كان من الممكن تماما أن تهدأ الضغوط التضخمية في وقت لاحق حتى لو لم تواصل الحكومة إحكام السياسة المالية والنقدية في عام 2011، وذلك بفضل التشكل التدريجي لقدرات إنتاجية جديدة. ولو لاحَقَ صناع السياسات هدف التوسع المالي والنقدي باعتدال مع تشجيع السوق على الاضطلاع بدور حاسم…
بقلم: يو يونغ دينغ
بكين- في الأشهر الأخيرة، كانت الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين موضوعا رئيسيا للمناقشة ــ ومصدرا للجدال ــ بين خبراء الاقتصاد وصناع السياسات في مختلف أنحاء العالم. ورغم أن هذه المخاوف ليست بعيدة عن الصواب كليا، فإنها لا تخلو من مغالاة ومن السهل تفنيدها.
على مدار العقود الأربعة الماضية، مع تحول الصين من اقتصاد مخطط يتسم بالنقص إلى اقتصاد السوق الذي شابَـهُ التذبذب بين الطلب الكلي المنقوص وفرط النشاط، سعت حكومتها في كثير من الأحيان إلى إزالة الطاقة الإنتاجية الفائضة كلما نشأت. في عام 2003، على سبيل المثال، أسفرت حملة صارمة على الطاقة الفائضة في صناعة الصلب إلى إغلاق عدد كبير من مصانع الصلب.
في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، سجلت صادرات الصين هبوطا حادا، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ اقتصادي ملحوظ. وفي الربع الأول من عام 2009، لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني 6.1%، وهو أدنى معدل في أكثر من عشر سنوات. لمقاومة هذه الصدمة، قدمت الحكومة الصينية خطة تحفيز بقيمة 4 تريليون يوان صيني (560 مليار دولار أميركي). وبفضل استثمارات ضخمة ــ حيث نما الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 30.1% في عام 2009 و23.8% في عام 2010 (على أساس سنوي) ــ سجل اقتصاد الصين انتعاشا حادا، فحقق نموا بلغ 10.6% في عام 2010.
ورغم أن الطلب الكلي أيضا ارتفع بسرعة، فإن العرض الكلي فشل في مجاراته، حيث يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تترجم الاستثمارات الجديدة إلى قدرة إنتاجية زائدة. (تعتمد مدة التأخر على نوع الاستثمار). ساهم هذا التفاوت في ارتفاع التضخم، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3% في عام 2010.
بحلول الوقت الذي بلغ فيه نمو مؤشر أسعار المستهلك ذروته عند مستوى 5.4% في مارس/آذار 2011، أعلنت الحكومة الصينية أن الأولوية القصوى لسياستها لذلك العام ستكون تضييق الخناق على التضخم. وقد فعلت: فخلال الفترة من 2009 إلى 2011، هبطت نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين من 2.8% إلى 1.1%، وانخفض الائتمان الجديد من 9.6 تريليون يوان صيني إلى 7.5 تريليون يوان.
لكن القدرة الإنتاجية المرتبطة بالاستثمارات السابقة كانت تتشكل بالفعل، إن لم تكن أصبحت عاملة بالفعل. نتيجة لهذا، ومع تسبب إحكام السياستين المالية والنقدية في انخفاض الطلب الكلي، نشأ تباين جديد، وارتفعت الطاقة الإنتاجية الفائضة في عديد من الصناعات، بما في ذلك الصلب والسيارات، والسمنت، والألمنيوم الإلكتروليتي، والمبيدات الحشرية، والألواح الضوئية، والزجاج.
عند هذه النقطة، انخفض نمو مؤشر أسعار المستهلك إلى أقل من 3%، وكان مؤشر أسعار المنتجين في المنطقة السلبية. في ظل هذه الظروف، كانت الاستجابة النمطية لمشكلة الطاقة الفائضة المتزايدة الارتفاع لتتلخص في العودة إلى التوسع المالي والنقدي من أجل تحفيز الاقتصاد. ولكن بدلا من ذلك، قررت حكومة الصين مواصلة تشديد السياسة المالية والنقدية. ونتيجة لهذا، انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.7% في عام 2012، وواصل الانخفاض منذ ذلك الحين.
ولكن بالنظر إلى الوراء الآن، يبدو أنه كان من الممكن تماما أن تهدأ الضغوط التضخمية في وقت لاحق حتى لو لم تواصل الحكومة إحكام السياسة المالية والنقدية في عام 2011، وذلك بفضل التشكل التدريجي لقدرات إنتاجية جديدة. ولو لاحَقَ صناع السياسات هدف التوسع المالي والنقدي باعتدال مع تشجيع السوق على الاضطلاع بدور حاسم في القضاء على فائض الطاقة الإنتاجية القطاعية في عام 2012، فلربما كانت الصين لتتمكن من تحقيق معدلات نمو أعلى في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات التالية.
لا نستطيع أن نغير الماضي، ولكن بوسعنا أن ننتبه إلى دروسه لتحقيق مستقبل أفضل. في حالة الصين، يعني هذا تنفيذ سياسة مالية ونقدية أكثر توسعا اليوم. هذا من شأنه أن يساعد في الحد من “الطاقة الإنتاجية الفائضة” على مستوى الاقتصاد الكلي، وهو ما يعادل “الافتقار إلى الطلب الفعّال”، في حين يخلق مساحة إضافية لإزالة فائض الطاقة الإنتاجية على المستوى القطاعي ــ وهي العملية حيث ينبغي للحكومة الصينية أن تسمح للسوق بالاضطلاع بدور حاسم.
كل هذا من شأنه أن يحملنا شوطا طويلا نحو تحسين ميزان الصين التجاري. ولكن على الرغم من غياب أي مبرر ربما يحمل الدول على فرض سياسات الحماية التجارية باسم “الأمن القومي” ــ كما فعلت الولايات المتحدة على سبيل المثال ــ يتعين على الصين أن تضمن التزامها بجميع قواعد منظمة التجارة العالمية.
على هذه الجبهة، كانت الجلسة المكتملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، التي عُـقِـدَت في وقت سابق من هذا الشهر، مُـشَـجِّـعة. وكما أشار بيان الاجتماع، تخطط الصين “لتعزيز قدرتها على فتح” اقتصادها للعالم الخارجي؛ وتعزيز “محركات جديدة للتجارة الخارجية”؛ وتطوير “مؤسسات جديدة” من خلال التعاون الموسع مع بلدان أخرى لدعم اقتصاد عالمي مفتوح وما دامت جميع الأطراف ملتزمة بالمشاركة القائمة على المنفعة المتبادلة ــ والاحترام المتبادل ــ فلن يتعذر حل أي نزاع تجاري.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/economicarticles/39739