لا يمكننا إبرام صفقة مع الاتحاد الأوروبي الآن مهما قال بوريس جونسون

صديق خان
إن كنّا سنعمل على تخفيف أسوأ التبعات الاقتصادية لكوفيد-19، وحماية أكبر قدر ممكن من الوظائف، يتوجب علينا أن نتبنى المقاربة الصحيحة.

بدايةً، على الوزارات المعنية بالاقتصاد في حي وايتهول الحكومي أن تركّز على وضع برنامج لم يسبق له مثيل مبني على الاستثمار في اقتصادنا، ومهاراتنا واستحداث الوظائف، وليس على التعامل مع الأثر المدمّر لبريكست من دون اتفاق.

تثير أزمة فيروس كورونا أكبر حالة طوارئ اقتصادية تواجهنا منذ الحرب العالمية الثانية، فيما تشير التوقعات إلى بلوغ البطالة مستويات لم نشهدها منذ عقود طويلة. وآخر ما نحتاجه حالياً هو المزيد من الفوضى والضبابية لوصولنا إلى حافة هاوية بريكست الوشيكة، والتشتتّ في قلب الحكومة خلال هذه الفترة الحرجة بسبب المفاوضات الراهنة.

بدلاً من ذلك، يجب أن يتّحد الوزراء في تكريس أنفسهم بشكل كامل لأداء مهمة وطنية هي أقرب إلى المجهود الحربي، كي يضمنوا تعافينا بأسرع وقت ممكن، وتفادي التداعيات البعيدة المدى للبطالة الجماعية في الأمد الطويل.

لهذا السبب أحثّ الحكومة على وضع العقيدة السياسية جانباً، والإصغاء إلى قادة قطاع الأعمال المتمرّسين، والسعي إلى طلب تمديد المفاوضات التجارية الخاصة بمرحلة ما بعد بريكست، كي يتسنّى لنا أن نركز اهتمامنا كله على حماية الوظائف، ومعيشة الناس. لا يتعلق هذا الموضوع في دعم الناس لخيار البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه. فهذا النقاش انتهى. وقد انسحبنا من الاتحاد الأوروبي. بل يتصل الأمر في القيام بما يصبّ في مصلحة البلاد خلال أزمة وطنية.

والواقع أنّه من غير المرجّح أبداً أن تتقدم المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي باتجاه نهاية بنّاءة أثناء الجائحة. ويعني ذلك أنّ التهديد الخطير والمؤذي لعدم إبرام اتفاق سيتفاقم مجدداً بعد ستة أشهر، في أسوأ مرحلة ممكنة، تماماً حين نكون في خضمّ السعي إلى إنقاذ الوظائف، وإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. وحتّى لو استطعنا التوصل إلى اتفاق، فإنه لن يكون الأنسب لاقتصادنا تماماً.

حذّر “اتحاد الصناعات البريطانية” من أنّ عديداً من المؤسسات التجارية ستجد نفسها عاجزة عن التكيّف مع ضغوطات الخروج من دون اتفاق بكل بساطة، بعد كل ما قاسته سلفاً خلال الأشهر الماضية. وقد اضطرّ العديد من المؤسسات أن تستنفد كل احتياطاتها النقدية كي تتمكّن من الاستمرار، الأمر الذي يجعلها مكشوفة وضعيفة أمام أي صدمة اقتصادية مقبلة، وهو ما سينتج عن صفقة سيئة، أو خروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.

كما تحتاج المؤسسات التجارية إلى الوقت من أجل التأقلم مع عالم كوفيد-19 الجديد، والابتكار ضمن الحدود التي يفرضها، من دون أن تضطر إلى معالجة الاستنزاف في مواردها جرّاء الحاجة إلى تكييف أنظمة عملها مع المتطلبات الجديدة المرهقة المتعلقة بالاستيراد والتصدير واجتذاب المهارات. ولن يعطي تمديد الفترة الانتقالية هذه المؤسسات، وأجهزتنا العامة اليقين التي هي بأمس الحاجة له فحسب، بل سيوفّر المجال الكافي لجهود التعافي الاقتصادي كي يتسنّى لها أن تُثمر.

سيتيح لنا إرجاء المفاوضات كبلدٍ أن نحوّل مركز الاهتمام في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من التصادم الذي شهدته مرحلة بريكست نحو التعاون الأوروبي العملي المفيد للطرفين، سواء في مجال أبحاث اللقاحات الطبية المشتركة، أو الاستجابة الاقتصادية المنسّقة كما يجب.

للأسف، كان العمل الحكومي المشترك لمكافحة كوفيد-19 ضعيفاً في أقل تقدير، وقد أعاقه صعود الاتجاه القومي الضيق حول العالم، بما في ذلك هنا في المملكة المتحدة. لكن الأوان لم يفت بعد كي نغيّر مقاربتنا حتى تلعب بريطانيا دوراً قيادياً عالمياً شاملاً القيادة كالذي أديناه في السابق.

لم يتوقّع أحد أن تدور هذه المفاوضات التجارية خلال مرحلة تركّز فيها حكومات العالم كافة (وهي محقة في ذلك) على مكافحة جائحة عالمية، والآثار الاقتصادية المدمّرة التي خلّفتها. ليس طلب التمديد إشارةً إلى ضعف أو فشل، بل ينمّ عن استعداد الحكومة أن تقدّم المصلحة الوطنية على العقيدة السياسية.

رابط المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/131136/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D9%85%D9%83%D9%86%D9%86%D8%A7-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%86-%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A7-%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%AC%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%86

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M