د.إحسان علي بوحليقة
عودة الاقتصاد رهن بعودة الاستهلاك، وعودة نمو الاقتصاد مرتبطة بإذكاء عنفوان الطلب. الفكر الاقتصادي المتقادم، “أي ما قبل كينز”، الذي عفا الزمن على مفاهيم واسعة منه كان يسقط الاستهلاك. ثم استدرك الاقتصاديون أننا إن لم نستهلك فلم تنتج السلع ولمن تضخ الاستثمارات؟!
نعود إلى كورونا التي ساوت بين الدول أن مرت عليها جميعا، في حين أن الدول تمايزت في كيفية إدارة الأزمة بما في ذلك معاودة فتح الاقتصاد. وتتقاطع معاودة الاقتصاد في مسار متعرج عند أمرين: (1) تصميم وتطبيق والتزام بالاحترازات التي تمنع حدوث انتكاسة حتى لا تقوى كورونا وتعود، كما حدث لسنغافورة وكوريا. (2) تصميم وتطبيق والتزام بالسياسات التي تحفز الاستهلاك، نعم الاستهلاك. وكلمة استهلاك في الاقتصاد كلمة إيجابية، فالإقبال المتزايد على شراء السلع والخدمات “الاستهلاك” يعني تنامي الطلب. وسبق أن تناولت موضوع الاستهلاك في هذا الحيز مرارا، لكن ذاك كان في ظل الجائحة، أما وقد اتخذت خطوات جوهرية لعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها، فذلك يضع الاهتمام بالاستهلاك على نسق يلامس الواقع واحترازاته. وفي هذا النسق، فلدى كل منا نزعتان متعارضتان. نزعة استهلاك تنافس نزعة ادخار، انطلاقا من أن المال الذي لا ينفق يدخر. لكن أمر الاستهلاك أعقد من ذلك، فحتى لمن يتبع مقولة “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”، فقد يضطر أحيانا للحيد عن تلك القاعدة، بتأجيل الإنفاق خوفا على سلامته أو رغبة في تحسن الظروف للحصول على تجربة استهلاك أفضل.
الاستهلاك هو المكون الأكبر للاقتصاد، ويؤثر فيه الواقع المعاش، والواقع – هنا كما في جل اقتصادات المعمورة – هو أن الاستهلاك متقلص بفعل الجائحة، وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي برمته. ما يعني أن مجرد فتح المتاجر والمطاعم والمكاتب لا يؤدي بالضرورة إلى عودة الاستهلاك إلى سابق الزخم والعنفوان، فما يعول عليه كذلك تعزيز “نزعة الاستهلاك”، فقد يكون الشخص جائعا ويملك المال ويقف على بعد خطوات من مطعمه المفضل، لكن إن لم تكن لديه رغبة في الإنفاق أو شهية للأكل فلن يقبل على المطعم الذي سبق أن هرول إليه مرارا.
حتى نستعيد العودة إلى الحياة الاقتصادية، علينا إيجاد دوافع للشخص ليستهلك منها وضع “كشافات مضيئة” تبين معالم المقبل من الأيام بما يكفي لطمأنة الشكوك، فالمهدد بفقدان عمله لن ينفق، كما أن من قل دخله أو ارتفعت أثمان السلع مع ثبات “أو نقص” دخله فسينفق بوتيرة أقل. ولذا، فمع فتح الحوانيت والمطاعم والمقاهي، وعودة النشاط الاقتصادي إجمالا، نحتاج إلى “مقويات” لتعزيز نزعة الاستهلاك… (يتبع)
رابط المصدر: