عزيز ملا هذال
نعيش اليوم في عالم مشحون ومتوتر على مستوى اغلب الصعد الحياتية، كما تحيط بنا امراض مجتمعية جمة منها ما هو قليل الخطر ومنها ما هو متوسط ومنها ما هو عالي الى حد الخطورة العظمى، ومن هذه الامراض هو مرض (الاقصاء) وهو الرغبة الانسانية الجامحة لإلغاء الآخر وتهميشه وهو ما يعصف بسلمية الانسان وتعايشه مع نظرائه في الخلق بتقبل واحترام بغض النظر عن الاختلاف في الدين واللون والعرق واللغة وغيرها من المحددات التي تميز اي انسان عن اخيه الانسان.
اسوء ما يشوه انسانية الانسان هو محاولة الغاءه الاخر المختلف واقصاءه، والعقلية الاقصائية هي أحد أخطر العقليات التي تنخر المجتمع وتعدده وتفتك به وتضعفه، فقد اصبحت الثقافة الاقصائية نوعا من التفكير الشخصي الذي يتم من خلاله تشويه صورة الآخر بقصد إقصائه او تهميشه.
في العادة ان صاحب العقلية الاقصائية يريد التقليل من شأن الأشخاص الذين لا تتطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره، والذين لديهم آراء ومواقف تختلف مع آراءه ومواقفه، والمشهد السياسي العراقي دليل أبلج على ما نقول، اذ يحاول كل طرف تهميش الطرف الثاني بغية تسيد الساحة والحصول على المغانم، ومن اجل ذلك هم مستعدين لفعل اي شيء يجعلهم متصدرين المشهد حتى وان كلف الامر اراقة الدماء وغيرها من السلوكيات التي نراها في الشارع سيما في الاحداث الاخيرة التي شهدها العراق للأسف.
على الرغم مما نشهده من تطور على الصعيد العملي والثورة المعلوماتية الكبيرة سيما في بداية القرن الحادي والعشرين وما يفترض ان يصاحبه من تطور فكري يخدم البشرية ويحميها من حماقة الانسان رعونته الا ان الملاحظ الى الانسان بصورة عامة والعراقي العربي بصورة خاصة لا زال يقبع تحت تأثير ثقافة التهميش والاقصاء عائداً الى عصور البداوة والجهل التي كانت تخيم على المجتمعات البدوية آنذاك، فقد كانت سلوكيات القبائل تجاه من يخالف توجهها قتله وسبي عياله او ترحيله الى مكان اخر.
وتمارس ثقافة الاقصاء من دون رادع، وقد يصل الأمر إلى اتهام الاخر وحتى تخوينه بهدف اسقاطه، وهذه الثقافة يمارسها الكثير من الناس وبشتى الوسائل ومن مختلف الشرائح الاجتماعية في مختلف مجالات الحياة، وللأسف يعتبر المجتمع العربي من أكثر المجتمعات التي تحتضن ثقافة الاقصاء والتهميش بحق الآخر، وذلك بسبب تراجع الوعي وتدهور الاخلاق والثقافة والوعي.
خطورة ثقافة التهميش والاقصاء متأتية من كونها تناقض التعددية الانسانية التي ارادها الله لعباده فخلقهم بهذا التنوع والاختلاف الذي هو ليس عيبا او نقيصة طالما يؤمن كل شخص في هذا الكون الفسيح بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترام وجهات نظرهم، فهذا الكون يتسع لهذا الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر وليس طارئ عليها لذا يجب احترامه بل وتقديسه وصيانته كما تصان حرمة البشر ان بقي للبشر حرمة.
كيف نحد من ثقافة الاقصاء؟
معالجة هذا المرض الاجتماعي الخطير ذو الاصول النفسية المتشعبة يتطلب تعليم الاطفال ووضعهم على سكة ان المختلف عنك مكمل لك لا عدو ولا ضد وبذا لابد من التعايش معه واحترامه واحترام توجهاته وميوله ورغباته مهما بلغت من الاختلاف معك من دون تسفيه او تحقير او انتقاص، وبهذا نضمن تخريج أجيال تقدس الحرية الفردية وتحترم عقلها وتحتكم اليه في اتخاذ قراراتها.
وعلى المؤسسات التعليمية ان تمارس دورها عبر ممارسة نوع من الضبط الاجتماعي الذي يرفض تهميش الاخر ورفضه او رفض التعامل معه والتأسيس لثقافة تقبل الاخر وعدم النظر اليه بدونية ولا بأس بأن تكون مادة تدرس في كل مراحل التعليم بما فيها المرحلة الجامعية، وبذا يمكن ان نحد ولو باليسير من هذه النزعة الوحشية التي فرقت العالم الى شيع كثيرة متفرقة.
.
رابط المصدر: