لبنان بعد نصرالله… عودة الأسد؟

قبل فترة عقد إجتماع قيادي في دمشق بناء على تشجيع دول عربية وازنة، لبحث السيناريوهات الممكنة لعودة سوريا للعب دور أكبر في لبنان بعد نحو عقدين من خروج قواتها غداة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005.

الحاضر–الغائب في ذاك الاجتماع السوري، كان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله. وهو حليف، بل حليف قوي، وورث دور دمشق في لبنان… وفي سوريا. ما لم يُقل في الاجتماع إن نصرالله يمثل “عقبة” أمام تصاعد الدور السوري في لبنان، وما لم يكن ممكنا وضعه ضمن السيناريوهات السورية، أن إسرائيل ستزيح نصرالله من المشهد.

أسئلة كثيرة تطرح الآن، بينها: هل يؤدي غياب نصرالله إلى إضعاف دور “المرشد” علي خامنئي في لبنان وتمهيد الطريق، على المدى المتوسط والبعيد، لعودة نفوذ الرئيس بشار الأسد إلى لبنان؟

إسرائيل حددت أهدافها العملياتية في لبنان، وهي: ضرب الهيكل القيادي لـ”حزب الله” بعد “قطع رأسه”، تدمير شبكة الاتصالات وسلسلة التواصل، تفجير مخازن الصواريخ ومنصاتها ومصانعها، وضرب خطوط الإمداد من البحر أو من سوريا. يضاف إلى ذلك، تجهيز الأرضية لاحتمال توغل بري جزئي لتنفيذ هدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو إعادة حوالي 60 ألف نازح إلى شمال إسرائيل وإقامة منطقة آمنة خالية من “حزب الله” وصواريخه.

هذا السيناريو يشبه حرب غزة التي بدأت عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بإقامة منطقة آمنة شمال القطاع لإعادة النازحين الإسرائيليين، لكنها تدحرجت أرضا وجوا وتدميرا ولا تزال مستمرة مع ذكراها السنوية الأولى. وهذا السيناريو يشبه أيضا، العملية العسكرية في 1982، التي بدأت بهدف إقامة شريط أمني وانتهت باجتياح وصل إلى بيروت وتخوم الحدود السورية وصولا لإخراج رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات مع سلاحه الثقيل من لبنان إلى تونس، بصفقات ساهمت فيها دمشق.

 

الواضح أن الأسد يضع نفسه في موقع الإفادة مما يحصل في لبنان “الحديقة الخلفية” لسوريا والإقليم

 

 

كل المؤشرات تدل على أن التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان سيتدحرج في الأسابيع والأشهر المقبلة بدعم مالي وعسكري واستخباراتي أميركي، في وقت ستنشغل فيه أميركا بانتخاباتها في نوفمبر/تشرين الثاني ثم في فترة انتقالية صعبة إلى حين تسلم الرئيس/ة الجديد/ة بداية العام وتشكيل إدارته/ا في الربيع.

الواضح أن الأسد يضع نفسه في موقع الإفادة مما يحصل في الإقليم وفي لبنان، “الحديقة الخلفية” لسوريا_. فقد كان واضحا أنه قرر الحياد في حرب غزة. ولم يقدم أي نوع من أنواع الدعم العسكري، بل حتى البيانات الداعمة لـ”حماس” كانت خجولة. كما أن قواته لم تساهم في حملة وكلاء طهران للانتقام من قتل إسرائيل لقياديين في “الحرس” بقصف قنصلية إيران في دمشق (أبريل/نيسان الماضي). يضاف إلى ذلك، أن الجيش السوري لم يشتبك جديا في أي من الغارات التي استهدفت “ممتلكات إيران” في سوريا.

 

من المفارقات أن “حزب الله” ركز في فيديو وزعه لنعي القيادي إبراهيم عقيل على مشاركته في المعارك في ريف دمشق وإدلب وحمص، وكأنه يعاتب الأسد على تخليه عنه في وقت الشدة

 

 

أما بالنسبة إلى المواجهة المضبوطة التي كانت دائرة بين إسرائيل و”حزب الله” في السنة الأخيرة، فقد كان واضحا أن الدور السوري فيها مختلف عما كان في حرب 2006. قبل 18 سنة، حين انخرطت القوات السورية سرا وعلنا في دعم “حزب الله” ومد جسر الإمداد الإيراني. أما الآن، فإن الدعم السوري لا يتجاوز البيانات والخطابات ورسائل التعزية، وكان آخرها رسالة الأسد إلى “المقاومة الوطنية اللبنانية” و”عائلة الشهيد حسن نصرالله”، التي جاءت في اليوم الثالث لإعلان وفاته. وأشار فيها إلى أن نصرالله “سيبقى في ذاكرة السوريين وفاء لوقوفه على رأس المقاومة الوطنية اللبنانية إلى جانب سوريا في حربها ضد أدوات الصهيونية رغم أعباء المواجهة التي كان يحملها”.

كان الأسد يشير إلى مشاركة “حزب الله” وإيران مع قواته في قتال فصائل معارضة بعد 2011، وهي المشاركة التي ساهمت في “إنقاذ النظام” قبل التدخل الروسي في مثل هذه الأيام قبل تسع سنوات. ومن المفارقات أن “حزب الله” نفسه ذكّر الأسد بهذا الدعم، ذلك أنه ركز في الفيديو الذي وزعه لنعي القيادي إبراهيم عقيل بعد اغتياله على يد إسرائيل، على مشاركته في المعارك بريف دمشق وإدلب وحمص، وكأن “الحزب” أراد في ذلك أن يعاتب دمشق على تخليها عنه في وقت الشدة. والمفارقة الأكبر، أن إسرائيل تمكنت من اغتيال نصرالله بعد اختراقها لـ “الحزب” خلال عقد من انتشاره العسكري الواسع في سوريا… دفاعا عن حليفه.

 

أي إضعاف لـ”حزب الله” في لبنان هو إضعاف لدور إيران فيها، ولا شك أن سوريا تطمح في ملء الفراغ واستعادة دورها

 

 

وبعيدا عن بيانات التضامن وإعلان الحداد الرسمي على نصرالله والإدانة لإسرائيل، فإن المؤشرات توحي بأن “الحزب” سيكون مشغولا بنفسه وحربه، ما يعني تراجع دوره ونفوذه في دمشق وأطرافها. غارات إسرائيل في سوريا، كانت تلاحق “حزب الله” في كل مكان، وغاراتها في لبنان ستنهكه لفترة طويلة. وأي إضعاف لـ”حزب الله” في لبنان هو إضعاف لدور إيران فيها، ولا شك أن أطرافا أخرى ستملأ هذا الفراغ وأن سوريا تريد أن تكون طامحة لاستعادة نفوذها أو بعضه. لذلك، لا غرابة أن يكون إنقاذ هيكلية “الحزب” أولوية لخامنئي حاليا، مع تذكير بالترسانة الهائلة لـ “الحزب” في الأنفاق اللبنانية، التي باتت تحت رعاية “الظل الإيراني” لنصر الله، هاشم صفي الدين.

إن وضع سوريا الحالي معاكس تماما داخليا وخارجيا لما كانت عليه قبل عقدين، فهي مقسمة لثلاث دويلات وتعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية والانقسامات المجتمعية. وتحولت في السنوات الأخيرة إلى “صندوق بريد” وباتت ملعبا لصراعات الآخرين. دورها السابق في لبنان كان ضمن تفاهمات إقليمية ودولية وهي الآن في ثلاجة العزلة الدولية وتحت سيف العقوبات الغربية.

 

هل يعود نفوذ الأسد إلى لبنان بسلاح الجغرافيا والحاجة العربية لدور سوري يوازن الدور الإيراني؟

 

 

لقد كان دعم الأسد لـ”حزب الله” في 2006 وسيلة لفك العزلة. حاليا، تشجع دول عربية الأسد على أن يكون تخليه عن “الحزب” وابتعاده عن “محور الممانعة” بوابة لفتح شقوق في جدار العزلة ولو تدريجيا.

عندما خرج الجيش السوري من لبنان في أبريل/نيسان 2005، نظم نصرالله في بيروت “مسيرة الوفاء لسوريا”، لكنه ورث دورها في لبنان وأسهم في “إنقاذ نظامها” في دمشق بعد 2011. الآن، بعد اغتيال قيادات “حزب الله”، بعث الأسد إلى المقاومة “رسالة وفاء لنصرالله”. هل يعود نفوذ الأسد إلى لبنان بسلاح الجغرافيا والحاجة العربية لدور سوري يوازن الدور الإيراني؟

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M