أعلن “حزب الله” اليوم عن حدوث انفجارات ذاتية لأجهزة “بيجر” اللاسلكية التي يستخدمها عناصره في إرسال واستقبال رسائل مشفرة. وتم الإعلان حتى الآن عن مئات الجرحى، وتتوارد أخبار عن حدوث عدد من القتلى بسبب هذه الانفجارات.
يشار إلى أن تقنية التدمير الذاتي للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية هي تقنية تم تطويرها لتمكين أصحاب هذه الأجهزة من تدميرها عن بُعد في حال فقدانها أو سرقتها، وذلك للحفاظ على المعلومات السرية الموجودة عليها. وكما هو الحال مع الكثير من التطبيقات التكنولوجية، يمكن استخدام هذه التقنية لأغراض إيجابية، كما في هذه الحالة لحماية سرية المعلومات، أو لأغراض سلبية مثل استهداف عناصر “حزب الله”، كما حدث اليوم في لبنان.
إذن، كيف يمكن تدمير الأجهزة عن بُعد؟ وهل يعتبر ذلك اختراقا واضحا لمنظومة التواصل السرية لعناصر “حزب الله” أم مجرد حادث عرضي؟
أن أجهزة الـ”Pager” تعتمد بشكل كبير في التواصل بين القادة والعناصر على الأرض بعيدا عن تقنيات التنصت الإسرائيلية. فإذا تم اختراق هذه الأجهزة، فسيتعين على “حزب الله” التخلي عنها واللجوء إلى تقنية أخرى، مما يُعد مخاطرة كبيرة نظرا لأنهم لا يعلمون مدى أمان وخصوصية التقنية البديلة في التواصل. وإذا حدث ذلك وثبت أن إسرائيل وراء التفجير، تكون تل أبيب قد حققت هدفها الاستراتيجي في تفكيك شبكة التواصل السرية لـ”حزب الله”، ما يعني إمكانية حدوث اختراقات أكبر وأوضح للمنظومة بأكملها.
تجدر الإشارة إلى أن الـ”Pager” هو جهاز إلكتروني صغير يستخدم لاستقبال الرسائل النصية أو الإشارات الصوتية في حالات الطوارئ أو الاتصال السريع. وقد انتشر استخدامه في الثمانينات والتسعينات قبل أن تصبح الهواتف المحمولة شائعة. وكان يتميز بحجمه الصغير وسهولة حمله، مما جعله وسيلة اتصال مفضلة بين الأطباء، ورجال الأعمال، وعمال الطوارئ الذين كانوا بحاجة إلى وسيلة موثوقة لتلقي التنبيهات الفورية. ويعمل الـ”Pager” عن طريق إرسال إشارات راديوية قصيرة من خلال أبراج بث لاسلكية، حيث يقوم المستقبل بتلقي هذه الإشارة وعرض الرسالة أو التنبيه.
تقنية التدمير الذاتي للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية هي تقنية تم تطويرها لتمكين أصحاب هذه الأجهزة من تدميرها عن بُعد في حال فقدانها أو سرقتها
ومن أهم خصائص جهاز الـ”Pager” هو اعتماده العالي على شبكات البث المحلية، مما يجعله موثوقا في حالات انقطاع الاتصالات الخلوية أو عند الوجود في مناطق ذات تغطية ضعيفة. كما يتميز الجهاز بعمر بطارية طويل نسبيا مقارنة بالأجهزة الحديثة، حيث يمكن أن تستمر بطاريته لأيام أو حتى أسابيع دون الحاجة إلى شحن متكرر.
من حيث الأمان والحماية، يتميز جهاز الـ”Pager” بعدة خصائص فريدة تساهم في جعله خيارا موثوقا في بعض القطاعات الحساسة مثل التواصل العسكري لعناصر “حزب الله”. نظرا إلى أن الـ”Pager” لا يتصل بشبكة الإنترنت ولا يحتوي على تقنيات الاتصال المعقدة مثل الهواتف الذكية، فهو أقل عرضة للهجمات السيبرانية مثل القرصنة أو البرمجيات الخبيثة. ويعتمد الجهاز على إشارات راديو قصيرة، مما يقلل من إمكانية التنصت أو سرقة البيانات، مما يجعل المعلومات التي يتم إرسالها عبر الـ”Pager” أكثر أمانا مقارنة بالرسائل الإلكترونية التي تمر عبر الإنترنت.
جنديان لبنانيان يقفان بجوار إحدى المستشفيات في بيروت بعد نقل العديد من الجرحى جراء انفجار أجهزة “بيجر”
إذن مع كل هذه الخصائص الجيدة لهذا الجهاز، كيف يمكن اختراق هذه الأجهزة وجعلها تنفجر تلقائيا؟
من المعروف أن خاصية التدمير الذاتي للأجهزة الذكية تم تطويرها لتكون طبقة حماية إضافية للأجهزة في حال فقدانها أو سرقتها، حيث يمكن لصاحبها تفعيل هذه التقنية عن بُعد. وتعتمد خاصية التدمير الذاتي على طبقة من البوليمر القابل للتمدد بسرعة تصل إلى حوالي سبعة أضعاف في غضون ثوانٍ معدودة عند تسخينها إلى درجات حرارة تتجاوز 80 درجة مئوية. يحدث هذا التسخين نتيجة تمدد البوليمر بواسطة أقطاب تسخين كهربائية تستمد طاقتها من بطارية الهاتف الذكي.
من أهم خصائص جهاز الـ”Pager” هو اعتماده العالي على شبكات البث المحلية، مما يجعله موثوقا في حالات انقطاع الاتصالات الخلوية أو عند الوجود في مناطق ذات تغطية ضعيفة
وتحتاج طبقة البوليمر إلى نحو 500 إلى 600 ملي/واط من الطاقة لتسخين أقطاب الكهرباء، مما يؤدي إلى تمدد البوليمر وبالتالي انفجار الجهاز في النهاية.
الأخبار المتداولة عن وصول شحنة جديدة من هذه الأجهزة إلى عناصر “حزب الله” لها تفسير على أرض الواقع. وجود هذه الطبقة من مادة البوليمر في هذه الأجهزة، مع تنزيل برمجيات خبيثة تقوم بالعملية المذكورة سابقا عن بعد. أو تم ذلك باستخدام مستشعرات مثل مستشعرات “GPS”، حيث تقوم بتفعيل هذه الخاصية إذا تحرك الجهاز أكثر من 50 أو 100 متر عن موقعه الأصلي. ومن الممكن أن يتم ذلك عن طريق مستشعرات الضوء في هذه الأجهزة التي تم توصيلها إلى “حزب الله”. فقد تمت تجارب باستخدام مستشعرات الضوء بتعريض الجهاز لكمية محددة من الضوء بعد إخراجه من صندوق مظلم، مما يؤدي إلى تفعيل تقنية التدمير الذاتي.
وعند الحديث عن أعداد كبيرة من الجرحى وعشرات القتلى، فهذا ليس الهدف الأساسي لإسرائيل من هذا الهجوم. ولكن الهدف الاستراتيجي الأول هو تفكيك منظومة “حزب الله” للتواصل السري باختراق أجهزة الـ”Pagers”. والآن، أصبح “حزب الله” أمام أمر واقع وهو التخلي عن هذه الأجهزة، لأنها أصبحت تشكل خطرا على عناصره سواء من حيث التفجير أو التنصت، مما يجبره على استخدام وسائل أخرى قد لا يعرف مدى أمانها وخصوصيتها.