بينما يحتدم الصراع الجاري على الأراضي الأوكرانية على إثر العملية العسكرية الروسية التي بدأت في 24 فبراير من العام الجاري؛ تستعد روسيا لبدء مناورات عسكرية متعددة الأطراف والمعروفة باسم “فيستوك 2022” مع الدول الصديقة، وذلك خلال الفترة من 1 إلى 7 سبتمبر المقبل. وبينما أعلنت عدة جيوش عن مشاركتها في المناورات، إلا أن مشاركة الصين أمر يدعو للاهتمام؛ خاصة بعد إعلان وزارة الدفاع الصينية يوم 19 أغسطس 2022 أن بكين سترسل قوات إلى روسيا للمشاركة في المناورات العسكرية التي تقودها موسكو في شرقي البلاد، إضافة إلى قوات من كل من الهند ومنغوليا وطاجيكستان.
ووفقًا لوزارة الدفاع الصينية، فإن مُشاركة بكين في تلك المناورات تأتي في إطار اتفاقية تعاون ثنائي مع روسيا، وأوضحت أن هدف المناورات يتمثل في تعزيز التعاون مع جيوش الدول المُشاركة، وتنمية القدرة على الاستجابة للتهديدات الأمنية المختلفة. وكانت المرة الأولى التي شاركت فيها الصين في مناورات “فوستوك” الروسية في عام 2018، عندما أرسلت بكين نحو 3200 جندي و1000 سلاح و30 طائرة هليكوبتر.
وفي الوقت الذي ترى فيه روسيا مناورات “فوستوك 2022” من الأحداث الرئيسة في التدريبات السنوية التي تُجريها القوات المُسلحة الروسية؛ لاختبار مدى استعدادها لحرب واسعة ضد أي خصم متطور تقنيًا في صراع مُتعدد الاتجاهات وعلى رقعة واسعة من الأراضي، تأتي مناورات هذا العام في وقت حساس؛ إذ تواجه موسكو وبكين رد فعل عنيف من الولايات المتحدة وحلفائها بسبب أنشطتهما العسكرية، وبالتحديد عقب المناورات الصينية العسكرية واسعة النطاق بالقرب من تايوان والتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
ووفقًا لما أُعلن من قِبل روسيا، فإن مناورات “فوستوك 2022” ستضم أكثر من 50000 جندي وأكثر من 5000 من الأسلحة والمعدات العسكرية، و140 طائرة و60 سفينة قتالية وزوارق حربية وسفن دعم. وستشمل الوحدة العسكرية الروسية في التدريبات مراكز قيادة عسكرية، وقوات المنطقة العسكرية الشرقية، ووحدات محمولة جوًا، وطائرات نقل بعيدة المدى، وطائرات نقل عسكرية.
دلالات التوقيت
تتزامن تلك التدريبات مع سعي روسيا إلى بسط نفوذها على الأراضي السوفيتية في محاولة لاستعراض القوة وتوجيه رسائل للعالم بأن نظامًا عالميًا جديدًا تتشكل أركانه بعيدًا عن هيمنة الغرب من قِبل عدد من الدول الحلفاء. وتتسع رقعة المناورات العسكرية هذه المرة، حيث تُجرى التدريبات في 13 ساحة تدريب في المنطقة العسكرية الشرقية في روسيا، وتُشارك فيها وحدات عسكرية من القوات الروسية المُتمركزة في شرق البلاد والتي لم يتم إرسالها إلى الداخل الأوكراني، وستنضم للتدريبات القوات الجوية والطيران بعيد المدى.
ويتزامن إعلان بكين المشاركة في المناورات بعد أسبوعين من إجراء الصين مناورات عسكرية غير مسبوقة حول تايوان، ردًا على الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي “نانسي بيلوسي” إلى الجزيرة، الأمر الذي ترفضه الإدارة الصينية؛ إذ تعد تايوان جزءًا من الأراضي الصينية، وترى إعادة توحيدها “مهمة تاريخية”، وفي هذا السياق تنظر لرحلات كبار المسؤولين الأجانب إلى “تايوان” على أنها رسالة دعم لاستقلال تايوان.
وستكون مناورات “فوستوك 2022” المزمع بدؤها في 1 سبتمبر ثاني مناورات مشتركة تجريها روسيا والصين هذا العام؛ ففي مايو، حلقت قاذفات من كلا البلدين بالقرب من اليابان وكوريا الجنوبية، مما أجبر البلدين الآسيويين على نشر مقاتلاتهما ردًا على ذلك. وتزامنت تلك المناورات التي استمرت 13 ساعة مع زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى طوكيو للقاء قادة الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة). وقبل عام، أجرت الصين وروسيا تدريبات مشتركة في شمال الصين، شارك فيها أكثر من 10 آلاف جندي.
استعراض القوة
على مدى السنوات الثماني الماضية وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم؛ عززت كل من موسكو وبكين من علاقاتهما، وبدا أن البلدين يتبنيان نهجًا جديدًا يُمثل رفضًا للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. ولأول مرة، أعلنت الصين معارضتها الصريحة لتوسع الناتو، وأعلنت روسيا معارضتها لـ “تحالف أوكوس”.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت موسكو أن “تايوان” جزء من الأراضي الصينية. وأوضح الرئيسان الروسي والصيني أن العلاقات بين حكومتيهما “لا حدود لها”، ورفضت الصين أن تنتقد علانية أو تؤيد التدخل العسكري الروسي لأوكرانيا. ذلك فضلًا عن اتسام العلاقات الروسية الصينية بالعمق والتعاون في العديد من المجالات السياسية والعسكرية وصولًا إلى التبادل الثقافي.
وفي هذا السياق، سُيرسل جيش التحرير الشعبي الصيني قواته للمشاركة في مناورة عسكرية بقيادة روسيا في رسالة لاستعراض القوة في خِضم التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة. ما يجعل من مناورات “فوستوك 2022” دلالة كبيرة على توثيق العلاقات الروسية الصينية. فضلًا عن سعيهما لضمان أمن بلديهما على خلفية الوضع العسكري السياسي غير المستقر في العالم، وتنسيق الجهود في مواجهة التحالفات الغربية.
ملاحظات عامة
أولاً: تُعد هذه المنارات هي الأولى من نوعية المناورات مُتعددة الأطراف التي يتم إجراؤها بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وتأتي كذلك ردًا على العقوبات الأمريكية والغربية على النظام الروسي. حيث يحاول الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” من خلال هذه المناورات إرسال رسالة إلى الغرب مفادها أنه لا يزال لبلاده القدرة الدبلوماسية للتعاون والتنسيق العسكري مع دول أخرى، ودحض ما حاولت الدوائر الغربية ترويجه حول العزلة التي نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها من البلدان الغربية في فرضها على روسيا، فحرصت موسكو على إضفاء الطابع الجماعي على مثل هذه المناورات الدورية، وذلك بمشاركة عسكريين من بيلاروسيا والهند وطاجكستان ومنغوليا والصين في هذه التدريبات الاستراتيجية.
ثانيًا: رغم إعلان وزارة الدفاع الصينية إن مشاركة جيش التحرير الشعبي الصيني في مناورات “فوستوك 2022” لا علاقة لها بالوضع الدولي والإقليمي الراهن سواء الحرب في أوكرانيا أو الوضع في تايوان، وأن الهدف منه هو تعزيز التنسيق الاستراتيجي وتقوية قدرات الجيش الصيني على مُجابهة التهديدات الأمنية المُختلفة في المنطقة، فضلًا عن تعزيز مستوى التنسيق الاستراتيجي بين جميع الأطراف المشاركة، وتعزيز القدرة على التعامل مع التهديدات الأمنية المختلفة؛ إلا أن الصين تريد إرسال رسالة ضمنية للولايات المتحدة الأمريكية بأنها على استعداد للدفاع عن مصالحها وأمنها القومي بشتى السُبل.
ثالثًا: أثارت مُشاركة الهند في تلك المناورات مع كل من الجيشين الروسي والصيني بعض التساؤلات حول موقف الهند التي تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكن يبدو أن الهند تحاول الحفاظ على خط وسط بين روسيا والولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال تقديم المساعدة الإنسانية لأوكرانيا حتى مع رفض وصف التدخل الروسي بأنه “غزو” للأراضي الأوكرانية. ويُمكن كذلك فهم موقف “نيودلهي” من المشاركة بحاجتها إلى التعاون مع القوى الكبرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقد شاركت الهند بشكل متكرر في مناورات عسكرية متعددة الأطراف في روسيا، بما في ذلك تمرين “زاباد 2021” (Zapad 2021) وقد تضمنت العديد من هذه التدريبات مشاركة قوات صينية وباكستانية.
في الأخير، يتمثل الهدف من تلك المناورات في تدريب قوات الدول المُشاركة على الأسلحة والمعدات الحديثة وزيادة قُدرات قوات الدول المُتحالفة لصد أي أعمال عدائية، مع سعي تلك الدول إلى التعامل المُشترك من أجل الحفاظ على السلام وحماية المصالح المُشتركة وضمان الأمن العسكري في المناطق المختلفة بما في ذلك المناطق البحرية، بما يضمن تقديم الدعم اللوجيستي الشامل، فضلًا عن إحكام عمليات السيطرة والقيادة على المجموعات القتالية في الحرب.
.
رابط المصدر: