حاتم حميد محسن
كان التاريخ أحد مجالات التحقيق الهامة لدى هيجل والتي اسيء فهمها، خاصة “اتجاهه الديالكتيكي” في فهم تطور المجتمع الانساني. سنعرض هنا اطارا مختصرا ومفيدا لنظرية هيجل التاريخية يبيّن ملائمتها للعصر الحديث.
تصنيف هيجل للتاريخ
في مقدمته لـ “محاضرات في فلسفة التاريخ(1837)”، يرى هيجل ان هناك ثلاث طرق في عمل التاريخ. الاولى هي التاريخ الأصلي ويشير الى التفسير المباشر (من مصادر مباشرة) للأحداث والافعال والمواقف، يتم جمعها والتحقق منها من قبل المؤرخ ذاته. انها تتضمن التجارب الذاتية للمؤرخ كجزء من التاريخ الذي يسجله. يقول هيجل ان الهدف من التاريخ الأصلي هو خلق “تمثيل ذهني” للظاهرة. المؤرخون المعاصرون يسعون لتسجيل الأحداث الحالية والقريبة بدقة وإتقان مع التوضيح والتلخيص.
لكن وكما يكتب (Duncan Forbes) في مقدمته للمقدمة، “ان أول نوع بدائي وفطري للتاريخ (بدائي منطقيا) هو تاريخ أصلي” وهو بالكاد يكون تاريخا بقدر ما يمثل وحدة فورية بين وعي المؤرخين، هذا النوع من التاريخ المعاصر هو محدود بالضرورة”. يرى فوربس انه من المستحيل ان يوفر المؤرخ الاصلي الكثير من النظرية او يفكر بشمولية عن الأحداث التي شهدها فقط. وكما يلاحظ هيجل، التاريخ الاصلي يشكل “صورة عن الزمن” بدلا من ان يكون تحليلا اكاديميا لأحداث الماضي.
يستفيد هيجل من ثيوسيدايس و هيرودوتس كمثال رئيسي عن المؤرخين الاصليين، طالما ان تفسيرهما يشكل “تاريخا شارك المؤرخ بروحه “. وبالنتيجة، تفسيرهما يعبّر عن “الاقوال المأثورة والحكم لبلدهما، ولشخصيتهما، ووعيهما للموقف السياسي، وطبيعتهما الروحية الاخلاقية، والمبادئ التي تشكل الاساس في الصراع وفي التصاميم “. لذا من خلال فحص هذا النوع من التاريخ، نستطيع اكتساب فهم كبير للعادات الثقافية والمعتقدات والممارسات، ومن ثم نتغلغل الى جوهر فترة محددة. الخطابات المسجلة في التفسيرات التاريخية هي ذات قيمة متفردة في هذا الشأن، طالما هي تجسد زمانا ومكانا معينين، هي تشكل “افعالا فعالة في جوهرها”، وتزودنا بإحساس بالتاريخ كما يتكشف في زمانه.
انها لايمكن اعتبارها توضيحات فاترة حول العملية التاريخية، بل كـ “اجزاء مكملة للتاريخ” سُجلت من قبل المؤرخين الذين يجسدون الوعي الثقافي للمتكلم. وكما يلاحظ هيجل في مقدمته، “الخطابات هي افعال تجري بين الناس، انها حقا افعال هامة جدا.. الخطابات التي تصدر من امم ذاتها او من ملوكها على المستوى الوطني والدولي، هي افعال وهي بهذا شيء ضروري للتاريخ (وخاصة التاريخ المبكر)”.
طبقا لهيجل، من الممكن التمييز بين ثلاث مراحل للتاريخ الأصلي. في العصور القديمة، كان رجال الدولة او كتبتهم هم من يسجل التاريخ. واثناء العصور الوسطى، كان الرهبان هم من لعب ذلك الدور، لأنهم كان لديهم الوقت والتعليم الكافيين لتسجيل العالم من حولهم. لاحظ هيجل في زمانه ان “كل هذا قد تغير.. ثقافتنا حوّلت فورا كل الأحداث الى تقارير للتمثيل الذهني”.
النوع الثاني من التاريخ الذي ناقشه هيجل هو التاريخ النظري reflective history. على خلاف التاريخ الأصلي، التاريخ النظري غير محدد باطار زمني. انه يتجاوز الثقافة الحالية. هو يحاول إعطاء ملخص للتاريخ او للأحداث التاريخية التي حدثت سلفا، بمعنى آخر، يسجل ثقافة معينة او بلد او فترة معينة.
هيجل يفصل التاريخ النظري الى تاريخ عالمي، وتاريخ برجماتي، وتاريخ نقدي، وتاريخ تخصصي. التاريخ العالمي يهدف الى توفير تاريخ كلي للناس وحتى للعالم. في حالة تاريخ العالم، يجب ان تتكثف أحداث هامة في بيانات مختصرة وان الافكار الخاصة للمؤلف هي جزء مكمل للتفسير. التاريخ البرجماتي تقف خلفه نظرية او ايديولوجية، حيث تكون الاحداث “مرتبطة بنموذج واحد في معناها العالمي والباطني”. التفسير البرجماتي ايضا له علاقة كبيرة بالتفكير في العملية التاريخية، وليس فقط حول الابلاغ عما حدث اثناء فترة معينة.
التاريخ النقدي النظري يرتكز على البحث في دقة التفسيرات التاريخية، ويعرض توضيحات بديلة وروايات. هيجل هو ذاته نقدي لهذا النوع من التاريخ، الذي يبدو ينتزع خطابا جديدا من التفسيرات القائمة. هو يعتقد ان هذه طريقة بسيطة وغير مفيدة لإنجاز “الواقعية”، او، الفهم في التاريخ طالما هي تستبدل الحقائق بانطباعات ذاتية وتسمي هذه الانطباعات واقعا.
النوع الأخير من التاريخ النظري طبقا لهيجل هو “التاريخ التخصصي”. وهو يركز على موضوعات تاريخية خاصة، مثل تاريخ الفن او القانون او الدين.
التاريخ والعقل
الطريقة الثالثة لدى هيجل في عمل التاريخ هي التاريخ الفلسفي، حيث يعطي اولوية للفكر على التعليق على الاحداث، يربط المفاهيم الفلسفية والافكار بمعلومات تاريخية. هيجل ذاته يقوم بهذا النوع من الفعالية عندما يجادل بان عملية التاريخ الانساني هي عملية الاعتراف الذاتي المسترشدة بـ “مبادئ العقل”.
بالنسبة لهيجل، الطبيعة هي تجسيد للعقل، في نفس الطريقة التي تكافح بها الطبيعة نحو زيادة التعقيدية والانسجام، كذلك تفعل روح العالم من خلال العملية التاريخية. فلاسفة ما قبل سقاط مثل اناكسوغراس (500-428 ق.م) كان اول شخص يجادل بان العقل او الفهم هو بالنهاية يحكم العالم ليس كذكاء وانما كجوهر اساسي للوجود. يؤكد هيجل على اهمية هذا التمييز، مستعملا النظام الشمسي كمثال. هو يكتب “ان حركة النظام الشمسي تجري طبقا لقوانين ثابتة، هذه القوانين هي عقله. ولكن لا الشمس ولا الكواكب التي تدور حولها لديها اي وعي بتلك القوانين. وهكذا، فان الفكرة بوجود عقل في الطبيعة، وان الطبيعة تُحكم بقوانين عالمية ثابتة، هي ليست غريبة، نحن اعتدنا عليها..”(العقل في التاريخ).
كذلك، يرى هيجل ان دليل العقل ينكشف من خلال الحقيقة الدينية، التي تبيّن ان العالم محكوم ليس بالصدفة وانما بعناية الهية. في اللحظات العميقة من الاستيعاب الروحي، نأتي الى ادراك ان النظام الالهي يوجّه العالم. العناية الالهية هي حكمة توهب بقوة لامتناهية تدرك غرضها، اي، المطلق، العقلاني، الهدف النهائي للعالم، العقل هو “فكرة تقرر نفسها في حرية مطلقة”.
هيجل يقترح ان العديد من مراحل التاريخ الانساني تبدو غير عقلانية ورجعية لأن المجتمع مكون من افراد يسترشدون بالعواطف والحوافز والقوى الخارجية. ولكن خلف ما يبدو من عدم انتظام في التاريخ الانساني تكمن الخطة الالهية المختفية عن الانظار ومع ذلك تحقق ذاتها خلال العملية التاريخية. وكنتيجة للعديد من الصراعات والثورات والتمردات التي مر بها المجتمع، فان الانسانية تحقق اكبر مظهر للعقل.
هيجل يذهب بعيدا في تطوير جداله ويقترح ان ادراك العقل في التاريخ يفيد ايضا كتبرير للايمان بالله. هو يعترف ان التاريخ يكشف مدى قسوة وسادية طبيعة الانسان، لكنه يؤكد على “الاعتراف بالعناصر الايجابية التي تختفي بها العناصر السلبية كشيء تابع ومهزوم”. من خلال وعي العقل، نحن نعترف بان الهدف النهائي للعالم يتحقق تدريجيا من خلال تلك الأحداث التاريخية العرضية التي تؤدي الى تغييرات وتحولات ايجابية. بهذا المعنى، يعرض هيجل رؤية تقدمية عالية للتاريخ، متصورا تطور المجتمع الانساني كعملية ديناميكية تصبح فيها قدراتنا العقلية اكثر نقاءً ونضجا. ورغم وجود الشر في العالم، لكن العقل بالنهاية سينتصر.
التاريخ كتجلّي للروح
العناية لدى هيجل ليست عناية اله المسيح-اليهود. بل هيجل يرى ان التاريخ العالمي هو ذاته روح الاله في تجلّيها وعملها. يدّعي هيجل ان “الكل سيوافق بسهولة على الايمان بان الروح من بين صفات اخرى، وُهبت الحرية.. الحرية هي بمثابة الروح للروح”(المقدمة). يرى هيجل ان التاريخ ينكشف كتحقق ذاتي للروح، وهو بالنهاية يحل ذاته في تجلّي لحرية الانسان الحقيقية من خلال أعلى شكل تحرري للحكومة. هو يرى ان الوعي الذاتي مرادف لحرية الروح، الحرية هي وعي ذاتي طالما ان الوعي الذاتي يعتمد على تحقّقه في الواقع، لذا يجب ان يخلق ذاته في حرية مطلقة. وفيما يتعلق في التاريخ، يرى هيجل ان التاريخ العالمي هو العرض النهائي للروح”في عملية معرفة ما هو ممكن”(المقدمة) وان ما هو ممكن من حيث الجوهر، هو الحرية.
هذا يفسر لماذا ذروة عملية التاريخ والتي هي تطوير الروح للمعرفة بذاتها هي المعرفة بالحرية المطلقة من خلال أعلى شكل حر لدولة سياسية. يستعمل هيجل امثلة تاريخية لإظهار العملية التي بواسطتها تصبح حرية الروح حقيقة خلال تاريخ الانسان. اولا، هو يزعم ان اصل الدولة ليس من خلال الدخول الحر للناس في “عقد اجتماعي” كما يجادل بذلك فلاسفة مثل هوبز. بل، لتكون انسانا يعني ان تعيش في مجتمع من اناس آخرين، يتبعون قواعد اساسية وقوانين ومعتقدات. بكلمة اخرى، من المستحيل ان توجد الانسانية في ظروف ما قبل السياسة، لأن السياسة جزء اساسي من طبيعتنا.
طبقا للفهم الهيجلي، تمر السياسة عبر ثلاث مراحل: من العائلة (او القبيلة) الى المجتمع المدني، الى الدولة. الدولة هي التجلّي النهائي للروح لأن تطورها يؤشر الى زيادة استقلالية الانسان. وكما يكتب هيجل، “حرية الطبيعة.. ليست شيء حقيقي، لأن الدولة هي اول ادراك للحرية”(المقدمة). هذا ناتج عن حقيقة ان اعضاء الدولة يتخلون عن فرديتهم لدعم حرية الجماعة ككل، وبالنسبة لهيجل، الحرية الحقيقية هي شعبية. يمكن توضيح هذا بالقول انه بدون دولة، ستصبح حقوق الفرد اساسية، مترافقة مع أعظم خير للانسانية وبالتالي أعظم حرية للروح.
يؤكد هيجل ان ثقافات التاريخ الأصلي، التي يسميها “شرقية” بما فيها الثقافة الفارسية القديمة والصينية، لن تنال المعرفة بالروح طالما هي اعتقدت ان الانسان ليس حرا بالنهاية. هو اعتقد ان الذهن الشرقي كان باتجاه الاستبداد: كانوا يعتقدون بان الناس يجب ان يحكمهم حاكم ديني او ملك مطلق. هذه الحرية هي فقط لشخص واحد وهو الحاكم. الاغريق كانوا واعين بالحرية، ورفضوا الاستبداد لأجل الديمقراطية التي هي الحرية السياسية لكل الناخبين. حريتهم جرت في ظل العبودية – وهي الحقيقة التي جعلت “الحرية من جهة فقط عرضية، سريعة الزوال ومحدودة النمو، ومن جهة اخرى، انها شكلت خضوعا صارما لطبيعتنا الانسانية المشتركة”. لذا طبقا لهيجل، الامة الالمانية في ظل تأثير المسيحية كانت اول من أدرك ان الانسان يحوز على الرغبة الحرة. وحتى مع وجود العبودية في ظل المسيحية والانظمة السياسية اللاحقة، لكن فكرة الحرية الفردية اصبحت اساسية للدول والحكومات والمؤسسات في الغرب اولا ثم في اماكن اخرى.
ديالكتيك هيجل
يرى هيجل ان التطور التاريخي يتقدم ليس في خط مستقيم “وانما بشكل حلزوني يتجه صعودا نحو النمو والتقدم. هذا يتم عندما يتبع الفعل رد فعل، حيث سينتج انسجاما او مركبا من معارضة الفعل ورد الفعل” (الفرد، الدولة، الحرية السياسية في هيجل، Uchenna O sigwe,2014). واذا كان العديد من المفكرين السياسيين افترضوا ان التاريخ السياسي يسير من الملكية المطلقة الى الحكم الاستبدادي الى الديمقراطية، نرى هيجل اعتقد انه يسير من الحكم المطلق الى الديمقراطية الى الملكية الدستورية التي تضم خصائص كل من الحكم المطلق والديمقراطية بينما تتجاوز الاثنين. لذا يستعمل هيجل الاتجاه “الديالكتيكي” لفحص مسار التاريخ الانساني. الديالكتيك وُصف دائما بعبارات من الاطروحة معطيا دفعا لرد فعلها، على شكل نقيض يناقض او ينفي الاطروحة، ومن ثم التوتر بين الاثنين يُحل بوسائل من التركيب بينهما. المركب سيصبح اطروحة جديدة.. لكن هيجل لم يستخدم ابدا هذه المصطلحات الخاصة (التي هي بالأصل تُنسب لكانط).(1)
فكرة ان التاريخ يتبع اسلوب ديالكتيكي يمكن ملاحظته في العديد من السياقات الحديثة. الايديولوجيات الشيوعية (الاشتراكية) كانت رد فعل ضد الرأسمالية لكنها فشلت في خلق انظمة سياسية واجتماعية هامة وادّت الى موت ملايين الناس حول العالم. ولكن بعد نهاية حربين عالميتين، تبنّت الدول الاوربية نظام الديمقراطية الليبرالية – وهو مركب من الاشتراكية والرأسمالية. وبينما الدولة مسؤولة عن حكم مظاهر معينة من المجتمع، مثل القانون او الجيش والخدمات الاساسية الاخرى، لكنها ايضا تعزز الشركات والتجارة الحرة. وبالنسبة لديالكتيك هيجل، ادّت التناقضات في الآراء بين الاشتراكية والرأسمالية الى مركب من الديمقراطية الليبرالية.
فرنسيس فوكاياما في كتابة نهاية التاريخ والانسان الاخير عام 1992، جادل لأجل مفهوم هيجل في نهاية التاريخ. طبقا لفوكاياما، التاريخ بلغ سلفا مرحلته الأخيرة التي انتهى بها الصراع الايديولوجي الديالكتيكي وحلت محله ايديولوجية عالمية واحدة. وهكذا، عندما انهارت الانظمة الشيوعية في اوربا الشرقية ونظرت تلك الدول نحو الغرب، اظهر هذا انتصار الليبرالية.
الدول الاوربية لم تتورط في اي صراع كبير مع بعضها منذ الحرب العالمية الثانية، وان اوربا منذ ذلك الوقت ازدهرت في ظل مبادئ الديمقراطية الليبرالية، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. بهذا المعنى، نالت رؤية هيجل في التاريخ كتطور تقدمي للحرية السياسية الدعم جزئيا بالأحداث التاريخية الأخيرة.
Hegel’s understanding of history, Philosophy Now, oct-Nov 2020
…………………………………………………
الهوامش
(1) نظرية هيجل في الديالكتيك تشكل آخر نظام فلسفي عظيم. التاريخ هو عملية تضم كل شيء وكل شخص، انها عملية نشارك بها جميعا. الفكرة الجوهرية لهيجل هي ان التاريخ ليس مسألة تواريخ ومعارك وأحداث، وانما هو “منطق”. انه حول الافكار والعقائد التي تتفاعل وتتطور من افكار اخرى، لأن الافكار تحكم كل شيء آخر. وبما اننا جميعنا جزء من العملية، فان الفلاسفة يمكنهم التفكير فقط ضمن حدود افقهم التاريخي. هذا يعني ان الفلسفة ذاتها مرتبطة بالتاريخ. هيجل يرى الفلسفة (زمانها مُدرك بالفكر). نحن لا نستطيع الوقوف خارج الزمن، ولا وجود هناك لعالم أبدي للعقل. التاريخ والفكر يبرزان مجتمعين، لذا فان ما نحاول فهمه هو بناء عضوي معقد، ومن الضروري معرفة كيف تترابط اجزاؤه التي يسميها هيجل categories وهي سلسلة مفاهيم منطقية.
ان الربط بين المفاهيم المنطقية يسمى الديالكتيك. وهذا عبارة عن نظام موضوعي متأصل في البناء العميق للأشياء، ويتميز بالتناقض. الديالكتيك ليس فقط طريقة لفهم التاريخ، وانما هو الطريقة التي تعمل بها الاشياء في العالم. انه ليس شيء يتم عمله وانما شيء يُكتشف. هيجل يقول ان للديالكتيك هيكل من ثلاث خطوات. التطور التاريخي يستلزم ثلاثة مفاهيم منطقية من A الى B الى C.هيجل يسمي A “الفوري”، وهي حالة قائمة بذاتها. حالما انت توضح A فانت يجب ان تشير الى نقيضها B الذي يسميه هيجل”السالب الاول”. نحن ندرك ان A مرتبط بالضرورة مع نقيضه. B هو نفي لـ A لكنه ايضا A معدّل. انه يحتوي على عناصر من نقيضه. لكن هذا يقودنا الى المفهوم الثالث C الذي يسميه هيجل “السالب الثاني”. لماذا؟ لأننا عندما نريد توضيح B نحن ندرك اننا يجب ان نشير الى A المعدّل سلفا، اي ان C هو نفي لـ B.العملية تشبه إلقاء قطعة من السكر في اناء ماء، حالما يذوب السكر سيبقى هناك فقط كلّ متجانس. انه متأصل في طبيعة المفاهيم التي تتناقض مع بعضها. يستخدم هيجل كلمة sublation او النفي وهي وصف لما يحدث في الحركة الديالكتيكية. اعتبر هيجل النفي جزء طبيعي من انكشاف الأحداث التاريخية، انه لا يصف فقط تصادم الايديولوجيات على نطاق تاريخي واسع، وانما هو جزء من الحياة اليومية للانسان.
رابط المصدر: