حازم سعيد : باحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
تهدد التغيرات المناخية كالجفاف والفيضانات وذوبان الجليد والاحتباس الحراري الأمن والسلم الدوليين، فعندما تشح الموارد الطبيعية ينعدم الاستقرار ويتصاعد معه الصراعات والنزاعات، ما ينتج عنه استغلال الجماعات المتطرفة تلك العوامل في هذه المناطق للتمدد والتوسع وكسب أنصار ومقاتلين جدد. والأسوأ من ذلك هو تحول هذه المناطق إلى بيئة خصبة للإرهاب.
تغير المناخ وتنامي عمليات التجنيد والاستقطاب – أمن دولي
حذر مجلس الأمن من أن الأشخاص والدول الأكثر عرضة لتغير المناخ هم أيضًا الأكثر عرضة لتجنيد الإرهابيين، أن التآزر السلبي بين الأزمتين يهدد الدول والأمن الدولي نفسه. حيث تعاني المناطق الأكثر عرضة لتغير المناخ غالباً من الفقر وضعف الإدارة للأنشطة الإرهابية. فعلى سبيل المثال استغلت الجماعات الإرهابية التوترات المتزايدة بين الرعاة والمزارعين للتجنيد ، بينما في العراق وسوريا ، استغل “داعش”، نقص المياه لاستقطاب وتجنيد عناصر جدد في 9 ديسمبر 2021.
يتسبب تغير المناخ في أفغانستان في حدوث كوارث طبيعية متكررة وحادة بشكل متزايد، حيث تضر بالمجتمعات التي عصف بها الصراع. وحتى قبل عودة طالبان للحكم، أدى الجفاف الشديد إلى إتلاف المحاصيل وانخفاض مستويات المياه الجوفية. واستمر الجفاف حتى عام 2022 ورافقته موجة حارة شديدة أدت إلى اندلاع حرائق متعددة في الغابات شرق البلاد، ليأتي بعد ذلك هطول أمطار غزيرة في فصل الصيف على نحو غير معتاد وفيضانات مفاجئة في أجزاء واسعة من أفغانستان تسببت بإغراق القرى وإلحاق أضرار بالمنازل والطرق والأراضي الزراعية في 15 أغسطس 2022.
يعد أحد الدوافع الرئيسية للصراع في أفغانستان هو انعدام الأمن الغذائي والمائي في 3 ديسمبر 2021، والذي يتسبب في (80%) من جميع النزاعات في البلاد. وذلك يعمل كمضاعف للتهديد الإرهابي، وتفاقم نقاط الضعف الاجتماعية التي يمكن للجماعات الإرهابية استغلالها. وبالفعل استفادت حركة طالبان من ندرة المياه لتجنيد الأشخاص في أفغانستان وتجنيد المزيد من المقاتلين من خلال تقديم أموال للناس أكثر مما يمكنهم كسبه من خلال الزراعة. كما تمكنت طالبان إلى حد كبير من السيطرة على مقاطعة ” قندهار” بسبب سيطرتها على سد حيوي للشرب والري. ملف أمن دولي ـ التغير المناخي، تهديداُ خطيراُ للأمن العالمي
ذوبان الجليد وتنامي العمليات الإرهابية في باكستان
أكدت السلطات الباكستانية إن الأمطار الموسمية القياسية وذوبان الكتل الجليدية في جبال شمال باكستان تسببت في فيضانات تضرر منها (33) مليون شخص في 5 سبتمبر 2022. ومع الكوارث الطبيعية، السيول والفيضانات أرتفعت الهجمات الإرهابية. وتعرضت باكستان لـ (52) هجوما في مارس 2022 وأسوأ الهجمات التي شهدتها باكستان ارتكبها الفرع التابع لتنظيم داعش المعروف باسم “داعش خراسان”.
حركة الشباب الصومالية واستغلال التغيرات المناخية -أمن دولي
تخسر إفريقيا حوالي (17) مليار دولار سنوياً جراء تغير المناخ. وأصبح متوقعا في الصومال أن يعاني (26) مليون شخص من الجوع الشديد بحلول فبراير 2023 ، مما يهدد حياة مئات الآلاف من الأشخاص في 16 أغسطس 2022. يعاني ما يقرب من(50%) سكان الصومال البالغ عددهم (7.1) مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في الأشهر الستة الأولى من عام 2022 ، وارتفع عدد الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية بنسبة (300%) حيث تعد معدلات سوء التغذية من أعلى المعدلات في العالم.
تواجه الصومال بفعل المجاعات وسوء الأمن الغذائي تحديات مناخية في الصومال بجانب تمدد وتوسع حركة الشباب الصومالية. حيث يتأثر (80%) من البلد بظروف الأمطار الغزيرة في نفس الوقت في حدوث فيضانات موسمية سريعة. بالإضافة إلى ظروف الجفاف وتعد المناطق الأكثر تضررا من الجفاف تقع جنوب ووسط الصومال، وفي المناطق الوسطى والجنوبية التي تسيطر حركة الشباب على أجزاء منها، وأظهرت حركة الشباب ومرونة تكتيكية في الصومال وتمكنت من توسيع نفوذها إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة المتمركزة في العاصمة مقديشو في 4 سبتمبر 2022. أمن دولي ـ تأثيرات تغير المناخ والاحتباس الحراري والإشعاعات النووية
تغير المناخ واتخاذ إفريقيا قاعدة جغرافية لـ “الجهاديين”
تستغل الجماعات المتطرفة التغيرات المناخية للتمدد والانتشار في إفريقيا. أكد “فلاديمير فورونكوف” وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في التاسع من أغسطس 2022. أن تنظيم “داعش” والجماعات التابعة له يواصلون استغلال ديناميكيات الصراع، وهشاشة الحكم وعدم المساواة للتحريض على الهجمات الإرهابية والتخطيط لها وتنظيمها. وفي أفريقيا، تدهور الوضع أكثر مع توسع داعش في وسط وجنوب وغرب أفريقيا. ومن أوغندا، وّسعت جماعة تابعة لداعش منطقة عملياتها إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية. ملف أزمة أوكرانيا ـ كيف غيّرت أوكرانيا مفاهيم الأمن الدولي ؟
تقول “مارثا أما أكيا بوبي” مساعدة الأمين العام لشؤون أفريقيا في 18 مايو 2022، إن الإرهاب وانعدام الأمن مستمران في الانتشار في منطقة الساحل ووصفت مسألة اقتلاع الجماعات الإرهابية، التي غالبا ما تكون متغلغة بعمق أو مندمجة داخل المجتمعات، بأنها تمثل تحدياً فريداً في منطقة الساحل، الأمر الذي جعل عمليات مكافحة الإرهاب صعبة للغاية”.
اتخذ كل من تنظيمي داعش والقاعدة قراراً استراتيجياً بجعل إفريقيا أولويتهم الجديدة بعد تعرضهم لانتكاسات في الشرق الأوسط. وأصبحت التغيرات المناخية وانعدام الأمن هي القاعدة في دول الساحل مثل دولة مالي التي تعد نقطة ارتكاز انطلقت منها الجماعات المتطرفة، وزحفت نحو الجنوب لتنتشر في أجزاء واسعة من الصحراء الكبرى، بل وتمددت حتى بحيرة تشاد، والتقت مع جماعة بوكو حرام المتشددة في نيجيريا، وتحاول التوغل حالياً نحو دول غرب إفريقيا. فمن المحتمل أن نرى قاعدة جغرافية جديدة يمكن للجهاديين من خلالها التخطيط لشن هجمات في جميع أنحاء العالم في 7 يونيو 2021.
جهود أممية لمكافحة التغيرات المناخية
تدعم الأمم المتحدة البلدان التي تواجه هذا التحدي المزدوج المتمثل في التكيف مع تغير المناخ في نفس الوقت الذي تعالج فيه انبعاثات غازات الدفيئة. أكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (100) دولة على تحسين خططها لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة منذ عام 2020 في إطار الجهود المبذولة لمكافحة التغير المناخي. وتوصل اتفاق الدول المشاركة في مؤتمر المناخ “كوب 26” إلى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري بعد مفاوضات عسيرة في 13 نوفمبر 2021. وتبنى مؤتمر “كوب 26” للمناخ “ميثاق غلاسكو” الهادف إلى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري بالتزامن مع مطالبات حول وضع تعهدات مناخية أكثر صرامة في العام 2022، بدلا من كل خمس سنوات وتم التعهد بمناخية كبرى منها.
- التعهد بوقف إزالة الغابات بحلول عام 2030.
- التعهد بالحد من انبعاثات غاز الميثان بنسبة (30%) بحلول عام 2030.
- تعهد من الحكومات والقطاع الخاص بتقديم مليارات الدولارات نقداً لدعم قضية المناخ. أمن دولي ـ عسكرة المناخ والموارد الطبيعية خلال الحروب والنزاعات
التقييم
تعتبر التغيرات المناخية واحدة من المعوقات ضد مساعي الدول والمنظمات الدولية لتقديم الخدمات الأنسانية للجماعات المتضررة من التغير المناخي مثل التصحر او الفيضانات وغيرها. وتشهد بعض الدول الهشة ارتفاع معدل العمليات الإرهابية للتنظيمات المتطرفة، عندما تتعرض الى كوارث طبيعية مثل السيول والفيضانات والتصحر وربما كوارث من صنع الأنسان بسبب النزاعات الداخلية، والتي تدفع الكثير الى النزوح والهجرة، وهذا مايجعل شرائح اجتماعية واسعة تكون عرضة للتطرف والالتحاق بالجماعات المتطرفة، من اجل الكسب المادي او ربما ردفعل “انتقامي ” ضد الحكومات.أن تغير المناخ والكوارث الطبيعية من شأنها أن تعمل على تصاعد أنشطة الجماعات المتطرفة وكذلك النزاعات من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية.
ما ينبغي العمل عليه، هو خلق بيئة آمنة في المناطق المتضررة من تغير المناخ وذلك من خلال تقديم مساعدات الأغاثة، وتشجيع المشاريع الصغيرة في مجال التنمية والقضاء على البطالة وتوفير مصادر رزق خاصة للجماعات التي تضررت من الكوارث الطبيعية والنزوح والهجرة.
الهوامش
People, Countries Impacted by Climate Change Also Vulnerable to Terrorist Recruitment
https://bit.ly/3QgkBx7
Climate Change and Terrorism: The Case of Afghanistan
https://bit.ly/3D2sEuz
Food Insecurity and Terrorism: What Famine Means for Somalia
https://bit.ly/3TMlkcA
يتوسع ويتحول.. ماذا يفعل داعش في باكستان وأفغانستان؟
https://arbne.ws/3BaaUuR
ضربة جديدة لفرنسا في الساحل الإفريقي.. لماذا فشل تحالف الدول الـ5 رغم مرور سنوات على إنشائه؟
https://bit.ly/3xdtMbc
كيف وصلت المواجهة مع الإسلاميين المتشددين في غرب أفريقيا إلى مرحلة حرجة؟
https://bbc.in/3eFZJ5c
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: