فجأة، باتت الهالة التي طالما كانت تحيط بالدفاعات الجوية الإسرائيلية طيلة سنوات باعتبارها دفاعات لا تقهر موضع تساؤل وتدقيق بعد النجاحات الأخيرة التي حققتها إيران ووكلاؤها في مهاجمة البنية التحتية الإسرائيلية. فقد عُرف على نطاق واسع أن قوات الدفاع الإسرائيلية تمتلك بعضا من أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا في العالم، بعد أن استثمرت بكثافة خلال العقود الأخيرة في تطوير التكنولوجيا لاعتراض الهجمات الصاروخية التي قد تشنها الأنظمة المنافسة.
وبعد أن بدأ الجيش الإسرائيلي في تطوير نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، الذي يصل مداه إلى 70 كيلومترا، وكان ذلك في أعقاب “حرب الصيف” عام 2006 بينه وبين مسلحي “حزب الله” المدعوم من إيران في لبنان، كان أن شرع جيش الدفاع الإسرائيلي في تطوير نظامين آخرين يمكنهما اعتراض الهجمات على مدى أكبر من ذلك بكثير. فصُمم “مقلاع داود” لتدمير الصواريخ بعيدة المدى والصواريخ المجنحة والصواريخ الباليستية متوسطة أو بعيدة المدى من مسافة تصل إلى 300 كيلومتر، فيما طُور نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “أرو”، ليصدّ عن إسرائيل الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى على بعد 2400 كيلومتر.
وفوق هذا وذاك، يمكن للإسرائيليين أن يعتمدوا على الدعم الذي يقدمه حلفاؤها مثل الولايات المتحدة، التي تملك عددا من السفن الحربية العاملة في المنطقة، في حال تعرضت لهجوم كبير من إيران والميليشيات التي تدعمها، بما في ذلك “حماس” و”حزب الله” والمتمردون الحوثيون في اليمن.
وقد تجلت فعالية هذه المجموعة الهائلة من أنظمة الدفاع الجوي بوضوح كبير في أبريل/نيسان، عندما شنت إيران أول هجوم مباشر لها على إسرائيل ردا على غارة جوية يشتبه أنها إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق. وفي حين أطلقت طهران باتجاه إسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة، ما يقدر بنحو 30 صاروخ كروز و120 صاروخا باليستيا و170 مسيّرة، تمكنت أنظمة الدفاع الجوي التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي مع المشاركة العسكرية لحلفائها مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من اعتراض جميع المقذوفات تقريبا.
القناعة بامتلاك إسرائيل دفاعات جوية متقدمة تجعلها محصنة ضد مزيد من هجمات إيران ووكلائها، بات الآن موضع مراجعة دقيقة إثر الهجمات الأخيرة التي نجحت فيها إيران في اختراق الدفاعات الإسرائيلية
غير أن هذه القناعة بامتلاك إسرائيل دفاعات جوية متقدمة ودقيقة تجعلها محصنة ضد مزيد من هجمات إيران ووكلائها، بات الآن موضع مراجعة دقيقة إثر الهجمات الأخيرة التي نجحت فيها إيران وحلفاؤها في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
ظهرت أول علامة تشير إلى احتمال وجود نقاط ضعف خطيرة في الدفاعات الجوية الإسرائيلية بعد أن شنت إيران هجومها الصاروخي الأخير ردا على مقتل زعيم “حزب الله” حسن نصرالله، الذي قتل الشهر الماضي في غارة جوية يُعتقد أن طائرات حربية إسرائيلية هي من نفذتها.
وردت طهران بإطلاق ما يقدر بنحو 180 صاروخا باليستيا على إسرائيل، استهدف الكثير منها قاعدة “نيفاتيم” الجوية الإسرائيلية.
أ.ف.ب
حفرة خلفتها قذيفة منفجرة في مبنى مدرسة متضرر في مدينة جيديرا بجنوب إسرائيل بعد أن أطلقت إيران وابلًا من الصواريخ على إسرائيل، 1 أكتوبر2024
وما سمح لعدد معتبر من الصواريخ في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية هو تضافر السرعة العالية لهذه الصواريخ مع الأعداد الكبيرة التي أطلقت منها، إضافة إلى أن الإسرائيليين لم يتلقوا التحذير إلا قبل 15 دقيقة من إطلاق الصواريخ. وبالإضافة إلى ضرب القاعدة الجوية، أظهرت لقطات تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي انفجار صواريخ في محيط مقر “الموساد” في الضواحي الشمالية لتل أبيب، كما استهدف القصف كما بدا من التقارير تل نوف، أكبر وأقدم قاعدة جوية في إسرائيل.
وهذه ليست المرة الوحيدة التي تتعرض فيها إسرائيل للهجوم وتفشل دفاعاتها الجوية في اعتراض المقذوفات المعادية التي تطلقها الميليشيات المدعومة من إيران.
أ.ف.ب
منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية “القبة الحديدية” تعترض صواريخ أطلقت من جنوب لبنان فوق منطقة الجليل الأعلى في شمال إسرائيل، في 4 أغسطس 2024
وفي يوليو/تموز، وصلت تل أبيب مسيّرة أطلقها الحوثيون من اليمن، بينما قال جيش الدفاع الإسرائيلي في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول إن مسيرة أطلقت من العراق قتلت جنديين في مرتفعات الجولان، بينما ضربت مسيرة أخرى دار رعاية في وسط إسرائيل، في الأسبوع الماضي.
ولكن الهجمات بالمسيرات التي سببت أكبر ضرر للبلاد حتى الآن كانت تلك التي شنها “حزب الله” يوم الأحد 13 أكتوبر، حين أطلق من جديد مسيرة على قاعدة عسكرية في “بنيامينا” شمال إسرائيل، أسفرت عن مقتل أربعة جنود وإصابة العشرات فيها.
لا شك أن قدرة إيران ووكلائها على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية تشكل سببا رئيسا لقلق الحكومة الإسرائيلية. فقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أثناء زيارته للقاعدة العسكرية المتضررة صباح الاثنين، إن “جهودا كبيرة” تُبذل لإيجاد حلول تمنع هجمات المسيّرات المستقبلية.
هذه ليست المرة الوحيدة التي تتعرض فيها إسرائيل للهجوم وتفشل دفاعاتها الجوية في اعتراض المقذوفات المعادية التي تطلقها الميليشيات المدعومة من إيران
في الأثناء، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حين زار قاعدة بنيامينا جنوب حيفا، بعدم إظهار أي رحمة تجاه “حزب الله” بعد هجومه نهاية الأسبوع الماضي، قائلا: “سنواصل ضرب (حزب الله) بلا رحمة في كل أنحاء لبنان بما في ذلك بيروت”.
وقد دفعت الشكوك في قدرة إسرائيل على مواجهة تهديدات الصواريخ والطائرات دون طيار من إيران و”حزب الله” إدارة بايدن لتزويد إسرائيل بأحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي الأميركية تطورا. وفي خطوة غير اعتيادية، أعلن البنتاغون أنه سينشر نحو 100 جندي أميركي في إسرائيل لتشغيل المنظومة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أ.ف.ب
جنود يقفون بالقرب من بطارية نظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية” عند الحدود الجنوبية لإسرائيل مع قطاع غزة في 17 أبريل 2024
وقد التزمت الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل ببطارية دفاع جوي من طراز “ثاد” (THAAD)، والتي تهدف، إلى “تعزيز” الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعقاب “الهجمات الإيرانية غير المسبوقة ضد إسرائيل في 13 أبريل/نيسان ومرة أخرى في 1 أكتوبر، حسب تصريحات للمتحدث باسم البنتاغون اللواء بات رايدر”. وتأتي هذه الخطوة بعد ساعات فقط من تحذير إيران لواشنطن من مغبة دخول قواتها إلى إسرائيل.
أخيرا، إذا كانت تل أبيب جادة حقا في شن عمل عسكري ضدّ إيران، فستحتاج أولا إلى أن تطمئن إلى أن عملها هذا لن يتركها مكشوفة أمام هجمات انتقامية مدمرة من طهران.