مصطفى ملا هذال
كل ما حدث سابقا داخل حدود الدول الاوربية لم يصل الى هذه الدرجة من التأثير على الرأي العام العالمي، ومن الممكن ان تدخل ضمن المبالغات اذ ما قلنا بأن الامن الأوربي لم يتعرض لمثل هذا التهديد منذ أكثر من سبعة عقود، وفي جميع الأحوال فأن ما يجري له الكثير من الانعكاسات على دول العالم اجمع وعلى الدول العربية على وجه الخصوص.
وتذهب التأثيرات باتجاهين الأول سلبي والآخر إيجابي، ويعود ذلك الى طبيعة الازمة الراهنة والناتجة من تفاعل عوامل ومشكلات عدة تتمحور جميعها حول لب الصراع الدولي الحاصل بين الأقطاب الدولية المؤثرة في المشهد، والمتحكمة بمصير اغلب شعوب المنطقة.
للمشكلة أساس مهم وهي نابعة من الشعور الروسي بالتهديدات المستمرة من قبل حلف الناتو، الذي صابح مصر على نقل منطقة الصراع من الدول العربية كسوريا ولبنان والعراق وغيرها من الدول، الى منطقة الاتحاد الأوربي، وجعل المواجهة بين الطرفين من الأمور المحتملة، نتيجة الدفع باتجاه التحشيد المضاد لروسيا التي اتخذت مؤخرا قرار الاعتراف بالمقاطعات في شرق أوكرانيا.
ومع التطورات الحاصلة على الحدود الروسية الأوكرانية، ارتفعت نسبة القلق العالمي، وما يتعلق بتحديد مصير الأوضاع المرتبكة نتيجة ارتباك العلاقات الروسية الأوكرانية من جهة والروسية مع التحالف الأوربي من جهة أخرى، حتى باتت طبول الحرب تقرع مرة أخرى لتعيد بنا الحالة الى ما حصل في القرن المنصرم.
وذات يوم وبعد تصاعد وتيرة التهديدات المتقابلة تم تفجير خط نقل الغاز الروسي الذي يزود اغلب الدول الاوربية وتعتمد عليه القارة اعتمادا كليا، ومن هنا بدأت الحكاية تتعقد، ومن اهم مظاهر تعقيدها هو معاناة تلك الدول في البحث عن بديل قادر على سد النقص الحاصل جراء هذه العملية، لاسيما وان العلاقات الاوربية الروسية تشهد تطورا سلبيا غير مسبوق.
ومن الممكن ان يقود هذا التطور الى نشوب حرب اقتصادية مبكرة تفوق في مديات تأثيرها الحرب العسكرية المحتملة الوقوع، وفي الأساس فأن أسعار النفط مهددة بالارتفاع الفاحش، إذا استمرت الأمور تسير بهذا السياق دون الوصول الى حلول تمنعها من التدهور بما يفاقم الازمة ويعزز التخندقات الدولية.
ان أي انقطاع في إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، سواء بعقوبات أو بحرب أو بقرار روسي، سيرفع أسعار النفط بشكل كبير، وهذا ما يجب استثماره بشكل جدي من قبل الدول المنتجة للنفط ومن بينها دول المنطقة العربية التي تعيش حالة اقتصادية غير مستقرة منذ عقود، والسبب يعود الى مدى التلاعب بكميات الإنتاج وتحديدها بقدر معين حفاظا على المصلحة الاوربية من التأثر بزيادة كميات الإنتاج.
ففي الوقت الذي تبحث فيه الدول الاوربية عن مخرج من الازمة التي تعيشها وحراجة موقفها امام شعوبها، من الجيد ان تستثمر دول العربية الازمات الاقتصادية وتوظيفها لصالحها، فقد حان الوقت المناسب للاستثمار بعد سنوات من التراجع والتدخل الأوربي في اقتصادات تلك الدول، اما اليوم فالكرة أصبحت بملعب الدول المنتجة ومن المفترض ان تتحكم بالسوق العالمية لسعر النفط.
يحدث ذلك شريطة تقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية او الفردية الضيقة لبعض الحكام وقادة الدول، وبالنتيجة نحصل على تطورات هائلة ومردودات مالية كبيرة، نتيجة التكاتف العربي، المتوقع، لكن قد تخيب ظنونا التحالفات العربية مع بعض الدول الغربية، وتقطع الامل بأن تكون هنالك سياسات مهمتها زيادة الإيرادات الوطنية، ولوا عكسنا الصورة وجعلنا الدول الاوربية محل الدول العربية وما تملكه من قوة اقتصادية مؤثرة على حركة الاقتصاد العالمي.
لوجدنا العكس تماما ودليل ذلك هو استحصالها على ملايين الدولارات مقابل حصول الدعم الكامل للقضاء على الإرهاب، ولا يمكن ان يغفل أحد كميات الأسلحة التي زودت بها الدول التي تعاني من هجمات إرهابية، لكنها دفعت اضعاف مضاعفة نتيجة الحاجة الماسة لمثل هذه الأسلحة في الدفاع عن فنسها ومواطنيها وسلمها المجتمعي.
أولى المحطات الغربية من اجل التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي هو مخاطبة قطر التي أعربت بدورها عن عدم إمكانية تلبية جميع الاحتياجات الأوروبية من الغاز بمفردها؛ وذلك لأنها مرتبطة بعقود توريد لا يمكنها الإخلال بها دون موافقة مسبقة من المستوردين، وعلى رأس هؤلاء المستوردين الصين.
بينما الغاز الإسرائيلي لا يعول عليه بتأمين الحاجة الاوربية وتغيير واقع ذلك الاحتياج، وكل هذه العوامل تساعد على التحرك العربي بهذا الاتجاه لتحقيق اقصى درجات الفائدة الاقتصادية، والتعامل مع الدول الاوربية وفق مبدأ (العين بالعين)، فمثلما هي تتحكم بتصدير منتجاتها من السلع والبضائع الى دول العالم الثالث بأسعار باهظة الثمن فللعرب حق الرد والاستفادة من الازمة القائمة بشتى الأساليب على الا يخرجوا من الإطار الدولي المسموح فيه لإجراء المناورات الاقتصادية ومن ثمن تعود عليهم بالنتائج السلبية.
الأزمة مستمرة تشير الى ذلك كل الترجيحات، ولا يلوح في الأفق حتى الآن أي حلول أو تنازلات أو تفاهمات، وهذا لا يهمنا نحن كدول عربية كثيرا من الناحية السياسية، لكن الذي يجب ان يأخذ بعين الاعتبار هو عدم ترك هذه الفرصة ان تمر مرور الكرام كسابقاتها من الفرص، وعدم تجيريها لصالح الشعوب العربية التي تتطلع الى مزيد من التحول نحو اقتصاد قوي في المرحلة المقبلة.
.
رابط المصدر: