كامالا هاريس… هل تحل مكان بايدن في السباق الرئاسي؟

بينما يتعمق الخلاف في واشنطن حول الرئيس جو بايدن وهل ينبغي السماح له أن يظل مرشح الديمقراطيين في المنافسة الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، تتزايد التكهنات بأن نائبة الرئيس كامالا هاريس قد تجد نفسها وقد وقع الاختيار عليها كأنسب مرشح بديل عن بايدن.

ومع أن هاريس غالبا ما يُنظر إليها كشخصية مثيرة للانقسام في السياسة الأميركية، فإن أرقامها في استطلاعات الرأي شهدت تحسنا كبيرا، وهو ما يُعزى إلى أدائها الأكثر ثقة وإلى قوة تعبيرها عن آرائها خلال ظهورها العلني.

وفي الأشهر الأخيرة، مثلا، كانت هاريس منشغلة بجولات في جميع أنحاء البلاد، متحدثة في طائفة متنوعة من المواضيع التي تمتد من الحقوق الإنجابية والفرص الاقتصادية إلى الإدماج الاجتماعي. كما أوضحت أنها تنظر إلى انتخابات نوفمبر كواحدة من أهم المنافسات في التاريخ الأميركي الحديث. ووصفت هاريس الانتخابات بأنها أكثر أهمية من “أي انتخابات في حياتك”، وذلك في ظهور اتسم بالبهجة والتفاؤل في نيو أورليانز في عطلة نهاية الأسبوع، في لقاء غير رسمي وصف بأنه “حوار على خشبة المسرح”. وأضافت أن الديمقراطية قد لا تنجو إذا فاز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بفترة رئاسية ثانية.

كانت هاريس قد اجتذبت لنفسها انتقادات بسبب أخطائها الكلامية البارزة في خطاباتها، إضافة لشخصيتها العامة الباهتة. إلا أنه من المؤكد أن الارتفاع الأخير في شعبيتها لا يمكن أن يأتي في وقت أنسب من هذا الوقت، لحصوله في وقت تشير فيه التقارير إلى أن الكثير من كبار أعضاء الحزب الديمقراطي انضموا شخصيا إلى الدعوات التي تحث بايدن على التنحي والتنازل لمرشح آخر في انتخابات نوفمبر المقبل.

وفي أثناء مكالمة جماعية مع زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفري، ذُكر أن أربعة من أعضاء الكونغرس كانوا صريحين في مطالبة بايدن بالتنحي. وانضم إليهم آخرون أعربوا عن تشككهم في كفاءة بايدن للمنصب، ولا سيما بعد أدائه الكارثي الأخير خلال مناظرته مع ترمب على محطة “سي إن إن”.

علاوة على ذلك، من المتوقع أن يكثف المشرعون التدقيق في ترشيح بايدن بعد عودتهم إلى الكابيتول هيل.

وستكون هاريس (البالغة من العمر 59 عاما، عضوة مجلس الشيوخ الأميركي السابقة والمدعية العامة السابقة لولاية كاليفورنيا)، أول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة إذا أصبحت مرشحة الحزب وفازت في الانتخابات المقررة في نوفمبر. وكانت من قبل أول شخص أميركي من أصل أفريقي يشغل منصب نائب الرئيس.

حتى الآن، أثار أداؤها كنائبة للرئيس خليطا من الآراء المتباينة. فبعد بداية باهتة، تعرضت لانتقادات بسبب فشلها في تحقيق نجاحات سياسية كبرى، كما شُكك في مهاراتها القيادية بسبب ارتفاع معدل دوران الموظفين لديها. إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى تحسن في معدلات تأييد هاريس، إلى حد بات من المتوقع معه الآن أنها ستحقق أداء أفضل من بايدن في المنافسة لهزيمة ترمب، المرشح الجمهوري.

وقد أظهر استطلاع أجرته شبكة “سي إن إن” صدر يوم 2 يوليو/تموز، أن ترمب يتقدم الآن بـ6 نقاط على بايدن، مسجلا 49 في المئة مقابل 43 في المئة لبايدن. وعلى الرغم من أن الاستطلاع أظهر أيضا أن هاريس بشكل عام، تتخلف عن ترمب بنقطتين، إلا أنه تبين أن المستقلين يدعمون هاريس بنسبة تتراوح بين 43 في المئة و 40 في المئة على ترمب، بينما يفضلها الناخبون المعتدلون في كلا الحزبين بنسبة بين 51 و30 في المئة.

 

حتى الآن، أثار أداؤها كنائبة للرئيس خليطا من الآراء المتباينة. فبعد بداية باهتة، تعرضت لانتقادات بسبب فشلها في تحقيق نجاحات سياسية كبرى

 

 

كما اتضحت شعبيتها المتزايدة أيضا في استطلاع آخر أجرته “رويترز/ إبسوس” بعد مناظرة ترمب/بايدن، فأظهرت أن نقطة واحدة فقط تفصلها عن ترمب. أما من حصلت على نتائج أعلى بين البدائل المحتملة لبايدن، فكانت السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، التي لم تعرب قط عن أي اهتمام بالانضمام إلى السباق الرئاسي.
أما الديمقراطيون المؤثرون، بما في ذلك النائب الأميركي جيم كليبورن، الذي كان مفتاح فوز بايدن عام 2020، وغريغوري ميكس، عضو الكونغرس عن نيويورك والعضو البارز في الكتلة السوداء بالكونغرس، وسمر لي، النائبة الديمقراطية في مجلس النواب عن ولاية بنسلفانيا، فقد أشاروا جميعا إلى أن هاريس ستكون الخيار الأفضل لقيادة البلاد، إذا اختار بايدن التنحي. كما أن زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز عبر على نحو شخصي عن الأمر نفسه.
وما يثير الاهتمام أيضا أن اثنين من المانحين الجمهوريين قالا لـ”رويترز” إنهما يفضلان أن يقوم ترمب بمواجهة بايدن بدلا من هاريس لأنها تمثل تهديدا أكبر.
ولدت هاريس من أمٍ هندية وأب جامايكي عام 1964، وعاشت طفولة مليئة بالمصاعب بعد طلاق والديها وهي في السابعة من عمرها، وقامت والدتها على تربيتها هي وشقيقتها مايا في الطابق العلوي من شقة دوبلكس في بيركلي.
وقد التحقت هاريس بعد المدرسة الثانوية بجامعة هوارد، وهي كلية السود المرموقة تاريخيا في واشنطن العاصمة، حيث تخصصت في العلوم السياسية والاقتصاد.
وفي عام 1990، بعد اجتياز اختبار المحاماة، انضمت هاريس إلى مكتب المدعي العام في مقاطعة ألاميدا في أوكلاند كمدعية عامة مساعدة للجرائم الجنسية.
وفي عام 1994، بدأت هاريس بمواعدة ويلي براون، وهو شخصية بارزة في الحياة السياسة في كاليفورنيا، وكان حينها رئيسا لمجلس الولاية ويكبر هاريس بـ30 عاما. ومن خلال نفوذ براون، عينت هاريس في مجلس استئناف التأمين ضد البطالة في كاليفورنيا ولجنة المساعدة الطبية. بعد انتخاب براون عمدة سان فرانسيسكو في عام 1995، أنهت هاريس علاقتهما، وخلصت إلى أنه “لا ديمومة لعلاقتنا”.
بعد أن عينها زميل سابق في مقاطعة ألاميدا في مكتب المدعي العام لمقاطعة سان فرانسيسكو، اشتهرت هاريس بنهجها المثير للجدل في التعامل مع “دعارة المراهقات” في المدينة، إذ شجعت مسؤولي إنفاذ القانون على التعامل مع الفتيات كضحايا بدلا من معاملتهن كمجرمات يبعن الجنس. وعدت سنواتها الثلاث الأولى كمدعية عامة سنوات ناجحة، حيث قفز معدل الإدانة في سان فرانسيسكو من 52 في المئة إلى 67 في المئة.
خلال هذا الوقت، حظيت هاريس بالكثير من المعارف من أصحاب الثراء والنفوذ الذين سيواصلون توفير الدعم المالي اللازم لتمويل حملتها الأولى لمنصب المدعية العامة. وأصبحت مدعية عامة للمنطقة في عام 2004، وفي عام 2010 انتخبت لمنصب المدعي العام في كاليفورنيا بفارق ضئيل- فازت بهامش أقل من 1 في المئة- لتصبح أول امرأة وأول أميركية من أصل أفريقي تشغل هذا المنصب.
وفي عام 2014 تزوجت دوغ إيمهوف، محامي الشركات في لوس أنجليس، في حفل خاص أقامته أختها. ولدى إيمهوف طفلان من زواجه السابق، يناديان هاريس بـ”مومالا”.
في أوائل عام 2015، أعلنت هاريس ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ، ودعت خلال الحملة الانتخابية إلى إصلاح قوانين الهجرة والعدالة الجنائية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وحماية حقوق المرأة الإنجابية، وفازت بسهولة في انتخابات عام 2016.
عندما تولت منصبها في يناير/كانون الثاني 2017، كانت هاريس أول أميركية هندية في مجلس الشيوخ والمرأة السوداء الثانية فقط. وعينت للعمل في كل من اللجنة المختارة للاستخبارات واللجنة القضائية.
ومن ثم قادتها مكانتها المتزايدة في السياسة الديمقراطية إلى السعي للحصول على الترشح الرئاسي للحزب في عام 2020، حيث حققت تقدما في البداية بعد أن جذبت الاهتمام إليها بمهاجمتها بايدن، المرشح الآخر في السباق حينها، بسبب معارضته للحافلات المدرسية في السبعينات والثمانينات، من بين مواضيع أخرى على صلة بالسباق. وعلى الرغم من زيادة دعم هاريس في البداية، فإن حملتها واجهت مشكلة بحلول سبتمبر/أيلول 2019، فانسحبت في ديسمبر/كانون الأول من السباق.

 

قادتها مكانتها المتزايدة في السياسة الديمقراطية إلى السعي للحصول على الترشح الرئاسي للحزب في عام 2020، حيث حققت تقدما في البداية بعد أن جذبت الاهتمام إليها بمهاجمتها بايدن

 

 

غير أن حظوظها انتعشت من جديد بعد أن أصبحت قضية الظلم العنصري في الولايات المتحدة قضية رئيسة، عقب مقتل جورج فلويد، وهو أميركي أسود في السادسة والأربعين من عمره، توفي نتيجة إساءة شرطي أبيض معاملته في مينيابوليس في مايو/أيار 2020. فتعرض بايدن، الذي أصبح حينها المرشح الرئيس للحزب، لضغوط كي يختار لمنصب نائب الرئيس امرأة أميركية من أصل أفريقي، وهي فئة ديموغرافية كان يُنظر إليها على أنها حيوية لتزيد من فرصه الانتخابية. واستجاب بايدن للضغوط فاختار هاريس، فأصبحت بذلك أول امرأة سوداء تظهر على قائمة المرشحين الوطنية لحزب كبير. وفي نوفمبر 2020، أصبحت أول امرأة سوداء تُنتخب نائبة لرئيس الولايات المتحدة.
الآن وبايدن يتعرض للضغوط كي لا يترشح لإعادة انتخابه في نوفمبر، تظهر هاريس فجأة كمرشحة معقولة، قادرة على العمل على هزيمة ترمب على نحو أفضل من بايدن.
وإذا تنحي بايدن، فمن المؤكد أنه من الصعب عليه عدم تأييد هاريس، كأول امرأة سوداء يرشحها حزب سياسي كبير. إضافة إلى أن هناك حجة أخرى لصالح أن تحل هاريس محل بايدن، فهي بوصفها على قائمة الترشيح لمنصب نائبة الرئيس من قبل، يمكنها الوصول إلى الصندوق النقدي لحملة بايدن، وهو ما يجنب الديمقراطيين عملية معقدة لتحويل الأموال إلى مرشح آخر.
أما هل سينتهي بها الأمر إلى الترشح للرئاسة في نوفمبر المقبل، فلا يزال يعتمد على إمكانية إقناع بايدن بالتنحي، مع إصراره المتواصل على عدم التنحي. إذ قال بايدن مؤخرا: “لن أتنحى”، متحديا خصومه أن يترشحوا ضده.
ومع ذلك، إذا استمر عدد الديمقراطيين المعارضين لإعلان بايدن كمرشح عن الحزب، في التزايد حتى مؤتمر شيكاغو الشهر المقبل، فاحتمال أن تكون هاريس أول امرأة، وكذلك أول امرأة أميركية من أصل أفريقي تترشح للرئاسة، تغدو فرصة لا تقاوم.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/320881/%D8%A8%D8%B1%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%8A%D9%84/%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%A7-%D9%87%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%84-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%9F

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M