ارتفع عدد وفيات فيروس كورونا في إيران إلى نحو 122 حالة خلال الـ24 ساعة الأخيرة، ووصل العدد الإجمالي إلى 1934 حالة وفاة. وتعدُّ إيران، بعد الصين وإيطاليا، أكبر عددٍ من الحالات والوفيات المؤكَّدة، ما يجعلها مركز الوباء بالشرق الأوسط.
ربما كان سبب انتشار الفيروس هو تكتُّم الحكومة الإيرانية منذ بداية الأزمة، خوفاً على مسار الانتخابات البرلمانية، ثم عدم غلق الأماكن الدينية التي تحوّلت إلى بؤرة لانتشار الفيروس بين الإيرانيين، وتأخّر وضع المدن التي بها تركيزات عالية من حالات الإصابة بالفيروس تحت الحجر الصحي، إذ رفض الرئيس حسن روحاني القيام بذلك. لكن، ربما يرجع السبب إلى تشدد رجال الدين ورفضهم إغلاق الأماكن المقدسة، وعدم قدرة المدن الإيرانية على تحمّل التداعيات الاقتصادية للحجر الكامل.
وخلال تفشي الفيروس لم يفت إيران أن تعتبر الوباء الذي يواجه المجتمع الدولي بأكمله، ويُلقي بأزمته على كل دول العالم، نوعاً من الحرب البيولوجية التي تستهدف جينات الإيرانيين وفصيل المقاومة، وتأتي تلك الاتهامات في سياق نظرية المؤامرة، التي يسوقها كل من الصين وإيران تجاه الولايات المتحدة.
واستكمالاً لنظرية المؤامرة رفضت إيران العروض الأميركية، لمساعدتها على مواجهة الفيروس، وقال المرشد الإيراني، في كلمته خلال الاحتفال بعيد النيروز، من الممكن أن ترسل الولايات المتحدة “دواءً يساعد على انتشار الفيروس التاجي”، لجعله “يدوم فترة أطول”، أو إرسال طاقم طبي لـ”جمع المعلومات”، بينما قال الرئيس حسن روحاني، “أن يقول الأميركيون نحن مستعدون للمساعدة في ظل الظروف الصعبة للفيروس هي واحدة من أكاذيب التاريخ العظيمة”.
الرفض الإيراني ليس في وجه المساعدة الأميركية فقط، بل رفض الإيرانيون مساعدة منظمة “أطباء بلا حدود”، وأعرب وزير الصحة الإيراني عن امتنانه للمنظمة، وقال إنه مع وجود خطة التعبئة الوطنية المعمول بها، والقدرات الطبية للقوات المسلحة الإيرانية المستخدمة لمكافحة الفيروس، “لا توجد حاجة إلى إنشاء أسرّة المستشفيات من قِبل الأجانب في الوقت الحالي”.
جاء القرار الإيراني المفاجئ بشأن منظمة “أطباء بلا حدود” بعد يومين فقط من تشكيك المرشد علي خامنئي في العروض الأميركية، للمساعدة في مكافحة تفشي المرض، وذلك كله في سياق العقلية التآمرية بعيداً عن محاولة إنقاذ المواطنين. ومع رفض المساعدات الأجنبية، يحاول النظام الإيراني استغلال الأزمة الإنسانية التي تمر بها إيران لرفع العقوبات الأميركية، بحجة أنها تعرقل إجراءات المواجهة، وأنها السبب الرئيس في فشل مواجهة الفيروس منذ بداية ظهوره بها، وذلك على الرغم من أنه معروف أن العقوبات الأميركية تستثني المساعدات الطبية وشركات الأدوية.
كما أنّ الاقتصاد الإيراني ربما لا يستشعر الأزمة الاقتصادية، مثل بقية دول العالم، لأنه منذ نشأة النظام الإيراني وتدير الجمهورية الإيرانية مواردها باعتبارها اقتصاد حرب، كما أنها ظلّت تتحايل على العقوبات المفروضة عليها سنوات طويلة، ومن ذلك أنها حاولت تعزيز الصادرات غير النفطية، كما حوّلت تركيزها إلى الأسواق الإقليمية وجهة لبضائعها ومراكز لإعادة الشحن.
وبالفعل، سيكون لتفشي الوباء بعض التأثير في الاقتصاد الإيراني، مثلما له تداعياته على اقتصادات دول العالم، فمن المتوقع أن أزمة الفيروس الحالية ستقوّض الاقتصاد الإيراني، وتؤدي إلى انكماش كبير في الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع بعض التقديرات تقلّصًا يصل إلى 3 في المئة، لذا أعلنت الحكومة الإيرانية عدداً من الإجراءات لدعم الطبقات الاجتماعية الفقيرة، وكذلك الشركات التي ستتضرر بشدة جراء التراجع الاقتصادي، وهو ما سيُلقي بالتأكيد عبئاً ثقيلاً على الحكومة بسبب عجز الميزانية، والعقوبات الخارجية، وسوء الإدارة، فضلاً عن انهيار أسعار النفط العالمية.
وحددت الحكومة عدداً من القطاعات التي سيُجرى تقديم بعض المساعدة المالية إليها، على الرغم من أنّ معظم الشركات المُسيطرة على الاقتصاد الإيراني تابعة إلى الحرس الثوري والحكومة، أي فكرة الدعم تظل غامضة، ولا تشير إلى مساعدة حقيقية للفئات المستحقة.
أيضاً وفقاً للبنك المركزي الإيراني، صدرت تعليمات إلى جميع البنوك التجارية بتقديم قروض منخفضة الفائدة إلى فئات الأعمال العشر الأكثر تأثراً بانتشار الفيروس، مثل المطاعم والمتاجر التي تبيع المكسرات المجففة والحلويات، ووكالات السياحة والسفر، والفنادق وشركات النقل، وشركات الطيران، وشركات المنسوجات، ومصنّعي المنتجات الجلدية، ومراكز الرياضة والترفيه.
ويوجد مخططٌ آخر يتمثل في زيادة رواتب الموظفين بنسبة 50 في المئة بالعام الإيراني الجديد. فالموظفون هم من بين القطاعات الأكثر فقراً بالمجتمع، وزيادة رواتبهم فوق معدل التضخم ستزيد من قدرتهم الشرائية وقدرتهم على اتخاذ تدابير لوقف انتشار الفيروس.
التحدي هنا الذي يواجه الحكومة الإيرانية، هو تكثيف دوران الاقتصاد الإيراني في حلقة مفرغة، إذ إن انخفاض النشاط التجاري سيؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية للحكومة، وسيزيد عجز الميزانية والاقتراض الحكومي الذي تضخمه النفقات الإضافية المتعلقة بالتحويلات النقدية، وستؤدي التأثيرات التضخمية إلى مزيدٍ من الضغط على الوضع المالي للحكومة، والاقتصاد ككل. لذا، قررت طهران التقدم بطلب للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
رابط المصدر: