رأي: يتطلب استئناف الأنشطة النووية في إيران سياسةً حازمةً من المجتمع الدولي، وتحديدًا باريس؛ ذلك لمواجهة النظام الذي يحافظ على سلطته بالقمع والإرهاب:
حميد عنايت؛ كاتب إيراني مقيم في باريس
تُثير المسألة النووية الإيرانية مخاوف متزايدة لدى المجتمع الدولي، بما في ذلك فرنسا، يتضح ذلك من خلال مقابلة أجراها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في صحيفة لوجورنال دو ديمانش في ١٧ من كانون الثاني/ يناير، أعرب فيها عن مخاوفه العميقة من الأنشطة النووية لإيران.
لكن، على مدى ٤٠ عامًا (تاريخ ظهور النظام الإيراني) ألم نكتشف بالفعل أن هذا النظام لا يستطيع التخلّي عن مشروعه النووي؛ بما في ذلك الأوقات الأكثر ملاءمةً للمفاوضات بين الدول المعنية بتبادل ضبط النفس في المشاريع النووية والبالستية مقابل العقوبات المؤثّرة على الامتيازات الاقتصادية والسياسية؟
وهذا لسببٍ بسيط؛ هو أنّ النظام الذي نشأ على أُسسٍ عقائدية تنبع من العصور الوسطى وكراهية النساء التي تنتمي إلى الماضي، لا يمكنه التخلّي عن هذه الوسائل الاستراتيجية من تصدير الإرهاب وإثارة الحروب للبقاء في السلطة.
استمرار الهجمات:
ولهذه الأسباب تتواصل هجمات النظام الإيراني على السفن، كما حصل مع السفينة الكورية الجنوبية في المياه الدولية، أو هجماته ضدّ المنشآت النفطية في الدول المجاورة؛ لذلك فهو يعتمد الآن على برنامجه النووي الذي يهدف إلى تهديد الدول المجاورة، كما أحبط وما يزال يُحبط جميع جهود التهدئة الأوروبية؛ لا سيما تلك التي بذلها الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية في عام ٢٠١٦، للحدّ من التوترات في المنطقة.
كلّ هذا لم يمنع النظام الإيراني، علاوةً على ما مضى، من توجيه الانتقاد الشديد لفرنسا وأوروبا ضمن دعايته الداخلية في إيران.
يظلّ القمع في الداخل والحرب في الخارج الوسيلة الوحيدة للنظام في إيران للحفاظ على السلطة. إنها ثيوقراطية لا تفهم سوى الحزم؛ لأنّ مسؤولي النظام يعتبرون الصمت والمرونة والمفاوضات علامات ضعف، ويرغبون في أن يعتقد الناس أنّ أوروبا هي التي تحتاج إلى الوساطة؛ ذلك في الوقت الذي يكونون هم أنفسهم بحاجةٍ إليها، وبالتالي فإنّ غياب ردّ الفعل على انتهاك القوانين من قبل هذا النظام وإثارته للحروب هو تشجيعٌ له.
تسعى إيران دائمًا لتعزيز سياستها هذه؛ من أجل ذلك احتجزت العالمة الفرنسية الإيرانية فاريبا عدلخاه رهينة، كما تستخدم سفاراتها ودبلوماسيّيها في أعمال غير قانونية، مثل محاولة أسد الله أسدي الموجود في النمسا، عام 2018 تنفيذ هجوم في فرنسا ضدّ التجمّع السنوي الكبير للإيرانيين، وذلك لاستهداف مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية، وسط آلاف المشاركين، ومن ضمنهم شخصيّات سياسية وأعضاء في البرلمان الأوروبي.
هذا هو بالضبط نوع التجربة التي خاضها الإيرانيّون منذ ٤٠ عامًا، فإذا كان لدى هذا النظام أدنى إمكانية للإصلاح، فلماذا دفع الإيرانيّون مثل هذا الثمن الباهظ طوال سنوات لمقاومة نظامٍ شرّع التمييز ضدّ المرأة، ونفّذ أكبر عددٍ من عمليات إعدام النساء في العالم؟
وإن كان هناك أدنى احتمالٍ لاعتدال هذا النظام، وإن لم يكن رئيسه أداة في يد المرشد، وإن كان بإمكان القادة التفكير في مصالح الشعب؛ فهل كان مرشد إيران سيحظر بقسوةٍ غير مسبوقة استيراد لقاحات كوفيد-١٩ من فرنسا والولايات المتحدة، في حين أن إيران لديها أكثر من ٢٠٠ ألف ضحية للجائحة؟ وإذا كان هذا النظام يتمتّع بحدّ أدنى من التوازن والاستقرار، فما أسباب زيادة القمع والإرهاب إلى ما لا نهاية، ورفض مقترحات فرنسا المتعاقبة للعيش بسلامٍ مع الولايات المتحدة، أو دولٍ أخرى في المنطقة؟
بالإضافة إلى ذلك، يرتكب الحرس الثوري ومليشيات إيران مجازرهم في جميع أنحاء إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن. لقد خُلقوا من أجل ذلك، لا لشيء آخر، ولن يكون هذا النظام قادرًا على تغيير سلوكه؛ لأنه ضعيفٌ ومعزول، فتغيير السلوك يعني تغيير النظام بالنسبة له؛ إنه خامنئي نفسه من يقول هذا.
كما وجّهت مجموعة متخصصين في حقوق الإنسان وخبراء في الأمم المتحدة، تحذيرًا للحكومة الإيرانية، مؤكّدةً أن الانتهاكات الماضية والحاليّة، بما فيها مجزرة السجن عام ١٩٨٨، كلّها يمكن أن تشكّل جرائم ضدّ الإنسانية، وأبلغتها أنها ستدعو إلى تحقيقٍ دوليّ في هذا الصدد.
وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “هذا الخطاب من خبراء الأمم المتحدة هو خطوة كبيرة إلى الأمام، ويعدّ خطوة حاسمة في النضال الطويل الأمد لعائلات الضحايا والناجين، أُنجز بدعمٍ من منظمات حقوق الإنسان الإيرانية ومنظمة العفو الدولية؛ ذلك لوضع حدٍّ لهذه الجرائم والحصول على الحقيقة والعدالة والتعويض”.
سياسة الحزم:
يشغل 54 مجرمًا من أصل 86 ينتمون إلى لجان الموت الخمسة والثلاثين (وهي لجان إعدام خارج القانون أنشأها النظام الإيراني أواخر الثمانينيات)، المتهمة بارتكاب هذه المجازر؛ يشغلون مناصب مهمّة داخل النظام، ولا سيما إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائيّة، وكذلك وزير العدل، ونائب رئيس مجلس النواب، وعدد من كبار المسؤولين القضائيين، وبعض أصحاب المناصب البارزة في النظام؛ كل هؤلاء كانوا أعضاء سابقين في لجان الموت. وحتى المرشد الحالي خامنئي، كان رئيس الجمهورية في وقت ارتكاب تلك المجازر، في حين كان الرئيس حسن روحاني يشغل منصبًا أمنيًا رفيعًا آنذاك.
وبدون سياسة حازمة توقفه، سيصبح النظام أكثر عدوانية، وستزداد التوترات التي تنتج عن عدوانيته هذه.
إن مبادرات الدبلوماسية الفرنسية، بقيادتها في هذا المجال، يجب – مع استمرارها في دعم إنهاء الإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الشعب الإيراني ومقاومتها – أن تسعى بنشاطٍ لتشجيع فتح طريق ديمقراطي في إيران. هذا هو السبيل الوحيد لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، ولتشجيع الديمقراطية فيها.
ترجمة الباحث إبراهيم قنبر من الفرنسية، صحيفة لا تريبون 2 من شباط/ فبراير-2021
رابط المصدر: