كيمي بادينوك… المدافعة الشرسة عن اليمين

ينقسم البريطانيون عموما حول شخصية كيمي بادينوك، الزعيمة المنتخبة حديثًا لحزب المحافظين المعارض في المملكة المتحدة، المثيرة للجدل، ولكن الثابت أن آراءها القوية ومواقفها المناهضة لتيار”الووك” التقدمي هي التي دفعت بها إلى المقدمة، ولعبت دورا حاسما في نجاح حملتها لخلافة رئيس الوزراء المحافظ السابق ريشي سوناك في زعامة الحزب، متفوقة على وزير الهجرة السابق، روبرت جينريك، آخر منافس متبق لها، وحصلت على 56 في المئة من الأصوات.

وقد جعلها فوزها في حملتها التي استمرت أربعة أشهر لاختيار زعيم جديد لحزب “المحافظين”، إثر استقالة سوناك، عقب الهزيمة الماحقة التي تعرض لها المحافظون، أمام حزب “العمال” في الانتخابات العامة في يوليو/تموز، أول امرأة منأصولأفريقية تقود حزبا سياسيا رئيسا في المملكة المتحدة.

تولت بادينوك عددا من المناصب الوزارية في ظل زعماء المحافظين السابقين، وتُعتبر ممثلة بارزة للجناح اليميني في الحزب، بفضل مواقفها الراسخة التي تدافع عن الأسواق الحرة وحرية التعبير.

لطالما أثارت بادينوك الجدل بتصريحاتها الصريحة، وتعد ناقدة شرسة لليسار. فعلى سبيل المثال، خلال الحملة، واجهت انتقادات بسبب موقفها من مدفوعات الحكومة للأمهات العاملات، ومحاولاتها تحسين أجور العمال ذوي الدخل المنخفض. وتقول إنها تستمد فهمها للقضايا التي تؤثر على الناخبين من الطبقة العاملة، من تجربتها الشخصية، عندما عملت في “مطعم ماكدونالدز” خلال فترة مراهقتها.

ورغم أنها صنعت التاريخ بفوزها في المنافسة أمام منافسها الرئيس، السياسي المحافظ السابق، وأصبحت بذلك أول امرأة منأصول أفريقية تقود حزبا سياسيا في بريطانيا، فإنها تؤكد رفضها للسياسات القائمة على الهوية. فقد صرحت علنا بأن لون بشرتها، لا ينبغي أن يكون ذا أهمية أكثر من لون عينيها أو شعرها، بينما تستعد لخوض التحدي الصعب المتمثل في استعادة شعبية حزبها المتدهورة.

وقد شغلت بادينوك سابقا منصب وزيرة التجارة في حكومة سوناك، وكانت قاسية في نقدها لأخطاء حزب “المحافظين” في الانتخابات العامة الأخيرة، التي شهدت أسوأ هزيمة للحزب منذ عام 1832 وخسارة 250 مقعدا. ووجهت بادينوك انتقادات لقادة المحافظين السابقين، من ديفيد كاميرون إلى سوناك، قائلة: “إنهم تحدثوا بلهجة يمينية، لكنهم حكموا بسياسات يسارية”.

 

تؤكد رفضها للسياسات القائمة على الهوية. وصرحت علنا بأن لون بشرتها لا ينبغي أن يكون ذا أهمية أكثر من لون عينيها أو شعرها

 

 

كان من أبرز وعودها خلال حملتها لقيادة الحزب أن “على المحافظين التوقف عن التصرف كحزب (العمال) إذا أرادوا استعادة السلطة”، وهو الوعد الذي شكّل جوهر حملتها، حيث ركزت على تغيير العقلية الأساسية للدولة البريطانية.

وُلدت أولوكيمي أديجوكي، المعروفة باسم كيمي بادينوك، لأبوين نيجيريين في ضاحية ويمبلدون بلندن عام 1980، وكانت واحدة من بين ثلاثة أبناء. كان والدها طبيبا عاما، بينما كانت والدتها أستاذة في علم وظائف الأعضاء. أمضت بادينوك سنوات طفولتها الأولى في لاجوس، نيجيريا، قبل انتقال العائلة إلى الولايات المتحدة، حيث عملت والدتها كمحاضرة جامعية.

عادت الأسرة إلى المملكة المتحدة، عندما كانت كيمي في السادسة عشرة من عمرها. درست المستوى المتقدم في كلية بجنوب لندن، ثم التحقت بـجامعة ساسكس لدراسة هندسة الكمبيوتر. بعد تخرجها، بدأت حياتها المهنية في مجال تكنولوجيا المعلومات، وحصلت بالتوازي على شهادة ثانية في القانون. ثم انتقلت للعمل في قطاع التمويل، حيث شغلت منصب مدير مساعد في بنك “كوتس” الخاص، وتولت لاحقا دورا غير تحريري كمدير رقمي في مجلة “ذا سبيكتيتر” المؤيدة لحزب “المحافظين”.

انضمت كيمي بادينوك إلى حزب “المحافظين” في عام 2005، وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، وشاركت في الانتخابات البرلمانية لعام 2010 دون نجاح، وكذلك في انتخابات “جمعية لندن” عام 2012، وهو العام نفسه الذي تزوجت فيه من زوجها هاميش بادينوك.

 

رويترز رويترز

زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك في مجلس العموم في لندن، بريطانيا، 6 نوفمبر 2024 

في عام 2015، عقب انتخاب عضوين من جمعية لندن، من بينهما سويلا برافرمان، كنواب في البرلمان، تولت بادينوك مقعدا شاغرا في الجمعية، التي تشرف على إدارة العاصمة البريطانية. دعمت بادينوك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، وحققت طموحها في العام التالي بأن تصبح نائبا في البرلمان، وذلك عن المقعد الآمن لحزب “المحافظين” في سافرون والدن بمقاطعة إسيكس.

تغلبت كيمي بادينوك على عدد من الأسماء البارزة عند ترشحها لزعامة حزب “المحافظين” في عام 2022، لكنها استُبعدت في الجولة قبل الأخيرة من التصويت الذي أجراه نواب الحزب. وأمضت بادينوك ثلاث سنوات في مناصب حكومية صغيرة، إلى أن انضمت في عام 2022 إلى موجة الاستقالات الوزارية التي أدت إلى سقوط رئيس الوزراء آنذاك، بوريس جونسون.

وعلى الرغم من عدم توليها منصبا وزاريا كبيرا من قبل، فاجأت بادينوك العديد من زملائها بدخولها السباق لخلافة جونسون. وبدأت حملتها كاحتمال ضعيف، مدعومة بمجموعة صغيرة من أصدقائها المخلصين، الذين دخلوا البرلمان معها في عام 2017، لكنها سرعان ما اكتسبت زخما بعد تلقيها دعم مايكل غوف، الشخصية المؤثرة في السياسة المحافظة.

حصلت كيمي بادينوك في نهاية المطاف على المركز الرابع في سباق القيادة، وحازت على دعم 59 نائبا. خلال هذه المنافسة، برزت بأسلوبها المباشر والصريح، مما منحها سمعة قوية، وأدى إلى إسناد دور أكبر لها داخل حزب “المحافظين”. وبعد أن خلفت ليز تراس بوريس جونسون في رئاسة الوزراء عام 2022، عينتها وزيرة للتجارة الدولية، وهو المنصب الذي احتفظت به تحت حكومة ريشي سوناك، الذي أسند إليها أيضا مسؤوليات وزارية تتعلق بشؤون المرأة والمساواة.

منذ ذلك الحين، اتسمت مسيرتها البرلمانية بالصراحة والاستعداد للتعامل مع القضايا المثيرة للجدل. على سبيل المثال، بصفتها وزيرة للمساواة في حكومة جونسون السابقة، أثارت استياء النشطاء اليساريين بتحديها لفكرة وجود عنصرية مؤسسية متأصلة في المملكة المتحدة.

 

لطالما أثارت بادينوك الجدل بتصريحاتها الصريحة، وتعد ناقدة شرسة لليسار

 

 

في مقابلة مع شبكة “LBC” اللندنية، صرحت بادينوك بأنها، خلال السنوات التي قضتها في المملكة المتحدة، لم تواجه تمييزا إلا من قبل أشخاص ذوي ميول يسارية. كما عبرت عن تقديرها للفرص التي يوفرها النظام السياسي البريطاني للأشخاص من أصول مهاجرة مثلها.

وصرّحت مؤخرا: “قدمت إلى هذا البلد في سن السادسة عشرة، وها أنا أترشح لرئاسة الوزراء- أليس ذلك مدهشا؟” وأضافت: “ولدت في هذا البلد، لكنني لم أنشأ فيه. لا أفهم لماذا يصر البعض على تجاهل كل ما هو جيد، والتركيز فقط على السلبيات واستخدامها لعرض القصة”.

تصف بادينوك نفسها بأنها نسوية ناقدة لمفهوم الجندرية الاجتماعية، وعارضت بشدة التحركات التي تهدف إلى السماح بتحديد الهوية الجنسية بشكل ذاتي للمتحولين. وبصفتها وزيرة مسؤولة عن شؤون المرأة والمساواة، قادت جهود الحكومة البريطانية، لمنع محاولات الحكومة الإسكتلندية ذات الصلاحيات المستقلة لتمرير مشروع قانون إصلاح تعريف الهوية الجنسية.

وفي ردها على تقرير شديد الانتقاد، بشأن خدمات الهوية الجنسية، التي تقدمها هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، حذرت بادينوك من أن هذه الهيئة “اختطفها أصحاب الأيديولوجيات”، في حين جرى “إسكات” منتقدي سياسة السماح للمراهقين بتغيير جنسهم، مما أدى إلى تعرّض الأطفال للأذى.

خلال حملتها لقيادة الحزب، وصفت بادينوك الوضع بقولها: “إن المحافظة في أزمة، وتتعرض لهجوم من (أيديولوجية تقدمية جديدة) تتضمن (سياسات الهوية) أي (السياسات التي تتأسس على هوية معينة مثل العرق أو الدين أو الجنس)، والتدخل الحكومي المتواصل، و(الفكرة القائلة بأن البيروقراطيين يعرفون أفضل من الأفراد) أو السياسيين المنتخبين”.

ورغم أن المحافظين أمضوا 14 عاما في السلطة، فإنها ترى أن الزيادات في اللوائح الحكومية، والإنفاق العام قد كبلت نمو الاقتصاد واستقطبت الأمة. رفضت دعوة جينريك، منافسها على الزعامة، لضرورة أن يحدد حزب “المحافظين” مساره السياسي المستقبلي فور انتهاء المنافسة، مؤكدة أن الحكمة تكمن في التأني، والتفكر العميق قبل الشروع في خطوات جذرية.

وبدلا من ذلك، جادلت بادينوك بقوة بأن نظام الحكم في المملكة المتحدة “معطل” ويحتاج إلى إعادة ضبط شاملة. وبعيدا عن التسرع في وضع مجموعة جديدة من السياسات، ترغب في أن يأخذ حزب “المحافظين” وقته لاستكشاف نهج جديد، نهج يستدعي من النشطاء المحافظين العودة إلى الجذور، والقيم الأساسية للحزب، وهو ما تراه السبيل لصياغة سياسات تعيد الروح والمصداقية إلى الحزب.

الآن، وبعد انتخاب بادينوك زعيمة جديدة لحزب “المحافظين”، باتت لديها الفرصة لبدء تحقيق هذه الرؤية وترسيخ الأسس التي طالما دعت إليها.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M