أثناء افتتاح عدد من المشروعات في محافظة البحيرة يوم 14 يونيو 2023 وردًا على طلب أحد المواطنين بإنشاء فرع لجامعة الأزهر على قطعة أرض تم التبرع بها لهذا الغرض، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن الجامعات التي أُنشئت خلال السنوات الست الماضية تكفي الطلب على التعليم العالي حتى عام 2050، مؤكدًا بذلك النقلة النوعية التي شهدها قطاع التعليم العالي خلال تلك الفترة، والتي ستستمر مستقبلًا وفقًا لاستراتيجية التعليم العالي حتى 2032.
تطور ملحوظ في أعداد الجامعات ونوعيتها
وفقًا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فقد تطورت أعداد الجامعات والكليات والبرامج المقدمة فيها بشكل غير مسبوق عما كانت عليه في 2017؛ فقد ارتفع عدد الجامعات الحكومية من 24 جامعة تضم 450 كلية في 2017 إلى 27 جامعة تضم 494 في 2023 بعد إضافة جامعات: (الوادي الجديد، والعريش، والأقصر، ومطروح). وتطور عدد الجامعات الخاصة من 26 جامعة تضم 162 كلية إلى 40 جامعة خاصة وأهلية تضم 310 كلية، وزاد عدد المعاهد العليا الخاصة من 158 معهدًا إلى 196 معهدًا.
وأسهمت الزيادة الكبيرة في أعداد الجامعات والكليات خلال تلك الفترة في استيعاب الزيادة المطردة في الطلب على التعليم العالي؛ فارتفع عدد طلاب الجامعات من 2.7 مليون طالب في 2017 إلى 3.4 ملايين طالب خلال العام الدراسي 2022/2023، بالإضافة إلى استيعاب الطلاب الوافدين الذين بلغ عددهم في المرحلة الجامعية الأولى فقط حوالي 35 ألف طالب.
ولم يقتصر الأمر على الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية، وإنما امتد التطور ليشمل افتتاح جامعات أهلية دولية تقدم تعليمًا جامعيًا بأعلى معايير دولية، فقد كانت آخر جامعة أهلية أنشئت في مصر هي الجامعة المصرية الأهلية للتعلم الإلكتروني في 2008، لتبدأ مصر في زيادة الجامعات الأهلية الدولية بدايةً من 2020 وتضيف كلًا من: جامعة الملك سلمان الدولية، وجامعة العلمين الدولية، وجامعة الجلالة، وجامعة المنصورة الجديدة، وجامعة مصر المعلوماتية التي أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري 329 لسنة 2021.
وامتد التطور في التعليم العالي ليشمل افتتاح ثلاث جامعات تكنولوجية بدأت الدراسة بها منذ 2019 وهي: (جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية، جامعة الدلتا التكنولوجية، جامعة بنى سويف التكنولوجية)، بالإضافة إلى جامعة “برج العرب التكنولوجية” التي بدأت الدراسة فيها العام الجاري وتفقدها الرئيس اليوم.
ومن المتوقع أن تُضاف 6 جامعات تكنولوجية جديدة قال وزير التعليم العالي إنها بدأت في استقبال الطلاب بالفعل هذا العام. وتجدر الإشارة إلى أن الجامعات التكنولوجية تستهدف في الأساس خريجي المدارس الثانوية الفنية؛ بهدف إعداد كوادر تتوافر لديهم القدرة على الاستمرار في التعلم، والتحول المرن بين التخصصات الفرعية، بالإضافة إلى إمكانية الالتحاق بسوق العمل والعودة إلى الدراسة بعد تلقى التدريب والممارسة العملية المناسبة.
جودة التعليم العالي.. التصنيفات الدولية تؤكد التحسن
كان للتوسع الكبير في تقديم خدمة تعليمية جامعية تتسم بمستوى أعلى من الجودة مقارنةً بما كان موجودًا في الجامعات الحكومية تأثير بالغ على تصنيف الجامعات المصرية في العديد من التصنيفات الدولية؛ إذ ارتفع عدد الجامعات المصرية المدرجة في تصنيف “التايمز” البريطاني إلى 23 جامعة في عام 2022، في حين دخلت 49 مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي المصرية تصنيف “سيماجو”، و31 جامعة مصرية في تصنيف “QS” البريطاني، في حين بلغ عدد الجامعات المصرية في تصنيف “US News” الأمريكي 19 جامعة.
ويرجع التقدم الكبير للجامعات المصرية في التصنيفات الدولية إلى: زيادة معدل النشر العلمي، وزيادة التعاون العلمي لتقديم الحلول المبتكرة في الصناعة، بالإضافة إلى جودة التعليم وحجم التعاون الدولي في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي. ولا يمكن النظر إلى التحسن في تصنيف الجامعات المصرية على أنه مجرد تحسن كمي في بعض المؤشرات، وإنما يعد انعكاسًا لتحسن بيئة التعلم داخل الجامعات، بما مكّن الطلاب والباحثين في مرحلة الدراسات العليا من المشاركة في مشروعات بحثية ذات قيمة علمية ضمن فرق البحث التي تنتمي إلى مؤسسات التعليم الجامعي ومراكز البحوث المختلفة.
الأمر الآخر الذي يعد مؤشرًا على التحسن هو اعتماد الجامعات الدولية والأهلية الجديدة على اختبارات قبول لقياس مدى قدرة الطلاب الراغبين في الالتحاق بها على التقدم في دراستهم الجامعية، حيث لم يعد الأمر يتوقف على درجات الثانوية العامة فقط، وأصبح شرطًا أساسيًا لدخول بعض التخصصات والبرامج أن يجتاز الطالب اختبارات القدرات أو اختبارات القبول.
ويعد التنوع في البرامج المستحدثة في مختلف التخصصات الجامعية مؤشرًا آخر على تجويد الخدمة التعليمية في الجامعات وربطها واقعيًا باحتياجات سوق العمل، مع تقليل التركيز على التخصصات التي تخدم تحقيق أهداف خطط التنمية التي تسعى الدولة المصرية إلى تحقيقها بحلول 2030. ولا شك أن إدخال تلك البرامج أسهم بشكل أو بآخر في تحديث المناهج الدراسية في مختلف التخصصات في الجامعات المصرية، ودفع الجامعات إلى توفير برامج تدريب متقدمة لأعضاء هيئات التدريس بما يتواكب مع هذا التحديث.
استراتيجية التعليم العالي والوفاء بالاحتياجات المستقبلية
أوضح وزير التعليم العالي والبحث العلمي أثناء إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي في مارس 2023 أنه من المتوقع أن يصل عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات في 2032 إلى 5.6 ملايين طالب، بزيادة 2.2 مليون طالب عن العدد الحالي، وهو ما يستوجب التوسع في إنشاء الجامعات لاستيعاب تلك الزيادة؛ وقد أشار الوزير إلى أنه بحلول 2052 سيصل الاحتياج إلى 83 جامعة خاصة وأهلية، بجانب أن التركيز سوف يكون على جامعات الجيل الرابع وهو ما تعمل عليه وزارة التعليم العالي وفق استراتيجيتها.
الجدير بالذكر أن استراتيجية التعليم العالي والبحث العلمي تركز على تدشين برامج جديدة تقوم على مفاهيم وظائف المستقبل من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وخطة التنمية الشاملة لمصر استنادًا إلى سبعة مبادئ رئيسة قامت عليهم الاستراتيجية، وهي: التكامل من خلال تشكيل تحالفات للمؤسسات التعليمية في الأقاليم المختلفة والتخصصات المتداخلة للتصدي للمشكلات المعقدة التي يشهدها المجتمع وحلها من خلال صياغة برامج تعليمية حديثة تقوم على تداخل التخصصات، والتواصل، والمشاركة الفعالة، والاستدامة، والمرجعية الدولية، والابتكار وريادة الأعمال. وتعتمد الاستراتيجية على المدخل الإقليمي لكل جامعة بحيث تركز على الأنشطة التنموية الخاصة بكل إقليم جغرافي داخل الدولة المصرية.من خلال ما سبق، يمكن القول إن جهود الدولة المصرية في قطاع التعليم العالي أحدثت نقلة نوعية في الجامعات المصرية شكلًا ومضمونًا، وخلقت وعيًا مجتمعيًا أكبر بما ستكون عليه وظائف المستقبل أسهم في زيادة الطلب على التخصصات والبرامج الجديدة التي أدخلت على الجامعات. ويمكن القول كذلك إن الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي تمثل استكمالًا للجهود المبذولة خلال الأعوام الثمانية الماضية، والتي كانت حجر أساس ثابت يمكن البناء عليه، ورسمًا أوضح لمسار التعليم الجامعي في المستقبل، سواء فيما يتعلق بالتوسع في أعداد الجامعات والكليات لاستيعاب الزيادة المطردة في أعداد الطلاب الراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي، أو فيما يتعلق بجودة البرامج التي تقدمها الجامعات المصرية الحكومية والأهلية والخاصة.
.
رابط المصدر: