كيف تؤثر زيارة بايدن إلى المنطقة على سوق النفط العالمية؟

أحمد بيومي

 

بعد سنوات من العلاقات الفاترة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، يعود الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى، ليبدأ زيارته إلى المنطقة بإسرائيل، ليطير بعدها للمرة الأولى من إسرائيل إلى السعودية. لكن أهمية تلك الزيارة تكمن في توقيتها؛ إذ يعاني العالم من معدلات مرتفعة من التضخم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، مع قدرة روسية كبيرة على الاستمرار في الحرب، وهو ما شكل حافزًا أمام بايدن للعودة إلى منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى؛ لمحاولة استرداد الدور الأمريكي في منطقة الخليج في تشكيل سوق النفط عالميًا.

الزيارة الأولي من نوعها

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة تلبية لدعوة لحضور قمة سياسية تعقد في مدينة جدة في المملكة في السادس عشر من شهر يوليو بحضور دول مجلس التعاون الخليجي الست، إضافة إلى مصر والعراق والأردن، ومن المتوقع أن يناقش بايدن عددًا من الملفات مع نظرائه القادة العرب خلال الزيارة الأولى له بالمنطقة منذ تولية الرئاسة. لكن أهمية تلك الزيارة ليست فقط أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سيلتقي قادة الوطن العربي، وإنما تأتي في توقيت تعاني فيه سوق الطاقة العالمية من ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، إذ يتم تداول سعر برميل النفط من خام برنت عند سعر 100 دولار تقريبًا.

وما زالت أسواق السلع بشكل عام تشهد ارتفاعات كبيرة في أسعارها، وهو ما يزيد من معدلات التضخم عالميًا على الرغم من المساعي الأمريكية للسيطرة على تلك المعدلات من خلال رفع أسعار الفائدة لثلاث مرات متتالية، إلا أن بيانات التضخم تشير إلى استمرار الأسعار في الارتفاع؛ إذ وصل التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى منذ 4 عقود إلى مستوى 9.1 % مرتفعا عن الشهر السابق. أوروبا هي الأخرى تستمر فيها معدلات التضخم في الارتفاع، وهو ما يضغط على قادة العالم الملتزمين تجاه شعوبهم بتوفير وضع اقتصادي جيد.

إذا أضفنا أن تلك الارتفاعات في أسعار الطاقة تصب في مصلحة الجانب الروسي الذي يأتي في الترتيب الثاني عالميًا من حيث إنتاج النفط بحوالي 11.5 مليون برميل يوميًا، وتصدير 4.65 ملايين برميل يوميًا، فإن تلك الارتفاعات في أسعار النفط عالميًا تسهم في زيادة موارد الجانب الروسي من تصدير النفط، ومن ثم استمرار بل ونمو قدرة الجانب الروسي على تمويل حربه في أوكرانيا وإطالة أمد الحرب.

فقد استطاعت روسيا في ال 100 يوم الأولي بعد حربها في أوكرانيا تصدير نفط وغاز بحوالي 100 مليار دولار، أي بحوالي مليار دولار يوميًا، على الرغم من العقوبات التي فرضها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على روسيا، مستفيدة من الوضع العالمي الذي يشهد ارتفاعات متوالية في أسعار الطاقة لبيع منتجاتها بخصومات عن السعر العالمي، جعلت من سلع الطاقة الروسية هدفًا لعدد كبير من الدول التي ترغب في الحصول على الطاقة بأسعار جيدة.

تلك العوامل أسهمت في تعزيز قدرة الاقتصاد الروسي على الصمود، ليس ذلك فقط؛ فوفقًا لبيانات البنك المركزي الروسي فإن وضع العملة الروسية عالميًا تحسن أمام سائر العملات الأخرى، ووصل إلى مستوى أفضل من الوضع قبل الحرب، مدعومًا بالقدرات الروسية المتزايدة في تصدير النفط؛ إذ نجحت روسيا في تصدير نفط في شهر مايو فقط بحوالي 20 مليار دولار (وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية) وهو ما يزيد على صادرات روسيا خلال شهر أبريل بحوالي 1.7 مليار دولار، ويزيد على متوسط مبيعات روسيا من النفط الشهرية لعام 2021 والتي يبلغ متوسطها حوالي 15 مليار دولار شهريًا.

أثار ذلك الوضع حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي تعاني اقتصاداتها من تبعات ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، والتي تسببت في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تتخطي حاجز 8.5% في المملكة المتحدة وحوالي 9.1% في الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لبيانات شهر يونيو، وهو ما يثير الغضب بين مواطنيها ويضغط على اقتصاديات تلك الدول جراء قيام بنوكها المركزية بإتباع سياسات انكماشية لاحتواء التضخم، والتي قد يترتب عليها حالة ركود باقتصاديات الدول الكبرى عالميًا.

ومن ثم فإن السبيل الوحيد لوقف النجاح الروسي في حربها ضد أوكرانيا، وخفض معدلات التضخم في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية هو خفض سعر النفط، والذي قد يأتي من خلال زيادة العرض من النفط أو خفض الطلب، لكن خيار خفض الطلب ومقاطعة النفط الروسي هو أمر شبه مستحيل في ظل الاحتياج الأوروبي إلى موارد الطاقة من روسيا.

وعليه، فيمكن الربط بين زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية، وبين ما سبقت الإشارة إليه؛ إذ يسعى بايدن الوصول إلى اتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة إنتاجها من النفط، بهدف زيادة العرض بالسوق، خاصة وأن المملكة تحتل الترتيب الثالث عالميًا من حيث إنتاج البترول بحوالي 10.2 ملايين برميل يوميًا، خلفا للولايات المتحدة الأمريكية التي تنتج 11.57 مليون برميل يوميًا، وروسيا التي تنتج 10.5 ملايين برميل يوميًا.

لكن المملكة العربية السعودية تأتي في الترتيب الأول في تصدير النفط عالميًا؛ إذ تصدر حوالي 6.66 ملايين برميل يوميًا، وتليها روسيا في المرتبة الثانية بصادرات بحوالي 4.65 ملايين برميل يوميًا، ثم العراق بحوالي 3.43 ملايين برميل يوميًا، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في الترتيب 14 بحوالي 850 ألف برميل يوميًا.

مصالح متعارضة

لكن يبدو ذلك السيناريو ليس بالأمر اليسير، خاصة إذا ما نظرنا إلى العام السابق والذي تبنت الولايات المتحدة الامريكية فيه سياسة ضاغطة على منظمة أوبك+ والتي تضم 15 دولة من منتجي النفط عالميًا لإثنائها عن تطبيق السياسة التي تضع حدًا أقصى لزيادة الإنتاج من النفط بحوالي 400 ألف برميل يوميًا، يتم تعديله بشكل شهري، وهو ما يقل عن التزايد في معدلات الطلب على النفط عالميًا، خاصة وأن معدلات الطلب قد شهدت زيادات غير مسبوقة في ظل قيام الدول بفتح اقتصاداتها بعد جائحة كورونا.

ومن ثم فإن المحاولة الحالية للرئيس بايدن تأتي ضمن باقة العقوبات الغربية لروسيا، لمحاولة زيادة المعروض ومن ثم دفع الأسعار إلى الانخفاض؛ إذ إن لذلك السيناريو مكاسب كبيرة على مستوى الضغط على روسيا للتوقف عن الحرب، وتهديد إيراداتها من تصدير الطاقة، ومن الناحية الأخرى خفض معدلات التضخم العالمية الناجمة عن الارتفاع في أسعار الطاقة.

لكن المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي لديها مصالح كبيرة مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولديها العديد من أوراق المناورة أمام الرئيس بايدن؛ إذ ستستغل المملكة الوضع الحالي للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد حل فيما يتعلق بالتهديدات الإيرانية للأمن الخليجي، هذا فضلًا عن أن هناك العديد من الطروحات التي تشير إلى أن المملكة العربية السعودية أقرب إلى روسيا في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد المواقف الأمريكية التي تبناها الرئيس بادين تجاه حكام المملكة.

وليست روسيا فقط، فالصين أيضًا وقّعت صفقة لتبادل الطاقة مع المملكة العربية السعودية مقابل العملات المحلية للدولتين دون استخدام عملة الدولار الأمريكي، وهو ما يعد ضربة كبيرة لعملة الدولار الأمريكي الذي ربط بيع الطاقة بالبترول عالميًا منذ الحرب العالمية الثانية فيما يسمي “بنظام بترو دولار”.

قبل حتى البد في الزيارة، صرحت المملكة على لسان مسؤولين بأنها ليست على استعداد لتقديم تنازلات في أي مجال، هذا فضلًا عن عدم استعدادهم التخلي عن تحالف أوبك+ مع روسيا، خاصة وأنه قد نشر في صحيفة وول ستريت جورنال أن قدرات المملكة لإنتاج 11 مليون برميل يوميًا من النفط سيكون لبضعة أسابيع فقط، فالثبات على ذلك المعدل في الإنتاج لمدة أشهر سيكون تحديًا كبيرًا أمام المملكة. لكن الرئيس بايدن يبدو أكثر تصميما على وقف التقارب السعودي الروسي، خاصة وأن ذلك التقرب أعاق جهوده لخفض معدلات التضخم، وقلص من معدلات شعبيته، وقلص آمال الحزب الديمقراطي في نيل الأغلبية داخل بالكونجرس.

تتعارض مصالح دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ إن تلك الدول عانت لسنوات “منذ عام 2014” من انخفاض سعر النفط، والذي دفع بميزانياتها إلى تحقيق عجز، ومن ثم فمن مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي أن تبقي أسعار النفط فوق حاجز 100 دولار للبرميل، وهو ما يعني أن ميزانيات دول المجلس الست لن تحقق عجزًا خلال عام 2022.

من جانب آخر، فإن هناك العديد من التقديرات التي تشير إلى أنه لا يوجد نقص في إنتاج النفط والغاز بالسوق، فتأثيرات العقوبات الأوروبية والأمريكية على قطاعي النفط والطاقة ما زالت مجهولة، وحتي في حال وجود عجز في النفط، فإن الدولتين الوحيدتين القادرتين على زياده انتاجهما من النفط في تحالف أوبك بلس هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ففي حال وصول تلك الدولتين إلى طاقتهما القصوى سيضيفون إلى السوق 2.5 مليون برميل يوميًا، بينما تصدر روسيا 4.5 مليون برميل يوميًا، أي أن السوق ستظل تعاني من عجز في حال استبعاد الطاقة الروسية.

من جانب آخر، تدرك دول مجموعة أوبك+ أن السعي الحالي وراء تحقيق أرباح سريعة والاستمرار في زيادة أسعار النفط يعزز من التوجه العالمي نحو التحول إلى الطاقة النظيفة، خاصة وأن ذلك التعافي يأتي خلفًا لعملية التعافي من فيروس كورونا. هذا بالإضافة إلى أن المملكة تخشى أن تدخل مجموعة أوبك بلس في مواجهة مع روسيا، فآخر مواجهة بين مجموعة أوبك بلس وروسيا أدت إلى حرب في أسعار الطاقة ثم حدوث انهيار كبير في أسعارها، ومن ثم فمن مصلحة أوبك بلس أن تبقي روسيا حليفًا لها للحفاظ على قدرتها على إدارة السوق في السنوات القادمة.

يبدو أن الوضع الحالي متشابك للغاية، إذ تتشارك المملكة مع الولايات المتحدة في مصالحهما نحو الحفاظ على أمن منطقة الخليج، سواء في الملف اليمني أو الإيراني، فضلًا عن أن المملكة لا ترغب في خسارة الولايات المتحدة كشريك استراتيجي على الساحة الدولية، لكن المصالح الاقتصادية للمملكة هي بقاء أسعار الطاقة مرتفعة عالميًا، خاصة وأنها بقيت منخفضة خلال الأعوام منذ 2014، هذا فضلًا عن أنه خلال عام كورونا عانت المملكة من خسائر اقتصادية كبيرة جراء انهيار أسعار النفط. وعلاوة على ذلك، تربط المملكة مصالح اقتصادية أكبر مع روسيا والتي ترغب المملكة في بقائها حليفًا لمجموعة أوبك بلس للحفاظ على سوق الطاقة عالميًا، خاصة وأن روسيا هي ثاني أكبر مصدر للنفط عالميًا، ومن ثم فإن خسارة روسيا سيترتب عليها انهيار في سوق الطاقة العالمية، والذي يحقق مكاسب للأوروبيين والأمريكيين ويقلل من معدلات التضخم، لكنه يعزز من خسائر دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا.

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71378/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M