حسن فحص
الجرس الذي أطلقته نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيران، التي أنتجت مجلساً من لون واحد يسيطر عليه التيار المحافظ بمختلف أطيافه وأجنحته، دفع كل القوى السياسية الإيرانية – المحافظة والإصلاحية- إلى إعادة تقويم المرحلة التي أدت إلى هذه النتائج والسبل الكفيلة التي تسمح باستمرار الإمساك بمفاصل السلطة ومراكز القرار في تركيبة النظام داخل معسكر التيار المحافظ، أو ضرورة إحداث تغيير في أسلوب التعامل مع المستجد الشعبي والسياسي وكيفية الخروج من الانسداد الذي فرضته المرحلة السابقة وأسهمت في إضعاف المشاركة في السلطة داخل القوى التي تشكل أطياف التيار الإصلاحي.
وعلى الرغم من إحساس التيار المحافظ بكل أجنحته وأطيافه بفائق الثقة والقوة والقدرة على استكمال إحكام القبضة على رئاسة الجمهورية بعد رئاسة البرلمان وتوحيد السلطة في البيت الواحد كمقدمة للتخلص من شراكة القوى الأخرى في القرار، حتى بأقل مستوى أو نسبة، إلا أن الأمور لا تبدو سهلة ويسيرة أمام أقطاب هذا التيار، في ظل الضغوط التي يتعرض لها النظام على المستويين الداخلي والخارجي والتهديد الذي يطال أصل وأساس وجوده في حال لم تلجأ كل القوى الإيرانية الإصلاحية والمحافظة، والموالية والمعارضة (في الداخل) إلى إعادة تقويم المرحلة والتحديات والتفكير بمخارج سياسية واجتماعية تسمح بالخروج من دائرة الخطر التي تحيط بالنظام وبقائه واستمراره.
ويأتي نشر الأخبار عن لقاءات سياسية يعقدها رئيس البرلمان الأسبق الموضوع تحت الإقامة الجبرية الشيخ مهدي كروبي في الآونة الأخيرة، على العكس من إعراب بعض السياسيين الإيرانيين عن يأسهم من إمكانية التوصل إلى حل لأزمة وضع قيادات تحركات عام 2009 التي عرفت بالحركة الخضراء (كروبي ومير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد) قيد الإقامة الجبرية ومنعهم من التواصل السياسي مع قوى وأقطاب التيار الإصلاحي. هذه الأخبار تعطي مؤشراً على محاولة النظام الخروج من المأزق الذي يواجهه في ما يعرف بأزمة حقوق الإنسان والحريات السياسية، من دون أن يعمد إلى اتخاذ قرار واضح بهذا الشأن، وتصب في إطار “نزع الألغام” من أمام المرحلة المقبلة في حال استطاع العبور من تحدي إعادة فرض العقوبات الدولية التي تعمل واشنطن على تفعيلها عبر مجلس الأمن بإعادة إطلاق آلية “سناب باك” في 20 سبتمبر (أيلول) الحالي، وقبل نحو شهر من انتهاء مدة الحظر على الأسلحة التقليدية التي فشلت واشنطن بتمرير قرار داخل مجلس الأمن لتمديده إلى ما بعد 18 أكتوبر (تشرين الأول).
هذا التطور الذي سمح لكروبي الاجتماع مع قيادات من جماعة علماء الدين المناضلين – الإصلاحية برئاسة محمد خاتمي- وعدد من أعضاء حزب “اعتماد ملي” الذي أسسه قبل الانتخابات الرئاسية عام 2009، والحديث عن ضرورة الاستعداد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في 18 يونيو (حزيران) 2021 على قاعدة عدم ترك الساحة للتيار المحافظ ليتحكم بمصير السلطة التنفيذية بمفرده، خصوصاً أن هذه الانتخابات تختلف عن الانتخابات البرلمانية لأنها تقوم على التنافس مع شخصية واضحة الانتماء إلى التيار المحافظ. هذا التطور لا يقع في السياسة بعيداً عما يدور من حديث حول وجود صفقة بين النظام والترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) والاتحاد الأوروبي وضرورة تقديم النظام لبعض التنازلات بما يساعد هذه الدول على تسويغ وقوفها إلى جانبه في معركة الدفاع والحفاظ على الاتفاق النووي أمام الضغوط الأميركية لإنهائه.
ولعل الاتفاق الأخير والنتائج التي أسفرت عنها زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران والاتفاق على نزع أسباب القلق الأوروبي حول بعض المنشآت، إضافة إلى نتائج اجتماع لجنة متابعة الاتفاق النووي التي عقدت في فرنسا مطلع سبتمبر الحالي والتأكيد أنه لا يحق لواشنطن استخدام آليات الاتفاق النووي لإعادة فرض العقوبات بعد الانسحاب منه، يفرض على النظام الإيراني أن يعمل على تقديم تنازلات أخرى من خارج الاتفاق النووي وتشكل نقطة اهتمام أوروبية في التعامل مع النظام في طهران، التي تتمركز حول ما تسميه هذه الدول أزمة الحريات السياسية وحقوق الإنسان في إيران، التي تشكل أساساً لعدد من قرارات فرض العقوبات على إيران في المرحلة السابقة والتي لم يشملها الاتفاق النووي، خصوصاً أن الجانب الأوروبي يعتقد بضرورة المحافظة على الاتفاق من أجل تسهيل الانتقال في التفاوض لاحقاً مع طهران حول هذه المسائل، إضافة إلى الملفات التي تشكل مصدر قلق دولي والمتعلقة بالنفوذ الإقليمي والبرنامج الصاروخي واستقرار الشرق الأوسط.
هذه النافذة، واضطرار النظام لإرخاء قبضته بما يسمح بمستوى مسيطر عليه من الحريات، هي التي تشكل الممر الذي ستدخل منه القوى الإصلاحية إلى السباق الرئاسي، على الرغم من حالة التشتت والضياع التي لا تقتصر على الإصلاحيين، بل تشمل المحافظين أيضاً.
ففي حين بدأت القوى والأحزاب الإصلاحية البحث حول أبعاد وإمكانية المشاركة أو المقاطعة، والتردد بين البحث عن شخصية جامعة قادرة على المنافسة وتمثيل الأطياف الإصلاحية، وبين آليات التعبير عن موقفها السياسي بالذهاب إلى خيار التصويت بورقة بيضاء، من دون المقاطعة العلنية التي تعني الدخول في نفق المواجهة المفتوحة مع النظام، على اعتبار أن هذه الخطوة تشكل مقدمة لخطوة انقلابية مجهولة النتائج والآليات، فإن التيار المحافظ في المقابل يبدو أكثر تشتتاً، والصراعات فيه أكثر حدة وإمكانية التوصل إلى مرشح توافقي غير واضحة حتى الآن. فالصراعات الداخلية في هذا التيار بدأت بالظهور إلى السطح، ومحاولة كل جناح من أجنحته الاستئثار بموقع رئاسة الجمهورية تطغى على كل الجهود الرامية لتمرير الاستحقاق بأقل قدر من الخسائر، مع الحرص على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية من أجل طي صفحة تراجعها في الانتخابات البرلمانية التي كانت غير مسبوقة وهددت مشروعية النظام الشعبية.
رابط المصدر: