مصطفى ملا هذال
العراقيون محظوظون في هذا الأسبوع بالتحديد، لسماعهم نبأين لهما علاقة وثيقة بحياتهم، الأول هو نشر قانون الموازنة العامة في جريدة الوقائع العراقية، بعد جدال كبير استمر لعدة شهور بين الكتل السياسية وانتهت الى التوافق عليها، دون مراعاة مصلحة المواطنين.
اما النبأ الثاني والذي ربما اسعد الملايين كثيرا وهو القاء القبض على أحد رموز الفساد في الحكومة العراقية، جمال ولؤي الكربولي، وبانتظار رفع الحصانة عن النائب محمد الكربولي، المسؤولين عن ملفات ضخمة تتعلق بوزارة الصناعة والكهرباء التي باتت شغل المواطنين الشاغل ولما يقرب العقدين من الزمن.
ما شهدته بغداد من اعتقالات لمتهمين تابعين لقوى حزبية، لها نفوذ واسع بالعملية السياسية، يبعث بشيء من الراحة لدى المواطنين الذين ينتظرون هذه اللحظة منذ سنين، لحظة إعلان القاء القبض على الشخصيات التي تسببت بخراب العراق ودمار بناه التحتية والمؤسساتية، اذ تمت الاعتقالات بشكل مبرمج من قبل لجنة مكافحة الفساد المشكلة من الكاظمي في تشرين الماضي.
وتشير الأرقام التي حصلت عليها وسائل اعلام الى ان نحو ستمائة شخصية سياسية وحزبية قيد الملاحقة، بعد ان اثبتت التحقيقات تورطهم في ملفات كبرى، ومن المرجح ان ترفع السرية عنها في وقت قريب جدا.
اما على صعيد ردود الأفعال الناتجة من هذه العلمية التي ظهرت في وقت حساس جدا، وقت تزدهر فيه مثل هذه الخطوات، لاسيما وان موعد الانتخابات اخذ يقترب وأعلنت المفوضية العليا عن اجراءها في موعدها المحدد، حيث كان التناقض حاضرا كما في كل مرة، بينما رحبت بعض الأطراف بحذر، اما أطراف أخرى رأت في الاعتقالات تأتي مقدمة لاستثمار سياسي، ولأغراض تسقيطية، قبل بدء عجلات الحملات الدعائية بالدوران، استباقا للحدث الانتخابي المرتقب في تشرين الأول المقبل.
التحركات الحكومية الأخيرة، واجهتها جهات مشاركة وفاعلة بالعملية السياسية، لا تريد لها الاستمرار، فهي تعتقد ان الحملة ستجرف الأخضر واليابس، وبالتأكيد ستشملها الملاحقة إذا استمرت بنفس الوتيرة، فالجميع يرتقب ان يأتي دوره، وتبقى الأسئلة المتعلقة بهذه الموجة، هي مدى استمرارها ومدى فاعليتها، وهل ستطال شخصيات أكثر قوة في المرحلة المقبلة، اما انها ستكتفي بهذا القدر في الوقت الحالي؟
حكومة الكاظمي ومنذ مجيئها وعدت بتجفيف منابع الفساد وبناء دولة المؤسسات التي ينشدها جميع العراقيين، وفي حال عدم التنفيذ يجعلها، محل تشكيك، اذ يشكل هذا الحدث اختبارا لقدراتها، فهل هي قادرة على تخطي العقبات والوصول الى الحيتان النائمة في بحر الفساد والأزمات؟، سؤال ستجيب عليه الأيام القليلة القادمة.
يمكن ان تفسر هذه الخطوة او تدلل على ذكاء الحكومة الحالية، فالكاظمي وبالتنسيق مع رئيس مجلس النواب استخدم هذه الصلاحية، لإضعاف البيت السني، وعدم تشكيل قوة منافسة له في الانتخابات القادمة، والبديل عن ذلك هو خلق أصدقاء مقربين يمكن ان يتحالف معهم في حال صعوده بالمرحلة القادمة، والحصول على تأييدهم دون معاناة.
ثقافة الفساد من الثقافات الشائعة بالمجتمع العراقي، فعندما يتطلب منك انجاز معاملة معينة، كثير ممن يقابلوك يعطوك النصيحة بــ(دهن السير)، أي إعطاء الموظف المسؤول عن القضية المراجع من اجلها مبلغ معين لكسب الراحة والوقت في الإنجاز، وهكذا الحال بالنسبة لأغلب دوائر الدولة، وهذه الممارسات جعلت من الفساد حالة طبيعية لدى العامة، ولا يخرج الافراد منتفضين لإيقافه.
من الملاحظات التي تم تشخيصها بهذا الخصوص هي، صعوبة الوصول الى الأدلة التي تدين الشخصيات الملاحَقة، فالمعلومات والأوراق الضرورية تستحوذ عليها الأحزاب المسيطرة على الدفة، وبذلك تكون هذه الخطوة مجرد خطوة استعراضية، ولا تمكن الجهات المُحاسبة من التقدم الى الامام.
لكن ومع ذلك فان الكاظمي يعتمد في تحقيق جزء من خطته على التأييد الشعبي الذي يقف الى جانب جميع المنادين بهذا الاتجاه، فمن الممكن استثمار السخط الجماهيري وكسب الدعم الواسع، فهي بذلك التقدم تقول للجماهير انها فعلت شيئا، وعملت الكثير أكثر مما قامت به الحكومات السابقة.
وتبقى الكتل السنية غير راضية عن الاجراء، وتطالب بأن تكون الكفة متعادلة، وفق مبدأ “منا امير ومنكم امير”، أي شخصية من المكون السني، يقابلها أخرى من المكون الشيعي، لا سيما وان الأحزاب الشيعية تسنمت مناصب حساسة واستأزرت أكثر الوزارات تعاملا مع الأموال، وفيها هٌدر مليارات لا تعد ولا تحصى على مدى السنوات الماضية، خصوصا في المشروعات الخدمية بظل الموازنات الانفجارية قبل الوصول لمرحلة التقشف الوهمي.
الوصول الى المريخ قد يكون أسهل بكثير من الوصول الى الرؤوس الفاسدة، كون المهمة الأولى لها قواعدها وعلومها وخطواتها التي تقود براكب الفضاء الى حيث ينوي، اما مسألة الفساد المتجذر بالمؤسسات الحكومية العراقية، من الصعب جدا الوصول الى آلية مفيدة سريعة للقضاء عليه، وليس الخلل في قوة آفة الفساد، بل لعدم وجود النية الحقيقية لكشف ما يدور خلف الكواليس، وكذلك السبب الرئيس في ذلك هو انهم جميعا شركاء بنسب متفاوتة.
رابط المصدر: