تأليف : زبينجو بربجسنكي
من المعلوم بالضرورة أن ميلاد وانتشار الفكرة الشيوعية قد غير الكثير من معالم العالم السياسية، حتي بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي والتجاوزات التي حدثت اقتصاديا للصين فإن الفكر الشيوعي مازال يعتقد في نفسه الصلاحية و المقدرة على الصمود، في ظني أن تلك المقولات قد فندت بشكل واضح في الكتاب المذكور وسأحاول أن اقتطف منه ما ينطبق علي وضعنا السياسي.
كان العامل الأساسي لرواج الفكرة الشيوعية هي التبسيط العظيم لفكره أن أصل المشاكل هي الملكية الخاصة، وبالتالي فإن أبسط الحلول هي إلغائها، سرعان ما اعتنقت الطبقات الوسطى هذه التعاليم التي تشابه تعاليم الأديان: إيمان مطلق تابع لشروحات بسيطة تنتقل بسلاسة إلى معطيات فلسفيه أكثر تعقيدا لتضمن التسليم المباشر بها، بل طرحت الشيوعية إغراء كبيرا للفقراء لتحطيم الطبقة الغنية باعتبار سلبها لحقوقهم، تلك الإغراءات مهدت نفسيا للقبول بكل أشكال الانتقام الوحشي تجاه أصحاب الأملاك بالمصادرة والتشريد والتعذيب.
اعتمد المبدأ الشيوعي علي دمج الانفعال العاطفي مع المنطق، تجدهم دوما يصدرون الخطابات العاطفية المؤثرة والخطب الرنانة، يقوم الانفعال بتشكيل قوة سياسية اجتماعيه ضاربه ويقوم المنطق بتشكيل تلك القوة سياسيا استنادا على فكره التنظيم الاجتماعي الطبقي الذي بدوره يؤدي لرفع قوة التركيز الجمعي علي الأهداف مقارنه بقوة التفكير الفردي في الخيارات، هكذا ببساطه يتم تصنيع الفرد المؤدلج وتنظيمه في قطيع كبير من الأعضاء المهووسين بكسر عنق الواقع لصالح النظرية.
لم يتوقع أحد من منظري الشعبوية أن تطوير بعض النظريات الاجتماعية القديمة علي يد أمين مكتبة ولاجئ وكاتب مقالات روسي مغمور ستلاقي تلك الشعبية لتتطور وتصبح واحده من أكبر الامبراطوريات في العصر الحديث، لم تكن الوقائع على أرض الواقع تشير لنجاح مماثل ولكن من المؤكد ان الثورة الصناعية قد ساعدت الكثير في استيعاب تلك الشعارات مثل رأس المال وفائض القيمة والإنتاج.
يمكن القول إن السبب الذي عجل بدحض الفكر الشيوعي هو سقوط و حل الاتحاد السوفيتي الذي كان ينظر له كمثال جليل علي النجاح بل تم تصدير النموذج السوفيتي للعديد من البلدان، من المهم الاعتراف أن تلك الفكرة التي صاغها ذلك اللاجئ اليهودي الألماني في لندن في مكتبه المتحف البريطاني قدر سافرت بعيدا شرقا نحو امبراطوريه اسيوية أوروبية ذات طبيعة مختلفة تماما عن ما اعتمد عليه ماركس، لم يكن في روسيا طبقه عماليه تذكر بل لم يكن فيها أثر واضح للثورة الصناعية الأوروبية بل كانت عباره عن أغلبية من المزارعين ذات علاقات إنتاج مختلفة كليا.
ظهر ذلك التناقض الفكري جلياً في مقالات لينين بعد الثورة البلشفية حيث أظهر نواياه الحقيقية بالسخرية من زملائه الماركسيين الذين اتجهوا للمناداة بالديمقراطية الاشتراكية وقد أوضح بالتفصيل أن روسيا لم تكن جاهزة لهذا النوع من التغيير الاجتماعي ابتدأ من القاعدة وأن احسن تطبيق في وجهه نظره هي بناء الاشتراكية من القمه وتكوين دكتاتورية الحركة العمالية (البروليتاريا) وحتى هذه لن تدير او تحكم تلك الثورة الا ظاهريا فقط، فمن وجهه نظر لينين أن الحركة العمالية لم تصل مرحله النضوج الكامل سياسيا لعدم نضوج الفكر الاشتراكي فيها قاعديا، بالتالي لابد من سيطرة اقليه منظمه و موجهة علي تلك العملية لتحكم بالنيابة عن الطبقة العمالية، تلك هنا كانت أولى الشقوق لتصدعات كبيره ستحدث لاحقا، اعتمادا على ذلك التفويض أيضا انطلق ليون تروتسكي في التأسيس بنظريه الثورة الدائمة من ثم تكوين الجيش الأحمر سنه 1917 مطلقا العنان لعمليات بطش تاريخيه تحت مسمى حمايه الثورة العمالية، خلال فتره لينين تم الاعتماد على خطته الاقتصادية ذات الطابع التوافقي بين اقتصاد روسيا الرأسمالي السابق وبين النظرة الماركسية new economic policy
للتغلب علي مفارقات الواقع الواضحة وتباينه مع نص النظرية الماركسية، اعتمد لينين علي الإرهاب الجماعي لحل كل المشاكل الإدارية، اعطي تعليمات واضحة بإطلاق النار على راس واحد من كل عشره عمال تتم ادانتهم بالكسل او التخاذل، كأن دوما يردد أنه سيقتل عامل اللاسلكي اذا كان الصوت غير واضح خلال أي مكالمه هاتفيه، اما بالنسبة لمحاولات العصيان فقد كان لينين يستعمل أسلوب أخذ الرهائن وتهديد أهلهم بقتلهم اذا لم تتم طاعه الأوامر.
لم تكن لدى لينين أي قناعه تجاه القوانين وحقوق الإنسان أو نبذ العنف، كتب تحت عنوان “الدولة والثورة”. أن الديمقراطية تعني استخدام منظم للقوة لطبقه محدده ضد طبقه أخرى، ظهرت ملامح الدولة البوليسية تماما عندما إنشاء لينين البوليس السري وأطلق يده في المعارضين لدرجه الإعدام عند الاشتباه.
كرر لينين كثيرا أن الديمقراطية بالنسبة له هي دكتاتوريه الحزب الواحد ولا شيء غيرها.
نلاحظ هنا أنه منذ ميلاد وتطبيق الفكر الشيوعي لم يتم التأسيس الفكري لاعتناق المبادئ الإنسانية من حقوق انسان وسياده القانون، يقوم النموذج الشيوعي على اقتلاع السلطة تماما باسم العمل و الحكم بدلا عنهم بدون أي امكانيه للتداول السلمي للسلطة أبداً.