تأليف : محمد عبد السلام
تتفق الاستراتيجيات الدولية على اختلافها على أهمية ومحورية العامل الجغرافي – السياسي في تحقيق أهداف الدولة وطموحاتها وتثبيت مكانتها في سلم توزيع القوى الدولية وإظهار الدور الأكثر تميزاً، بل والسعي إلى تحسين تلك المكانة وذلك الدور.
وتنقسم الجغرافيا لقسمين كبيرين: الجغرافيا الطبيعية، والجغرافيا البشرية، والاخيرة من فروعها الهامة الجغرافيا السياسية، والتي يعد علم الجيوبوليتيكا احد أهم موضوعاتها.
وإذا كانت تشكل الجغرافيا السياسية واحدة من الموضوعات الشائكة في الدراسات الجغرافية ذلك أنها تعنى بربط وتحليل تفاعلات بشرية سريعة الإيقاع -الاتجاهات السياسية الداخلية والخارجية والعسكرية- مع العوامل الجغرافية الأرضية شبه الثابتة وتكون الدولة هي وحدة الدراسة في الجغرافيا السياسية وهي في حد ذاتها اصطناع بشري موقوت الثبات نتيجة تغيرات سريعة داخلية أو خارجية.
إذا كانت هذه صعوبة الجغرافيا السياسية؛ فالجيوبوليتيك أكثر صعوبة لأنها تقوم برسم تصورات سياسية مستقبلية على ضوء تفاعلات البشر والجغرافيا. وبرغم قدم الفكر الجيوبوليتيكي فإنه أصبح أكثر تبلورا ووضوحا في القرن الماضي.
تجيب الجغرافيا السياسية عن سؤال: أين نحن الآن ؟ في حين تجيب الجيوبوليتيك عن سؤال المستقبل وكيفية الوصول إليه.
والحقيقية أن الجيوبوليتيك أكثر متعة من الجغرافيا الصماء حيث أنها تتعامل مع الدولة ككائن حي له طموحه وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها موازنا بينها وبين محيطه الإقليمي والعالمي مستعينا بالجيوبوليتيك من أجل ذلك، وهي بالتالي مفتاح السياسات القومية للدول ولا غنى عنها لأي مخطط استراتيجي أو متخذ قرار أو مهتم بالشأن العام.
الخلاصة إذن أن الجيوبوليتيك لأي مجتمع هي ثقافة سياسية متأثرة بالجغرافيا وهي هندسة لسياسة الدول الخارجية ومفسر لتحركاتها. لذلك لابد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً وأن يفكر الساسة جيوبوليتيكياً.
وقد تعرض علم الجيوبوليتيك لسمعة سيئة خاصة على يد الالمان، وكذلك الاتحاد السوفيتي الذي كان أكثر النماذج وضوحاً في التطبيق الحرفي لمبادئ الطمع الجغرافي السمعة السيئة للجيوبوليتيك لدرجة أن من أكثر النكات شيوعاً في أوروبا في الستينيات من القرن الماضي كانت تلك التي يسأل فيها مدرس تلميذه سؤالا جغرافياً مباشراً: من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟ وبدلاً من أن يعدد الطالب أسماء الدول المجاورة تأتي إجابته:
جيران الاتحاد السوفيتي هم مَن يرغب هذا الاتحاد في أن يصبحوا جيراناً له؛ في دلالة تهكمية على أن هذه الحدود متغيرة، وتعتمد على مستوى التوسع والضم الذي تمليه الأطماع الجغرافية السوفيتية.
وبعد أن أدان الجغرافي الأمريكي الراحل ريتشارد هرتشهورن الجيوبوليتيكا معتبرا إياها نوعا من التسميم الفكري، أربكت الجيوبوليتيكا نقادها. ولكنها أصبحت اليوم ميدانا فكريا مشهورا ومهما، بالرغم من الادعاءات المستمرة بأن الجيوبوليتيكا ساعدت على إضفاء الشرعية على سياسات هتلر التوسعية والسيطرة على الأماكن ومن خلال استخدام رؤى من الجيوبوليتيكا النقدية والتاريخ الثقافي، نحاول اعادة الوضع لعلم الجيوبوليتيكا.
ويأتي هذا الكتاب كأول كتاب مصري عن علم الجيوبوليتيك، وإن سبقته محاولات عديدة لدراسة هذا الفرع ولكنها عبارة عن أجزاء وفصول داخل كتب الجغرافيا السياسية، ولعل هذا الكتاب يكون خير معين للجغرافيين والسياسيين ومخططي الاستراتيجيات، ويؤصل لفرع جديد ويضع ملامحه العامة وطرق البحث فيه.
ويتألف الكتاب من أربعة فصول، يتناول الفصل الأول ماهية علم الجيوبوليتيك، الفرق بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك، أنماط الدراسات الجيوبوليتيكية، النظام الجيوبوليتيكي وعنصر المفاجأة، أسس التحليل الجيوبوليتيكي، الجيوستراتيجية والجيوبوليتيك، وأهمية الجيوبوليتيك.
ويدرس الفصل الثاني نشأة وتطور علم الجيوبوليتيك، ومرحلة أفول هذا العلم، ثم نهضته مرة أخرى، كما يتناول النظام الجيوبوليتيكي العالمي.
أما الفصل الثالث فيعرض مجموعة من أهم النظريات الجيوبوليتيكية مثل: نظرية القوة البرية، نظرية القوة البحرية، نظرية القوة الجوية، ويختتم الفصل بالجيوبوليتيك وعلاقته بالجيو – عولمة.
ويختتم الكتاب بمجموعة من الدراسات التطبيقية لبعض مجالات الدراسة في علم الجيوبوليتيك ومنها، المشكلات الجيوبوليتيكية للموقع الحبيس، ودراسة عن الأهمية الجيوبوليتيكية لمنطقة الكوميسا بالنسبة لمصر، وكذلك دراسة تحت عنوان هيدروبوليتيكية سد النهضة، وأخيرا دراسة عن جيوبوليتيكة الارهاب في سيناء.
ونحن إذ نقدم للمهتمين بالجغرافية السياسية بصفة عامة وعلماء الجيوبوليتيك والجيوستراتيجية بصفة خاصة هذا الكتاب نستهدف منه التثقيف المنهجي وترويج الثقافة الجغرافية خاصة المرتبطة بالجغرافيا السياسية نظريا وتطبيقا، ونتمنى أن يستفيد منه الجميع كأول لبنه في تأسيس مدرسة لعلم الجيوبوليتيك في مصر، ونرجو من الله الثواب.
لتحميل الكتاب من ( مكتبة دار بن حبتور ) من هنـــــا
رابط المصدر: