بيتر سنجر/باولا كافاليري
برينستون ــ رأينا جميعا الصور المروعة لمدينة ووهان الصينية المغلقة. والآن يحبس العالَم أنفاسه وهو يراقب انتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19، وتتخذ الحكومات، أو تستعد لاتخاذ، تدابير صارمة من شأنها أن تضحي بالضرورة بالحقوق والحريات الفردية من أجل الصالح العام.
يصب بعض المراقبين جام غضبهم على الصين بسبب افتقارها إلى الشفافية بشأن تفشي الفيروس في مستهل الأمر. تحدث الفيلسوف سلافوي جيجك عن “بارانويا عنصرية” تعمل على تأجيج الهوس بفيروس كورونا المستجد COVID-19 في حين يموت الآلاف كل يوم بسبب أمراض معدية أشد سوءا. ويعتقد أولئك الذين يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة أن الفيروس سلاح بيولوجي يستهدف اقتصاد الصين. وقِلة من المراقبين يذكرون، ناهيك عن كونهم يواجهون، السبب الأساسي وراء تفشي الوباء.
الواقع أننا نستطيع أن نتتبع وباء سارس (متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد) والوباء الحالي إلى “الأسواق الرطبة” في الصين ــ الأسواق المقامة في الهواء الطلق حيث تُـشـتَـرى الحيوانات حية ثم تذبح في مواقعها لصالح العملاء. حتى أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، كان كل من أصيب بالفيروس على صِلة بسوق هوانان في ووهان.
في أسواق الصين الرطبة، تُـبـاع أنواع كثيرة مختلفة وتُـقـتَـل بغرض الأكل: جراء ذئاب، وثعابين، وسلاحف، وخنازير غينيا، وفئران، وثعالب ماء، وحيوانات الغرير، وسنور الزباد. وتوجد أسواق مماثلة في العديد من الدول الآسيوية، بما في ذلك اليابان، وفيتنام، والفلبين.
في المناطق المدارية وشبه المدارية على كوكب الأرض، تبيع الأسواق الرطبة ثدييات حية، ودواجن، وأسماك، وزواحف، تكدس معا وتتشارك الأنفاس والدماء والفضلات. وكما أشار تقرير صادر مؤخرا عن الصحافي جيسون بوبيان، مراسل الإذاعة الوطنية الأميركية فإن: “الأسماك الحية في أحواض مفتوحة ترش الماء على الأرض. وتكتسي أسطح العرض باللون الأحمر من الدماء حيث تُـنـتَـزَع أحشاء الأسماك وتُـقَـطَّـع تحت أنظار العملاء. وتتسلق السلاحف والقشريات الحية بعضها بعضا داخل الصناديق. ويضيف الثلج الذائب إلى الطين على الأرضيات، التي يعلوها الكثير من الماء، والدم، وقشور الأسماك، وأحشاء الدجاج”. إنها “أسواق رطبة” حقا.
ينبئنا العلماء بأن الإبقاء على حيوانات مختلفة بالقرب من بعضها بعضا لفترات طويلة بجانب البشر يخلق بيئة غير صحية تشكل مصدرا محتملا للطفرة التي مكنت الفيروس COVID-19 من إصابة البشر بعدواه. بتعبير أدق، في مثل هذه البيئة، خضع فيروس كورونا الموجود منذ فترة طويلة في بعض الحيوانات لتحور سريع حيث تحول من مضيف غير بشري إلى مضيف غير بشري آخر، إلى أن اكتسب في نهاية المطاف القدرة على الارتباط بمستقبلات الخلايا البشرية، فتكيف بالتالي مع المضيف البشري.
دفع هذا الدليل الصين في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني إلى فرض حظر مؤقت على تجارة الحيوانات البرية. وهذه ليست أول مرة يطبق فيها مثل هذا الإجراء في الاستجابة لوباء. ففي أعقاب تفشي مرض سارس حظرت الصين استيلاد، ونقل، وبيع سنور الزباد وغيره من الحيوانات البرية، لكن الحظر رُفِـع بعد ستة أشهر.
اليوم، تدعو أصوات كثيرة إلى إغلاق دائم لـ”أسواق الحياة البرية”. وقد حث تشو جين فنج، رئيس المؤسسة الصينية للحفاظ على التنوع البيولوجي والتنمية الخضراء على حظر “الإتجار غير المشروع في الحياة البرية” إلى أجل غير مسمى وأشار إلى أن المؤتمر الوطني لنواب الشعب يناقش مشروع قانون يقضي بتجريم التجارة في الأنواع المحمية. لكن التركيز على الأنواع المحمية مجرد خدعة لتحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن الظروف المروعة التي تجبر الحيوانات في الأسواق الرطبة على الحياة والموت في ظلها. ما يحتاج إليه العالم حقا هو فرض حظر دائم على الأسواق الرطبة.
بالنسبة للحيوانات، تُـعَـد الأسواق الرطبة جحيما على الأرض، حيث تتحمل كائنات حية واعية مرتعدة ساعات وساعات من المعاناة والعذاب قبل أن تذبح بوحشية. وهذا مجرد جزء صغير من المعاناة التي يفرضها البشر بشكل منهجي على الحيوانات في كل بلد ــ في مزارع التصنيع الحيواني، والمختبرات، وصناعة الترفيه.
إذا توقفنا للتأمل في ما نقوم به من أفعال ــ وأغلبنا لا يفعل ذلك ــ فنحن نميل إلى تبرير هذه التصرفات باستحضار تفوق جنسنا المزعوم، على ذات النحو الذي استخدمه البشر من ذوي البشرة البيضاء للاحتجاج بتفوق جنسهم المزعوم لتبرير إخضاع البشر “الأدنى مرتبة”. ولكن في هذه اللحظة، عندما تتطابق مصالح البشر الحيوية بوضوح مع مصالح الحيوانات من غير البشر، فإن هذا الجزء الضئيل من المعاناة التي نفرضها على الحيوانات يتيح لنا الفرصة لتغيير المواقف تجاه الأنواع غير البشرية.
لتحقيق الحظر على الأسواق الرطبة، يتعين علينا أن نتغلب أولا على تفضيلات ثقافية بعينها، فضلا عن المقاومة المرتبطة بحقيقة مفادها أن الحظر من شأنه أن يسبب صعوبات اقتصادية لأولئك الذين يكسبون رزقهم من هذه الأسواق. ولكن حتى بدون إعطاء الحيوانات غير البشرية ما تستحق من اعتبار أخلاقي، فإن هذه المخاوف المحلية تتضاءل بشكل حاسم أمام التأثير المأساوي الذي ستحدثه الأوبئة العالمية المتزايدة التكرار.
الواقع أن مارتن ويليامز، وهو كاتب مقيم في هونج كونج متخصص في الحفاظ على الطبيعة والبيئة، يعبر عن الأمر ببلاغة: “ما دامت مثل هذه الأسواق قائمة، فسوف يظل احتمال ظهور أمراض جديدة باقيا. ومن المؤكد أن الوقت حان لكي تغلق الصين هذه الأسواق. وبضربة واحدة، يمكنها أن تحرز تقدما ملموسا في ما يتصل بحقوق الحيوان والحفاظ على الطبيعة، في حين تعمل على الحد من خطر ظهور أمراض صنعت في الصين تلحق الأذى بالبشر في مختلف أنحاء العالم”.
لكننا سنذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. تاريخيا، كانت المآسي تقود في بعض الأحيان إلى تغييرات على قدر عظيم من الأهمية. ونحن على هذا نطالب بحظر الأسواق حيث تباع الحيوانات الحية وتذبح، ليس في الصين وحسب، بل في مختلف أنحاء العالم.
رابط المصدر: