- غيث العمري
- إهود يعاري
- مايكل هيرتسوغ
“في 30 حزيران/يونيو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع غيث العمري وإيهود يعاري والعميد المتقاعد مايكل هيرتسوغ. والعمري هو زميل أقدم في المعهد وعضو سابق في فريق مفاوضات «السلطة الفلسطينية». ويعاري هو “زميل ليفر الدولي” في المعهد ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في “قناة 12 التلفزيونية” الإسرائيلية. وهيرتسوغ، هو زميل “ميلتون فاين إنترناشيونال” في المعهد، وقد شغل مناصب رفيعة في مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
غيث العمري
إن الافتقار إلى الوضوح فيما يتعلق بمن سيخلف الرئيس محمود عباس أمر متعمّد. فلطالما اتبع رئيس «السلطة الفلسطينية» سياسة تهميش المنافسين، مما يعزّز مكانته في أوساط الجهات الفاعلة الدولية ويجعلها غير راغبة في ممارسة الضغوط عليه بسبب القلق من أن يرحل دون أي خليفة.
وإذا ما ترك عباس الساحة السياسية، ينص الدستور على أن يتولى رئيس “المجلس التشريعي الفلسطيني” السلطة لمدة شهرين. إلا أن اعتماد هذا الخيار أصبح من المستحيلات في السنوات الأخيرة لأن رئيس “المجلس” كان أحد المسؤولين في حركة «حماس»، لذا أقدم عباس على حلّ “المجلس” في عام 2018. ومن الناحية النظرية، بدلاً من أن يتولى منصبه رئيس “المجلس”، ستختار “اللجنة المركزية لحركة «فتح»” أحد أعضائها لخلافته، ثم تقر «منظمة التحرير الفلسطينية» اختيار هذا الرئيس، ومن ثم تصادق “المحكمة الدستورية على القرار”. ومن المرجح أن يختار مسؤولو «فتح» شخصاً ضعيفاً وكبيراً في السن ولا يشكّل أي تهديد ليكون بمثابة واجهة بينما يستمر التنافس على السلطة وراء الكواليس. ورغم سعيهم إلى الحصول على ضمان دعم الناشط المسجون مروان البرغوتي، إلا أن أياً منهم لن يمنحه منصباً قيادياً لأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ويحظى بشعبية كبيرة.
وفي غضون ذلك، تمرّ كل من «فتح» و«منظمة التحرير الفلسطينية» و «السلطة الفلسطينية» بأزمات عميقة. واعتادت «فتح» أن تكون حركة سياسية حيوية، إلا أنها أصبحت بيروقراطية للغاية، الأمر الذي ينفّر العديد من الناشطين الشباب. بالإضافة إلى ذلك، لا تعمل “لجنتها المركزية” كوحدة متكاملة على الرغم من اختيار أعضائها من قبل عباس. وقد تم تهميش «منظمة التحرير الفلسطينية» بانتظام منذ إنشاء «السلطة الفلسطينية»، وتَسارع هذا الاتجاه في عهد عباس. ومع ذلك، فقدت رسالة «السلطة الفلسطينية» الخاصة بـ “الاستقلال عبر الدبلوماسية” زخمها أيضاً، واهتزت شرعيتها بسبب فشل الحكم، والفساد، والأزمة الاقتصادية – وتفاقمت هذه الأخيرة بسبب مرض “كوفيد-19” ورفض الحكومة قبول التحويلات الضريبية من إسرائيل.
وقد جرى التباحث حول سيناريو يضمّ ثلاثة قادة، حيث يتقاسم رئيس «السلطة الفلسطينية» ورئيس «منظمة التحرير الفلسطينية» وزعيم حركة «فتح» السلطة. ويقول الطامحون الحاليون للرئاسة إن هذا هو خيارهم المفضل، ولكن ما أن تصبح الخلافة واقعاً، فإن المنصب الافتراضي سيكون لشخص واحد من أجل قيادة المنظمات الثلاث.
وبغض النظر عن معالمها، ستنطوي أي خلافة على مخاطر كبيرة. فقد تحاول «حماس» استغلال العملية لإحداث اضطرابات في الضفة الغربية، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تقدّم الحركة مرشحاً رئاسياً خاصاً بها. كما أن طول العملية يمكن أن يسبب مشاكل أيضاً. فعندما توفي ياسر عرفات، لم تستغرق «منظمة التحرير الفلسطينية» سوى أقل من ساعتين لتسمية خلف له، الأمر الذي ساعد عباس على تعزيز سلطته. واليوم، يمكن لعملية تمتد لفترة أطول أن تكون القشة التي تقصم ظهر البعير، ولا سيما إذا أدّت إمكانية إقدام إسرائيل على عملية ضمّ أحادية الجانب إلى إرغام المنافسين على اتخاذ مواقف متشددة. وقد استبعد الشباب الفلسطينيين أنفسهم بالفعل من السياسة حيث يعتقدون أن حل الدولتين غير قابل للتحقيق وغير مرغوب فيه. ويمكن أن تتحول هذه اللامبالاة إلى غضب، مما قد يمهد الطريق لعدم الاستقرار وهجمات الذئب الوحيد.
وليس هناك الكثير مما يمكن للولايات المتحدة فعله للتأثير بشكل مباشر على عملية الخلافة في «السلطة الفلسطينية»، ولكن يمكنها التعاون مع الحلفاء العرب في هذا الشأن. يجب على المسؤولين الأمريكيين إشراك الأردن على وجه الخصوص، على الرغم من أن المملكة لن تلعب دوراً وسيطاً كبيراً دون دعم عربي أوسع تضمنه واشنطن. يتعين على الولايات المتحدة أيضاً الضغط من أجل اعتماد سياسات تشجع على الاستقرار، بدءاً من تغيير عقلية إسرائيل بشأن الضمّ، ووصولاً إلى طرح اقتراحات سلام طموحة بشكل كبير مع التأكيد بدلاً من ذلك على اتخاذ خطوات ملموسة خاصة بالأراضي والاقتصاد والأمن.
إيهود يعاري
يبدو أن عباس يعتقد أنه سياسي في منتصف مسيرته المهنية وليس قائداً يسير نحو النهاية – علماً بأن والده عاش أكثر من 100 عام. وفي غضون ذلك، تواجه «السلطة الفلسطينية» احتمال إفلاس كامل حتى لو بدأت بقبول تحويلات الضرائب الإسرائيلية. وبالنظر إلى هذه العوامل، يجب على الولايات المتحدة التفكير في وضع أهداف أكثر تواضعاً بين إسرائيل و«السلطة الفلسطينية».
وحالياً، تمّ تشكيل ائتلافين فلسطينيين رئيسيين لديهما وجهات نظر مختلفة بشأن الخلافة. أحدهما يحظى بثقة عباس بشكل عام؛ ويتولى قيادته كل من رئيس “جهاز المخابرات العامة” ماجد فرج ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، اللذين يديران العلاقات مع إسرائيل. والثاني بقيادة رئيس “الأمن الوقائي” السابق جبريل الرجوب، الذي يشرف حالياً على الإعداد لإجراءات مناهضة للضمّ. وهو حليف رئيس “جهاز المخابرات العامة” السابق توفيق الطيراوي، الذي ينتقد عباس عموماً ويحظى بدعم ميليشيا “التنظيم” – الفصيل المسلح التابع لحركة «فتح». ومرشحهما لخلافة عباس هو ابن شقيقة عرفات ناصر القدوة، الذي كان يشغل عدة مناصب عليا في الأمم المتحدة ولكن لا يتمتع بشعبية كبيرة هذه الأيام. كما يقيم هذا المعسكر اتصالات مع محمد دحلان، الرئيس السابق لحركة «فتح» في غزة الذي يعيش حالياً في الإمارات العربية المتحدة.
وبين هذين الائتلافين، تقف شخصيات مثل محمود العالول، الذي تمّ تعيينه كثاني مسؤول بارز خلال مؤتمر «فتح» الأخير. وهو يحاول الآن أن يظهر على أنه مرشح تسوية بين المعسكرين المتنافسين، على الرغم من أن دوائر القيادة لا تراه على ما يبدو مؤهلاً لتولي رئاسة «السلطة الفلسطينية» بعد أن انبثق من أعماق الفروع الإرهابية لـ «منظمة التحرير الفلسطينية».
ولا يقدّم هذان الفصيلان أي سياسة فعلية أو اختلافات أيديولوجية، ولا يعتقد أي منهما أن إسرائيل ستزول من الوجود. وبدلاً من ذلك، تحاول كل جهة تقديم نفسها على أنها أكثر براغماتيةً وأكثر قدرة على معالجة القضايا الأساسية. ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة حول الكيفية التي ستسير فيها الأمور في عملية الخلافة بينما تتنافس كل جهة للحصول على المنصب.
أما بالنسبة لعملية الضمّ، فلا تملك “اللجنة المركزية لحركة «فتح»” خطة متماسكة للاستجابة لهذا السيناريو، لكن أعضاءها يتفقون على نقطتين. أولاً، لن يقوموا بحل «السلطة الفلسطينية» على الفور – بل سيطلبون تدريجياً من إسرائيل تحمّل مسؤوليات مختلفة في الضفة الغربية على مدى شهور عديدة. ثانياً، لن يعلنوا عن ولادة دولة فلسطينية على الفور أو يسعوا للاعتراف بها.
غير أن القرارات لم تُتخذ بعد في أي من الشؤون الأخرى، وسيتوقف ذلك إلى حدّ كبير على حجم أي عمليات ضمّ. وبخلاف الموقف الرسمي لـ «السلطة الفلسطينية» بعدم الانخراط مع الحكومة الأمريكية، تمّ تعيين مرسلين من خارج المستويات العليا لـ «السلطة الفلسطينية» وحركة «فتح» لإجراء محادثات مع إدارة ترامب بشأن تأجيل عملية الضمّ، بمن فيهم سامر خوري من “شركة اتحاد المقاولين” وهاشم الشوا من “بنك فلسطين”.
مايكل هيرتسوغ
لا تشغل الخلافة الفلسطينية بال صناع القرار في إسرائيل. وصحيح أن الميدان المهني الإسرائيلي يتابع القضية، ولكن ليس هناك رغبة في الانخراط بها بشكل فعال، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن عباس كان مناسباً للحكومة الإسرائيلية، وربما أيضاً بسبب الأثر الذي تركته المحاولة الفاشلة لتنصيب الرئيس اللبناني في أوائل الثمانينيات. ولا تحظى مسألة الخلافة الفلسطينية بأصداء كبيرة في أوساط الحكومة الأمريكية أيضاً.
ويُعتبر عباس الأخير ضمن الجيل المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية، لذا فإن القائد الذي سيخلفه سيمثل ميداناً جديداً مختلفاً تماماً. وتعرف إسرائيل كافة المرشحين من ملفات المخابرات والاجتماعات والمفاوضات، وفي بعض الحالات من السنوات التي قضوها في السجون الإسرائيلية. وأي قائد سيخلف عباس سيرث بيئة مليئة بالتحديات. فـ «السلطة الفلسطينية» تعاني من خلل سياسي واقتصادي، وحركة «فتح» تتخبط في أزمة عميقة، كما أن الصدع القائم مع «حماس» يترسخ ويتعمق على نحو أكبر وسط غياب أي حل يلوح في الأفق. علاوةً على ذلك، فإن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين لا يعتقدون أن حل الدولتين ممكن في أي وقت قريب؛ وفي إسرائيل، يتغير النموذج المعتمد لمعالجة الصراع، في وقت يصبح فيه خطاب الضمّ هو الاتجاه السائد.
وفي ظل هذه الظروف، تعتقد إسرائيل أنه لا يمكن لأي مرشح فلسطيني أن يتحمل العبء بمفرده بفعالية، مما يجعل القيادة الجماعية أكثر احتمالاً. وتقوم الرؤية السائدة في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية على أن محور الرجوب – الطيراوي قد يعزز فرصه إذا تعاون الرجوب مع دحلان في خطوة تسفر عن اختيار مسؤول تنفيذي قادر مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض. فدحلان أكثر قدرة على التوصل إلى تفاهم مع القيادة الحالية لحركة «حماس» والحصول على دعم عربي، في حين أن فياض قد يحظى بموافقة دولية أكبر.
فضلاً عن ذلك، ترى إسرائيل عدة مخاطر في الخلافة. فقد تحاول «حماس» ملء الفراغ والاضطلاع بدور قيادي في الحركة الوطنية الفلسطينية حتى إن لم تقدّم مرشحاً للرئاسة. وإذا حاولت الحركة القيام بأي تحرك في الضفة الغربية، فقد تتدخل إسرائيل. وقد يتحول السباق على السلطة إلى العنف أيضاً، نظراً لأن العناصر الميدانية تجمع الأسلحة. وعلى أي حال، سيتعيّن على من سيخلف عباس أن يتخذ موقفاً قاسياً ضد إسرائيل من أجل توطيد السلطة، خاصة إذا تمّ تطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية. لذلك يجب على صناع القرار الإسرائيليين والأمريكيين البدء في التفكير في اليوم الذي يلي انتقال الخلافة؛ ويشمل ذلك بدء الحوار مع بعض المرشحين بطريقة لا تضعف عباس.
أما بالنسبة لتأثير عملية الضمّ، فعلى الرغم من اتفاق العديد من المحللين على أن القادة الفلسطينيين لديهم مصلحة ذاتية كبيرة في الحفاظ على «السلطة الفلسطينية» ككيان سياسي، ومن غير المرجح أن يقوموا بحلها، تعتقد مؤسسة الدفاع الإسرائيلية أن هناك سيناريوهات تصبح في إطارها «السلطة الفلسطينية» عاجزة وتنهار اقتصادياً، ولا تعد قادرة على التحكم في الأمن أو دفع الرواتب. وفي هذه الحالة، قد يتم جذب إسرائيل بشكل متزايد لتقديم الخدمات وتسيير دوريات في المنطقة.
وأخيراً، سيتعين على أي قيادة فلسطينية جديدة إعادة احتساب استراتيجياتها تجاه الصراع، وتقييم مجموعة من الخيارات التي تشمل المفاوضات، والنضال المسلح، والنضال الشعبي، والمصالحة مع «حماس»، وحملة سياسية وقانونية مناهضة لإسرائيل على المستوى الدولي. أما إسرائيل والولايات المتحدة، فعليهما النظر في نموذج يختلف عن التركيز التقليدي على المشهد النهائي والمفاوضات المرتبطة به.
أعدت هذا الملخص باسيا روزنباوم. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء “عائلة فلورنس وروبرت كوفمان”.