دلال العكيلي
يتخلف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في تاريخه، ليصبح على مشارف الدول الأكثر مدينونية في العالم، وستسعى الدولة لإعادة هيكلة ديونها بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، وعلق لبنان سداد 1.2 مليار دولار مستحقة في التاسع من مارس آذار مما يضع الدولة المثقلة بالديون على مسار التخلف عن سداد ديون سيادية في وقت تواجه فيه أزمة مالية كبرى، وقال رئيس الوزراء حسان دياب في خطاب وجهه للبنانيين ونقله التلفزيون إن احتياطيات البلاد من العملة الصعبة بلغت مستويات “حرجة وخطيرة” مع الحاجة لتلبية احتياجات اللبنانيين الأساسية ودعا إلى مفاوضات “عادلة” مع المقرضين لإعادة هيكلة الديون، ويمثل تخلف لبنان عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية مرحلة جديدة من أزمة مالية تعصف باقتصاده منذ أكتوبر تشرين الأول وأفقدت الليرة نحو 40 بالمئة من قيمتها ودفعت البنوك لفرض قواعد قيدت تعاملات المودعين في ودائعهم وأججت الاضطرابات.
وتعتبر الأزمة أكبر خطر على استقرار لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، وقال دياب إن الدين العام في لبنان وصل إلى أكثر من 170 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي مما يعني أن البلاد على وشك أن تكون الدولة الأكثر مديونية في العالم، وتابع “لقد أصبح الدين أكبر من قدرة لبنان على تحمله، وأكبر من قدرة اللبنانيين على تسديد فوائده” ومضى يقول “أمام هذا الاستحقاق، لا يسعنا إلا أن نقف وقفة حق وضمير لنحمي مصلحة الوطن والشعب إن احتياطياتنا من العملات الصعبة قد بلغت مستوى حرجا وخطيرا، مما يدفع الجمهورية اللبنانية لتعليق سداد استحقاق 9 (مارس) آذار من اليوروبوند، لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني”.
وأشار دياب إلى أن الدولة اللبنانية ستسعى “إلى إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة، تلتزم المعايير العالمية المثلى” وبلغت الأزمة المالية أوجها العام الماضي مع تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع مظاهرات احتجاجا على الفساد في أجهزة الدولة وسوء الإدارة، وهي الأسباب الجذرية للأزمة.
وقال دياب “نحن اليوم ندفع ثمن أخطاء السنوات الماضية، فهل علينا أن نورثها لأولادنا وأجيالنا المقبلة؟” ولم تكن هناك أي إشارة على عملية انقاذ من دول أجنبية ساعدت لبنان في الماضي وتصر الحكومات الغربية على أن تقوم بيروت أولا بإجراء إصلاحات طال انتظارها لمكافحة الهدر والفساد.
مهلة الأيام السبعة؟
لا يزال أمام لبنان خيار التذرع بفترة سماح مدتها سبعة أيام للبت بشأن السندات مما سيتيح المزيد من الوقت لإجراء مفاوضات مع الدائنين قبل التخلف عن السداد لكن الحكومة لم تقل ما إذا كانت ستستخدم هذا التمديد، وانخفضت السندات الدولية للبنان استحقاق مارس آذار 1.7 سنت إلى 57 سنتا في الدولار اليوم الجمعة وفقا لبيانات رفينيتيف يأتي ذلك بعد مكاسب قوية سجلتها على مدى ثلاث جلسات على التوالي بفضل آمال تجنب التعثر ويجري تداول السندات عند ما يزيد عن نصف مستوى بعض الإصدارات الدولارية الأطول أجلا، وعين لبنان بنك الاستثمار الأمريكي لازارد ومكتب المحاماة كليري جوتليب ستين آند هاملتون لتقديم المشورة.
وقال المصدر السياسي المشارك في مناقشات الحكومة “بطبيعة الحال المفاوضات ستكون صعبة” يواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة بلغت ذروتها في العام الماضي مع تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال واندلاع الاحتجاجات ضد النخب الحاكمة المتهمة بإدخال البلاد في أزمة، وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى وصول دين لبنان العام إلى نحو 155 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2019، بقيمة تبلغ حوالي 89.5 مليار دولار، مع حوالي 37 بالمئة من الدين بالعملة الأجنبية.
وفي محاولة للسيطرة على سعر الليرة أخطر مصرف لبنان المركزي متعاملي الصرف الأجنبي بألا يشتروا العملات الأجنبية بأسعار تزيد أكثر من 30 بالمئة فوق الأسعار المحددة، ظلت الليرة اللبنانية مربوطة مقابل الدولار عند سعر يبلغ 1507.5 ليرة لأكثر من 20 عاما، لكنها هوت منذ انزلاق البلد إلى أزمة مالية في أكتوبر تشرين الأول الماضي، وبناء على سعر الربط الحالي، تعني تعليمات البنك المركزي ألا يدفع متعاملو سوق الصرف أكثر من حوالي ألفي ليرة للدولار، مقارنة مع 2630 ليرة قال متعامل إنه كان يعرضها للدولار اليوم.
ويحوز مستثمرون أجانب القدر الأكبر من السندات المستحقة في التاسع من مارس آذار لكن الجزء الأكبر من الديون السيادية للدولة يملكه القطاع المصرفي المحلي، وقال كارلوس عبادي المدير التنفيذي لشركة ديسيجن باوندريز وهي شركة استشارية مالية دولية إن “التداعيات الفورية الرئيسية هي أن معظم البنوك المحلية ستصبح في حالة إعسار، الأمر الذي سيؤدي إلى تأثير متتابع من خلال قناة التدفقات المالية مما سيقود إلى انكماش حاد في الإنتاج، وبطالة وزيادة معدلات الفقر”.
مصرف لبنان يُحدد للصرافين سعر شراء العملات الأجنبية
أصدر مصرف لبنان تعميماً طلب فيه من الصرافين تحديد سعر شراء العملات الأجنبية بنسبة لا تتعدى ثلاثين في المئة من سعر الصرف الرسمي، في وقت تفقد الليرة اللبنانية أكثر وأكثر من قيمتها أمام الدولار في السوق الموازية، ومنذ الصيف، ظهر في لبنان للمرة الأولى منذ عقود سوق مواز، تجاوز فيه سعر صرف الليرة مقابل الدولار عتبة 2600 ليرة في معدل قياسي، بينما سعر الصرف الرسمي ما زال مثبتاً على 1507 وتشهد البلاد أسوأ انهيار اقتصادي منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
وطلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في تعميم نقلته الوكالة الوطنية للإعلام، من “مؤسسات الصرافة كافة، تحت طائلة تطبيق العقوبات القانونية والإدارية (…) التقيّد، استثنائياً، بحد أقصى لسعر شراء العملات الأجنبية مقابل الليرة اللبنانية لا يتعدى نسبة ثلاثين في المئة من السعر الذي يحدده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف”، ويُعمل بهذا القرار، وفق التعميم، لمدة ستة أشهر من تاريخ صدوره.
وتترافق الأزمة الاقتصادية مع شح في السيولة وارتفاع في أسعار المواد الأساسية، وفاقمها فرض المصارف منذ أيلول/سبتمبر إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الأموال خصوصاً الدولار، ولم يعد بإمكان المودعين، خصوصاً الصغار منهم، في بعض المصارف إلا سحب مئة دولار فقط من حساباتهم أسبوعياً ومنعت البنوك التحويلات المالية إلى الخارج، وتحوّلت المصارف ميدان إشكالات بين مواطنين يطالبون بأموالهم وموظفين ينفذون القيود المشددة ويحمّل مواطنون وسياسيون المصارف جزءاً من مسؤولية التدهور الإقتصادي.
وتوالت الاتهامات بتحويل أصحاب المصارف وسياسيين ومتمولين مبالغ ضخمة إلى الخارج مع بدء حركة الاحتجاجات ضد السلطة الحاكمة في 17 تشرين الأول/أكتوبر وحتى نهاية العام 2019، وتحديداً خلال أسبوعين أغلقت فيهما المصارف أبوابها إثر بدء التظاهرات، واستمعت النيابة العامة المالية لإفادات 15 مسؤولاً مصرفياً في شأن تحويل 2,3 مليار دولار إلى الخارج
كما قرّرت وضع إشارة “منع التصرف” على أصول عشرين من كبرى المصارف ورؤساء مجالس إدارتها بهدف الضغط على البنوك لتحسين تعاملها مع صغار المودعين، وفق ما قال مصدر قضائي لفرانس برس.
لكن القرار لم يدم كثيراً، إذ بادر النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات ليلاً إلى تجميده، بعدما أثار غضب المصارف وقوى سياسية عدة، وبرر عويدات خطوته بالخشية من أن يسهم التدبير بـ”إدخال البلاد والقطاعات النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى” وفي “إرباك” الجهات المعنية التي تنكب على وضع خطة لمواجهة الأزمة، ويتزامن الانهيار الاقتصادي مع اقتراب استحقاق تسديد جزء من الدين العام المتراكم عبارة عن سندات يوروبوندز بقيمة 1,2 مليار دولار وتحسم الحكومة قرارها لناحية التسديد أو عدمه.
رفض سداد سندات دولية
قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن غالبية البرلمان ترفض سداد سندات دولية يوشك أن يحل أجل استحقاقها، حتى إذا أدى ذلك إلى تخلف عن السداد، ونقل نائب في البرلمان من كتلة بري النيابية عنه القول “إننا مع أي تدبير تتخذه الحكومة عدا الدفع” وبري أحد أكثر السياسيين نفوذا في لبنان وهو حليف لجماعة حزب الله، ويواجه لبنان أزمة مالية كبيرة ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعيد هيكلة دنيه العام وهو من بين الأكبر في العالم مقارنة بحجم الاقتصاد وهناك سندات دولية للبلاد بقيمة 1.2 مليار دولار يحين أجل استحقاقها في التاسع من مارس آذار.
وقال بري إن المصارف التي باعت في الآونة الأخيرة سندات دولية إلى مستثمرين أجانب تتحمل المسؤولية في تقليص الحيازة المحلية، وهو ما يقول منتقدون إنه يضعف موقف لبنان في المفاوضات مع حملة السندات الأجانب، ونقل النائب علي بزي عن بري القول “فإذا أرادوا إعادة الهيكلة دون قيد أو شرط ودون دفع أي مبلغ أو نسبة من المبلغ أو فائدة فليكن، عدا عن ذلك فإننا مع أي تدبير تتخذه الحكومة عدا الدفع” وقال تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال (إل.بي.سي) اللبناني إن وزير المال غازي وزني اقترح على المصارف تأجيل استحقاقاتها من سندات الدين بالعملات الأجنبية والليرة اللبنانية لمدة خمس سنوات وبفائدة صفر.
وأضاف أن البنوك تدرس الاقتراح، وفيما ينفد الوقت، قالت الحكومة اللبنانية إنها ستعلن قرارها هذا الأسبوع بشأن السندات الدولية التي تضم أيضا إصدارات تُستحق في أبريل نيسان ويونيو حزيران، ويواجه البلد المثقل بالدين أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، بلغت نقطة حرجة في العام الماضي مع تباطؤ تدفقات رأس المال واندلاع احتجاجات استهدفت النخبة الحاكمة.
حملة سندات بصدد خطر خسائر
يواجه حملة دين لبنان الدولي خطر خسارة ما يصل إلى 80 بالمئة من استثماراتهم إذ تلوح في الأفق إعادة هيكلة قد تكون أشد إيلاما من تلك التي وقعت على حملة سندات اليونان في خضم أزمتها، فالمحللون مجمعون على استحالة خدمة دين لبنان العام الثقيل البالغ نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وأنه سيكون على الدائنين القبول بخفض قيمة حيازاتهم إذا كان للبلد أن يتحاشى انهيارا ماليا شاملا، وينصب التركيز على ما ستفعله الحكومة حيال سندات دولية حجمها 1.2 مليار دولار تستحق في التاسع من مارس آذار، وسيعني السداد تدهور وضع احتياطي النقد الأجنبي اللبناني السلبي بالفعل، فضلا عن تقليص فرص حصول حملة الدين الأطول أجلا على صفقة يمكن أن يعتبرونها عادلة ومنصفة لهم.
ولم تعلن الحكومة حتى الآن خططها في هذا الصدد، لكن التزام الدولة بالسداد، المدفوع برغبتها في المحافظة على سجلها الناصع حتى الآن فيما يتعلق بدفع ديونها، بدا أنه يهتز في الأيام الأخيرة، حسبما تقوله مصادر مالية مطلعة، والعديد من سندات لبنان الأطول أجلا متداول عند حوالي 30 سنتا في الدولار، وهو مستوى يعتبره المستثمرون مما ينذر بأزمة وبإعادة هيكلة مرجحة للدين في وقت ما – وهي خطوة يقول رئيس البرلمان اللبناني ذو النفوذ إنها “الحل الأمثل”، وقال نيك إيزينجر، من قسم الدخل الثابت بالأسواق الناشئة في فانجارد، التي تحوز بعض دين لبنان، “ليس من الصعب تصور أن معدل الاسترداد لتلك السندات سيكون منخفضا جدا – أقل من 20 بالمئة إذا أرادوا بالفعل ترتيب أوضاعهم وخفض مستويات الدين وصيانة احتياطيات النقد الأجنبي فسيكون عليهم القيام بتخفيضات القيمة الضخمة هذه”.
قيم الاسترداد
قد تدور قيم الاسترداد بين 20 و30 سنتا في الدولار بما يعني عوائد خروج بين ثمانية و12 بالمئة، مع افتراض تمديد آجال الاستحقاق خمس سنوات، وفقا لتقديرات علياء مبيض، العضو المنتدب في جيفريز، وعائد الخروج هو توقع السوق لقيمة السندات السيادية بعد القيام بإعادة هيكلة، وقالت علياء “نقدر أن خفضا للقيمة يبلغ 70 بالمئة سيكون ضروريا للوصول بنسبة الدين اللبناني للناتج المحلي الإجمالي إلى مسار دين مستدام عند 60 إلى 70 بالمئة من الناتج خلال عشر سنوات”، مشيرة إلى أن الحكومة والبنك المركزي والقطاع المصرفي عموما يعانون جميعا من نقص في الدولار.
وقد يكون خفض الدين بهذه الطريقة أشد حدة من بعض حالات إعادة هيكلة الديون السيادية الأخرى في الآونة الأخيرة، فقد خفضت أوكرانيا مستحقات معظم دائنيها 20 بالمئة عندما فشلت في خدمة ديونها، وألزمت اليونان حملة السندات من القطاع الخاص بقبول خفض 50 بالمئة في إطار برنامج لتجاوز أزمتها المالية التي بدأت في 2009، لكن هذين البلدين نالا دعم صندوق النقد الدولي الذي سيرسل فريقا من خبرائه لبحث التحديات الاقتصادية مع السلطات وتقديم مشورة فنية واسعة النطاق، حسبما أكده الصندوق.
وقال نافذ صاووك محلل الأسواق الناشئة لدى أكسفورد إيكنوميكس “خفض القيمة 70 بالمئة، الذي يذكره البعض، يفترض أسوأ التصورات على الإطلاق – تعثر غير منظم في السداد دون تدخل من صندوق النقد.. لكن بمجرد شروعك في وضع أي شيء آخر يمكن أن يحدث مثل مساعدة فنية بمساندة موثوقة أو برنامج من صندوق النقد مدته ثلاث سنوات، فإن قيمة الاسترداد تبدأ في الزيادة”.
انكشاف القطاع المصرفي
يحذر جولدمان ساكس من أن العلاقة التكافلية بين الحكومة والقطاع المصرفي تعقد أي مسعى لبلوغ قيمة استرداد واقعية، فبعد سنوات من ضخه رؤوس الأموال إلى البنك المركزي عبر استثمارات اللبنانيين في الخارج، وصل انكشاف القطاع المصرفي على الدين الحكومي نحو مثلي قاعدة رأس المال لديه، ويرى كارلوس عبادي القائم بأعمال العضو المنتدب في جي.إس.إيه الفرنسية للاستشارات السيادية أن الطريقة الوحيد لحل المشكلة قد تتمثل في التعامل مع الدين الحكومي بمعزل عن دين البنك المركزي.
وقال “إذا نحوا البنك المركزي جانبا وتعاملوا مع ذلك بشكل منفصل على الجانب السيادي، فهناك فرصة لإعادة هيكلة يقبلها الدائنون ستكون بين 60 و65 سنتا لكن يجب أن تكون هناك خطة مالية وإصلاح، بما في ذلك لقطاعي الاتصالات والكهرباء لتخليص الميزانية من خسائر فادحة وجلب دولارات جديدة” وأشار إلى أنه في حالة تبني ذلك الخيار، فربما تكون قيم الاسترداد متماشية عموما مع الأرجنتين، فبعد تعثرها في سداد ديونها في 2001، تسعى الأرجنتين، التي يعصف بها الاضطراب المالي مجددا، إلى إعادة هيكلة دين بحوالي 100 مليار دولار وحددت لنفسها 31 مارس آذار موعدا للانتهاء من إعادة تنظيم قروض صندوق النقد الدولي ثم السندات المملوكة ملكية خاصة.
سبيل لبنان الوحيد للخروج من الأزمة
قال خبراء اقتصاديون ودبلوماسيون وسياسيون إنه يتعين على حكومة لبنان التغلب على مخاوفها والتوصل إلى اتفاق إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، وإلا فستواجه خطر انهيار اقتصادي ومزيدا من الاضطرابات، وفي أحاديثهم غير العلنية، يقر بعض مسؤولي الحكومة بأن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي هي الحل الأكثر منطقية لأزمة لبنان الاقتصادية، وذلك بحسب مصدر على دراية بالمناقشات الجارية.
لكن لتنفيذ برنامج إنقاذ مثل هذا، سيكون على الحكومة الجديدة التغلب على اعتراضات من حزب الله، وصانع القرار القوي في حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، وحلفائه من المسيحيين والشيعة، الذين يساورهم القلق حيال الإجراءات التقشفية التي ستنطوي عليها خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وبينما تستمر أزمة لبنان المالية وتتضاءل الإيرادات الحكومية، ترتفع فاتورة إنقاذ البلاد ويشير تقدير وزير الاقتصاد السابق ونائب حاكم المصرف المركزي سابقا ناصر سعيدي إلى أن الاقتصاد سيحتاج 30 مليار دولار و25 مليار دولار إضافية لإعادة رسملة النظام المصرفي.
وقال سعيدي “لبنان بحاجة إلى سيولة خارجية ليس فقط من أجل ميزان المدفوعات، وإنما أيضا للحكومة … لذا فإن الحزمة الخارجية وبرنامج الإصلاح من صندوق النقد الدولي، الذي يأتي مع جميع الإصلاحات المرتبطة به والتي نحتاجها، في غاية الضرورة” يقترب موعد سداد سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار تستحق في التاسع من مارس آذار ويقول اقتصاديون ومحللون إنه على الرغم من أن لبنان من المتوقع بشكل كبير أن يعيد هيكلة ديونه المقومة بالنقد الأجنبي، فإن من المستبعد أن يكون ذلك كافيا للتعامل مع عبء الديون بالكامل.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى وصول دين لبنان العام إلى 155 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2019، وهو أحد أكبر أعباء الديون في العالمن ومن شأن أي خطوة لإعادة الهيكلة أن تزيد الضغوط على البنوك المحلية، والتي باتت بعد سنوات من تحويل ودائعها إلى الدولة منكشفة على الدين السيادي اللبناني الذي يبلغ تقريبا مثلي قاعدة رأسمالها، وقد تبحث الحكومة إجبار المودعين على تحمل خسائر كطريقة أخرى لتخفيف العبء لكن النظام المصرفي اللبناني مبني على اجتذاب ودائع من الخارج، والاستيلاء على مثل تلك السيولة سيجعل الأمر أكثر صعوبة على لبنان لجذب عملة صعبة في المستقبل.
وتشهد البنوك بالفعل انخفاضا في الودائع على الرغم من الفرض الفعلي لقيود على رؤوس الأموال للمدخرين العاديين، والحاجة الملحة إلى إعادة ملء ميزانياتها العمومية، وعين لبنان بنك الاستثمار الأمريكي لازارد ومكتب المحاماة كليري جوتليب ستين اند هاملتون لتقديم المشورة، لكن مع ارتفاع التضخم إلى 30 بالمئة وانخفاض قيمة العملة بنسبة 40 بالمئة منذ أكتوبر تشرين الأول وزيادة عدد العاطلين بشكل يومي، يقول محللون إن السبيل الوحيد للحصول على عشرات المليارات من الدولارات التي يحتاجها لبنان حاليا هو اتفاق كامل مع صندوق النقد الدولي.
وقال توفيق غاسبار وهو خبير اقتصادي سابق للحكومة والمصرف المركزي ”صندوق النقد الدولي يفتح أبواب المساعدة الدولية. لا مفر من برنامج من الصندوق، “من المرجح أن يوافق حزب الله في نهاية المطاف على خطة صندوق النقد الدولي لأنه ليس لديه خيار آخر. سيكون البديل أزمة سياسية واقتصادية خطيرة”، وقالت الحكومة إنها تعكف على خطتها الخاصة للإنقاذ دون اللجوء إلى برنامج من صندوق النقد الدولي وإنها تسعى فقط إلى مساعدة فنية من الصندوق، وقال مسؤول بارز بحزب الله إن الشروط التي تفرضها أي خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي ستشعل اضطرابات اجتماعية.
وقال النائب المنتمي لحزب الله حسن فضل الله “الموقف ليس من الصندوق كمؤسسة مالية دولية، بل من الشروط المعروضة على لبنان لأنها تؤدي إلى ثورة شعبية”، موقفنا هو رفض الشروط التي يتضمنها برنامج صندوق النقد الدولي سواء جاءت منه أو من أي جهة أخرى، وامتنع صندوق النقد عن التعقيب، لكنه أشار إلى بيان من عندما قال إن خبراءه أجروا على مدى خمسة أيام محادثات “قيًمة ومثمرة” مع السلطات اللبنانية، وإنه على أهبة الاستعداد لإسداء المزيد من المشورة الفنية في ظل صياغة الحكومة اللبنانية خططها للإصلاح الاقتصادي، وامتنع كليري جوتليب ستين اند هاملتون عن التعقيب ولم يتسن بعد التواصل مع لازارد للحصول على تعليق.
رابط المصدر: