مها علام
حازت الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى الشرق الأوسط جانبًا كبيرًا من اهتمامات مراكز الفكر والأبحاث الأمريكية، نظرًا لأهمية الملفات والقضايا التي تغطيها، وانطلاقًا مما تحمله الزيارة من مؤشرات على وجود رغبة أمريكية في إعادة تأطير علاقاتها بالمنطقة. فمنذ أيامه الأولى بالمكتب البيضاوي، بدا أن إدارة “بايدن” تحمل اهتمامًا متواضعًا بالشرق الأوسط؛ وقد انعكس ذلك في سياسة خارجية أمريكية تجاه المنطقة تحمل مزيجًا من الاستمرار في سياسة الرئيس السابق “دونالد ترامب” وقدرًا من التغير الذي يهدف إلى بلورة صورة متميزة للإدارة الحالية. وفي هذا السياق، سيتم إلقاء الضوء على أبرز التحليلات التي أطلقتها المراكز البحثية الأمريكية بشأن الجولة الجارية بالشرق الأوسط.
تواضع حماسة الشارع الأمريكي للزيارة
نشر معهد “بروكينجز” تحليلًا نقلًا عن صحيفة “واشنطن بوست”، بعنوان: من الخطر أن يذهب “بايدن” إلى الشرق الأوسط، في 12 يوليو الجاري. ويدور التحليل بشكل أساسي حول تواضع دعم الشارع الأمريكي للجولة الجارية بالشرق الأوسط، وذلك استنادًا إلى مجموعة الأسئلة الخاصة باستطلاع القضايا الحيوية بجامعة “ميريلاند” the University of Maryland Critical Issues Poll التي تم إعدادها بواسطة الأستاذ “شيبلي تيلهامي” والأستاذة “ستيلا روس”، في الفترة من 22 يونيو إلى 28 يونيو، حول زيارة “بايدن”. إذ أظهر المستجيبون القليل من الحماس لجولة “بايدن” بالشرق الأوسط؛ فقد وافق أقل من ربعهم على رحلة الرئيس بشكل عام. علاوة على ذلك، رفض الجمهوريون الذين شملهم الاستطلاع زيارة “بايدن” أكثر من الديمقراطيين؛ لكن رفض الجمهوريين للرحلة كان أعلى عندما ركز السؤال على السعودية، بينما كان الرفض الديمقراطي أعلى عند التركيز على إسرائيل.
إعادة تأطير علاقة واشنطن بالمنطقة
نشر معهد الشرق الأوسط بواشنطن ملفًا مطولًا بشأن زيارة “بايدن” للشرق الأوسط في 7 يوليو الجاري، بعنوان: تقدم رحلة “بايدن” إلى الشرق الأوسط فرصة لتعميق المشاركة الأمريكية في هذه المنطقة الرئيسية، وذكر أن الهدف الرئيسي لهذه الرحلة يتمثل في إرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالمنطقة في وقت يسوده عدم اليقين الجيوسياسي. لافتًا إلى أنه بعدما أمضى عامه الأول ونصف في المنصب محاولًا تجنب الانخراط الكثيف في الشرق الأوسط، مع إعطاء الأولوية لتحديات الداخل، والتحديات المتعلقة بالصين وروسيا؛ يوجه الرئيس “بايدن” بتحول في سياسته نحو تكريس المزيد من الاهتمام بالشرق الأوسط، سيما مع الإدراك المتجدد لتأثير المنطقة على اقتصاد العالم والاستقرار العالمي. معتبرًا أنه يمكن أن يكون لهذه الزيارة تأثير محدود، لكنها مهمة لتمهيد الطريق لنمط جديد من العلاقات بين واشنطن واللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط.
كما نشر معهد “بروكينجز” تحليلًا بعنوان: هل يستطيع “بايدن” التحول إلى الوضع الطبيعي في الشرق الأوسط؟، في 12 يوليو الجاري، أوضح خلاله أن جولة “بايدن” قد تنطوي على مخاطر، لكن إذا تم تنفيذها بشكل جيد ومناسب فيمكن للرحلة أن تساهم في نضج السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. بعبارة أخرى، يمكن أن تساعد الزيارة الحالية في تحديد نقطة نهاية للعملية المطولة لإعادة التوازن إلى التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، على حد تعبير الكاتب. فقد أوضح أن نقطة النهاية هذه تقوم على نهج يرفض فكرة أن واشنطن مسئولة عن كل جانب من جوانب شئون الشرق الأوسط، لكنه لا يستبعد النفوذ الحقيقي الذي ما زالت تتمتع به في منطقة تحتاج إلى واشنطن بصورة أكبر من احتياج واشنطن إليها. معتبرًا أن الهدف من الزيارة أكبر من مجرد تخفيض أسعار الغاز.
محورية الملف الإيراني
في ملفّه المطول بشأن زيارة “بايدن”، نشر معهد الشرق الأوسط بواشنطن تحليلًا بعنوان: وجهة نظر طهران حول رحلة “بايدن” إلى الشرق الأوسط؛ ذكر فيه أن رحلة “بايدن” إلى الشرق الأوسط تركز على إيران، لكنها أوسع من ذلك. موضحًا أن هدف واشنطن يدور حول تعزيز التقارب بين السعودية وإسرائيل، وهو ما يمكن أن تحققه إيران. إذ تشترك الدولتان في المخاوف نفسها بشأن تحركات إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار. لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن أهداف واشنطن تتجاوز ذلك، استنادًا إلى رغبتها في العودة للعب دور المزود الأمني بلا منازع، والمنسق الرئيس بين حلفائها وشركائها في المنطقة. ووفقًا لهذا المنظور، فإن قضية إيران ليست فقط جزءًا واحدًا من السياسة الأمريكية الجديدة، بل هي المحرك الرئيسي وراءها، لإعادة دورها كفاعل رئيسي ومهيمن في الشرق الأوسط.
وفي المقابل، قدم معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تحليلًا، في 11 يوليو الجاري، بعنوان: تموز قد يحمل “مفاجأة” إيرانية خلال زيارة “بايدن” إلى الخليج؛ أوضح فيه أن طهران قد ترى في حضور الرئيس “بايدن” قمة دول “مجلس التعاون الخليجي + 3” فرصة لإفشال مساعي إعادة ضبط العلاقات بين واشنطن ودول الخليج، ربما من خلال استخدام الاستفزازات الإلكترونية أو العسكرية لإحراج دول الخليج من جانب، وإثبات عجز واشنطن عن حمايتهم من جانب آخر. لافتًا إلى أن إيران قد تُقرر شن هجوم على ناقلات النفط أو البنية التحتية للنفط سواء في البحر أو على اليابسة. معتبرًا أن على واشنطن أن تكون مستعدة لأية احتمالات تهدف بها إيران أو أي من وكلائها إلى تشتيت الانتباه عن زيارة الرئيس “بايدن”.
فرص احتواء الأزمة اليمنية
نشر “مالكوم كير كارنيجي” للشرق الأوسط مقالًا بعنوان: زيارة “بايدن” إلى السعودية: ماذا تعني لليمن؟، بتاريخ 14 يوليو الجاري. ذكر فيها أن الرئيس “بايدن” سيناقش الملف اليمني مع الجميع باستثناء اليمنيين أنفسهم. معتبرًا أن النقاش بشأن القضية اليمنية سيكون ثانويًا، وأهميتها لن تتجاوز تداعياتها الأمنية على محيط اليمن. مشيرًا إلى أن هذه السياسة لا تفضي إلى إرساء أي استقرار فعلي في اليمن أو المنطقة. لافتًا إلى أن واشنطن لا تَعتبر الأزمة اليمنية أولوية، ولا تملك الإدارة الأمريكية نفوذًا كافيًا على الحوثيين قد يسهم في حل الأزمة. مشددًا على ضرورة أن تنتهج إدارة “بايدن” استراتيجية جديدة تركز على اليمن، وتتعاون بموجبها الولايات المتحدة ودول الخليج معًا، من أجل إعادة تعزيز الاستقرار الداخلي وإعمار ما خلفته الحرب. وفيما سينصب تركيز “بايدن” على أسعار الطاقة، فعليه أن يغتنم الفرصة خلال زيارته لتحويل سياسة واشنطن ودول الخليج نحو مساعدة اليمن على تجاوز محنة الحرب، بما يلعب دورًا كبيرًا في إرساء الاستقرار على مستوى المنطقة الأوسع.
المياه الراكدة بالقضية الفلسطينية
في ملفّه المطول بشأن زيارة “بايدن”، نشر معهد الشرق الأوسط بواشنطن تحليلًا بعنوان: ستة أشياء يجب على “بايدن” فعلها لكسر ميراث “ترامب” في إسرائيل / فلسطين؛ أوضح فيه أنه بالرغم من عدم توقع حدوث اختراقات كبيرة، يُقال إن البيت الأبيض يعمل على “خارطة طريق للتطبيع” بين إسرائيل والسعودية، وبالتالي فإن لقاءه القيادة الفلسطينية يعد من قبيل المجاملة. مضيفًا أنه في حين أن التوقعات الفلسطينية من واشنطن لا تزال منخفضة بشكل كبير، فمن المرجح أن تصاب القيادة الفلسطينية بخذلان جديد. لافتًا إلى أنه حتى قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، أوضحت إدارة “بايدن” بالفعل أن الفلسطينيين ليسوا أولوية، وأنها لا ترى أملًا يذكر في استئناف العملية الدبلوماسية. معتبرًا أن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن أن مقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة كان بسبب النيران الإسرائيلية، مع إعفاء إسرائيل في الوقت نفسه من المسئولية الأخلاقية عن مقتلها، قد سلط الضوء على الهوة الواسعة بين خطاب الإدارة حول حقوق الإنسان وبين سياساتها.
الصين كهدف خلفي
قدم المجلس الأطلسي تحليلًا في 14 يوليو الجاري، تحت عنوان: تركز رحلة “بايدن” إلى الشرق الأوسط على المنطقة، لكن الصين هي الفيل في الغرفة، أوضح خلاله أن أجندة “بايدن” تزخر بمجموعة متنوعة من الأهداف التي يريد تحقيقها في محاولة لتفكيك الشكوك التي غمرت العلاقات مع المنطقة لسنوات. مضيفًا أن الصين وروسيا مثلتا دوافع واضحة في زيارة “بايدن” للمنطقة. مشيرًا إلى أن الجدل العام بشأن التزامات واشنطن تجاه الشرق الأوسط لا يمكن أن يقف عند حدود الخطاب، سيما في ظل التحركات السياسية التي قد تُعزز من التقارب مع الصين؛ مثل: شراء الطائرات بدون طيار وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي الصينية، وتزايد احتمالات تحول وجود قاعدة عسكرية صينية في الخليج إلى واقع على الأرض. لذا، اعتبر أن جولة “بايدن” تختبر النهج المزدوج لواشنطن في التعامل مع النفوذ الصيني في المنطقة. مشيرًا إلى أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الصين في الشرق الأوسط تعتبر أن الأولوية الأمنية والتكنولوجية تشكل تهديدًا وشيكًا يجب التعامل معه على الفور. ولكن مع الوضع في الاعتبار ضرورة عدم دفع المنطقة صوب حالة صراعات القوى الكبرى أو أجواء حرب باردة جديدة. إذ لا يزال لاعبو المنطقة يرون أن بكين شريك اقتصادي مفضل لديهم، مع النظر إلى واشنطن كشريك أمني رئيسي. وعليه، شدد في الختام على ضرورة تجنب وضع خطط لتدشين كيانات شبيهة بــــ”كواد” في المنطقة تقوم على هدف مواجهة الصين.
أمن الطاقة
في ملفّه المطول بشأن زيارة “بايدن”، نشر معهد الشرق الأوسط بواشنطن تحليلًا بعنوان: التركيز على أمن الطاقة، وليس إنتاج النفط؛ ذكر فيه أن زيارة الرئيس “بايدن” للسعودية ستوفر فرصة لمناقشة التحدي المشترك لأمن الطاقة في المستقبل، انطلاقًا من محورية دول الخليج. معتبرًا أنها فرصة أيضًا للتفكير في كيفية قيام المنتجين الخليجيين المهيمنين بإعادة تشكيل الاقتصاد السياسي للمنطقة الأوسع للتوافق مع احتياجاتهم، ولإعادة ضبط علاقاتهم مع الولايات المتحدة. مؤكدًا على ضرورة تعزيز الأهداف المشتركة المتمثلة في توفير إنتاج طاقة منخفض الكربون وخالٍ من الكربون كأولوية أمنية واقتصادية للسياسة الخارجية الأمريكية.
مجمل القول، يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية عززت من أهمية زيارة الرئيس “بايدن” للشرق الأوسط؛ وهو الأمر الذي انعكس في التحليلات التي قدمتها مراكز الفكر والأبحاث الأمريكية، إذ ركزت على القضايا المتعلقة بالطاقة. كما يبدو أن التعثر في مسار المباحثات الخاصة بالملف النووي الإيراني قد عزز من تركيز التحليلات على الترتيبات الأمنية التي تستهدف مواجهة إيران. في حين يبدو أن قضايا ومشكلات ممتدة بالمنطقة قد حازت اهتمامًا أقل، كالقضية الفلسطينية والأزمة اليمنية.. وغيرها. وعليه، فمن المتوقع أن تشهد العلاقات بين واشنطن والمنطقة حالة جديدة من الزخم على المستويين الفكري والتحليلي، والتطبيقي على الأرض.
.
رابط المصدر: