كريستين ماكفان
منذ الإعلان عن اتفاق التطبيع التاريخي بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في آب/أغسطس، ورداً على تسريبات صحفية أمريكية وإسرائيلية، أكّدت أبو ظبي أنها تتوقع من المسؤولين الأمريكيين الموافقة على طلبات الأسلحة التي تقدمت بها والتي طال انتظارها كجزء من الاتفاق، وفي مقدمتها مقاتلة الشبح “إف-35 لايتنيغ الثانية”.
إن السماح لأبوظبي بشراء المقاتلة “إف-35” – وهي طائرة يمكن أن تغيّر بشكل كبير ميزان القوة العسكرية في الشرق الأوسط – ربما لم يكن وارداً قبل المعاهدة الإسرائيلية – الإماراتية. ومع ذلك، يشكل هذا التحول المصيري في العلاقة بين البلدين فرصة لإعادة التفكير في السياسة الأمريكية وإعادة النظر في الطلب الإماراتي.
وعند القيام بذلك، سيتعيّن على صانعي القرار الأمريكيين مراعاة مجموعة معقدة من القضايا. يجب عليهم طمأنة إسرائيل حول تفوقها العسكري النوعي، والوفاء بالاتفاقات المبرمة مع الإمارات، والإظهار للشركاء العرب الآخرين كيف يمكن للسلام أن يفيد كل من الأمن الإقليمي وعلاقاتهم مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تقرر كيف ستتعامل مع طلبات ” إف-35″ التي تأتي من شركاء إضافيين قد يكونون أكثر إثارة للجدل من الإمارات من الناحية السياسية، ويمكن فعل ذلك جزئياً من خلال تقييم الازدياد المحتمل في إعادة ظهور الاصطفافات الجيوسياسية المعادية التي قد تهدد المصالح الأمريكية والأمن الإسرائيلي في المستقبل. ولحسن الحظ، هناك عددٌ من الطرق الكفيلة لتخفيف هذه المخاوف، وطمأنة إسرائيل، وتعزيز المصالح الأمريكية طويلة المدى.
“إف-35“ كمغيرة لقواعد لقواعد اللعبة العسكرية
إن طائرة “إف-35” هي مقاتلة متعددة المهام من الجيل الخامس، والأكثر تقدماً في السوق حالياً، وقد يؤدي الحصول عليها إلى زيادة القدرات الدفاعية لدولة الإمارات بشكل كبير. وقد يثبت هذا التعزيز أنه أمر مهم في وقت تُقلص فيه الولايات المتحدة من وجودها في الشرق الأوسط وتستمر إيران في تحديث ترسانتها العسكرية.
وبالفعل، عملت إيران خلال العقد المنصرم على بناء ترسانة صواريخها الباليستية، ومركباتها الجوية غير المأهولة، وصواريخها الجوّالة. بالإضافة إلى ذلك، تملك منظومة صواريخ أرض-جو متقدمة (من بينها المنظومات الروسية “إس-300”) وقد نشرتها بقوة ووفرة فوق مضيق هرمز. وفي الوقت الحالي، سيسمح هذا الوضع للقوات الإيرانية بالكشف عن أي نشاط عسكري انتقامي من جانب الإمارات والدفاع عن نفسها بوجه هذه الأنشطة، بينما يترك الإماراتيون مع قدرة محدودة فقط على الدفاع ضد الاستفزازات الإيرانية.
وستعزز طائرة “إف-35” بشكل كبير إمكانيات القوات الجوية الإماراتية وقدرتها على الصمود على هذه الجبهة. كما أن ميزة التخفي في تصميمها ستتيح للطيارين الإماراتيين اختراق الدفاعات الإيرانية رداً على الأعمال العدائية وتنفيذ ضربات دقيقة ضد الأهداف الإيرانية والوكيلة المهدّدة في جميع أنحاء منطقة الخليج العربي. وبالتالي، قد تزيد هذه القدرات من قوة الردع الإماراتية ضد الأعمال العسكرية الإيرانية.
مخاوف إسرائيل المتعلّقة بتفوّقها العسكري النوعي
يشكّل ضمان احتفاظ إسرائيل بتفوقها العسكري النوعي أبرز التعقيدات السياسية لعملية البيع. ووفقاً للقوانين الأمريكية التي تم سنها في عام 2008، يعني ذلك ضمان امتلاك القوات الإسرائيلية لمنظوماتٍ عسكرية متفوقة قادرة على التصدي لأي تهديد تقليدي منطقي من أي دولة، أو تحالف، أو جهة فاعلة غير حكومية في الشرق الأوسط والتغلب عليه.
لدى الولايات المتحدة عدة طرق للوفاء بهذا البند وفي الوقت نفسه المضي قدماً في نقل طائرات ” إف-35″ إلى الإمارات: أولاً، يمكنها أن تبيع للإمارات نسخةً من الطائرة المخصصة للتصدير ومزوّدة بأجهزة استشعار وأسلحة أقل قدرة. على سبيل المثال، عندما وافقت واشنطن على بيع طائرة “نسور إف-15 إس” (F-15S Strike Eagles) إلى السعودية في عام 1992، كان قد طُلب في البداية أن يتم تسليمها باستخدام رادارات أقل شأناً وبدون أسلحة متطورة مثل صاروخ “إي آي إم-120” (AIM-120). (وقد رُفعت هذه القيود في عام 2000، وتم تسليم أول وجبة من صواريخ “إي آي إم-120” في عام 2003).
ثانياً، بإمكان الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بمنظومات أخرى تتيح لها الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي. على سبيل المثال، بعد عام ونصف من بيع طائرات “إف-15 إس” للرياض، وافق الكونغرس الأمريكي على منح إسرائيل طائرات “إف-15 آي” ذات قدرات أكبر من النموذج السعودي. وبالمثل، عوّضت إدارة أوباما الشراء السعودي حتى من خلال نسخة أكثر تقدماً، وهي “إف-15 إس إي”، من خلال بيع طائرات “إف-35” إلى إسرائيل وضمان حصولها على نفس الإصدار الذي تم تسليمه إلى الدول الأعضاء في حلف “الناتو”. ووفقاً لموقع “بريكينغ ديفينس”، في الآونة الأخيرة، وفي اليوم نفسه الذي تم فيه توقيع “اتفاقيات أبراهام” الأسبوع الماضي، أفادت بعض التقارير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس الأمريكي ترامب حزمة أسلحة جديدة تزيد قيمتها عن 8 مليارات دولار، تشمل المزيد من طائرات “إف-35” وطائرة “V-22 Osprey tiltrotor” والتسليم المبكر لناقلات “بيغاسوس كي سي 46” للتزود بالوقود.
ثالثاً، قد يكون بوسع المسؤولين الأمريكيين أن يعرضوا تبسيط الطلبات الإسرائيلية لتحديث المنصات أو حتى زيادة حصة إسرائيل الصناعية في تطوير برنامج طائرات “إف-35”. وقد سبق أن أبرمت القدس اتفاقيات لدمج أجهزتها الإلكترونية وأسلحتها مع نسختها من طائرة (“إف-35 آي أدير”)، وكان الحصول على موافقة الولايات المتحدة على هذه التعديلات عملية معقدة.
رابعاً، بإمكان واشنطن أن تحد من صفقات شراء الإمارات للقدرات التكميلية لطائرات”إف-35“. على سبيل المثال، بدون خزانات الوقود الخارجية، يكون مدى الطائرة أقل من 2200 كيلومتر، ونصف قطرها القتالي 1093 كيلومتراً. وتقع إسرائيل على بعد حوالي 2500 كيلومتر من الإمارات، لذا لن تتمكن الطائرات الإماراتية من طراز “إف-35” من الوصول إليها دون اللجوء إلى التزود بالوقود الجوي أو الخزانات غير الشبحية المتوفرة حالياً. وستؤدي هذه الخيارات إما إلى المساس بالأمن العملياتي (في حالة إعادة التزود بالوقود الجوي) أو تحييد قدرات التخفي للطائرة (إضافة خزانات إضافية قد يجعلها قابلة للاكتشاف تقريباً مثل “الجيل الرابع زائد” الحالي من طائرات “إف-16 Desert Falcons“). وتقوم شركة “لوكهيد مارتن” بتطوير خزانات وقود متوافقة مع تشكيل خفي للطائرة “إف-35″، لكن بإمكان الحكومة الأمريكية تقييد بيعها إلى دولة الإمارات.
المخاطر الجيوسياسية
تشكّل المخاوف بشأن التغيرات الجيوسياسية المفاجئة المحتملة في الشرق الأوسط المضطرب اعتبار رئيسي آخر. على سبيل المثال، كانت إيران وتركيا سابقاً شريكتان مقرّبتان من إسرائيل، لكن طهران هي الآن الخصم الرئيسي للقدس، بينما أصبحت أنقرة معادية بشكل متزايد منذ حرب 2008 في غزة. وقد تصل مدة حياة طائرة “إف-35” إلى أربعين عاماً، الأمر الذي يترك متسعاً من الوقت للتحوّلات المحتملة في علاقات الإمارات مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فمن المرجح أن تخفف درجة تطوّر الطائرة من تأثير أي تحول من هذا القبيل. وتتطلب طائرة “إف-35” الكثير من الصيانة والخبرة، وهذا أمرٌ توفّره بالدرجة الكبرى شركة “لوكهيد مارتن”. ووفقاً لمحللي الطيران والمستندات الخاصة بـ “إف-35“، تتضمن قدرة التخفي وحدها 5000 قطعة بحاجة إلى صيانة دقيقة. كما أن ما يصل إلى 774 قطعة من مكونات الطائرة تستلزم أعمالاً روتينية في المستودع (بدءاً من إلكترونيات الطيران والمقاعد الانقذافية إلى أنظمة الوقود والأنظمة الميكانيكية والهيدروليكية)، في حين تتضمن أنظمة الحاسوب فيها أكثر من ثمانية ملايين سطر من الشيفرات البرمجية. بعبارة أخرى، فإن القدرات التي تجعل هذه الطائرة غير عادية للغاية سوف تتدهور بسرعة دون مساعدة مكثفة من المقاول.
تجنب سلسلة من حالات بيع الأسلحة
هناك مصدر قلق آخر هو الارتفاع المحتمل لطلبات “إف-35” من الدول العربية الأخرى، مما يعرّض التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي لمزيد من المخاطر. وتتمثل إحدى الطرق للحد من هذا التأثير التعاقبي في حظر استخدام “برنامج التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي” لمبيعات طائرات “إف-35”. والدول الثلاث الأخرى التي لديها معاهدات سلام أو اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل – البحرين ومصر والأردن – تتلقّى جميعها المساعدات العسكرية الأجنبية التي تستخدم المنح الأمريكية من خلال “قانون مخصصات العمليات الخارجية” لتمويل قدر كبير من مشترياتها العسكرية. وعلى النقيض من ذلك، تدفع الإمارات الثرية ثمن مثل هذه المشتريات بصورة كلّية.
أما قطر والسعودية، فهما الدولتان الأخريتان الوحيدتان في المنطقة التي يمكنهما أن تفكرا في مثل هذا الشراء الكبير دون مساعدة. وحتى الآن، لم تستوف أي من الدولتين الشرط المسبق غير الرسمي لتوقيع اتفاقية التطبيع مع إسرائيل. وكلتاهما استبعدتا ذلك صراحة في غياب حل مرتقب للقضية الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال البلدان ينتظران التسليم الكامل للأسلحة المذكورة في اتفاقيهما الموقعان مؤخراً لطائرات “إف-15” المتطورة (“إف-15 إس إي” للرياض و “إف-15 كيو إي” للدوحة). ومع ذلك، فوفقاً للمحلل للشؤون الدفاعية جوزيف تريفيثيك، أعربت السعودية عن اهتمامها بشراء طائرات “إف-35” في وقت مبكر من عام 2017. وسيصبح رفض هذا الطلب أكثر صعوبة إذا توصلت الرياض إلى اتفاق مع إسرائيل في المستقبل.
اغتنام الفرص الاستراتيجية
بغض النظر عن التعقيدات، قد يخدم بيع طائرات “إف-35” للإمارات المصالح الوطنية للولايات المتحدة بعدة طرق. فمع تركيز الحكومة الأمريكية اهتمامها على منطقة المحيطين الهندي والهادي، فإن الموافقة على بيع طائرات “إف-35” يمكن أن تُظهر للإمارات التزام الولايات المتحدة المستمر بالدفاع عنها. وإذا استمرت القوات والطائرات وفرق الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الأمريكية في الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك من “قاعدة الظفرة الجوية” في الإمارات، من الممكن أن تملأ طائرات “إف-35” بعضاً من ذلك الفراغ.
وأحد أسباب ذلك هو أن مجموعة إلكترونيات الطيران ذات تقنية الانصهار المتقدمة في هذه الطائرة تجمع قدراً لا يصدَّق من المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية خلال كل رحلة تقوم بها الطائرة، ويمكن مشاركة هذه المعلومات مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت الإمارات تملك طائرات “إف-35″، فسوف تتعزز قدرتها على التشغيل البيني مع القوات الأمريكية بشكلٍ كبير في حال اضطرار واشنطن إلى إعادة الانتشار في الخليج خلال اندلاع أزمة ما (على سبيل المثال، إذا تصاعدت التوترات مع إيران، تستطيع أبوظبي أن تسمح للطائرات الأمريكية بالوصول إلى بنيتها التحتية المرتقبة من طائرات “إف-35” ومخزون المعدات الاحتياطية). وقد يمنع البيع أيضاً الصين وروسيا من اتخاذ خطوات لملء الفراغ من الانسحاب الأمريكي، مثل بيع طائرات الجيل الخامس الخاصة بهما للعملاء الزبائن في الخليج.
وعلى الرغم من أنه سيتعين على صانعي السياسات في الولايات المتحدة التوفيق بشكل دقيق بين هذه الفرص والمخاطر، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها صفقة بيع منظومة أمريكية شديدة التطور مثل هذه المخاوف. وقد تنطوي طائرة “إف-35” على مخاطر أكبر من تلك المتعلقة بعمليات البيع السابقة، ولكن مع التخطيط والتفكير المسبق، بإمكان واشنطن أن تجعلها رهاناً أكثر أماناً لجميع الأطراف.
اللفتنانت كولونيل كريستين ماكفان، “القوات الجوية الأمريكية”، هي زميلة عسكرية في معهد واشنطن في الفترة 2020-2021. وهي القائدة السابقة لـ “سرب المخابرات الثلاثين في القاعدة المشتركة لانغلي يوستيس”، وعملت في عدة مجالات وفي دعم الحملات العسكرية في الشرق الأوسط مثل “عمليات العزم الصلب”، “حرية العراق”، “الحرية الدائمة”، و”فجر الأوديسة”. الآراء المعبر عنها في هذا المقال خاصة بها ولا تعكس السياسة الرسمية أو موقف “القوات الجوية الأمريكية” أو “وزارة الدفاع الأمريكية” أو الحكومة الأمريكية.
رابط المصدر: