترا وويلز وبلجيكا وهولندا وسويسرا وألمانيا والدنمرك يخططون لارتداء الشارة احتجاجا على القوانين القطرية التي تحظر العلاقات المثلية.
المثلية الجنسية محظورة بموجب القانون في البلد المسلم المحافظ وعبر بعض لاعبي كرة القدم عن مخاوفهم بشأن المشجعين الذين سيسافرون لحضور البطولة وخصوصا من ينتمون لمجتمع الميم والنساء، الذين تقول جماعات حقوقية إن القوانين القطرية تنطوي على تمييز ضدهن.
قبل انطلاق النهائيات بأسبوعين قال خالد سلمان، سفير كأس العالم واللاعب الدولي القطري السابق، للقناة الألمانية العامة (زد.دي.إف) إن المثلية الجنسية “اضطراب في العقل” مضيفا أن كل من يأتي إلى قطر عليه “قبول قواعدنا”.
قال منظمو كأس العالم مرارا إن الجميع مرحب بهم خلال البطولة بغض النظر عن خلفياتهم أو توجهاتهم الجنسية.
قال ناصر الخاطر الرئيس التنفيذي لكأس العالم 2022 إن المشجعين المنتمين لمجتمع الميم القادمين إلى البلاد ليس عليهم أن يقلقوا من تعرضهم لاضطهاد من أي نوع واصفا قطر بأنها “بلد متسامح”.
في بيان مشترك، قالت اتحادات كرة القدم بالدول التي كان يعتزم قادتها ارتداء الشارة إن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) هدد بأن أي لاعب يرتدي الشارة سيحصل على بطاقة صفراء.
وحسب لوائح الفيفا، يجب ألا تتضمن ملابس الفرق وأغراضها أي شعارات أو عبارات أو صور ذات مدلول سياسي أو ديني أو شخصي وأن يرتدي قادة الفرق خلال مباريات النهائيات التابعة للفيفا “شارة قادة الفريق التي يوفرها الفيفا”.
قالت ويلز إن الدول المعنية كانت مستعدة لدفع الغرامات التي عادة ما تطبق على مخالفي اللوائح الخاصة بالزي لكنها وصفت فرض عقوبات إدارية بأنها خطوة مبالغ فيها.
قال بيرند نويندورف رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم إنه بالرغم من أن قرار الفيفا غير مسبوق فإنه ليس من الإنصاف أن يتحمل اللاعبون المسؤولية عن أي تبعات محتملة إذا قرروا التمسك بارتدائها.
وقال الاتحاد الهولندي لكرة القدم إنه اتخذ قرارا بعدم ارتداء اللاعبين للشارة “بقلب مثقل”.
وقوبلت الخطوة بانتقاد سريع ولاذع من الجماعات التي تمثل مجتمع الميم.
وقالت جماعة تمثل مشجعي انجلترا إنه مخيب للآمال للغاية أن يبدأ قادة الفرق الأوروبية المباريات ببطاقات صفراء لمجرد محاولتهم تسليط الضوء على مشاكل متعلقة بحقوق الإنسان.
وقالت منظمة العفو الدولية إن الفيفا تقاعس عن التمسك بقيمه ومسؤولياته.
.
رابط المصدر: