محمد علي جواد تقي
اجتمع الحجر الصحّي والعدوى والموت خنقاً بسبب مرض “كورونا المستجد” ليشكل مصدر قلق جديد يهدد حياة واستقرار حوالي ثلاث ارباع سكان المعمورة، فلم تبقى قارة وإلا واقتحم الفيروس أحد بلدانها، وربما معظمها، كما حصل في القارة الآسيوية، إنما الفارق في طريقة التعامل مع هذا القلق وفق مستوى وعي وثقافة ذلك الشعب، ومنها طبعاً؛ الشعب العراقي، والشعوب القريبة المبتلية بهذا الداء الوبيل.
وكما هو سائر الامراض المعدية، تعد طريقة التعامل معه بين افراد المجتمع، العامل الحاسم في تحقيق النجاح بالقضاء عليه من عدمه، وكلما كان الالتزام بالاجراءات الاحترازية، والارشادات الصحية بنسبة أكبر، كان تحقيق هذا النجاح بنسبة اكبر ايضاً.
وقد أجمع علماء الطب على أن فيروس “كوفيد19″، وهو من فصيلة فيروسات كورونا التي تستهدف الجهاز التنفسي وتؤدي بصاحبها الى الموت، تعد من الفيروسات الضعيفة التي لا تنتقل إلا بالتماس المباشر، او برذاذ العطاس والسعال، ولا يبقى على الأسطح إلا لساعات، ولا يعيش في حرارة أكثر من 25درجة مئوية، إنما الذي استوقفهم في هذا الفيروس الهجين والغريب سرعة انتشاره، وصعوبة ايجاد علاج له عندما يستفحل في الرئة ويؤدي بصاحبه الى الموت، علماً أن الانفلونزا العادية المعروفة لدى بني البشر ويصابون بها بسبب نزلات البرد، هي الاخرى يقف أمامها علماء الطب حيارى دون أن يجدوا لها علاجاً ناجعاً، فيوصون باحتمال فترة الحضانة التي تكون على الأغلب، ثلاثة أيام مع تناول بعض المضادات الحيوية والمسكنات، لذا ينصح الاطباء –مع ما أوتوا من العلم- مرضاهم أيام الشتاء بتناول أنواع الحساء الساخن المصحوب بالبصل والثوم، وتوفير أقصى درجات الدفء للتخلص من فيروس الانفلونزا.
هل نكرر تجربة الامراض النفسية؟!
طالما نسمع من علماء النفس والأطباء الاختصاص شكواهم من الطابع السلبي لاختصاصهم في اذهان الناس، وعدم استفادتهم من هذا العلم المهم جداً، بل والحياتي، ويتحدثون عن تصورات خاطئة في الاذهان بأن من يراجع طبيب نفساني فهو يضع نفسه طواعية في عداد المجانين! واعتقد أن اصحاب هذا الاختصاص مايزالون يفكرون في مخرج من هذا الطريق المسدود والاتصال بمن يحتاج للمساعدة في تحسين طريقة التفكير والسلوك والتعامل مع الآخرين.
ولعل من أهم اسباب انتشار هذا المرض في بلد مثل ايران رغم بعدها عن الصين، مصدر المرض، ليس التماس المباشر، فالذي جاء بالمرض من الصين، شخصٌ واحد لا غير من أهالي مدينة قم، وهذا الشخص الواحد تسبب خلال فترة قصيرة وغير متوقعة بأن ينشر المرض في جميع أرجاء ايران، وهو بلد كبير مترامي الاطراف، يقدر عدد سكانه بثمانين مليون نسمة، وبمساحة أكثر من مليون ونصف المليون كيلومتر مربع.
بيد أن هذا الانتشار لم يكن بسبب التاجر الايراني فقط، وإنما بسبب الهشاشة النفسية ومشاعر الضِعة والهوان لما سببته آثار العقوبات الاقتصادية على حياة الايرانيين بشكل عام، فلم يعد يهمهم شيء بعد باتوا يرون أنهم يخسرون كل شيء، من فرص العمل، الى فرص السكن، ثم فرص التعليم، وحتى فرصة الحصول على لقمة العيش، فعندما يجدون انفسهم لفترات طويلة عاجزين عن توفير الدواء والعلاج اللازم لمرضاهم، بسبب ارتفاع تكاليف العلاج.
فمن الطبيعي أن يجد فيروس “كورونا المستجد” حاضنته المريحة ليعشعش ويتوسع في كيان المجتمع الايراني كيفما شاء، ويحصد هذه الارقام المريعة من القتلى والمصابين. يكفي أن نتصور طريقة استفادة الناس من العطلة التي أعلنتها الحكومة، لنعرف كيف يفكر الايرانيون ولماذا فضلوا الزحف زرافات باتجاه المنتجعات والمدن السياحية، بدلاً من البقاء في بيوتهم حتى لا ينقلوا العدوى الى أناس آخرين.
هذه الحالة النفسية المتدهورة لا نجدها في دول اخرى تعرضت لهذا الداء، لانهم تعاملوا معه كحالة مرضية منفصلة عن الازمات الاقتصادية والسياسية، فانتشار العدوى لا علاقة له بفساد هذا الوزير او ذاك، ولا بسياسة هذه الحكومة أو تلك، بقدر ما يتعلق الأمر بمستوى الشعور بالمسؤولية لدى افراد المجتمع.
تنمية المشاعر الايجابية أم انتظار الموت؟
وسائل الاعلام؛ التقليدية منها (القنوات الفضائية)، والحديثة المتمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي، وعموم السوشيال ميديا (الاعلام الجماهيري)، يلعب دوراً حاسماً في امتصاص الآثار السلبية لمرض من هذا النوع، وبذل الجهود لتنمية المشاعر الايجابية في النفوس لمواجهة، ليس المرض فقط، بل والموت ايضاً، على أنه من الناحية التكوينية يعد من السنن الثابتة في الحياة، وليس مدعاة للضعف والانكسار، وقبل أن يكون هذا الفيروس عامل لتكريس المزيد من اليأس في النفوس على ما يعيشه الناس من مشكلات وأزمات، من الجدير الإرشاد الى سبل التعامل الذكي، بأخذ الاحتياطات اللازمة، والأهم منها؛ تقوية جهاز المناعة بالجسم بالمواد الغذائية الغنية بالفيتامينات والمعادن، والتعرض المستمر لشمس الصباح، وممارسة الرياضة لتنشيط الدورة الدموية، مما يجعل الجسم كالجبل الأشمّ أمام هذا الفيروس البسيط.
إن مرض “كورونا المستجد” وما يحمله من تهديد ماحق، يمثل بالنسبة لدول عديدة، وفي مقدمتها العراق، اختباراً مهماً، ليس فقط لقدرة الحكومات على إدارة الأزمة بمراكزها الصحية، وتخصيصاتها المالية للعلاج واجراءاتها الاحترازية على الحدود وغيرها، وإنما اختباراً لقدرة الشعوب على بناء الثقة بالنفس لمواجهة هذا المرض وغيره في قادم الأيام بروح المسؤولية الجماعية والتفكير البناء الذي يفتح الطريق نحو اكتشاف حلول وعلاجات لم تخطر على بال، وهذا ما فعلته الصين، رغم كونها المصدّر للمرض والمسبب له، فهي لم تختار الانحناء أمام الازمة او لنقل الخطأ الذي ارتكبته.
رابط المصدر: