قيس شحود
في أوائل شهر ديسمبر من العام 2019، ظهرت المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة سارس-كوف-2 أو ما بات يعرف باسم كوفيد-19، حيث نشأت من أصل حيواني محتمل في مقاطعة هوبي الصينية. ومع إعلان منظمة الصحة العالمية أن هذا الفيروس يمثل وباءً عالمياً في 11 مارس 2020، تحول كوفيد-19 إلى أزمة عالمية معقدة لا سابق لها في التاريخ المعاصر؛ فقد أدى إلى استهلاك النسبة العظمى من الموارد والخبرات والوقت والجهود في أغلب بلدان العالم. ولكن، كيف يمكن للناس والأنظمة التكيف في حال وقوع حدث طبيعي خطر، مثل زلزال أو عاصفة استوائية، أثناء انتشار وباء كوفيد-19؟
قبل تناول الإجابة التي يحاول بحث جديد أن يقدمها، أود التوضيح أنه ليس القصد من طرح موضوع كهذا أن نقدم تصوراً سوداوياً يزيد الطين بلة، ولكن منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط على سبيل المثال شهدت بالفعل في الآونة الأخيرة عدداً من الهزات الأرضية التي تكرر حدوثها وبشدة محدودة، وقد تركز آخرها في بلدان كل من اليونان وتركيا وإيران.
تقاطع بحثي واعد
يجمع عملٌ بحثي جديد بين نماذج وبائية بسيطة مع منحنىات الأخطار الطبيعية، وذلك بهدف دراسة السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تحدث في عدة بلدان في حال وقوع كارثة طبيعية. ومن أهم النواحي في هذا البحث، أنه يوضح الخطوط العامة الإستراتيجية التي يجب على الحكومات ووكالات إدارة الكوارث دراستها للتخفيف من المخاطر خلال الوباء.
من الحرائق البرية إلى الأوبئة
في شهر يناير من هذه السنة، أدت حرائق برية مدمرة إلى نزوح الآلاف من الأستراليين من منازلهم، كما فرضت الصين في نفس الوقت إجراءات العزل في مقاطعة هوبي للتخفيف من انتشار مرض يتسبب فيه نوع جديد من الفيروسات التاجية، الذي أصبحنا نعرفه الآن باسم كوفيد-19.
بحلول نهاية يناير، ومع بدء تراجع الحرائق البرية، تحول كوفيد-19 إلى وباء عالمي، أدى بحلول نهاية أبريل إلى أكثر من 233,000 وفاة حول العالم. وفي دول مثل أستراليا، تعتمد استجابة الحكومة ووكالاتها للأزمة -سواء كانت حرائق برية أو وباء- على المعرفة التخصصية، والبيانات، والخبرات، والاستشارات، حول مدى تعرض المجتمع إلى الخطر وتأثره به. وتحدد هذه العوامل معاً -إضافة إلى عملية التعافي من الكارثة- ما يُطلق عليه اسم مرونة التكيف.
ولكن، ماذا يحدث إذا وقعت الكوارث في نفس الوقت؟
عادة ما تتضمن الاستجابة الطارئة للكثير من الأخطار الطبيعية عمليات إجلاء إلى مراكز جماعية، ولكن من الواضح أن هذا يعني أخطاراً أخرى خلال الوباء. لا شك في أن طريقة التعامل مع كوفيد-19 الآن ستؤثر إلى حد كبير على النتائج المحتملة للكوارث الطبيعية.
مشكلة مزدوجة
هناك تاريخ حافل بأحداث سابقة سجلت انتشار الأوبئة بعد وقوع الكوارث الطبيعية. فقد أدت أمواج تسونامي في جنوب آسيا في العام 2004 إلى مقتل أكثر من 250,000 شخص، وتشريد أكثر من 1.7 مليون شخص في 16 بلداً، كما أدت إلى ظهور الظروف المثالية لانتشار مرض تنفسي حاد في آتشيه بإندونيسيا، وهي أشد المناطق التي تضررت بفعل التسونامي.
وفي 2010، أدت أول جائحة كوليرا في هايتي منذ أكثر من قرن إلى مقتل 8,183 شخصاً، وقد تفاقمت بسبب أضرار البنية التحتية التي نتجت عن الزلزال الذي سبقها. وفي الواقع، فإن أية كوارث طقسية (مثل العواصف الشديدة أو الفيضانات أو الأعاصير) أو جغرافية (كالزلازل، والانفجارات البركانية) من النوع الذي يؤدي إلى تشريد أعداد كبيرة من الناس، عادةً ما تكون متبوعةً بالأمراض، مثل أمراض الإسهالات والتهاب الكبد والملاريا وحمى الضنك.
ولكن في 2020، دخلنا في نفق مظلم؛ فقد وصل انتشار كوفيد-19 إلى ذروته، ويمكن للكوارث الطبيعية التي قد تقع، أن تزيد من تعقيد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب فيها كوفيد-19.
غير أن بعض البلدان قد تعرضت إلى هذه الضربة المزدوجة بالفعل؛ ففي أواخر مارس، تعرضت العاصمة الكرواتية زغرب إلى زلزال بشدة 5.3، ما أدى إلى حدوث خلل في إجراءات العزل المطبقة حديثاً. وعلى الرغم من أن الأثر الكامل لهذا التغير المؤقت على إصابات كوفيد-19 ما زال غير معروف بالتفصيل، فإن الرجوع إلى البيانات المتوافرة وتحليلها يشير إلى وجود زيادة ظاهرية في معدل الإصابات في الأيام التي تلت الزلزال.
أدت عدة كوارث طبيعية أخرى متزامنة مع الوباء إلى إحداث المزيد من الأضرار والخلل في إجراءات الابتعاد الاجتماعي، مثل الإعصار الاستوائي هارولد في المحيط الهادي، وثوران بركان أناك كراكاتوا في إندونيسيا، وعدة أعاصير في الولايات المتحدة، وما زال أثر هذه الكوارث غير محدد حتى الآن.
إذن، يمكن أن تؤدي إجراءات العزل ضد كوفيد-19 إلى إعاقة الاستجابة الطارئة لكوارث مثل هذه، وفق التقارير الإعلامية والعملياتية الأولية. ومن جهة ثانية، يمكن أن يؤدي الإخلال في الابتعاد الاجتماعي إلى زيادة احتمال الإصابة. هذه هي الضربة المزدوجة التي قد تضطر الحكومات إلى التعامل معها خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولهذا فإن الاستعداد لمواجهتها أمر أساسي.
لفهم الأثر المحتمل للسيناريو الذي يجمع ما بين الوباء والكارثة الطبيعية، تم جمع نماذج التنبؤ بانتشار الأوبئة مع نماذج الأخطار الطبيعية للتوصل إلى مثالين أوليين.
التنبؤ الهجين لتوقع الوفيات
استخدم الفريق منصة لتوقع الأوبئة -وهي مفتوحة أمام العامة- لدراسة تأثير فعالية الاستجابة لكوفيد-19 على توقعات معدلات الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة وأستراليا وبنجلاديش والصين.
تم حساب هذه التوقعات بتقليل الفرق إلى أقل ما يمكن بين عدد الوفيات المؤكدة وعدد الوفيات المتوقعة من قِبل نموذج معين للأوبئة بالنسبة لفترة معينة من الزمن، والذي يأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل، مثل شدة عدوى كوفيد-19 (عامل التكاثر الأساسي R₀) ومدى فعالية الإجراءات المضادة لكوفيد-19 كنسب مئوية. ورغم أن توقعات الفريق مبسطة وتقريبية، إلا أنها تؤكد على الحاجة إلى إجراءات مستدامة لمواجهة كوفيد-19.
بالنظر إلى الشكل 3، فإن الوفيات المتوقعة في الولايات المتحدة (في الشكل البياني A) يمكن أن ترتفع من حوالي 92,000 (الخط الرمادي المتقطع) إلى 220,000 (الخط الرمادي المستمر) إذا تراجعت الإجراءات المضادة بنسبة 10% فقط.
ولوضع هذه المعلومات ضمن سياقها، درس الفريق أيضاً منحنىات الخطر الموسمية مع منحنىات توقعات كوفيد-19، ويمكن للأخطار الطبيعية الموسمية، مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف الاستوائية وموجات الحر والحرائق البرية، أن تؤدي إلى تفاقم آثار كوفيد-19.
في الواقع، فإن الاحتمال الإجمالي لحدوث هذه الكوارث الطبيعية في الولايات المتحدة وبنجلاديش والصين سيزداد على مدى الأشهر القليلة المقبلة، في حين أن احتمال حدوثها في أستراليا في نفس الفترة سيتراجع. وبالتالي، فإن البلدان مثل الولايات المتحدة وبنجلاديش والصين معرضة على وجه الخصوص لتزامن خطر الوباء والكوارث الطبيعية خلال فترة الصيف في نصف الكرة الشمالي.
توقيت الأخطار الطبيعية
باستخدام نموذج وبائي مبسط، قام الفريق بدراسة أثر توقيت الكوارث الطبيعية المحتملة على منحنى المعدل اليومي للإصابات الجديدة. هذا هو المنحنة الذي تحاول الحكومات “تسطيحه” من أجل إدارة الطلب على خدمات الرعاية الصحية، وتشير التحليلات الأولية إلى أن إجراءات التدخل هذه أدت إلى تقليص الطلب على الخدمات الصحية حتى الآن.
في الشكل 4، يعبر المنحنى الأزرق عن معدل الإصابات اليومي النموذجي الأساسي قبل تطبيق أي إجراءات، ويعبر المنحنى الأحمر عن معدل الإصابات مع تطبيق إجراءات التسطيح بالكامل.
بعد ذلك، قام الفريق بإضافة حدث خارجي، مثل كارثة طبيعية، إلى المنحنى المسطح.
قام الفريق بإضافة هذا الحدث إلى أحد جانبي ذروة معدل الإصابات (قبل الذروة في الجهة اليسرى، وبعدها في الجهة اليمنى)، كما افترض أن فترة حضانة كوفيد-19 تعادل خمسة أيام، وأن إجراءات التسطيح يمكن أن يعاد فرضها بالكامل بعد عدد معين من الأيام (7 و21 في هذه الحالة) بعد وقوع هذا الحدث.
يعبر الخط الرمادي المتقطع عن معدل الإصابة في وجود حدث خارجي، ويبين تزايد الإصابات فوق المنحنى المُسطح بدرجات مختلفة.
تقدم هذه التجربة معلومتين هامتين:
الأولى هي أن زيادة معدل الإصابات تكون أعلى في الأحداث التي تقع في فترة ما قبل الذروة مقارنة مع الأحداث التي تقع في فترة ما بعد الذروة، والثانية هي أن معدل الإصابات يزداد بزيادة الزمن المطلوب لإعادة فرض إجراءات الابتعاد الاجتماعي بشكل كامل.
على الرغم من وجود عوامل غير مؤكدة في هذين المثالين، إلا أنهما يؤكدان على الطبيعة متعددة الأبعاد للقرارات التي يجب اتخاذها لمواجهة كوفيد-19 حتى تحقق النجاح أثناء الكوارث الطبيعية.
إستراتيجيات كوفيد-19
نظراً لعدم وجود لقاح لكوفيد-19، فإن توقعات انتشاره تشير إلى أن الأزمة الحالية ستدوم لفترة طويلة من الزمن، ولكن توجد أربعة إستراتيجيات استباقية يمكن للحكومات أن تعتمدها لمواجهة تزامن أخطار الكوارث الطبيعية مع كوفيد-19.
أولاً:
تحديد السيناريوهات المركبة من الوباء والكوارث الطبيعية، بما فيها الحالة الأسوأ، وهو أمر هام ويتطلب بناء نماذج تنبؤية جديدة تجمع ما بين نماذج التنبؤ الوبائي وتوقعات الكوارث الطبيعية.
ثانياً:
يمكن تعديل الاستجابة الطارئة للأحداث الشديدة مسبقاً عن طريق أخذ نماذج توقع الطقس الموسمي بعين الاعتبار. وتوجد منذ الآن توقعات بموسم فوق المتوسط للأعاصير الأطلسية لهذه السنة، ولهذا من المرجح أن يضرب إعصار كبير البر الأميركي الشمالي في الأشهر القليلة المقبلة، ما يستوجب التخطيط مسبقاً لمواجهة هذا الخطر. ونفس الأمر ينطبق على بلدان الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط بالنظر إلى الهزات الأرضية في الآونة الأخيرة.
ثالثاً:
يجب إعادة تصميم سياسات الاستجابة للتعامل مع الكوارث الطبيعية المختلفة مع التركيز على الابتعاد الاجتماعي. ويجب تطبيق تغييرات السياسة على نطاق واسع من نشاطات ما بعد الكوارث، بدءاً من توزيع المساعدات العاجلة وصولاً إلى تأمين الملاجئ.
رابعاً وأخيراً:
يجب دعم وكالات الإغاثة التي تخدم المجتمعات أو المناطق منخفضة الدخل وحكوماتها، لأن الآثار المركبة التي ستصيب هذه المناطق ستكون على الأرجح مرتفعة بشكل يفوق ما سيصيب باقي المناطق.
على الرغم من أن الكثير من الحكومات تركز حالياً بشكل أساسي على إدارة أزمة كوفيد-19، فإن التخطيط لوقوع كوارث طبيعية في نفس الوقت أمرٌ هام أيضاً؛ وذلك حرصاً على استعداد المجتمع لمواجهة التعقيدات التي يمكن أن تنتج عن تزامن هذه الأزمات.
رابط المصدر: