تابع ملايين مقابلة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترمب، مع رجل الأعمال إيلون ماسك على منصة “إكس” في الثاني عشر من أغسطس/آب الجاري، في دعم واضح من ماسك للمرشح الجمهوري في الإنتخابات المقبلة. لكن كيف سدعم ماسك ترمب؟ وما انعكاسات ذلك على المنصة تلك؟
بدأت المقابلة متأخرة عن موعدها المحدد بنحو 45 دقيقة عزاها ماسك إلى هجوم الكتروني وهجوم ضخم لحجب الخدمة. واستمرت لنحو ساعتين من الحوار الودي بين الرجلين، خاصة بعدما أيد ماسك الرئيس السابق بشكل صريح في الثالث عشر من يوليو/تموز عقب محاولة الاغتيال الفاشلة. ووفقا لمنشور، حققت هذه المقابلة ما يقرب من مليار مشاهدة، بين مشاهدة وإعادة مشاهدة للمقابلة نفسها، ومشاهدة المنشورات الخاصة بها.
يعد هذا الدعم العلني من ماسك تحولا في سياسته، من دعم اليمين في الانتخابات بصورة غير مباشرة، عبر نشره أو إعادة نشره منشورات تدعم المرشح الجمهوري، إلى دعم صريح له، مما يثير تساؤلات حول استخدامه منصة “إكس” للترويج للرئيس السابق.
هذا التأييد المباشر يطرح العديد من الأسئلة: فكيف يمكن لماسك دعم ترمب من خلال منصة “إكس”؟ وهل سيلتف على السياسات الداخلية للمنصة لدعم مرشحه المفضل في الانتخابات؟ أم سيستمر في ما يفعله الآن من إعادة نشر لمنشورات تدعم سياسات ترمب، والاستفادة من حجم متابعيه الهائل الذي يصل إلى نحو 195 مليون متابع، أو متابعة قيادات “الحزب الجمهوري” والمقربين من ترمب على صفحاتهم على المنصة؟
انعكاسات دعم ماسك لترمب
قامت منصة “تويتر” سابقا قبل أن يشتريها رجل الأعمال إيلون ماسك ويغير اسمها إلى “إكس”، بتجميد حساب الرئيس السابق في التاسع من يناير/كانون الثاني 2021، على خلفية أحداث اقتحام مبنى الكونغرس الأميركي من قبل مناصري الأخير وما وصف بـ”خطر التحريض على العنف الذي تنطوي عليه تغريدات ترمب”.
رويترز
دونالد ترمب أثناء مشاركته في مقابلة مع إيلون ماسك على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”
لكن، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وبعدما اشترى ماسك تلك المنصة المهمة، أعاد حساب ترمب إلى وضعه السابق، بعد إجراء استطلاع رأي أيد فيه المستخدمون هذه الخطوة بفارق ضئيل عن معارضي هذا القرار، غير أن ترمب لم يكن نشطا ولم ينشر على هذا الحساب لأنه كان يشعر بأن إدارة الموقع ضده شخصيا وضد سياساته.
تابع ماسك عددا من الشخصيات البارزة في “الحزب الجمهوري” كالسيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو والمرشح لمنصب نائب الرئيس عن الحزب السيناتور جي دي فانس
كذلك، تعرضت حسابات ترمب على “فيسبوك” و”يوتيوب” و”إنستغرام” للتجميد بسبب أعمال الشغب عقب الانتخابات الأميركية. ولكن مع مرور الوقت، أعلنت “ميتا”، الشركة الأم لـ”فيسبوك” و”إنستغرام”، إعادة العمل بحسابات ترمب في عام 2023، مع وضع قيود لمراقبة نشاطه على حساباته. وبعدها أعلنت “ميتا” رفع هذه القيود في شهر يوليو/تموز من العام الحالي.
هذه العراقيل والقيود التي واجهها ترمب خلال الأعوام الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي تغيرت مع شراء ماسك منصة “إكس” وجعلها منصة داعمة بشكل كبير للأفكار اليمينية المحافظة التي تتماشى بنسبة كبيرة مع سياسات الرئيس ترمب. لكن هذه التغييرات لم تكن مشجعة بالدرجة الكافية للرئيس الجمهوري السابق لكي يعود إلى منصة “إكس”، حيث كان مركزا على منصة “تروث سوشيال” التابعة لشركته المتخصصة في الإعلام والتكنولوجيا، التي يملك نسبة 60% من أسهمها.
إيه ب أي
شخص يحاول الوصول إلى المنصة لمشاهدة اللقاء بين ترمب وماسك
وبموجب اتفاق مع الشركة، فإن ترمب ملزم النشر على منصة “تروث سوشيال” قبل أي منصة أخرى، مع وجود استثناءات تتعلق بالحملات الانتخابية. على الرغم من أن عدد متابعيه على منصة “إكس” سيتعدى 89 مليون شخص، مقارنة بنحو 8 ملايين شخص على “تروث سوشيال”، إلا أن المنصة الأخيرة كانت الملجأ له في الأعوام الماضية خاصة بعد استبعاده من منصة “تويتر”.
كان نشاط ماسك على صفحته الخاصة ومنشوراته التي تغازل اليمين السياسي عموما، وترمب كمرشح لـ”الحزب الجمهوري” خصوصا، تحت مجهر المحللين باعتبارها دعما وتأييدا في الانتخابات الرئاسية الأميركية. كل هذا الدعم غير المباشر تحول إلى تأييد رسمي بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها ترمب في الشهر الماضي أثناء مؤتمر انتخابي له في ولاية بنسلفانيا، ذلك الإعلان حصل على نحو 2.5 مليون إعجاب على صفحته على المنصة.
ولذلك التأييد انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على منصة “إكس”. فماسك يستغل عدد المتابعين الهائل لصفحته على هذه المنصة لخدمة ترمب بعدما أعاد نشر تغريدات تؤيد في كثير من الأحيان ما يؤمن به الرئيس السابق.
على سبيل المثل، تلك الدعاوى التي تقول بأن الانتخابات الأميركية مزورة وتلك التي تزعم إتاحة التصويت لغير المواطنين الأميركيين في الانتخابات الأميركية. علما أن هذا التوجه يخدم حملة ترمب ويتطابق مع وجهة نظره.
يؤمن ماسك بأن حرية التعبير تضمن بيئة مناسبة لنشر المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة، ويترك الأمر للمجتمع لفرز الأخبار وتنقية الصحيح من غير الصحيح
بالإضافة إلى ذلك، تابع ماسك عددا من الشخصيات البارزة في “الحزب الجمهوري” كالسيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو والمرشح لمنصب نائب الرئيس عن الحزب السيناتور جي دي فانس.
أثر تأييد ماسك لترمب مباشرة على منصة “إكس”، فهو لا يعتبر مالك المنصة فحسب، بل أيضا أحد أكبر الشخصيات من حيث عدد المتابعين، مما يتيح له القيام بأعمال الدعاية الانتخابية عبرها.
واستغلت حملة الرئيس الجمهوري السابق والمرشح الحالي، اللقاء الودي بين ماسك وترمب لجمع الأموال والتبرعات والترويج للحملة، كما قدمت منصة “إكس” الفرصة لحملة التبرعات بإرسال إشعارات الى ملايين المستخدمين لتشجيعهم على التبرع.
على النقيض، أغلقت منصة “إكس” حساب “White Dudes for Harris” وهو لمجموعة من الرجال البيض يدعمون نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ويجمعون التبرعات لحملتها، الأمر الذي يثير الشكوك حول توجهات المنصة في دعم حرية التعبير التي كان ماسك دائما مؤيدا لها.
أيضا شارك الملياردير الأميركي مقطع فيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي يظهر هاريس تقول أشياء لم تقلها في الواقع، دون تفعيل خاصية التحقق من الحقائق التي تساعد المستخدمين في التحقق من الأخبار. هذا الفعل يتناقض مع سياسة شركة “إكس”، إذ تطالب الشركة المستخدمين بالتحقق من المنشورات قبل مشاركتها، خاصة تلك المتعلقة بالانتخابات، وكيفية المشاركة فيها، أو أي ادعاءات مضللة تتسبب في إرباك حول القوانين والإجراءات، أو تصرفات المسؤولين أو الجهات المسؤولة.
في الوقت نفسه، تنص سياسة المنصة على أن نشر معلومات غير دقيقة حول مسؤول منتخب، أو معين، أو مرشح أو حزب سياسي، لا يتنافى مع السياسة الداخلية للمنصة، حيث تعتبر هذه الأفعال ضمن حرية التعبير التي يدعمها ماسك بشكل ملحوظ.
تركز سياسة منصة “إكس” على عدم نشر معلومات مغلوطة وغير دقيقة حول قوانين الانتخابات وكيفية المشاركة فيها، بينما تفتح المجال أمام نشر معلومات غير دقيقة عن المرشحين، إيمانا بأن ذلك يندرج تحت حرية التعبير، وهو ما يركز عليه ماسك في نشر مقاطع مصورة عن كامالا هاريس دون انتهاك السياسة الداخلية للمنصة.
بينما يؤمن ماسك بأن حرية التعبير تضمن بيئة مناسبة لنشر المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة، ويترك الأمر للمجتمع لفرز الأخبار وتنقية الصحيح من غير الصحيح. هذا النهج الذي تتبعه “إكس” ينتقده البعض باعتبارها منصة للأخبار الكاذبة والمضللة، بينما يبرره ماسك بأنها المنصة الوحيدة التي تنشر الأخبار الصحيحة بعيدا من التحيز الموجود في المنصات الإعلامية التقليدية التي طالما انتقدها ترمب وماسك معا باعتبارها محطات للأخبار الكاذبة.
رويترز
موقع “سبيس” الخاص بترمب ظاهرا في لقطة لشاشة من شبكة “إكس” للتواصل الاجتماعي، حين كان ماسك يجري مقابلة معه
شهدت العلاقة بين إيلون ماسك ودونالد ترمب تغيرات ملحوظة عبر السنين، حيث تبادلا الانتقادات سابقا، إلا أن محادثتهما الأخيرة كانت ودية. أشاد ترمب بشركة “تسلا” رغم شكوكه السابقة حول السيارات الكهربائية. تناولت محادثتهما قضايا عديدة، منها محاولة الاغتيال، ورغبة الرئيس السابق في تعزيز الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة، والهجرة. كما تحدث ترمب عن نيته إغلاق وزارة التعليم الفيديرالية إذا فاز في الانتخابات، وانتقد بايدن لانسحابه من السباق الرئاسي.
اللقاء الودي… حديث الفضائيات التقليدية
وبينما تستعد الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تزداد أهمية اللقاءات الصحافية والتلفزيونية مع المرشحين للكشف عن أجنداتهم الانتخابية ومخاطبة الناخبين بشكل أوسع. لكن اللقاء الذي جمع ترمب وماسك على منصة “إكس”، والذي وصفه الأخير بأنه دردشة ودية، يختلف عن مفاهيم اللقاءات التقليدية التي تعقدها المحطات الفضائية مع المرشحين قبيل الانتخابات. حيث انتهز ماسك هذا اللقاء للترويج بأن منصة “إكس” هي الوحيدة للأخبار السياسية البعيدة من التحيز الموجود في الإعلام التقليدي.
كان هذا اللقاء عبارة عن دردشة استمرت نحو ساعتين بعيدا من الممارسات الصحافية والإعلامية التقليدية. حيث لم يكن هناك أي قيود، ولم يتقمص ماسك دور الصحافي أو الإعلامي الذي يطرح أسئلة دقيقة لمناقشة الأجندة السياسية لترمب، بما في ذلك الأسئلة المعارضة.
كان ماسك متوافقا مع ترمب بشكل شبه كامل خلال الحديث. تكمن أهمية هذا اللقاء في تقريب شخصية الرئيس السابق الى الناخبين المتأرجحين على المنصة، والذين يصل عددهم إلى نحو 34 مليونا. كما أن هذا التواصل غير التقليدي مع أحد المرشحين للانتخابات الأميركية يقرّب ترمب من رواد المنصة بعيدا من قيود وبروتوكولات المناظرات واللقاءات التلفزيونية.
كما كشف هذا اللقاء عن خطط حملة ترمب في التواصل مع الناخبين بطرق جديدة وغير تقليدية، مثل المشاركة في “بودكاست” يختلف شكله عن أشكال الدعاية التقليدية، وهو منحى يبرز محاولة ترمب الابتعاد عن القنوات الفضائية التقليدية التي اتهمها ولا يزال بالكذب والانحياز.
من ناحية أخرى، رصد المتابعون نحو 20 تصريحا للرئيس ترمب خلال هذه المناقشة بدون دليل. فقد شكك في شرعية ترشيح كامالا هاريس، في وقت يجد فيه صعوبة للتصدي للحماسة تجاهها والتي ارتفعت بعدما أعلنت ترشحها، كما اعتبر سحب بايدن لترشيحه لولاية ثانية بسبب المخاوف الصحية “انقلابا”، وسخر من تغير المناخ، زاعما أن ارتفاع مستوى المحيطات سيؤدي إلى “المزيد من الأملاك على الشاطئ”.
يعكس استغلال ماسك منصة “إكس” لجمع التبرعات لحملة ترمب تأثيره الكبير في توجيه الخطاب السياسي والإعلامي عبر المنصة، حيث أصبح من الواضح أنه يستخدمها ليس فقط كأداة للتواصل بل كوسيلة لتأثير سياسي مباشر
كما استغل ترمب المقابلة للإشادة بعلاقاته مع قادة مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني وزعيم كوريا الشمالية، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستكون أكثر أمانا في حال عودته إلى الرئاسة. وأشار إلى خطته لبناء “قبة حديدية” على غرار نظام الدفاع الإسرائيلي. رد ماسك بأن الناس قد لا يدركون حجم أخطار نشوب حرب عالمية ثالثة، وأعرب عن رغبته في المشاركة في لجنة لضمان إنفاق أموال دافعي الضرائب بشكل نزيه في إدارة ترمب المقبلة. بدوره، دعم الرئيس السابق هذا الاحتمال وهنأ ماسك على خفض التكاليف في منصة “إكس”، قائلاً إنه “الأفضل في خفض التكاليف”.
هذه التصريحات غير الدقيقة أثارت جدالا كبيرا لدى المؤسسات التلفزيونية المعروفة التي هاجمها ترمب واتهمها بالتحيز وعدم الدقة.
تركزت معظم ادعاءات الرئيس الأميركي السابق على معدلات الجريمة والتضخم، وأشار إلى أن العديد من دول العالم، وفي مقدمها فنزويلا، أفرغت سجونها من المجرمين وأرسلتهم إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية، في إشارة إلى ملف الهجرة تحت إدارة بايدن وهاريس.
رويترز
ترمب وماسك في غرفة الإطلاق الرابعة بعد إطلاق صاروخ “سبيس إكس فالكون 9” ومركبة “كرو دراغون” الفضائية في مهمة “سبيس إكس ديمو-2” التابعة لوكالة “ناسا” إلى محطة الفضاء الدولية
أذاً، تأخذ أحداث اللقاء بين ترمب وماسك على منصة “إكس” طابعا خاصا في سياق التحولات السياسية والإعلامية الراهنة، حيث تكشف بوضوح عن التحولات في استراتيجيات التواصل والحملات الانتخابية. هذا اللقاء، الذي جاء بمثابة دعم علني من ماسك لترمب، يمثل تحولا كبيرا في سياسة الأول، من دعم غير مباشر لليمين إلى تأييد صريح للرئيس السابق، وهو ما يعكس اتجاها جديدا في كيفية استخدام المنصات الرقمية لدعم المرشحين.
يعكس استغلال ماسك المنصة لجمع التبرعات لحملة ترامب تأثيره الكبير في توجيه الخطاب السياسي والإعلامي عبرها، إذ أصبح من الواضح أنه يستخدمها ليس فقط كأداة للتواصل بل كوسيلة لتأثير سياسي مباشر. هذا الاستغلال للمنصة لتمويل الحملة يعزز دور “إكس” كأداة مركزية في الانتخابات الرئاسية، ويثير تساؤلات حول مدى حياديتها في تقديم محتوى سياسي متنوع دون تمييز.
المصدر : https://www.majalla.com/node/322035/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%AA%D9%83%D9%86%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A7/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%83-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D8%A5%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A5%D9%83%D8%B3