باتت أسعار المنتجات البترولية محط أنظار العالم بعد الزيادات الحادة التي شهدتها مختلف دول العالم جراء أزمة الطاقة العالمية، وما نتج عن الحرب الروسية الأوكرانية التي رسمت خريطة جديدة وواقعًا جديدًا لسوق الطاقة العالمية، خريطة كان من أهم ملامحها هي الارتفاع الجنوني في أسعار الطاقة والغاز الطبيعي عالميًا، مما تسبب ذلك في تعرض جميع دول العالم بلا استثناء إلى أزمات حادة في أسواق الطاقة، وبالتالي حدوث حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار العالمي في سلاسل الإمدادات العالمية في صناعة النفط والطاقة بسبب الكميات المعروضة، بالإضافة إلى تفاقم أزمة الوقود عالميًا وتالتي تأثر بها العديد من دول العالم.
وقد انعكست تبعات ذلك على الاقتصاد العالمي، مع حدوث موجة حادة من التضخم العالمي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الاستيراد لمختلف دول العالم، حيث يبلغ متوسط سعر البنزين عالميًا حاليًا حوالي 1.30 دولارًا لكل لتر بنزين في فبراير المنقضي، وذلك حسب البيانات المنشورة على موقع جلوبال بترول برايسيس.
والجدير بالذكر أن كل جالون بنزين يعادل حوالي 3.8 لتر بنزين تقريبًا. وتجب الإشارة إلى أن جلوبال بترول برايسيس يُعد الموقع الأكثر نشرًا للمعلومات الموثوقة والمعتمدة حول أسعار الطاقة بالتجزئة في جميع أنحاء العالم، حيث يتتبع جلوبال بترول برايسيس أسعار البنزين في المتوسط عبر حوالي 150 دولة وأكثر من حوالي 250 مدينة على الصعيد العالمي.
أسعار النفط الخام وعلاقتها بأسعار البنزين عالميًا
بشكل عام، هناك العديد من العوامل التي تحدد سعر البنزين والتي من أهمها: أسعار النفط الخام والتي تتحكم بشكل كبير في تحديد أسعار البنزين داخل مختلف دول العالم، وعلى سبيل المثال نجد أن سعر النفط الخام يتدخل بنسبة نحو 54% في تحديد سعر البنزين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تكاليف التكرير والتصفية، وتكاليف التوزيع والتسويق. وبالتالي تُشكل أسعار النفط الخام العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد أسعار البنزين، وهذا يعني أنه كلما كان اعتماد الدولة على استيراد النفط الخام زاد تأثر أسعار البنزين لديها بتقلبات سوق النفط العالمية.
ولذلك نجد أن الصعود الحاد الذي شهدته أسعار النفط عالميًا منذ نهاية عام 2021 وبداية التعافي الاقتصادي قبل أن تسجل مستويات غير مسبوقة في نهاية فبراير من العام الماضي 2022 وذلك في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية كما هو موضح في الشكل التالي، قبل أن تهدأ حدة الارتفاع مؤخرًا على خلفية مخاوف تباطؤ الطلب على النفط الخام، كان لها التأثير الأكبر في ارتفاع أسعار البنزين عالميًا.
وهنا يجب الإشارة إلى أن أي اختلاف بين البيانات السعرية وما قد يراه المواطن علي أرض الواقع ربما يعود إلى التغير في أسعار صرف العملات أمام الدولار الأمريكي. وبالتالي نجد أن معادلة تسعير المنتجات البترولية تتكون من 3 مدخلات رئيسة وهي: أسعار النفط العالمية، وأسعار صرف الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى أعباء التداول.
وبالتالي جاءت ارتفاع أسعار النفط الخام العام الماضي ليفوق توقعات موازنات العديد من دول العالم للعام الحالي، وهو ما يشكل مكاسب لخزائن بعضها، ويتسبب في ضغوط على الدول الأخرى التي تعتمد على الاستيراد لتوفير الوقود والمنتجات البترولية لأسواقها المحلية.
الأرخص عالميًا في أسعار البنزين
في بداية العام الماضي 2022، احتلت مصر المركز رقم 14 على مستوى العالم في الدول الأرخص في أسعار الوقود، فيما احتلت دولة مثل المملكة العربية السعودية (الدولة الأكثر إنتاجًا للنفط الخام) المركز رقم 22 عالميًا، ودولة الإمارات العربية المتحدة في المركز رقم 45 عالميًا. وفي منتصف شهر فبراير من العام الحالي 2023، كشفت جلوبال بترول برايسيس عن الدول الأرخص في أسعار البنزين على مستوى العالم، حيث جاءت مصر في المركز السابع كأرخص دولة بالعالم في أسعار بيع البنزين، بمتوسط سعر لتر بنزين بلغ حوالي 0.351 دولار، وجاءت دولة فنزويلا في المركز الأول في ترتيب أرخص دول العالم في بيع البنزين وفقًا لترتيب جلوبال بترول برايسيس، تليها ليبيا وإيران وأنجولا والجزائر والكويت ومصر. وأضاف التقرير الصادر عنها أن السعر المتوسط للبنزين عالميًا سجل نحو 1.31 دولار للتر (ما يعادل بين 37 جنيهًا وحتى 40 جنيهًا)، وجاءت هونج كونج في الترتيب الأول عالميًا من حيث الأغلى عالميًا بحوالي 2.941 دولار للتر، كما موضح بالشكل التالي.
وبالنظر إلى تلك القائمة أو الأرقام نجد أن 7 دول تصدرت قائمة أقل أسعار البنزين عالميًا، من بينها 4 دول عربية، جاءت ضمن المنافسة وذلك بفضل حالة الاكتفاء التي تشهدها فيما يتعلق بإنتاج النفط الخام ومنها ليبيا والجزائر والكويت، أو عوامل أخرى منها دعم الوقود وإدارتها لملف المنتجات والمواد البترولية بشكل قوي واقتصادي ومنها مصر، مما يجعلها قادرة على السيطرة على أسعار المشتقات والمنتجات البترولية بشكل ناجح.
ونجد أن فنزويلا تحظى بلقب أرخص دولة في البنزين عالميًا، بفضل انخفاض سعر عملتها المحلية إلى أقل من حوالي 10%، وهي البوليفار، وذلك ما فسر سعي الرئيس الأمريكي إلى التفكير في تخفيف العقوبات المفروضة على النفط الفنزويلي؛ بهدف جلب المزيد من المنتجات النفطية المكررة ومن بينها البنزين إلى الولايات المتحدة الأمريكي، في ظل أزمة وقود طاحنة ضربت واشنطن منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
ونجد أن ليبيا تحتل المركز الأول في قائمة الأرخص بين الدول الأفريقية كما هو موضح بالشكل التالي، ولكنها تُعد ثاني أرخص دولة في البنزين على مستوى العالم، لأنها تسعى إلى الحفاظ على مستويات أسعار الوقود لديها دون تحريك منذ سنوات طويلة، في ظل أزمات سياسية قاسية تضرب البلاد، بالإضافة إلى معدلات الإنتاج الليبي من النفط الخام والتي وصلت إلى مستوى حوالي 1.215 مليون برميل يوميًا.
بالإضافة إلى ما سبق، اعتمد موقع جلوبال برايسيس في تقييمه على سعر أوكتان 95 وهو الأغلى بين فئات البنزين في مصر، بجانب أن مصر رغم كونها في المركز السابع ضمن قائمة الأرخص عالميًا من حيث سعر اللتر، إلا أنها على عكس الدول الست قبلها ليست على قائمة الأكبر من حيث احتياطيات النفط الخام، فعلى سبيل المثال تحتل فنزويلا المركز الأول من حيث احتياطيات النفط الخام بحوالي 303 مليارات برميل، وتحتل إيران ثالثًا بحوالي 209 مليارات برميل، بينما تأتي مصر في المركز رقم 28 عالميًا بحوالي 3.3 مليارات برميل.
وعند النظر إلى مستويات الإنتاج، نجد أن مصر تقع في المرتبة 24 عالميًا بحوالي 590 ألف برميل يوميًا مقارنة بمستويات الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقع في المرتبة الأولى بحوالي 11.3 مليون برميل من النفط الخام يوميًا. وبالنظر إلى عدد السكان، فإن مصر تسبق جميع الدول العشرين الأرخص عالميًا من حيث سعر البنزين بنحو حوالي 104 مليون نسمة فيما عدا نيجيريا حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 219 مليون نسمة وتحتل المركز التاسع عالميًا على قائمة الأرخص والخامس أفريقيًا فيما تبلغ احتياطاتها النفطية المؤكدة حوالي 36 مليار برميل أي أكثر بحوالي 10 أضعاف الاحتياطيات المصرية النفطية.
ونجد كذلك أن هناك فروقًا ملحوظة ما بين الدول على مستوى العالم؛ فعلى سبيل المثال تكون الأسعار في الدول الغنية والكبرى مرتفعة بالمقارنة مع الدول النامية والأقل دخلًا، أما الدول المنتجة والمصدرة للنفط فتكون الأسعار أقل منها بكثير. وتعود تلك الفروق في أسعار الوقود إلى الدعم الحكومي للبنزين وحجم الضرائب، فيشتري جميع دول العالم النفط بنفس الأسعار العالمية، ولكنها فيما بعد تفرض ضرائب مختلفة مما يؤدي إلى اختلاف أسعار التجزئة للبنزين وبالإضافة إلى أسعار صرف الدولار الأمريكي.
ومن هنا يجب إلقاء الضوء علي أبرز مظاهر أزمة أسعار البنزين عالميًا:
● اتساع الفجوة بين أسعار الوقود وسعر النفط العالمي إلي ما يقارب حوالي 40 دولارًا للبرميل.
● تراجع مخزونات العديد من الدول الكبرى المنتجة للنفط، وبالتالي انعكس ذلك علي أسعار الديزل والبنزين في العالم.
● قيام العديد من الدول الكبرى المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهما بزيادة أسعار أنواع الوقود المختلفة.
● بعض الدول قامت برفع مستويات أسعار البنزين بحوالي 3 مرات خلال العام الماضي مثل الأردن.
● وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية في العديد من دول العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية والتي وصل بها معدل التضخم إلي مستويات لم تشهدها البلاد منذ عقود، فوصل سعر جالون البنزين إلى حوالي 5 دولارات للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية قبل الوصول إلى حوالي 4 دولارات.
● تعاني القارة الأوروبية من عجز واضح في إمدادات المنتجات البترولية والذي بلغ أكثر من مليون برميل يوميًا، وسجلت تكلفة لتر البنزين في بعض دول القارة أكثر من 2.5 دولار في بداية الأزمة، بالإضافة إلى دخول الحظر على المنتجات البترولية الروسية حيز التنفيذ.
وقد نجحت الدولة المصرية خلال العام الماضي 2022 في الوفاء باحتياجات السوق المحلية وقطاعات الدولة المختلفة من المشتقات والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي، فنجد أن إجمالي ما تم استهلاكه منهما بلغ حوالي 81 مليون طن، وذلك بزيادة نسبتها حوالي 6.2% عن عام 2021 بواقع 35.5 مليون طن من المنتجات البترولية وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي. وبالتالي شهدت السوق المحلي حالة من الاستقرار الكامل وتلبية احتياجاتها من إمدادات الوقود والمنتجات البترولية.
وذلك يرجع إلى العديد من العوامل والتي من أهمها نجاح الدولة المصرية منذ عام 2014 في إدارة مشروعاتها البترولية بشكل اقتصادي يحقق الاستدامة وخفض التكاليف، مع العمل على خفض الانبعاثات، بالإضافة إلى سعيها إلى زيادة حجم الاستثمارات في مشروعات التكرير والبتروكيماويات المختلفة، وكذلك البنية الأساسية، وهو ما حافظ بشكل كبير على الاستقرار في ملف إمدادات الوقود والمنتجات البترولية إلى الأسواق المحلية وبشكل آمن ومستدام والتخلص من حالة العجز التي أصابت الدولة في الفترة التي سبقت عام 2014.
مجمل القول، تطورات خطيرة شهدها ملف النفط والطاقة العالمي وذلك منذ العام الماضي، حيث تُعد الأسواق النفطية العالمية مرتبطة ببعضها البعض، فتأثر سعر النفط العالمي سيؤثر على أسعار البنزين والغاز الطبيعي وغيره من المشتقات والمنتجات البترولية في جميع دول العالم، وبصفة خاصة فمصر كبقية دول العالم تأثرت بالارتفاعات غير المسبوقة والتي شهدتها أغلب الأسواق النفطية على مستوى العالم، وقد تحملت عبئًا ماليًا كبيرًا بسبب ذلك، وهو ما يفسر قرار تحريك أسعار المنتجات البترولية بنسبة حوالي 10% تجاوبًا مع ارتفاع الأسعار العالمية وتقليل الفجوة بين الأسعار العالمية والمحلية للبترول ومشتقاته، مع تثبيت أسعار السولار لتفادي أي تأثيرات على بقية السلع.
.
رابط المصدر: