ألقى الاحتياطي الفيدرالي بكامل ثقله على الأزمة. لماذا؟
يكمن السبب في أن السماء تلبّدت بغيوم قاتمة، فبينما بدت بعض البلدان قبل أسبوع أو 10 أيام، وكأنّها ستفلت من الركود هذا الصيف، لم تعد اليوم كذلك مع انتشار تفشي فيروس كورونا، وباتت الأسئلة تُطرح حول مدى عمق الركود ومدة استمراره.
يشكّل توقف معظم نشاطات السفر والسياحة على الصعيد الدولي منعطفاً حاداً في الأزمة، ورغم استمرار الشحن، فإنه أيضاً سيتضرر. إنّ حظر السفر على نطاق واسع وإغلاق الحدود الوطنية حول العالم أمر لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية.
ويمثل السفر والسياحة معاً أكثر من 10 المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا افترضنا انخفاض السفر بحدود النصف حتى الخريف المقبل، فإنّ ذلك سينسف بشكل مباشر نحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال فصلي الربيع والصيف.
لقد كان النمو العالمي يسير بنحو 3 في المئة سنوياً قبل اندلاع فيروس كورونا، لذلك لا تحتاج إلى أن تكون بارعاً في الرياضيات لمعرفة أننا مُقبلون على ركود عالمي.
سيكون التأثير المباشر لهذا الأمر أكثر حدة في البلدان والمناطق الأكثر اعتماداً على السيّاح. لقد أغلقت جبال الألب، وخسر قطاع الرياضة الشتوية بأكمله في أوروبا ربع موسمه، بما في ذلك عطلة عيد الفصح التي تدر كثيراً من العائدات.
تتعرض بعض قطاعات صناعة السفر لهجمات ضارية، إذ تعد شركات الطيران إحدى الضحايا الأبرز والمبكرة للأزمة، تليها صناعة الضيافة التي لم تتأثر فقط بنقص حجوزات العطلات وإلغاء المؤتمرات، لكن أيضاً بالانهيار العام لسفر الأعمال.
ستكون المشكلة التالية هي التأثير المضاعف للأزمة، إذ سيتعين على شركات الطيران والفنادق تقليص عدد موظفيها، وتلك مأساة كبيرة بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يتقاضون أجوراً كافية، وسيكون لهذا بدوره تأثيرٌ كبيرٌ أيضاً في عائلاتهم.
لكن، أكثر ما يقلقني ليس شركات الطيران وسلاسل الفنادق، أو في الواقع شركات السفن السياحية، لأن هذه كلها ستحصل على قروض رخيصة للتغلب على المصاعب التي تواجهها. إن أكبر الصعوبات تهدّد مجموعات الفنادق والمطاعم الصغيرة التي سيضطر عديد منها إلى الإغلاق، ولن يكون سهلاً عليها أن تقاوم الأزمة.
من جهة أخرى، فإنّ مؤسسات تجارية سليمة ستغلق، وكلما زاد عدد الشركات المغلقة، زادت صعوبة الإفلات من الركود.
بالتالي، أين سينتهي بنا الأمر؟ واقعياً، سيشهد هذا الصيف ركوداً سيكون في حجمه الإجمالي مشابهاً لما حدث في عامي 2008 و2009 بعد الانهيار المالي، وقد نخرج من هذه الأزمة بسهولة أكبر بقليل من الركود الماضي، وذلك لسببين:
الأول، هو أن الحكومات في جميع أنحاء العالم منكبّة على هذه القضية، مسلحةً بالخبرة التي اكتسبتها من الركود الأخير، ومدركةً الأخطاء التي ارتكبتها في رد فعلها البطيء جداً حينها، ولن تعيد ارتكابها مرة أخرى.
يمكنك رؤية ذلك بالفعل في حجم المبالغ التي تضخها جميع الحكومات الرئيسة بطريقة أو بأخرى لدعم النمو، كما ستتيح البنوك المركزية سيولة وافرة في الأسواق، وسيتم ضخ المال نوعاً ما بلا حدود.
والآخر، هو أنّ النظام المالي أقوى بكثير، توجد بعض نقاط الضعف المعروفة، مثل وضعية رأس المال لبعض البنوك الأوروبية القارية، وستكون هناك بعض نقاط الضعف غير المعروفة التي ستظهر فقط مع تزايد الضغط، لكن ليس هناك أي كارثة منهجية شاملة تتربص بنا.
إنّ القلق الكبير الوحيد الذي أشعر به في الحقيقة يتعلق باليورو، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الضغط الذي تتعرض له إيطاليا، وستبقى رازحة تحته، لكن ميزان الاحتمالات هو أن البنك المركزي الأوروبي سيفعل مرة أخرى “كل ما يلزم” للحفاظ على اليورو.
في هذا الصدد، تعرّضت كريستين لاغارد رئيس البنك المركزي الأوروبي، لانتقادات شديدة الأسبوع الماضي بسبب قولها “إنه ليس من واجبه تضييق هوامش الربح في سوق السندات”، أي ضمنياً بين أعضاء منطقة اليورو الأضعف والأقوى.
واعتُبر هذا مناقضاً مع الالتزام المطلق بالحفاظ على اليورو من قبل سلفها ماريو دراغي، لكن كما كانت الحال من قبل، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يفعل كل ما في وسعه لإنقاذ اليورو.
إذا افترضنا، كما هو مؤكد، أن حكومات العالم ستقدم دعماً مالياً ضخماً، وأن البنوك المركزية ستوفّر حزمات دعم مالية ضخمة، فمتى سيتعافى الاقتصاد؟
يقول المنطق العام إن ذلك سيحدث في الخريف. سيكون الربع الأول من العام، الذي أوشك على الانتهاء، كئيباً، وسيكون الربع التالي أسوأ.
واقعياً، لن يكون هناك انتعاش حتى يتضّح أن السفر عاد إلى طبيعته، ومن غير المرجّح أن يحصل ذلك بحلول يونيو (حزيران). سيكون الربع الثالث رائعاً، شرط صعب التحقيق فعلاً، وهو أن يُهزم فيروس كورونا بشكل حاسم مع بداية شهر يوليو (تموز)، حينها يفترض أن تكون هناك ردة حقيقية، سيكون هناك شعور عام بالارتياح، وستتعافى الأسواق، وسيبدأ الناس والشركات على حد سواء بالإنفاق من جديد، وإذا حدث ذلك، فسيكون الربع الثالث إيجابياً.
لكن، علينا أن نكون واقعيين، وأن ندرك أنه حتى لو كان هناك بعض النمو، فلن يعود كل شيء إلى طبيعته، ستكون هناك مخلّفات من الديون على الأشخاص والشركات والحكومة، سيكون هناك تبادل للاتهامات بين الدول التي لم تتعاون في وقت الأزمة.
وهناك احتمال أن يعود الفيروس في الشتاء المقبل. لذلك، من الممكن أن لا يتحقق النمو حتى الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، أو قد يكون هناك ارتداد في الربع الثالث، يليه تراجع، ولا يحدث تعافٍ حقيقي حتى عام 2021.
في نهاية المطاف، بالطبع، سيكون هناك انتعاش، ومن المعقول أن نتوقّع حدوث ذلك بحلول نهاية هذا العام. لكن، بالنظر إلى حجم الضرر المحتمل، يجب أن ندرك أن الجروح ستستغرق وقتاً طويلاً لتلتئم.