شادي عبد الحافظ
السؤال عن تحديد موقع الكواكب في السماء هو أحد أشهر الأسئلة الدائرة في نقاشات هواة الفلك المبتدئين. والمشكلة التي نواجهها هنا هي أن أشهر الإجابات تلك التي تقول إن الكواكب –التي تظهر منيرة كالنجوم– لا تتلألأ في سماء الليل بوضوح تام، أما النجوم فتتلألأ كثيرًا، وهذا صحيح، لكن فقط لن يكون هذا الفارق بين الكواكب كما تظن، وسوف تتملكك الحيرة حتمًا حينما تحاول أن تجرب تلك الطريقة. لكن أفضل الطرق – لا شك – هي أن تتعلم ما هو أعمق من ذلك، أي أن تتعلم كيف بالأساس تدور الكواكب في السماء بالنسبة لك.
لنتعلم ذلك ببساطة دعنا نبدأ بقاعدة أساسية، وهي أن النجوم بعيدة جدًا جدًا عنّا، يؤثر ذلك كثيرًا في الشكل الذي نراها به، حيث إن هذا البعد الشديد يجعل من الصعب علينا أن نلاحظ حركة النجوم في السماء، أو مدى قربها أو بعدها عنّا، فتظهر جميعها كأنها تقع من الأرض على نفس المسافة. كذلك تظهر كأنها قطع ألماس صغيرة، لا تتحرك، مطرزة في كرة من القطيفة السوداء، وبذلك سوف نرى السماء بالفعل كأنها كرة ونحن بداخلها، في المركز تمامًا.
السماء ككرة ضخمة
الآن دعنا نتخيل أننا بداخل قاعة ما لنشاهد مسرحية مسلية، هنا يكون كل شيء ثابت في القاعة ماعدا الممثلين، هكذا نتصور حركة المجموعة الشمسية، فالكواكب تدور حول الشمس بداخل تلك الكرة السماوية الثابتة. لكن المجموعة الشمسية بالكامل تدور في نفس المستوى مع اختلافات بسيطة، ما يعني أنها تشبه الفطيرة الضخمة التي تدور كل الكواكب في مستواها، هنا نحن نعرف أن سماء الليل تحتوي على 88 كوكبة، والكوكبة هي فقط تجمع من النجوم يشبه شيئًا ما مرتبط بأسطورة قديمة، أسد شرس مثلًا أو فارس طيّب.
تلك التجمعات من النجوم لا تتخذ هذا الشكل بالفعل، هي فقط تبدو لنا كذلك، فاستخدمها القدماء وربطوا بها معتقداتهم، أما الآن فنحن فقط نستخدمها لتحديد موقع الأجرام السماوية، ومن بين تلك الكوكبات الثمانية والثمانين نعرف أن هناك 12 كوكبة (العدد ليس هكذا بالضبط لكن دعنا نستخدم هذا للتقريب فقط) توجد في خلفية خط سير المجموعة الشمسية، هناك كوكبات بالأعلى، وأخرى بالأسفل، لكن فقط تلك المجموعة هي ما يتقاطع مع مستوى المجموعة الشمسية لو أخذنا مقطعًا عرضيًا.
لنتخيّل مثلًا الأرض وهي تدور حول الشمس داخل تلك الكرة الضخمة من الكوكبات، لنفترض أن الأرض كعقرب الساعات يقفز 12 مرة ليتم دورة كاملة حول الشمس، هنا سوف نجد أنه في كل قفزة للأرض تكون في خلفية الشمس كوكبة مختلفة، هذه الكوكبات هي كوكبات دائرة البروج، وهي التي تمثل الأبراج الاثني عشر الشهيرة.
اقرأ أيضًا: أنثى العذراء: لماذا تعد الأبراج وهمًا؟
زحل والمشتري والساعة المعكوسة
الآن سنجعل الصورة أكبر قليلًا، فنحن نعرف أن كل المجموعة الشمسية تدور في نفس المستوى، يعني ذلك أن كل الكواكب ستدور أيضًا في نفس المستوى بالنسبة لنا على الأرض، مستوى دائرة البروج، دعنا نتخيل أن هناك كوكبان فقط يدوران حول الشمس بالنسبة لكوكبات دائرة البروج الـ 12، وهما كوكب الأرض وكوكب المشتري، يدور كوكب الأرض مرة حول الشمس كل سنة، أما المشتري فيدور حول الشمس مرة كل 12 سنة، أي أنه حينما يتم كوكب الأرض دورة واحدة بين الكوكبات الـ 12 في الخلفية، سوف يقفز المشتري كوكبة واحدة.
يشبه الأمر الساعة، مع فارقين بسيطين، الأول أن العقرب الصغير هو ما يتحرك بسرعة والكبير هو ما يتحرك ببطء، العقرب الكبير يمثل المشتري، والصغير يمثل الأرض. والثاني هو أن كليهما يدور عكس عقارب الساعة العادية، هنا يتحرك العقرب الصغير لفة كاملة – تأمل التصميم المرفق – ليلتقي بالعقرب الكبير مرة أخرى، ليس عند 12 ولكن عند الرقم 1، هكذا هو الأمر بالنسبة لنا على الأرض، حيث نرى المشتري يتنقل بين كوكبات دائرة البروج مرة كل سنة، فتجده مرة في كوكبة السرطان مثلًا، ثم ينتقل في العام الذي يليه إلى الخلف للتوأم ثم إلى الثور … وهكذا.
المشتري يدور حول الشمس مرة كل 12 سنة، وعدد الكوكبات في دائرة البروج هو 12، لذلك نراه في كل كوكبة مرة كل سنة، نحن فقط نقوم بقسمة عدد سنوات الدورة حول الشمس على 12 لكل كوكب فنخرج بالناتج وهو عدد السنوات التي يقضيها في كل كوكبة. زحل مثلًا يدور حول الشمس مرة كل 29 سنة، ما يعني أن الأرض تحتاج أن تدور دورتين ونصف تقريبًا لكي نراه ينتقل من كوكبة لكوكبة، لذلك فحركة زحل في السماء غاية في البطء، هذه الأيام مثلًا نراه في كوكبة القوس، لكن الأمر يحتاج لحوالي عامين ونصف كي نراه في الخلف عند الجدي، يعني ذلك أننا لا نرى زحل في نفس الكوكبة، خلال كل عمرنا، إلا مرتين أو أكثر قليلًا !! (جرب نفس العملية الحسابية مع كواكب أبعد وتأمل النتيجة).
جميل جدًا، دعنا الآن نتحدث عن اصطلاحين غاية في الأهمية لكل هاوي فلك، الأول هو التقابل Opposition، وهو المرحلة التي تقف فيها الأرض على الخط الواصل بين الكوكب والشمس، هنا تكون تلك هي أفضل فرصة لرؤية الكوكب، لأنه سيكون مضاءً بالكامل من قبل الشمس، وفي أقرب مسافة بيننا وبينه، أما الاقتران Conjugation فهو حينما يكون الكوكب خلف الشمس، أي أن تقف الشمس بيننا وبينه تمامًا، فلا نتمكن من أن نراه. في البدء نرى الكوكب، أي كوكب، قبل شروق الشمس بقليل، ثم شيئًا فشيئًا يكتسب ارتفاعًا يومًا بعد يوم (مع الكوكبة التي تقع في خلفيته)، حتى يصل لمرحلة نراه فيها بعد الغروب مباشرة، ثم يدخل خلف الشمس مرة أخرى ويعود ليظهر قبل الشروق من جديد، يحدث ذلك بسبب حركة الأرض حول الشمس، وليست حركة الكوكب نفسه.
احترس من فضلك الكواكب ترجع إلى الخلف
الآن دعنا نتأمل معلومة إضافية، كلما دارت الأرض بدت الكواكب كأنها تذهب ناحية الشرق، فمثلًا في 2018 يقف المشتري عند كوكبة الميزان، لكن في 2019 سوف يقف في العقرب، التي تقع شرقها، وهذا يعني أنه يتجه ناحية الشرق عامًا بعد عام، والسبب في ذلك هو أن الأرض تدور حول الشمس عكس اتجاه عقارب الساعة، وكذلك الكواكب، لذلك سوف تترك الأرض المشتري عند الساعة 12 لتدور دورة كاملة وتعود مرة أخرى للرقم 12، هنا سيكون المشتري واقفًا عند الرقم 1، وبعدها بعام عند 2، ثم 3… إلخ، في كل مرة سوف يتراجع المشتري خطوة بالنسبة لآخر مرة رأيته فيها.
يعني ذلك أن الكواكب، على عكس حركة السماء المعتادة، تتحرك ناحية الشرق دائمًا. لكن هذا لا يحدث طوال العام، لأن كل كوكب يمتلك ما نسميه بالحركة التراجعية Apparent retrograde motion، حيث يحدث لمدة محددة كل سنة أن يتوقف الكوكب عن حركته ناحية الشرق ليتحرك قليلًا ناحية الغرب ثم يتوقف ويعود من جديد لاستكمال رحلته شرقًا كعادته، هذه الحركة غير حقيقية، لكنها تبدو فقط هكذا بالنسبة لنا على الأرض، والسبب فيها هو الطريقة التي نرى بها الكوكب من على الأرض كلما مررنا به في السماء، دعنا نتأمل هذا التصميم المرفق، فهو يمثل دوران كوكب أزرق (الأرض) بكوكب أحمر (ليكن المريخ) يقع في مدار أعلى منه.
دعنا نتتبع ذلك الخط، تنتقل الأرض من 1 إلى 5، وهي تقطع في الدائرة خاصتها مسافة أكبر من المريخ لأنه موجود في مدار أكبر وأبطأ من الأرض، هنا سوف نرى المريخ في خلفية النجوم بالكرة السماوية بالضبط بالطريقة التي يشير بها السهم الواصل بين الأرض والمريخ. يشبه الأمر أن تمد يديك أمامك وتحركه في خلفية النجوم مثلًا، لذلك سوف يبدو الكوكب الأحمر، كما يظهر من تداخل الخطوط، كأنه يعكس اتجاهه، لكن الحقيقة هي أنه فقط يتحرك بشكل مختلف عنّا ما يجعله يبدو كأنه يتحرك هكذا، لذلك فهي حركة ظاهرية فقط.
لكن، لماذا اخترنا المريخ؟ ذلك لأنه الكوكب الأقرب للأرض، لذلك يظهر هذا التأثير واضحًا للغاية فنراه على مدى ثلاثة أشهر كاملة، أما كواكب كزحل والمشتري فهي أيضًا تتراجع في السماء، لكن لمدة قصيرة للغاية، لذلك فإن أشهر حركات التراجع هي حركة المريخ، ويهتم بها الهواة من عام لعام ويلتقط لها البعض صورًا مجمعة رائعة، هذا العام يمكنك ملاحظة هذا التغير بين شهري يوليو وسبتمبر، حيث يتراجع الكوكب الأحمر بين كوكبتي الجدي والقوس.
نجمة الصباح والمساء
جميل جدًا، هناك 5 كواكب يمكن لك رؤيتها بالعين المجردة، المشتري وزحل والمريخ وعطارد والزهرة، تعلمنا قبل قليل عن حركة الثلاثة الأولى عبر دائرة البروج، وكل الكواكب كما قلنا تجري في دائرة البروج لذلك يجدر بك مراجعة مقالين سابقين لتعلم مواقعها في السماء.
اقرأ أيضًا:أنثى العذراء: لماذا يلجأ الناس للخرافة؟
الآن بقى لنا اثنان من الكواكب، لكن هذين الكوكبين لهما حكاية خاصة، لأن كل منهما يقع داخل دائرة مدار الأرض حول الشمس وليس خارجها، ما يجعل لهما آلية مختلفة، فكل الكواكب تدور، بالنسبة لنا على الأرض، في كل مكان، فمرة تكون في التقابل، ومرة في الاقتران، وبينهما يمكن أن نرى الكوكب فوقنا تمامًا أو قرب الأفق، لكن هذين الكوكبين لا يمكن أن يكونا في التقابل أبدًا، لماذا ؟!
دعنا نتأمل ذلك التصميم السابق لنفهم تلك النقطة، ويمثل دورة كوكب ما (عطارد أو الزهرة) داخل مدار الأرض، باللون الأخضر. أول الاختلافات عن الكواكب الأخرى هو أنه لا يوجد تقابل، حيث إنه في الحالتين (2 و4) يقف الكوكب في مواجهة الشمس، نسميه اقتران أمامي Inferior Conjugation، أو خلف الشمس، نسميه اقتران خلفي Superior Conjugation. أما حينما تكون الزاوية بيننا وبين الكوكب والشمس أكبر ما يكون (تلك الزاوية المعلمة بالتصميم) فهي أفضل فرصة لرصد هذا الكوكب، لأنه بعد تلك النقطة سوف ينخفض الكوكب في السماء مرة أخرى، ذلك لأنه إما داخل إلى الاقتران الأمامي وإما الاقتران الخلفي.
يعني ذلك، بسبب قرب تلك الكواكب من الشمس بالنسبة لنا، أن تلك الكواكب ترتفع في السماء قليلًا فوق الأفق الغربي أو الشرقي، بحد أقصى 28 درجة لعطارد و47 درجة للزهرة، ثم تنخفض مرة أخرى، وهي لذلك تكون دائمًا مقترنة بشروق أو غروب الشمس، وذلك لأنها – بالنسبة لنا على الأرض – قريبة من الشمس دائمًا، على عكس الكواكب الأخرى التي تكون في بعض الأحيان في الجهة الأخرى من الكوكب (التقابل).
لهذا السبب نسمي الزهرة نجمة الصباح ونجمة المساء، لأنها توجد إما قبل الشروق (ويكون أعلى ارتفاع في هذه الحالة هو أقصى استطالة غربية Greatest western elongation) أو بعد الغروب (ويكون أعلى ارتفاع في هذه الحالة هو أقصى استطالة غربية Greatest Eastern Elongation)، لكن حينما نسأل عن السبب في ظهورها تارة عند الشروق وتارة عند الغروب، فيمكن لك تأمل هذا المنشور:
ألمع الكواكب في السماء ليلًا هو الزهرة، يليه المشتري، ويظهران بلون أبيض رائع، أما زحل فيظهر باللون الأصفر إلى الأبيض، وعطارد يظهر بلون قريب للبرتقالي، والمريخ بالطبع أحمر اللون. كل ما تحتاجه هو أن تتعرف إلى دائرة البروج أولًا، ثم بعد ذلك تحديد موضع الكوكب هذا الوقت من السنة عبر برنامج كـ Stellarium، بعد ذلك تعلم عن دورته حول الشمس، ويمكن لك التنبؤ بموضعه – بشكل تقريبي – لأي وقت تريده في المستقبل، عطارد مثلًا يتم دورة حول الشمس كل 88 يومًا، يعني ذلك أننا سوف نراه في أقصى استطالة مرة كل شهر ونصف تقريبًا، وهكذا.
كان ذلك دليلًا مبسطًا يساعدك على تحديد وتتبع الكواكب في سماء الليل، مع خبرة بسيطة في السماء يمكن لك فهمه بسهولة تامة، أما إن كنت مبتدئًا فسوف تحتاج لبعض الوقت لكي تفهم عدة نقاط، أهمها دائرة البروج، لكن في النهاية فإن كل الفكرة هي أن تتخيل المجموعة الشمسية كعجلة ملاهٍ دوارة ضخمة (تسمى دولاب هواء أو عجلة فيرس)، في مركزها مصباح منير بقوة، وتتكون من عدة دوائر تدور بسرعات مختلفة وليست دائرة واحدة كما هو الوضع في الملاهي، كل دائرة بها مقعد واحد فقط معلق في مكان ما بها، تجلس أنت في أحد المقاعد بإحدى الدوائر، وتراقب حركة المقاعد الأخرى بالنسبة للمصباح في المنتصف، بعض المقاعد خلفك، وبعضها أمامك، فقط تحتاج أن ترجع بظهرك للخلف وتتخيل المجموعة الشمسية بالكامل.
رابط المصدر: