على هامش زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى العاصمة اليابانية “طوكيو” لحضور اجتماع “الكواد”، أجرى زيارة إلى كوريا الجنوبية وعقد اجتماعًا مع رئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول” يوم السبت 21 مايو 2022، في العاصمة “سول”، وذلك قُبيل زيارته في اليوم التالي للعاصمة اليابانية لحضور اجتماع “الكواد” –الذي يضم أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة- لمناقشة إطلاق الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادي، الذي سيسمح للولايات المتحدة الأمريكية بالعمل عن كثب مع الاقتصادات الاّسيوية في قضايا تشمل سلاسل التوريد، والتجارة الرقمية، والطاقة النظيفة، ومكافحة الفساد،
في السياق ذاته، هدفت زيارة الرئيس “بايدن” إلى آسيا –وهي الأولى له منذ توليه منصبه- إلى تقوية تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع كوريا الجنوبية واليابان في مواجهة تنامي نفوذ الصين، في الوقت الذي تنشغل فيه الدول الأوروبية بالأزمة الروسية الأوكرانية. وعلى صعيد آخر، جاءت زيارته إلى كوريا الجنوبية لمناقشة تعزيز التدريبات العسكرية بين البلدين، خاصة في ظل تكثيف كوريا الشمالية لاختبارات الصواريخ النووية.
وفي خِضم التساؤلات التي أثيرت بشأن إمكانية عقد لقاء بين “بايدن” والزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون”؛ صرّح بايدن بأن أي لقاء مُحتمل مع الزعيم الكوري الشمالي سيكون مرهونًا بجديته في إصلاح العلاقات بين البلدين.
ولا شك أن زيارة الرئيس “بايدن” إلى آسيا تحمل أهمية كبيرة على كافة الأصعدة، لكن في السطور القادمة سنعمل على التركيز بشكل كبير على اللقاء الذي جميع الرئيس بايدن بنظيره الكوري الجنوبي، وهل سيكون هناك لقاء يجمع الرئيس بايدن بنظيره الكوري الشمالي “كيم جونغ أون” على غرار لقاءات الرئيس الأمريكي الأسبق “ترامب” بنظيره كيم جونغ؟ وهل يمكن أن تساعد الولايات المتحدة الأمريكية كوريا الشمالية في الوقت الذي تواجه فيه الأخيرة تفشي الإصابة بأعداد كبيرة بفيروس كورونا المُستجد؟
زيارة “بايدن” وطمأنة الحلفاء
سعى الرئيس “جو بايدن” إلى طمأنة حلفاء واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية من خلال العمل على إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بشكل كامل؛ يتواكب ذلك مع ما أدلى به الرئيس “بايدن” إبان حملته الانتخابية، إذ تمثل هدفه في تكثيف الدبلوماسية والضغط مع “سول” لإجبار “كيم جونغ” لقبول نزع السلاح النووي.
ففي أكتوبر 2020، كتب “بايدن”: “كرئيس، سأقف إلى جانب كوريا الجنوبية، وأقوي تحالفنا لحماية السلام في شرق آسيا وما ورائها، بدلًا من ابتزاز “سول” بتهديدات متهورة بسحب قواتنا. سوف أنخرط في دبلوماسية قائمة على المبادئ وسأواصل الضغط نحو نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وشبه الجزيرة الكورية الموحدة”.
وقد يسعى “بايدن” إلى الوفاء بهذا العهد بالعمل على تقوية وتدعيم الموقف العسكري للحلفاء، من خلال: تشجيع كوريا الجنوبية على الاستثمار في القدرات والقدرات العسكرية الإضافية، ونشر قوات قتالية إضافية في كوريا الجنوبية تختص بمهام وقدرات توجيه الضربات الهجومية. وجدير بالذكر أن لدى الولايات المتحدة ما يقرب من 30 ألف جندي في كوريا الجنوبية ونحو 55 ألف جندي أمريكي في اليابان. وقد يعمل “بايدن” على زيادة أصول الدفاع الصاروخي والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. لضمان الاستعداد العسكري، الثنائي بين (الولايات المتحدة – كوريا الجنوبية) وإجراء تدريبات متعددة على مستوى مسرح القيادة وزيادة التدريبات الميدانية.
أزمة “كوفيد 19” على طاولة اجتماع الرئيسين
وعلى هامش الاجتماع المشترك، ناقش الرئيسان “بايدن” و “يول” الأزمة التي تمر بها كوريا الشمالية، حيث تكافح البلاد بسبب تفشى فيروس كورونا، وأكد بايدن استعداد “واشنطن”، لتقديم اللقاحات الي “بيونج يانج” على الفور.
في السياق ذاته، كانت الولايات المتحدة قد عرضت على كوريا الشمالية توفير اللقاحات من خلال مبادرة “كوفاكس” –وهي عبارة عن برنامج تموله الحكومات الغربية لمساعدة البلدان النامية في الحصول على اللقاحات- لكن “بيونج يانج” لم توافق على العرض الأمريكي، ورفضت تلقي أي مساعدات من جارتها الجنوبية، لكنها تلقت إمدادات طبية من الصين.
ويأتي ذلك في الوقت الذي سجلت فيه كوريا الشمالية عددًا كبيرًا من حالات الإصابة بفيروس كورونا المُستجد بلغ 220 ألف حالة إصابة حتى السبت 20 مايو 2022، ليكون إجمالي حالات الإصابة كما أعلنت سلطات “بيونج يانج” 2.46 مليون إصابة، أي ما يقرب من 10% من السكان.
ومن الجدير بالذكر أن كوريا الشمالية عزلت نفسها عن العالم منذ تفشي فيروس “كورونا”، وأغلقت حدودها، وقلصت من حجم وارداتها؛ خوفًا من انتقال الفيروس، بما في ذلك الإمدادات الطبية، ورفضت تطعيم المواطنين، وأدى ذلك في الوقت الحالي إلى عدم قدرتها على مكافحة الوباء.
تاريخ لقاءات القمة بين واشنطن وبيونج يانج
بعد ستة عقود من التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، شهد عام 2018 أول قمة تاريخية تجمع للمرة الأولى بين زعيم كوري شمالي ورئيس أمريكي في السلطة، وانعقدت هذه القمة في سنغافورة؛ بهدف التوصل إلى اتفاقية لنزع السلاح النووي، لكن لم تتمكن إدارة ترامب من الوصول إلى اتفاق حول الخطوط العريضة لهذه الاتفاقية، وهذا يمكن إيعازه إلى إصرار بيونج يانج على تخفيض كبير في العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، مقابل أن تقوم فقط بإغلاق بعض منشآتها النووية.
على الرغم من هذا الجمود، ظلت كوريا الشمالية بشكل مؤقت على التزامها السابق بإيقاف تجاربها النووية، والتجارب الصواريخ بعيدة المدى، لكن قيمة هذا الالتزام تضاءلت بشكل متسارع؛ نتيجة لاستمرار بيونج يانج في اختبارات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وكذا في بحوثها الرامية إلى تطوير أسلحة استراتيجية بعيدة المدى.
في 27 فبراير 2019، التقى الرئيس دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في هانوي في قمتهما الثانية. انتهى الاجتماع بانسحاب ترامب من المفاوضات لأنه لم يستطع قبول مطالب كيم برفع شامل للعقوبات الاقتصادية الأمريكية مقابل تفكيك كوريا الشمالية منشأة نووية واحدة في “يونجبيون”. بينما كانت قمة هانوي مخيبة للآمال للولايات المتحدة، كان الفشل الأكثر أهمية لكيم الذي رفع التوقعات في “بيونج يانج” بأن بإمكانه تأمين تخفيف العقوبات مع الحفاظ على برامجه النووية والصاروخية.
وفي 30 يونيو 2019، أصبح دونالد ترامب أول رئيس أمريكي، لا يزال في منصبه، يعبر الحدود إلى كوريا الشمالية، وذلك بعد لقائه التاريخي مع كيم جونغ أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين. لكنَّ تلك الاجتماعات لم تسفر عن تحقيق الأهداف المرجوة والتي تمثل أبرزها في نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، وذلك نتيجة إصرار “كيم جونج” على تطوير البرنامج النووي لبلاده. لذا توقع الكثير من المحللين، أن مقابلة “بايدن” و “أون” –إن تمت- لن تأتي بنتائج إيجابية، بل ربما ستأتي بنتائج عكسية قد تؤدي إلى تفاقم التوترات بين البلدين.
إصرار “بيونج يانج” على إجراء تجارب نووية
في السياق ذاته، أجرت كوريا الشمالية أكثر من عشر تجارب صاروخية خلال هذا العام، بما في ذلك إطلاق صارخ باليستي عابر للقارات في مارس الماضي، وأطلقت ثلاثة صواريخ باليستية في 12 مايو الجاري، بعد توقف خمس سنوات عن إجراء تجارب نووية، حيث كانت اّخر التجارب النووية التي أجرتها البلاد في 2017. الأمر الذي حدا ببعض المسؤولين الأمريكيون الي القول بأن هذه التجارب قد تدفع “واشنطن” إلى تكثيف جهودها للدفاع عن حلفائها في المنطقة، وإحداث تعديلات على الاستراتيجية التي يتم بها نشر القوات الأمريكية في اّسيا.
وفي ختام زيارة الرئيس “بايدن” إلى سول اتفق مع نظيره الكوري الجنوبي “يون سوك يول”، على توسيع التدريبات العسكرية المُشتركة لردع التهديد النووي من كوريا الشمالية، مع التأكيد على أن هدفهما المشترك يتبلور حول نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية بشكل كامل.
ويعكس هذا الاتفاق، تحولًا في الاتجاه من قبل الزعيمين عن أسلافهما، فقد فكر الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، في إلغاء التدريبات العسكرية وأعرب عن تعاطفه مع الزعيم الكوري الشمالي، في حين ظل اّخر رئيس كوري جنوبي “مون جاي إن”، مُلتزمًا بالحوار مع “كيم” حتى نهاية فترة ولايته، على الرغم من رفضه المتكرر من قبل كوريا الشمالية.
في الأخير، فإن مثل هذا الاتفاق، قد يدفع كوريا الشمالية إلى الدفاع عن تطوير أسلحتها النووية وصواريخها كرادع ضروري ضد ما تصفه بالتهديدات الأمريكية، والرد بغضب على هذا الإعلان، فهي التي طالما وصفت التدريبات العسكرية المُشتركة بأنها تدريبات على غزو، رغم أن الحلفاء وصفوا التدريبات بأنها دفاعية. ومن المحتمل أن يُمهد هذا الأمر الطريق لكيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها مع أي تحديات من قِبل كوريا الشمالية.
.
رابط المصدر: